الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[رد الأشاعرة ومن وافقهم على المعتزلة والشيعة]
قَالَ هَؤُلَاءِ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ (1) : وَلَمَّا كَانَ هَذَا الدَّلِيلُ عُمْدَتَكُمْ، اسْتَطَالَ عَلَيْكُمُ الْفَلَاسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ، كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ مُنَافٍ فِي الْحَقِيقَةِ لِحُدُوثِ الْعَالَمِ لَا مُسْتَلْزِمَ لَهُ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ هَذَا الْحَادِثُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ حَادِثٍ، وَكَانَ هَذَا الدَّلِيلُ مُسْتَلْزِمًا لِحُدُوثِ الْحَادِثِ بِلَا سَبَبٍ، لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّهُ أَحْدَثَ شَيْئًا. فَإِذَا جَوَّزْنَا تَرْجِيحَ أَحَدِ طَرَفَيِ الْمُمْكِنِ بِلَا مُرَجِّحٍ، انْسَدَّ طَرِيقُ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ الَّذِي سَلَكْتُمُوهُ.
وَقَالُوا أَيْضًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ (2) : أَنْتُمْ مَعَ هَذَا عَلَّلْتُمْ (3) أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى بِعِلَلٍ حَادِثَةٍ. فَيُقَالُ لَكُمْ: هَلْ تُوجِبُونَ لِلْحَوَادِثِ سَبَبًا حَادِثًا أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ، لَزِمَ تَسَلْسُلُ الْحَوَادِثِ، وَبَطَلَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ.
وَإِنْ لَمْ تُوجِبُوا ذَلِكَ، قِيلَ لَكُمْ: وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهَا غَايَةٌ حَادِثَةٌ بَعْدَهَا، فَإِنَّ الْمَعْقُولَ أَنَّ الْفَاعِلَ الْمُحْدِثَ لَا بُدَّ لِفِعْلِهِ مِنْ سَبَبٍ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ غَايَةٍ. فَإِذَا قُلْتُمْ: لَا سَبَبَ لِإِحْدَاثِهِ. قِيلَ لَكُمْ: وَلَا غَايَةَ مَطْلُوبَةٌ لَهُ بِالْفِعْلِ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: لَا يُعْقَلُ فَاعِلٌ لَا يُرِيدُ حِكْمَةً إِلَّا وَهُوَ عَابِثٌ (4) . قِيلَ لَكُمْ: وَلَا نَعْقِلُ فَاعِلًا يُحْدِثُ شَيْئًا بِغَيْرِ سَبَبٍ حَادِثٍ أَصْلًا، بَلْ هَذَا أَشَدُّ امْتِنَاعًا فِي الْعَقْلِ مِنْ ذَاكَ، فَلِمَاذَا أَثْبَتُّمُ الْغَايَةَ وَنَفَيْتُمُ السَّبَبَ الْحَادِثَ؟ .
(1) ن: فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُعْتَزِلَةَ وَالشِّيعَةَ؛ ا، ب: قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالشِّيعَةُ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ، وَالْمَعْنَى: قَالَ هَؤُلَاءِ الْأَشَاعِرَةُ - وَمَنْ وَافَقَهُمْ - لِلْمُعْتَزِلَةِ. . إِلَخْ.
(2)
وَقَالُوا أَيْضًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ: كَذَا فِي النُّسَخِ الثَّلَاثِ، وَهُوَ يَتَّفِقُ مَعَ قِرَاءَتِنَا لِلْفِقْرَةِ السَّابِقَةِ.
(3)
ن: عَلِمْتُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
ا، ن: إِلَّا وَهُوَ غَائِبٌ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .
وَقِيلَ لَكُمْ (1) أَيْضًا: الَّذِي يُعْقَلُ مِنَ الْفَاعِلِ أَنْ يَفْعَلَ لِغَايَةٍ تَعُودُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا (2) فَاعِلٌ يَفْعَلُ لِغَايَةٍ تَعُودُ إِلَى غَيْرِهِ، فَهَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا قَوْلُ الشِّيعَةِ الْمُتَّبِعِينَ لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ يُقَالُ:[قَوْلُ](3) مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ يَفْعَلُ لِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ بِلَا عِلَّةٍ (4) ، خَيْرٌ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، فَإِنَّ هَذَا سَلِمَ (5) مِنَ التَّسَلْسُلِ، وَسَلِمَ مِنْ كَوْنِهِ يَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْهُ. وَالْمُعْتَزِلَةُ تُسَلِّمُ لَهُ (6) امْتِنَاعَ التَّسَلْسُلِ، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ هَذَا الْمُنْكِرِ عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالتَّعْلِيلِ مِنْ أَهْلِ [السُّنَّةِ] وَالْحَدِيثِ، [كَمَا تَقَدَّمَ] ، فَذَاكَ (7) سَلِمَ مِنْ هَذَا وَهَذَا، وَقَدْ كَتَبْتُ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيلِ مُصَنَّفًا (8) مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ لَمَّا سُئِلْتُ عَنْهَا (9) وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ أَقْوَالَ أَهْلِ السُّنَّةِ خَيْرٌ مِنْ أَقْوَالِ الشِّيعَةِ، وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ السُّنَّةِ ضَعِيفًا، فَقَوْلُ الشِّيعَةِ أَضْعَفُ مِنْهُ
(1) ن: الْحَادِثَ قِيلَ لَكُمْ.
(2)
ن: وَإِنَّمَا.
(3)
قَوْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(4)
وَهُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ وَمُتَّبِعِيهِ.
(5)
ا، ب: مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَهَذَا سَلِمَ. .
(6)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(7)
ن: مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَذَاكَ. .
(8)
ن: مَكْتُوبًا.
(9)
ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي: " أَسْمَاءِ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَةَ "، ص [0 - 9] 0، أَنَّ لِابْنِ تَيْمِيَةَ:" جَوَابٌ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْأَفْعَالِ "، نَحْوَ سِتِّينَ وَرَقَةً. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ مِنْ مَنَاقِبِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَحْمَدَ بْنِ تَيْمِيَةَ " ص 49، (ط. الْقَاهِرَةِ 1356/1938) وَسَمَّاهُ: قَاعِدَةً فِي تَعْلِيلِ الْأَفْعَالِ.