الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَأَخُّرٍ أَصْلًا لَا مَعَ الِاتِّصَالِ، وَلَا مَعَ الِانْفِصَالِ، كَمَا يَدَّعُونَهُ فِي فِعْلِ رَبِّ الْعَالَمِينَ خَالِقِ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكِهِ مِنْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ لَمْ تَزَلْ مَعَهُ مُقَارِنَةً لَهُ فِي الزَّمَانِ، زَمَانُ وُجُودِهَا هُوَ زَمَانُ وُجُودِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنَ الزَّمَانِ أَلْبَتَّةَ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ الْعِلْمِ عِلَّةً لِلْعَالِمِيَّةِ، فَهَذَا أَوَّلًا قَوْلُ مُثْبِتِيِ الْأَحْوَالِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى (1) ، وَقَبْلَهُمَا أَبُو هَاشِمٍ، وَجُمْهُورُ النُّظَّارِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْعَالِمِيَّةُ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَعَلَى قَوْلِ أُولَئِكَ فَلَا يَقُولُونَ إِنَّ الْعِلْمَ هُنَا عِلَّةٌ فَاعِلَةٌ لَا بِإِرَادَةٍ، وَلَا بِذَاتٍ، وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، بَلِ الْمَعْلُولُ عِنْدَهُمْ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُودِ فَقَطْ، وَمَعْنَى الْعِلَّةِ عِنْدَهُمُ الِاسْتِلْزَامُ، وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ.
[الْبُرْهَانُ التَّاسِعُ والرد عليه]
قَالَ الرَّازِيُّ:
(الْبُرْهَانُ التَّاسِعُ: هُوَ أَنَّ الشَّيْءَ حَالَ اعْتِبَارِ وَجُودِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْجُودٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ لِامْتِنَاعِ عَدَمِهِ مَعَ وُجُودِهِ (2) ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي حَالِ عَدَمِهِ وَاجِبُ الْعَدَمِ لِامْتِنَاعِ كَوْنِهِ مَوْجُودًا مَعْدُومًا (3) ، وَالْحُدُوثُ عِبَارَةٌ عَنْ تُرَتُّبِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، فَإِذَا كَانَتِ الْمَاهِيَّةُ. (4)[فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ](5)
(1) أ، ب: كَالْقَاضِيَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي يَعْلَى.
(2)
لِامْتِنَاعِ عَدَمِهِ مَعَ وُجُودِهِ: عِبَارَةُ الرَّازِيِّ فِي ش (ص [0 - 9] 91) : " فَإِنَّ الشَّيْءَ حَالَ وُجُودِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا ".
(3)
ش: " وَكَذَلِكَ حَالَ عَدَمِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مَعْدُومٌ يَكُونُ وَاجِبَ الْعَدَمِ، لِأَنَّهُ حَالَ الْعَدَمِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا ".
(4)
ش:. . عَنْ تَرَتُّبِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ لَوْ نَظَرْنَا إِلَيْهِمَا وَأَخَذْنَا الْمَاهِيَّةَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا فِي حَالَةٍ كَذَلِكَ وَفِي حَالَةٍ أُخْرَى كَذَلِكَ، كَانَتِ الْمَاهِيَّةُ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ عَلَى كِلْتَا الصِّفَتَيْنِ وَاجِبَةً وَالْمَاهِيَّةُ. إِلَخْ.
(5)
الْحَالَتَيْنِ: كَذَا فِي ش (ص 492) ; (أ)، (ب) : الصِّفَتَيْنِ (وَهُوَ خَطَأٌ) ; ن، م: سَاقِطَةٌ.
عَلَى كِلْتَا الصِّفَتَيْنِ وَاجِبَةً، فَالْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَاجِبَةٌ غَيْرُ مُفْتَقِرَةٍ إِلَى مُؤَثِّرٍ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ (1) مِنْ حَيْثُ هُوَ وَاجِبٌ يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ (2) إِلَى الْمُؤَثِّرِ، فَإِذَنْ (3) الْحُدُوثُ مِنْ حَيْثُ هُوَ حُدُوثٌ مَانِعٌ عَنِ الْحَاجَةِ، فَإِنْ لَمْ (4) تُعْتَبَرِ الْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ لَمْ يَرْتَفِعِ الْوُجُوبُ، أَيْ وُجُوبُ الْوُجُودِ فِي زَمَنِهِ، وَوُجُوبُ الْعَدَمِ فِي زَمَنِهِ، وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ [لَا](5) يَحْتَاجُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْحُدُوثَ مِنْ حَيْثُ هُوَ حُدُوثٌ مَانِعٌ عَنِ الْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا الْمُحْوَجُ هُوَ الْإِمْكَانُ) .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ فِي هَذِهِ الْحُجَّةِ مُغَالَطَاتٍ مُتَعَدِّدَةً، وَجَوَابُهَا مِنْ وُجُوهٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّهُ فِي حَالِ وُجُودِهِ وَاجِبُ الْوُجُودِ لَكِنَّهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ [لَا](6) يُنَاقِضُ كَوْنَهُ مُفْتَقِرًا إِلَى الْفَاعِلِ مَفْعُولًا لَهُ مُحْدِثًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِذَا (7) لَمْ يَكُنْ هَذَا الْوُجُوبُ مَانِعًا مِمَّا (8) يَسْتَلْزِمُ افْتِقَارَهُ إِلَى الْفَاعِلِ لَمْ يَمْتَنِعْ كَوْنُهُ مُفْتَقِرًا إِلَى الْفَاعِلِ مَعَ هَذَا الْوُجُوبِ.
الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: (الْحُدُوثُ عِبَارَةٌ عَنْ تَرَتُّبِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ) يُقَالُ لَهُ: الْحُدُوثُ يَتَضَمَّنُ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ وُجِدَ بِفَاعِلٍ أَوْجَدَهُ هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ لَا يُوجَدُ بِدُونِ إِيجَادِهِ لَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ
(1) أ، ب، ن، م: الْوَاجِبَ ; ش: الشَّيْءَ.
(2)
ش، أ، ب، م: اسْتِنَادُهُ ; ن: إِسْنَادُهُ.
(3)
ش، ن، م: فَإِذَنْ، أ، ب: فَإِنَّ.
(4)
أ، ب، ن، م: فَإِنْ لَمْ ; ش: فَإِذَنْ مَا لَمْ.
(5)
لَا: سَاقِطَةٌ مِنَ النُّسَخِ الْأَرْبَعِ وَأَثْبَتُّهَا مِنْ (ش) 1/492.
(6)
لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(7)
م: فَإِنْ ; أ، ب: وَإِذَا.
(8)
ب (فَقَطْ) : مَا.
مَوْجُودًا، فَالْحُدُوثُ يَتَضَمَّنُ هَذَا الْمَعْنَى، أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ، وَإِذَا كَانَ الْحُدُوثُ مُتَضَمِّنًا لِلْحَاجَةِ إِلَى الْفَاعِلِ، [أَوْ] (1) مُسْتَلْزِمًا لِلْحَاجَةِ إِلَى الْفَاعِلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَانِعٌ عَنِ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ لَا يَمْنَعُ لَازِمَهُ (2) ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ ضِدَّهُ.
الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: (الْوَاجِبُ مِنْ حَيْثُ هُوَ (3) وَاجِبٌ يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ) مَمْنُوعٌ، بَلِ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ هُوَ الَّذِي يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ (4) إِلَى الْمُؤَثِّرِ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، بَلْ نَفْسُ كَوْنِهِ وَاجِبًا بِغَيْرِهِ يَتَضَمَّنُ اسْتِنَادَهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، وَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ الْوُجُوبَ بِالْغَيْرِ يَمْنَعُ الِاسْتِنَادَ إِلَى الْغَيْرِ.
وَإِنْ قَالَ: أَنَا أُرِيدُ الْوَاجِبَ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَاجِبٌ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ.
قِيلَ لَهُ: لَيْسَ فِي الْخَارِجِ إِلَّا وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ، وَإِذَا أَخَذَ مُطْلَقًا عَنِ الْقَيْدَيْنِ (5) ، فَهُوَ أَمْرٌ يُقَدَّرُ فِي الْأَذْهَانِ لَا يُوجَدُ فِي الْأَعْيَانِ.
ثُمَّ يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَاجِبَ إِذَا أُخِذَ مُطْلَقًا يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، بَلِ الْوَاجِبُ إِذَا أُخِذَ مُطْلَقًا لَا يَسْتَلْزِمُ الْمُؤَثِّرَ، [وَلَا يَنْفِي (* الْمُؤَثِّرَ](6) ، فَإِنَّ مِنَ الْوَاجِبِ مَا يَسْتَلْزِمُ الْمُؤَثِّرَ، وَهُوَ الْوَاجِبُ بِغَيْرِهِ، وَمِنْهُ مَا يَنْفِيهِ، وَهُوَ *) (7) الْوَاجِبُ
(1) أَوْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(2)
ن (فَقَطْ) : فَإِنَّ الشَّيْءَ يَمْنَعُ لَازِمَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(3)
ن (فَقَطْ) : مِنْ حَيْثُ مَا هُوَ.
(4)
ن (فَقَطْ) : يَمْنَعُ إِسْنَادَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ
(5)
ن، م: عَنِ الْقَيْدِ.
(6)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .
(7)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ.
بِنَفْسِهِ، وَصَارَ هَذَا كَاللَّوْنِ إِذَا أُخِذَ مُجَرَّدًا لَا يَسْتَلْزِمُ السَّوَادَ، وَلَا يَنْفِيهِ، وَالْحَيَوَانُ إِذَا أُخِذَ مُجَرَّدًا لَا يَسْتَلْزِمُ النُّطْقَ. وَلَا يَنْفِيهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَعَانِي الْعَامَّةِ الَّتِي تَجْرِي مَجْرَى الْأَجْنَاسِ إِذَا أُخِذَتْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ لَمْ تَكُنْ (1) مُسْتَلْزِمَةً لِذَلِكَ، وَلَا مَانِعَةً مِنْهُ.
الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: (الْحُدُوثُ مِنْ حَيْثُ هُوَ حُدُوثٌ مَانِعٌ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ)(2) مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ، وَالْعِلْمُ بِفَسَادِ ذَلِكَ أَظْهَرُ مِنَ الْعِلْمِ بِفَسَادِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْإِمْكَانُ مِنْ حَيْثُ هُوَ إِمْكَانٌ مَانِعٌ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، فَإِنَّ عِلْمَ النَّاسِ بِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ أَظْهَرُ، وَأَبْيَنُ مِنْ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ مَا قَبْلَ (3) الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَجِّحٍ، فَإِذَا كَانَتِ الْحُجَّةُ النَّافِيَةُ لِهَذَا سُوفُسْطَائِيَّةً، فَتِلْكَ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ سُوفُسْطَائِيَّةً.
الْخَامِسُ: أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ فِي الْخَارِجِ مَاهِيَّةً غَيْرَ الْوُجُودِ الْحَاصِلِ فِي الْخَارِجِ، وَأَنَّهُ (4) يَعْتَقِبُ عَلَيْهَا الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ وَبَاطِلٌ.
السَّادِسُ: أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ ذَلِكَ، فَالْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ لَا تَسْتَحِقُّ وُجُودًا وَلَا عَدَمًا، وَلَا تَفْتَقِرُ إِلَى فَاعِلٍ، فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ يَقُولُ الْمَاهِيَّاتُ غَيْرُ مَجْعُولَةٍ وَأَنَّ (5) الْمَجْعُولَ اتِّصَافُهَا (6) بِالْوُجُودِ، وَإِنَّمَا تَفْتَقِرُ إِلَى الْفَاعِلِ إِذَا كَانَتْ
(1) أ، ب: تُجْعَلْ.
(2)
كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَ (إِلَى الْمُؤَثِّرِ) لَيْسَتْ فِي النُّسَخِ كُلِّهَا، كَمَا تَقَدَّمَ.
(3)
أ، ب: يَقْبَلُ.
(4)
أ، ب: وَأَنَّ.
(5)
أ، ب: وَإِنَّمَا.
(6)
ن، م: أَيْضًا فِيهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
مَوْجُودَةً، وَإِذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فَوُجُودُهَا وَاجِبٌ فَعُلِمَ أَنَّ افْتِقَارَهَا إِلَى الْفَاعِلِ فِي حَالِ وُجُوبِ وَجُودِهَا بِالْغَيْرِ (1) ، لَا فِي الْحَالِ الَّتِي لَا تَسْتَحِقُّ فِيهَا وُجُودًا وَلَا عَدَمًا.
السَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَاهِيَّةَ ثَابِتَةٌ فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ (2) هِيَ هِيَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، فَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ كَوْنِهَا أَزَلِيَّةً، بَلْ وَلَا عَلَى إِمْكَانِ ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الِافْتِقَارُ لَا يَثْبُتُ لَهَا إِلَّا مَعَ الْحُدُوثِ، وَلِكَوْنِ الْحُدُوثِ شَرْطًا فِي هَذَا الِافْتِقَارِ (3) .
الثَّامِنُ: أَنَّا إِذَا سَلَّمْنَا أَنَّ عِلَّةَ الِافْتِقَارِ إِلَى الْفَاعِلِ هُوَ الْإِمْكَانُ، فَالْإِمْكَانُ الَّذِي يَعْقِلُهُ الْجُمْهُورُ إِمْكَانُ أَنْ يُوجَدَ الشَّيْءُ، وَإِمْكَانُ أَنْ يَعْدَمَ الشَّيْءُ (4) ، وَهَذَا الْإِمْكَانُ مُلَازِمٌ لِلْحُدُوثِ، فَلَا يُعْقَلُ إِمْكَانُ كَوْنِ الشَّيْءِ قَدِيمًا أَزَلِيًّا وَاجِبًا بِغَيْرِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَفْتَقِرُ إِلَى الْفَاعِلِ، وَهَذَا هُوَ (5) الَّذِي يَدَّعُونَهُ.
التَّاسِعُ: أَنَّهُمْ إِذَا جَعَلُوا الْوُجُوبَ مَانِعًا مِنْ الِاسْتِنَادِ إِلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ وُجُوبًا حَادِثًا، فَالْوُجُوبُ الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ (6) أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ الِاسْتِنَادِ إِلَى الْغَيْرِ، وَالْأَفْلَاكُ عِنْدَهُمْ وَاجِبَةُ الْوُجُودِ أَزَلًا وَأَبَدًا، وَوُجُوبُ ذَلِكَ
(1) ن (فَقَطْ) : بِالْعَيْنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(2)
م، أ، ب: وَأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ.
(3)
أ، ب: وَلَكِنْ لِلْحُدُوثِ شُرُوطًا فِي هَذَا الِافْتِقَارِ.
(4)
الشَّيْءُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ.
(5)
ن (فَقَطْ) : وَهُوَ هُوَ.
(6)
ن: الْأَزَلِيُّ الْقَدِيمُ ; م: الْقَدِيمُ الْأَوَّلِيُّ.
بِغَيْرِهَا، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْوُجُوبُ لَازِمًا (1) لِلْمَاهِيَّةِ، وَالْوُجُوبُ مَانِعٌ مِنْ الِافْتِقَارِ إِلَى الْغَيْرِ كَانَ لَازِمُ الْمَاهِيَّةِ مَانِعًا لَهَا مِنْ الِافْتِقَارِ، فَلَا تَزَالُ الْمَاهِيَّةُ الْقَدِيمَةُ مَمْنُوعَةً مِنْ الِافْتِقَارِ إِلَى الْغَيْرِ (2) ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تَفْتَقِرَ إِلَى الْغَيْرِ أَبَدًا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقُولُهُ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ، وَأَنَّ مَا كَانَ قَدِيمًا (3) يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا.
الْعَاشِرُ: أَنَّهُ إِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْإِمْكَانَ هُوَ الْمُحْوِجُ إِلَى الْغَيْرِ (4) الْمُؤَثِّرِ، فَالتَّأْثِيرُ هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ مَوْجُودًا وَإِبْدَاعُ وُجُودِهِ جَعْلُ (5) مَا يُمْكِنُ عَدَمَهُ مَوْجُودًا لَا يُعْقَلُ إِلَّا بِإِحْدَاثِ وُجُودٍ لَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَإِلَّا فَمَا كَانَ وُجُودُهُ وَاجِبًا أَزَلِيًّا يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ لَا يُعْقَلُ حَاجَتُهُ إِلَى مَنْ يَجْعَلُهُ مَوْجُودًا، وَإِذَا قَالُوا: هُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ أَزَلًا وَأَبَدًا (6) يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ، وَقَالُوا مَعَ ذَلِكَ: إِنَّ غَيْرَهُ هُوَ الَّذِي أَبْدَعَهُ، وَجَعَلَهُ مَوْجُودًا، وَإِنَّهُ يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ، فَقَدْ جَمَعُوا فِي كَلَامِهِمْ مِنَ التَّنَاقُضِ أَعْظَمَ مِمَّا يَذْكُرُونَهُ عَنْ (7) غَيْرِهِمْ.
الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ مُسْتَلْزِمًا لِلْحَاجَةِ إِلَى الْفَاعِلِ لَكَانَ كُلُّ مُمْكِنٍ مَوْجُودًا، كَمَا أَنَّا إِذَا قُلْنَا: الْحُدُوثُ هُوَ الْمُحْوِجُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ كَانَ كُلُّ مُحْدَثٍ مَوْجُودًا ; لِأَنَّ (8) الْمُحْتَاجَ إِلَى الْفَاعِلِ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِذَا فَعَلَهُ الْفَاعِلُ، وَإِلَّا فَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ، وَإِذَا فَعَلَهُ الْفَاعِلُ لَزِمَ
(1) ن، م: مُلَازِمًا.
(2)
يُوجَدُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَكْرَارٌ وَنَقْصٌ فِي نُسْخَةِ (ن) .
(3)
أ: وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا ; ب: وَأَنَّ كُلَّ قَدِيمٍ.
(4)
الْغَيْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (أ) ، (ب) .
(5)
أ، ب: فَالتَّأْثِيرُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّيْءَ مَوْجُودًا وَأَبْدَعَ وُجُودَهُ وَجَعَلَ.
(6)
ن: أَبَدًا وَأَزَلًا.
(7)
ن: مِنْ.
(8)
ن: لَا أَنَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.