الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَصْلِ الْعَظِيمِ، وَيُجْعَلُ (1) خَلْقُ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِمَخْلُوقَاتِهِ مِثْلَ كَوْنِ الْعَدَمِ عِلَّةً لِلْعَدَمِ (2) .
وَهَلْ هَذَا إِلَّا أَفْسَدُ مِنْ قَوْلِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِذْ قَالَ: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ - وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ - قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ - تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ - إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: 94 - 98] فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ مَنْ سَوَّى (3) بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ، فَكَيْفَ بِمَنْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدَمِ الْمَحْضِ.
[الْبُرْهَانُ السَّابِعُ والرد عليه]
قَالَ [الرَّازِيُّ](4) :
(الْبُرْهَانُ السَّابِعُ: وَاجِبُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، فَإِذَنْ (5) صِفَاتُ وَاجِبِ الْوُجُودِ - وَهِيَ تِلْكَ الْأُمُورُ الْإِضَافِيَّةُ وَالسَّلْبِيَّةُ عَلَى رَأْيِ الْحُكَمَاءِ وَالصِّفَاتُ وَالْأَحْوَالُ وَالْأَحْكَامُ عَلَى اخْتِلَافِ آرَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي ذَلِكَ - لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا وَاجِبَ الثُّبُوتِ بِأَعْيَانِهَا (6) ، بَلْ هِيَ بِمَا (7) هِيَ مُمْكِنَةُ الثُّبُوتِ فِي نَفْسِهَا. (8) وَاجِبَةُ الثُّبُوتِ نَظَرًا إِلَى ذَاتِ وَاجِبِ الْوُجُودِ، فَثَبَتَ أَنَّ التَّأْثِيرَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبْقِ الْعَدَمِ وَتَقَدُّمِهِ.
(1) ن، م: وَيَجْعَلُونَ.
(2)
ن (فَقَطْ) : لِلْمَعْدُومِ.
(3)
ن: سَوَّوْا ; م: يُسَوِّي.
(4)
الرَّازِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(5)
ش 1/490، ن، م: فَإِذَنْ ; أ، ب: فَإِنَّ.
(6)
بِأَعْيَانِهَا: كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ; وَفِي (ش) : لِأَعْيَانِهَا.
(7)
بِمَا: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ ; وَفِي (ن) ، (م) ، (أ)، (ش) : لِمَا. وَسَتَرِدُ الْعِبَارَةُ مَرَّةً أُخْرَى فِي النُّسَخِ الْأَرْبَعِ: بِمَا انْظُرْ ص 271 ت [0 - 9] .
(8)
ش: لِمَا هِيَ (هِيَ) مُمْكِنَةُ الثُّبُوتِ فِي (أَنْفُسِهَا) .
فَلَئِنْ قَالُوا: تِلْكَ الصِّفَاتُ وَالْأَحْكَامُ لَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نُوجِبُ (1) سَبْقَ الْعَدَمِ فِي الْأَفْعَالِ، فَنَقُولُ: إِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْعَظِيمَةِ لَا يُمْكِنُ التَّعْوِيلُ فِيهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْأَلْفَاظِ، فَهَبْ أَنَّ مَا لَا يَتَقَدَّمُهُ الْعَدَمُ لَا يُسَمَّى فِعْلًا لَكِنْ ثَبَتَ أَنَّ مَا هُوَ مُمْكِنُ الثُّبُوتِ لِمَا هُوَ هُوَ يَجُوزُ اسْتِنَادُهُ إِلَى مُؤَثِّرٍ يَكُونُ دَائِمَ الثُّبُوتِ مَعَ الْأَثَرِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْقُولًا لَا يُمْكِنُ دَعْوَى الِامْتِنَاعِ فِيهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ صَاحِبُهُ عَنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْفِعْلِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَعُودُ إِلَى فَائِدَةٍ عَظِيمَةٍ) (2) .
فَيُقَالُ: الْجَوَابُ (3) عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: (وَاجِبُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ)[إِنْ](4) أُرِيدَ بِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ إِلَهٍ وَاحِدٍ أَوْ رَبٍّ وَاحِدٍ أَوْ خَالِقٍ وَاحِدٍ أَوْ مَعْبُودٍ وَاحِدٍ، أَوْ حَيٍّ وَاحِدٍ أَوْ قَيُّومٍ وَاحِدٍ أَوْ صَمَدٍ وَاحِدٍ أَوْ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ وَاحِدٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا صَحِيحٌ.
لَكِنْ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ صِفَاتٌ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ يَمْتَنِعُ تَحَقُّقُ ذَاتِهِ بِدُونِهَا، وَأَنْ لَا يَكُونَ. (5) وَاجِبُ الْوُجُودِ هُوَ تِلْكَ الذَّاتَ الْمُسْتَلْزِمَةَ لِتِلْكَ الصِّفَاتِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ وَاجِبَ الْوُجُودِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ بِنَفْسِهِ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْعَدَمُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ لَيْسَ لَهُ فَاعِلٌ، وَلَا مَا يُسَمَّى عِلَّةً فَاعِلَةً أَلْبَتَّةَ، وَعَلَى هَذَا فَصِفَاتُهُ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى اسْمِهِ لَيْسَتْ مُمْكِنَةَ الثُّبُوتِ، فَإِنَّهَا
(1) ش (ص [0 - 9] 91) : نَقُولُ بِوُجُوبِ.
(2)
نَقَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْبُرْهَانَ السَّابِعَ بِنَصِّهِ (1/490 - 491) فِيمَا عَدَا الِاخْتِلَافَاتِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا.
(3)
ن، م: عَظِيمَةٍ وَالْجَوَابُ.
(4)
أَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(5)
ن، م، أ: وَأَنْ يَكُونَ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .
لَيْسَتْ مُمْكِنَةً يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ وَيُمْكِنُ أَنْ تَعْدَمَ (1) وَلَا تَفْتَقِرُ إِلَى فَاعِلٍ يَفْعَلُهَا وَلَا عِلَّةٍ فَاعِلَةٍ، بَلْ هِيَ مِنْ لَوَازِمِ الذَّاتِ الَّتِي هِيَ بِصِفَاتِهَا اللَّازِمَةِ لَهَا وَاجِبَةُ الْوُجُودِ، فَدَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةَ مُمْكِنَةُ الثُّبُوتِ تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ كَدَعْوَاهُ أَنَّ الذَّاتَ الْمَلْزُومَةَ تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَاجِبُ الْوُجُودِ وَاحِدٌ، أَنَّ (2) وَاجِبَ الْوُجُودِ هُوَ ذَاتٌ مُجَرَّدَةٌ عَنْ صِفَاتٍ كَانَ هَذَا مَمْنُوعًا، وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَيْهِ دَلِيلًا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: دَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ هُوَ الذَّاتُ دُونَ صِفَاتِهَا، وَأَنَّ صِفَاتِهَا هِيَ مُمْكِنَةُ الْوُجُودِ إِنْ أَرَادَ بِوَاجِبِ الْوُجُودِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ (3) مِنْ غَيْرِ فَاعِلٍ فَعَلَهُ، فَكِلَاهُمَا يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ مِنْ غَيْرِ فَاعِلٍ فَعَلَهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِوَاجِبِ الْوُجُودِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ إِلَى مَحَلٍّ كَانَ حَقِيقَةَ هَذَا أَنَّ الصِّفَاتِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَحَلٍّ تَقُومُ بِهِ بِخِلَافِ الذَّاتِ لَكِنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّهَا مُمْكِنَةُ الثُّبُوتِ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى فَاعِلٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِوَاجِبِ الْوُجُودِ مَا لَا يُمْكِنُ عَدَمُهُ، وَبِمُمْكِنِ الْوُجُودِ مَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الصِّفَاتِ لَا يُمْكِنُ عَدَمُهَا، كَمَا لَا يُمْكِنُ عَدَمُ الذَّاتِ، فَوُجُوبُ الْوُجُودِ يَتَنَاوَلُهُمَا، وَإِنْ أَرَادَ بِوَاجِبِ الْوُجُودِ مَا لَا مُلَازِمَ لَهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ، لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِهِمْ بِأَنَّهُ مُلَازِمٌ لِمَفْعُولَاتِهِ، فَلَا يَكُونُ وَاجِبَ الْوُجُودِ.
وَمِنْ تَنَاقُضِ هَؤُلَاءِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ - كَصَاحِبِ الْكُتُبِ الْمَضْنُونِ بِهَا:
(1) ن، م: أَنْ تُوجَدَ وَأَنْ تَعْدَمَ.
(2)
ن: وَإِنَّ.
(3)
ب: أَنَّ ذَاتَهُ ; أ: ذَاتُهُ.
صَاحِبِ (الْمَضْنُونِ الْكَبِيرِ)(1) أَنَّهُمْ يُفَسِّرُونَ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِأَنَّهُ مَا لَا يُلَازِمُ غَيْرَهُ لِيَنْفُوا بِذَلِكَ صِفَاتِهِ اللَّازِمَةَ لَهُ وَيَقُولُونَ: لَوْ قُلْنَا إِنَّ لَهُ صِفَاتٍ لَازِمَةً لَهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبَ الْوُجُودِ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ الْأَفْلَاكَ وَغَيْرَهَا لَازِمَةً لَهُ أَزَلًا وَأَبَدًا، وَيَقُولُونَ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ وَاجِبَ الْوُجُودِ، فَأَيُّ تَنَاقُضٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا؟ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الْوَاحِدُ الْمُجَرَّدُ عَنْ جَمِيعِ الصِّفَاتِ مُمْتَنِعُ الْوُجُودِ، كَمَا بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (2) ، وَبُيِّنَ (3) أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مَعَانٍ ثُبُوتِيَّةٍ مِثْلِ كَوْنِهِ حَيًّا وَعَالِمًا وَقَادِرًا (4) ، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَعْنًى هُوَ الْآخَرَ، أَوْ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَعَانِي هِيَ الذَّاتَ، وَمَا كَانَ مُمْتَنِعَ الْوُجُودِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبَ الْوُجُودِ، فَإِذَا مَا زُعِمَ أَنَّهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ، فَهُوَ مُمْتَنِعٌ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ فَاعِلٌ لِصِفَاتِهِ، كَمَا هُوَ فَاعِلٌ لِمَخْلُوقَاتِهِ، أَوْ إِنَّهُ مُؤَثِّرٌ،
(1) صَاحِبُ الْكُتُبِ الْمَضْنُونِ بِهَا الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُوَ الْغَزَالِيُّ، فَمِنَ الْكُتُبِ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ كِتَابُ " الْمَضْنُونِ بِهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ " أَوْ " كِتَابُ الْمَضْنُونِ الْكَبِيرِ "، وَكِتَابُ " الْمَضْنُونِ الصَّغِيرِ، الْمَوْسُومُ بِالْأَجْوِبَةِ الْغَزَالِيَّةِ فِي الْمَسَائِلِ الْأُخْرَوِيَّةِ " وَقَدْ طُبِعَا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ: مِنْهَا طَبْعَةٌ عَلَى هَامِشِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ " الْإِنْسَانِ الْكَامِلِ " لِلْجِيلِيِّ، الطَّبْعَةَ الثَّانِيَةَ، الْمَطْبَعَةِ الْأَزْهَرِيَّةِ، الْقَاهِرَةِ سَنَةَ 1328 هـ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْبَاحِثُونَ فِي حَقِيقَةِ هَذِهِ الْكُتُبِ الْمَضْنُونِ بِهَا عَلَى غَيْرِ أَهْلِهَا، وَفِي مَدَى صِحَّةِ نِسْبَتِهَا إِلَى الْغَزَالِيِّ، وَنُشِيرُ هُنَا إِلَى بَحْثَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ الْأَوَّلِ مَا كَتَبَهُ الْأُسْتَاذُ سُلَيْمَانُ دُنْيَا فِي كِتَابِهِ " الْحَقِيقَةُ فِي نَظَرِ الْغَزَالِيِّ "، ص [0 - 9] 7 وَمَا بَعْدَهَا، وَانْظُرْ خَاصَّةً ص 128 - 134، الْقَاهِرَةِ 1947 ; وَالثَّانِي: هُوَ مَقَالَةُ الْأُسْتَاذِ وَاتَ (.) watt فِي مَجَلَّةِ joumal of the royal asiatic society، london، 1952، pp. 24 - 25 بِعُنْوَانِ the authenicity of the works attributed to al - ghazali.
(2)
ن، م: كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ.
(3)
أ، ب: وَيُمْكِنُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(4)
ن، م: حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا.
وَمُقْتَضٍ وَمُسْتَلْزِمٌ لِمَخْلُوقَاتِهِ، كَمَا هُوَ مُؤَثِّرٌ وَمُقْتَضٍ وَمُسْتَلْزِمٌ لِصِفَاتِهِ.
[الْوَجْهُ](1) الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: (وَهِيَ تِلْكَ الْأُمُورُ الْإِضَافِيَّةُ وَالسَّلْبِيَّةُ عَلَى رَأْيِ الْحُكَمَاءِ) إِنَّمَا هُوَ عَلَى رَأْيِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ مِنْهُمْ كَأَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ، وَأَمَّا أَسَاطِينُ الْفَلَاسِفَةِ فَهُمْ مُثْبِتُونَ لِلصِّفَاتِ، كَمَا قَدْ نَقَلْنَا أَقْوَالَهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَأَبِي الْبَرَكَاتِ وَأَمْثَالِهِ.
وَأَيْضًا فَنُفَاةُ الصِّفَاتِ مِنْهُمْ كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ مُتَنَاقِضُونَ يَجْمَعُونَ بَيْنَ نَفْيِهَا وَإِثْبَاتِهَا، كَمَا قَدْ بُسِطَ [الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ.](2) فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ كَانُوا مُثْبِتِيهَا فَهُمْ كَسَائِرِ الْمُثْبِتِينَ، وَإِنْ كَانُوا نُفَاةً قِيلَ لَهُمْ: أَمَّا السَّلْبُ فَعَدَمٌ مَحْضٌ، وَأَمَّا الْإِضَافَةُ مِثْلُ كَوْنِهِ فَاعِلًا أَوْ مَبْدَءًا (3) ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا، فَإِنْ كَانَتْ وُجُودًا لِأَنَّهَا مِنْ مَقُولَةِ:(أَنْ يَفْعَلَ وَأَنْ يَنْفَعِلَ) - وَهَذِهِ الْمَقُولَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْنَاسِ الْعَالِيَةِ الْعَشَرَةِ الَّتِي هِيَ أَقْسَامُ الْمَوْجُودَاتِ - كَانَتِ الْإِضَافَةُ الَّتِي يُوصَفُ بِهَا وُجُودًا، فَكَانَتْ صِفَاتُهُ الْإِضَافِيَّةُ وُجُودِيَّةً قَائِمَةً بِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْإِضَافَةُ (4) عَدَمًا مَحْضًا فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي السَّلْبِ، فَجَعْلُ الْإِضَافَةِ قِسْمًا ثَالِثًا لَيْسَ وُجُودًا وَلَا عَدَمًا خَطَأٌ.
وَحِينَئِذٍ فَإِذَا (5) لَمْ يُثْبِتُوا صِفَةً ثُبُوتِيَّةً لَمْ تَكُنْ ذَاتُهُ مُسْتَلْزِمَةً لِشَيْءٍ (6) مِنْ
(1) الْوَجْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(2)
عِبَارَةُ " الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
ن، م: وَمَبْدَءًا.
(4)
ن، م: الْإِضَافَاتُ.
(5)
ن، م: إِذَا.
(6)
ن، م: بِشَيْءٍ.
الصِّفَاتِ إِلَّا أَمْرًا عَدَمِيًّا، وَأَمَّا الْمَخْلُوقَاتُ فَإِنَّهَا مَوْجُودَاتٌ: جَوَاهِرٌ، وَأَعْرَاضٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اقْتِضَاءَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِ الْوَاجِبِ لِلْعَدَمِ الْمَحْضِ لَيْسَ كَاقْتِضَائِهِ لِلْوُجُودِ، وَسَوَاءٌ سُمِّيَ ذَلِكَ اسْتِلْزَامًا أَوْ إِيجَابًا، أَوْ فِعْلًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ ضِدِّهِ، وَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ إِنَّهُ فَاعِلٌ لِعَدَمِ ضِدِّهِ، وَوُجُودُ الشَّيْءِ يُنَاقِضُ عَدَمَ نَفْسِهِ، وَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ إِنَّ وُجُودَهُ هُوَ الْفَاعِلُ لِعَدَمِ عَدَمِهِ (1) ، فَإِنَّ عَدَمَ عَدَمِهِ هُوَ وُجُودُهُ، وَوُجُودُهُ وَاجِبٌ لَا يَكُونُ مَفْعُولًا وَلَا مَعْلُولًا.
وَأَيْضًا فَالْعَدَمُ الْمَحْضُ إِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ، [كَمَا هُوَ](2) عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: عِلَّتُهُ عَدَمُ عِلَّةِ وُجُودِهِ (3) ، فَيَجْعَلُ عِلَّةَ الْعَدَمِ عَدَمًا، وَلَا يَجْعَلُ لِلْعَدَمِ الْمُمْكِنِ عِلَّةً وُجُودِيَّةً، فَالْعَدَمُ الْوَاجِبُ أَوْلَى أَلَّا يَفْتَقِرَ إِلَى عِلَّةٍ وُجُودِيَّةٍ، [فَإِنَّ الْعَدَمَ الْوَاجِبَ اللَّازِمَ لِذَاتِهِ عَدَمٌ وَاجِبٌ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى عِلَّةٍ وُجُودِيَّةٍ](4) ، فَإِنَّ الْعَدَمَ الْوَاجِبَ يَتَّصِفُ بِهِ الْمُمْتَنِعُ، وَالْمُمْتَنِعُ الَّذِي يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى عِلَّةٍ وُجُودِيَّةٍ، وَعَدَمُ وُجُودِ الرَّبِّ (5) مُمْتَنِعٌ لِنَفْسِهِ، كَمَا أَنَّ وُجُودَ الرَّبِّ وَاجِبٌ لِنَفْسِهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: (وَالصِّفَاتُ وَالْأَحْوَالُ، وَالْأَحْكَامُ (6) عَلَى اخْتِلَافِ آرَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي ذَلِكَ) .
(1) أ، ب: هُوَ الْفَاعِلُ لِعَدَمِهِ.
(2)
كَمَا هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .
(3)
ن، م: عِلَّتُهُ عِلَّةُ عَدَمِ وُجُودِهِ.
(4)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
ن، م: وَعَدَمُ (مَا يُنَاقِضُ) وُجُودَ الرَّبِّ.
(6)
أ، ب: وَالْأَحْكَامُ وَالْأَحْوَالُ.
فَيُقَالُ. لَهُ: إِثْبَاتُ الصِّفَاتِ لِلَّهِ هُوَ مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْأُمَّةِ سَلَفِهَا وَخَلَفِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ [لَهُمْ بِإِحْسَانٍ](1) ، وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَّبَعِينَ (2) ، وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَسَائِرِ طَوَائِفِ أَهْلِ الْكَلَامِ مِثْلِ الْهِشَامِيَّةِ (3) ، وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالْكُلَّابِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا نَازَعَ. (4) فِي ذَلِكَ الْجَهْمِيَّةُ، وَهُمْ عِنْدَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا، [وَجَمَاعَتِهَا](5) مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَوَافَقَهُمُ الْمُعْتَزِلَةُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ هُمْ عِنْدَ الْأُمَّةِ مَشْهُورُونَ بِالِابْتِدَاعِ.
وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَهِيَ الْحُكْمُ عَلَى اللَّهِ بِأَنَّهُ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ، وَهَذَا هُوَ الْخَبَرُ عَنْهُ بِذَلِكَ، وَهَذَا تُثْبِتُهُ الْمُعْتَزِلَةُ كُلُّهُمْ (6) مَعَ سَائِرِ الْمُثْبِتَةِ لَكِنْ غُلَاةُ الْجَهْمِيَّةِ يَنْفُونَ أَسْمَاءَهُ، وَيَجْعَلُونَهَا مَجَازًا، فَيَجْعَلُونَ الْخَبَرَ عَنْهُ كَذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ مِنَ النُّفَاةِ، وَعَلَى قَوْلِهِمْ فَالذَّاتُ لَمْ تَقْتَضِ شَيْئًا ; لِأَنَّ كَلَامَ الْمُخْبِرِينَ وَحُكْمُهُمْ أَمْرٌ قَائِمٌ بِهِمْ لَيْسَ قَائِمًا بِذَاتِ الرَّبِّ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُثْبِتِ الْأَحْكَامَ (7) كَأَبِي هَاشِمٍ (8) . . وَأَتْبَاعِهِ، فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: هِيَ لَا مَوْجُودَةٌ،
(1) لَهُمْ بِإِحْسَانٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(2)
ن: الْمُثْبَتِينَ: وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (م) .
(3)
وَالْمَقْصُودُ بِهِمْ أَتْبَاعُ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَهِشَامِ بْنِ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيِّ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ. انْظُرْ ص 71 ت 3، 4.
(4)
ن، م: يُنَازِعُ.
(5)
وَجَمَاعَتِهَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(6)
ن، م: كُلُّهَا.
(7)
ن، م: الْأَحْوَالَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَقَدْ يَكُونُ الصَّوَابُ: وَأَمَّا مَنْ يُثْبِتُ الْأَحْوَالَ.
(8)
هُوَ أَبُو هَاشِمٍ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدٍ الْجُبَّائِيِّ، كَانَ هُوَ وَأَبُوهُ مِنْ كِبَارِ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ، وَالْفِرْقَةُ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ هِيَ فِرْقَةُ " الْبَهْشَمِيَّةِ " وَالَّتِي تُنْسَبُ إِلَى أَبِيهِ هِيَ " الْجُبَّائِيَّةُ " وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 321 هـ. انْظُرْ عَنْهُ: وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 2/355 ; تَارِيخَ بَغْدَادَ 11 - 56 ; مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ 3/618 ; الْخُطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/348 ; الْأَعْلَامَ 4/130 - 131. وَانْظُرْ عَنِ الْبَهْشَمِيَّةِ: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/118 - 129 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ 111 - 119 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ 53 - 54
وَلَا مَعْدُومَةٌ (1) ، فَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْمَوْجُودَاتِ.
بَقِيَ الْكَلَامُ عَلَى مُثْبِتَةِ الصِّفَاتِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: صِفَاتُهُ مَوْجُودَةٌ قَائِمَةٌ بِهِ (2) ، وَمَخْلُوقَاتُهُ مَوْجُودَةٌ بَائِنَةٌ (3) عَنْهُ، فَهَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ صِفَاتُهُ وَاجِبَةُ الثُّبُوتِ يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا الْعَدَمُ لَا يُقَالُ إِنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَعْدُومَةً، كَمَا يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُمْكِنَاتِ الَّتِي أَبْدَعَهَا، وَلَا يَقُولُونَ: إِنَّ الصِّفَاتِ لَهَا ذَوَاتٌ ثَابِتَةٌ غَيْرُ وُجُودِهَا، وَتِلْكَ الذَّوَاتُ تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ فِي الْمُمْكِنَاتِ الْمَفْعُولَةِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ تَمْثِيلَ صِفَاتِهِ بِمَخْلُوقَاتِهِ. (4) فِي غَايَةِ الْفَسَادِ عَلَى قَوْلِ كُلِّ طَائِفَةٍ.
الْوَجْهُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ: (لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا وَاجِبَ الثُّبُوتِ بِأَعْيَانِهَا، بَلْ هِيَ بِمَا هِيَ مُمْكِنَةُ الثُّبُوتِ فِي نَفْسِهَا. (5) وَاجِبَةُ الثُّبُوتِ نَظَرًا إِلَى ذَاتِ وَاجِبِ الْوُجُودِ) كَلَامٌ مَمْنُوعٌ بَلْ بَاطِلٌ، بَلِ الصِّفَاتُ مُلَازِمَةٌ لِلذَّاتِ (6) لَا يُمْكِنُ وُجُودُ الذَّاتِ بِدُونِ صِفَاتِهَا اللَّازِمَةِ وَلَا وُجُودُ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ بِدُونِ الذَّاتِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَازِمٌ لِلْآخَرِ مَلْزُومٌ لَهُ، وَدَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ
(1) ب (فَقَطْ) : لَا مَعْدُومَةٌ وَلَا مَوْجُودَةٌ.
(2)
ن: صِفَاتُهُ مَوْجُودَةٌ قَائِمَةٌ ; أ، ب: صِفَاتُهُ قَائِمَةٌ مَوْجُودَةٌ بِهِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) .
(3)
ن، م: ثَابِتَةٌ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(4)
ن: لِمَخْلُوقَاتِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(5)
ن ; م، أ، ب: بَلْ هِيَ بِمَا هِيَ مُمْكِنَةُ الثُّبُوتِ فِي نَفْسِهَا، وَانْظُرْ إِلَى مَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْنَاهُ عِنْدَ نَقْلِ كَلَامِ الرَّازِيِّ فِي الْبُرْهَانِ السَّابِعِ (264 ت 7) .
(6)
ن (فَقَطْ) : لِذَاتٍ.
الذَّاتَ هِيَ وَاجِبَةُ الْوُجُودِ دُونَ الصِّفَاتِ مَمْنُوعٌ وَبَاطِلٌ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ:(الصِّفَاتُ وَاجِبَةُ الْوُجُودِ دُونَ الذَّاتِ لَكِنَّ الذَّاتَ وَاجِبَةٌ نَظَرًا إِلَى وُجُوبِ الصِّفَاتِ) سَوَاءٌ فَسَّرُوا. (1) وَاجِبَ الْوُجُودِ بِالْمَوْجُودِ نَفْسِهِ (2) ، أَوْ بِمَا لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ، أَوْ بِمَا لَا فَاعِلَ لَهُ وَلَا عِلَّةً فَاعِلَةً أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ إِذَا فُسِّرَ الْوَاجِبُ بِالْقَائِمِ بِنَفْسِهِ، وَالْمُمْكِنُ بِالْقَائِمِ بِغَيْرِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِذَلِكَ بَاطِلٌ وَوَضْعٌ مَحْضٌ، وَغَايَتُهُ مُنَازَعَةٌ لَفْظِيَّةٌ لَا فَائِدَةَ فِيهَا.
الْوَجْهُ السَّابِعُ: قَوْلُهُ: (فَثَبَتَ أَنَّ التَّأْثِيرَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبْقِ الْعَدَمِ)، فَيُقَالُ. لَهُ (3) : هَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَتِ الذَّاتُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِصِفَاتِهَا هِيَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي الصِّفَاتِ.
وَحِينَئِذٍ فَلَفْظُ التَّأْثِيرِ إِنْ أُرِيدَ بِهِ الِاسْتِلْزَامُ فَكِلَاهُمَا مُؤَثِّرٌ فِي الْآخَرِ إِذْ هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبًا بِنَفْسِهِ لَا مُمْكِنًا (4) ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِلَفْظِ التَّأْثِيرِ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَبْدَعَ الْآخَرَ، أَوْ فَعَلَهُ أَوْ جَعَلَهُ مَوْجُودًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُعْقَلُ. (5) فِي إِبْدَاعِ الْمَصْنُوعَاتِ، فَهَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ عَاقِلًا لَا يَقُولُ: إِنَّ الْمَوْصُوفَ أَبْدَعَ صِفَاتِهِ اللَّازِمَةَ (6) ، وَلَا خَلَقَهَا، وَلَا صَنَعَهَا، وَلَا فَعَلَهَا، وَلَا جَعَلَهَا مَوْجُودَةً، وَلَا نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
(1) ن، م: فَسَّرَ.
(2)
ن، م: بِنَفْسِهِ.
(3)
لَهُ: سَاقِطَةٌ: مِنْ (أ) ، (ب) .
(4)
ن، م: فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبًا بِنَفْسِهِ (لَا وَاجِبًا بِغَيْرِهِ مُمْكِنًا) لَا مُمْكِنًا. إِلَخْ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ.
(5)
ن (فَقَطْ) : مِمَّا يَفْعَلُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(6)
ن (فَقَطْ) : الْمُلَازِمَةُ.
بَلْ مَا يَحْدُثُ فِي الْحَيِّ مِنَ الْأَعْرَاضِ وَالصِّفَاتِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ مِثْلَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالْكِبَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يَقُولُ عَاقِلٌ إِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ أَبْدَعَهُ أَوْ صَنَعَهُ، فَكَيْفَ بِمَا يَكُونُ مِنَ الصِّفَاتِ لَازِمًا [لَهُ](1) كَحَيَاتِهِ وَلَوَازِمِهَا، وَكَذَلِكَ لَا يَقُولُ عَاقِلٌ هَذَا فِي غَيْرِ الْحَيِّ مِثْلَ الْجَمَادِ (2) ، وَالنَّبَاتِ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَجْسَامِ لَا يَقُولُ عَاقِلٌ إِنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعَلَ قَدْرَهُ اللَّازِمَ، وَفَعَلَ تَخَيُّرَهُ (3) ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ (4) ، بَلِ الْعُقَلَاءُ كُلُّهُمُ الْمُثْبِتُونَ لِلْأَفْعَالِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالْإِرَادِيَّةِ، وَالَّذِينَ لَا يُثْبِتُونَ إِلَّا الْإِرَادِيَّةَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَجْعَلُ مَا يَلْزَمُ الذَّاتَ مِنْ صِفَاتِهَا مَفْعُولًا لَهَا لَا بِالْإِرَادَةِ وَلَا بِالطَّبْعِ، بَلْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ آثَارِهَا الصَّادِرَةِ عَنْهَا الَّتِي هِيَ أَفْعَالٌ لَهَا وَمَفْعُولَاتٌ، وَبَيْنَ صِفَاتِهَا اللَّازِمَةِ لَهَا، بَلْ. (5) وَغَيْرِ اللَّازِمَةِ.
وَقَدْ يَكُونُ لِلذَّاتِ تَأْثِيرٌ فِي حُصُولِ بَعْضِ صِفَاتِهَا الْعَارِضَةِ، فَيُضَافُ ذَلِكَ إِلَى فِعْلِهَا لِحُصُولِ ذَلِكَ بِهِ كَحُصُولِ الْعِلْمِ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَحُصُولِ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، بِخِلَافِ اللَّازِمَةِ، وَمَا يَحْصُلُ بِدُونِ قُدْرَتِهَا وَفِعْلِهَا وَاخْتِيَارِهَا (6)، فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُ عَاقِلٌ: إِنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِيهِ، وَإِنَّهُ مِنْ أَثَرِهَا، بَلْ يَقُولُ إِنَّهُ لَازِمٌ لَهَا وَصِفَةٌ لَهَا، وَهِيَ مُسْتَلْزِمَةٌ لَهُ وَمَوْصُوفَةٌ بِهِ، وَقَدْ يَقُولُ إِنَّ ذَلِكَ مُقَوِّمٌ لَهَا وَمُتَمِّمٌ لَهَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَهُمْ يُسَلِّمُونَ
(1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
أ، ب: الْجَمَادَاتِ.
(3)
ن، م: خَيْرَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ (لَا يَقُولُ عَاقِلٌ. . اللَّازِمَةِ) تَحْتَاجُ إِلَى تَأَمُّلٍ وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِي عِبَارَتِهَا نَقْصٌ أَوْ تَحْرِيفٌ.
(5)
بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(6)
ن، م: بِاخْتِيَارِهَا.
أَنَّ فَاعِلَ الشَّيْءِ هُوَ فَاعِلُ صِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ لِامْتِنَاعِ فِعْلِ الشَّيْءِ بِدُونِ صِفَاتِهِ (1) اللَّازِمَةِ.
وَأَيْضًا، فَالذَّاتُ مَعَ تَجَرُّدِهَا عَنِ الصِّفَاتِ يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ مُؤَثِّرَةً فِي شَيْءٍ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مُؤَثِّرَةً فِي صِفَاتِ نَفْسِهَا، فَإِنَّ شَرْطَ كَوْنِهَا مُؤَثِّرَةً أَنْ تَكُونَ حَيَّةً عَالِمَةً قَادِرَةً (2) ، فَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي كَوْنِهَا حَيَّةً عَالِمَةً قَادِرَةً لَكَانَتْ مُؤَثِّرَةً بِدُونِ اتِّصَافِهَا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ امْتِنَاعُهُ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ، بَلْ صِفَاتُهَا اللَّازِمَةُ لَهَا أَكْمَلُ مِنْ كُلِّ مَوْجُودٍ، فَإِذَا امْتَنَعَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ بِذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ عَنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَكَيْفَ يُؤَثِّرُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الذَّاتِ (3) .
فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا تَأْثِيرٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فِي صِفَاتِهَا إِلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْمُسَمَّى الِاسْتِلْزَامَ تَأْثِيرًا، كَمَا تَقَدَّمَ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ لَهُ: مِثْلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْعَظِيمَةِ لَا يُمْكِنُ التَّعْوِيلُ فِيهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْأَلْفَاظِ، فَإِنَّ تَسْمِيَتَكَ لِاسْتِلْزَامِ (4) الذَّاتِ الْمُتَّصِفَةِ بِصِفَاتِهَا اللَّازِمَةِ لَهَا تَأْثِيرًا لَا يُوجِبُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا كَإِبْدَاعِهَا لِمَخْلُوقَاتِهَا، فَهَبْ أَنَّكَ سَمَّيْتَ كُلَّ اسْتِلْزَامٍ تَأْثِيرًا، لَكِنَّ دَعْوَاكَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْمَخْلُوقَ الْمَفْعُولَ مَلَازِمٌ لِخَالِقِهِ وَفَاعِلِهِ، مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ، كَمَا اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَأَنْتَ لَا تَعْرِفُ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ، لَا يُعْرَفُ قَطُّ شَيْءٌ أَبْدَعَ شَيْئًا، وَهُوَ مُقَارِنٌ لَهُ بِحَيْثُ يَكُونَانِ مُتَقَارِنَيْنِ فِي الزَّمَانِ
(1) ن، م: صِفَاتِهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(2)
قَادِرَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(3)
ن، م: فَكَيْفَ تُؤَثِّرُ (م: يُؤَثِّرُ) فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ مُجَرَّدَةُ هَذِهِ الذَّاتِ.
(4)
ن، م: لَا تَسْتَلْزِمُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، بَلْ مِنَ الْمَعْلُومِ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ التَّأْثِيرَ الَّذِي هُوَ إِبْدَاعُ الشَّيْءِ وَخَلْقُهُ، وَجَعْلُهُ مَوْجُودًا لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ عَدَمِهِ، وَإِلَّا فَالْمَوْجُودُ الْأَزَلِيُّ الَّذِي لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا لَا يَفْتَقِرُ قَطُّ إِلَى مُبْدِعٍ خَالِقٍ يَجْعَلُهُ مَوْجُودًا، وَلَا يَكُونُ مُمْكِنًا يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، بَلْ مَا وَجَبَ قِدَمُهُ امْتَنَعَ عَدَمُهُ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْبَلَ الْعَدَمَ.
الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ تَسْمِيَةَ تَأْثِيرِ الرَّبِّ فِي مَخْلُوقَاتِهِ فِعْلًا وَصُنْعًا وَإِبْدَاعًا وَإِبْدَاءً وَخَلْقًا وَبَرْءًا (1) ، وَأَمْثَالَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ هُوَ مِمَّا تَوَاتَرَ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، بَلْ. (2) وَمِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ، وَذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي تَتَدَاوَلُهَا الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ تَدَاوُلًا كَثِيرًا، وَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا الْمُرَادُ بِهَا أَوِ الَّذِي وُضِعَتْ لَهُ مَا (3) لَا يَفْهَمُهُ إِلَّا الْخَاصَّةُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَكُونَ جَمَاهِيرُ النَّاسِ يَفْهَمُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ مَا يَعْنُونَهُ بِكَلَامِهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْكَلَامِ الْإِفْهَامُ.
وَأَيْضًا، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا غَيْرَ الْمَفْهُومِ مِنْهَا لَكَانَ الْخِطَابُ بِهَا تَلْبِيسًا (4) ، وَتَدْلِيسًا وَإِضْلَالًا.
وَأَيْضًا، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَا خِلَافَ الْمَفْهُومِ لَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْرِفُهُ خَوَاصُّهُمْ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ خَوَاصَّ الصَّحَابَةِ وَعَوَامَّهُمْ كَانُوا يُقِرُّونَ أَنَّ
(1) ب (فَقَطْ) : وَبَدْءًا.
(2)
بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(3)
أ، ب: كَمَا، وَهُوَ خَطَأٌ. وَسَقَطَتْ " لَهُ " فِي (أ) .
(4)
ن، م: تَلْبِيسَاتٍ.
اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، [وَمَلِيكُهُ](1) ، وَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَأَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَمَا بَيْنَهُمَا، فَحَدَثَتْ [هَذِهِ](2) الْمَخْلُوقَاتُ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ حَصَلَ لَنَا عِلْمٌ بِمُرَادِ الْأَنْبِيَاءِ وَجَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ، وَاسْتَفَدْنَا بِذَلِكَ (3) أَنَّ مَنْ قَصَدَ بِهَا غَيْرَ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لَهُمْ فِي الْمُرَادِ بِهَا، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّ مُرَادَهُمْ هُوَ مُرَادُهُ فِي كَوْنِهَا مُلَازِمَةً لِلرَّبِّ أَزَلًا وَأَبَدًا، عُلِمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَجَمَاهِيرِ (4) الْعُقَلَاءِ كَذِبًا صَرِيحًا.
كَمَا يَصْنَعُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي لَفْظِ (الْإِحْدَاثِ) ، فَإِنَّ الْإِحْدَاثَ مَعْنَاهُ مَعْقُولٌ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَهُوَ مِمَّا تَوَاتَرَ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَاتِ كُلِّهَا، وَهَؤُلَاءِ جَعَلُوا لَهُمْ وَضْعًا (5) مُبْتَدَعًا، فَقَالُوا: الْحُدُوثُ يُقَالُ: عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: زَمَانِيٌّ، وَمَعْنَاهُ حُصُولُ الشَّيْءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وُجُودٌ فِي زَمَانٍ سَابِقٍ، وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ الشَّيْءُ مُسْتَنِدًا إِلَى ذَاتِهِ (6) ، بَلْ إِلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الِاسْتِنَادُ مَخْصُوصًا بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ كَانَ مُسْتَمِرًّا فِي [كُلِّ] (7) الزَّمَانِ قَالُوا: وَهَذَا هُوَ الْحُدُوثُ (8) الذَّاتِيُّ.
(1) وَمَلِيكُهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(2)
هَذِهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(3)
أ، ب: وَمُسْتَنَدُنَا لِذَلِكَ.
(4)
ن، م: وَجُمْهُورِ
(5)
ن: لَفْظًا ; م: وَصْفًا.
(6)
ب: أَنْ لَا يَكُونَ لِلشَّيْءِ مُسْتَنَدٌ إِلَى ذَاتِهِ ; أ: أَنْ لَا يَكُونَ لِلشَّيْءِ مُسْتَنَدًا إِلَى ذَاتِهِ.
(7)
كُلِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
ن، م: الْحَادِثُ.
وَكَذَلِكَ (الْقِدَمُ) فَسَّرُوهُ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَجَعَلُوا الْقِدَمَ (1) بِأَحَدِ مَعْنَيَيْهِ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْوُجُوبِ قَالُوا: وَالدَّلِيلُ عَلَى إِثْبَاتِ الْحُدُوثِ الذَّاتِيِّ أَنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ لِذَاتِهِ، فَإِنَّهُ لِذَاتِهِ (2) يَسْتَحِقُّ الْعَدَمَ، وَمِنْ غَيْرِهِ يَسْتَحِقُّ الْوُجُودَ، وَمَا (3) بِالذَّاتِ أَقْدَمُ مِمَّا بِالْغَيْرِ، فَالْعَدَمُ فِي حَقِّهِ (4) أَقْدَمُ مِنَ الْوُجُودِ تَقَدُّمًا بِالذَّاتِ، فَيَكُونُ مُحْدَثًا [حُدُوثًا](5) ذَاتِيًّا.
وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَيْهِمُ الرَّازِيُّ سُؤَالًا: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْمُمْكِنُ يَسْتَحِقُّ الْعَدَمَ مِنْ ذَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَوِ اسْتَحَقَّ الْعَدَمَ مِنْ ذَاتِهِ لَكَانَ مُمْتَنِعًا لَا مُمْكِنًا، بَلِ الْمُمْكِنُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْجُودٌ، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاعْتِبَارَيْنِ مَعْرُوفٌ، بَلْ كَمَا أَنَّ الْمُمْكِنَ يَسْتَحِقُّ الْوُجُودَ مِنْ وُجُودِ عِلَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعَدَمَ مِنْ عَدَمِ عِلَّتِهِ، وَإِذَا كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ مِنَ الْغَيْرِ (6) ، وَلَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْمَاهِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا تَقَدُّمٌ عَلَى الْآخَرِ، فَإِذَنْ لَا يَكُونُ لِعَدَمِهِ تَقَدُّمٌ ذَاتِيٌّ عَلَى وُجُودِهِ.
قَالَ: (7) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ [هُوَ](8) إِنَّ الْمُمْكِنَ يَسْتَحِقُّ مِنْ
(1) أ، ب: الْقَدِيمَ.
(2)
لِذَاتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(3)
ن (فَقَطْ) : وَأَمَّا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
ن: فَالْقِدَمُ فِي حَقِّهِ ; م: فَمَا تَقَدَّمَ فِي حَقِّهِ.
(5)
حُدُوثًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(6)
ن، م: مِنَ الْعَيْنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(7)
لَمْ يُبَيِّنِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ مَنِ الْقَائِلِ، وَالْكَلَامُ التَّالِي لَيْسَ كَلَامَ الرَّازِيِّ وَلَمْ يَرِدْ فِي الْبُرْهَانِ السَّابِعِ، وَلَعَلَّهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِثْلِ الْآمِدِيِّ أَوْ غَيْرِهِ.
(8)
هُوَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
ذَاتِهِ لَا اسْتِحْقَاقِيَّةَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَهَذِهِ اللَا اسْتِحْقَاقِيَّةَ. (1) وَصْفٌ عَدَمِيٌّ سَابِقٌ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ، فَتَقَرَّرَ (2) الْحُدُوثُ الذَّاتِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) .
فَيُقَالُ: هَذَا السُّؤَالُ سُؤَالٌ صَحِيحٌ يُبَيِّنُ بُطْلَانَ قَوْلِهِمْ مَعَ مَا سَلَّمَهُ لَهُمْ مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ الْبَاطِلَةِ، فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْخَارِجِ ذَاتٌ تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ غَيْرَ الْوُجُودِ الثَّابِتِ فِي الْخَارِجِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، وَمَبْنِيٌّ [أَيْضًا](3) عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْمُمْكِنِ مُعَلَّلٌ بِعَدَمِ عِلَّتِهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ.
وَأَمَّا الِاعْتِذَارُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ (4) لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ ذَاتِهِ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا.
فَيُقَالُ: إِذَا قُدِّرَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِلْعَدَمِ بِحَالٍ، فَإِنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَقْتَضِ وُجُودَهُ وَلَا عَدَمَهُ، وَلَكِنَّ غَيْرَهُ اقْتَضَى وُجُودَهُ، وَلَمْ يَقْتَضِ عَدَمَهُ، فَيَبْقَى الْعَدَمُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا مِنْ مَوْجُودٍ آخَرَ بِخِلَافِ الْوُجُودِ، فَلَا يَكُونُ عَدَمُهُ سَابِقًا لِوُجُودِهِ بِحَالٍ.
وَقَوْلُهُ: (اللَا اسْتِحْقَاقِيَّةَ. (5) وَصْفٌ عَدَمِيٌّ) ، جَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْعَدَمِيَّ هُوَ عَدَمُ النَّقِيضَيْنِ جَمِيعًا: الْوُجُودُ، وَالْعَدَمُ لَيْسَ هُوَ عَدَمُ الْوُجُودِ فَقَطْ، وَالنَّقِيضَيْنِ [لَا يَرْتَفِعَانِ كَمَا](6) لَا يَجْتَمِعَانِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ:[إِنَّ](7) ارْتِفَاعَ النَّقِيضَيْنِ جَمِيعًا سَابِقٌ (8) لِوُجُودِهِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ
(1) ن، م، أ: وَهَذِهِ الِاسْتِحْقَاقِيَّةُ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَسَتَرِدُ الْعِبَارَةُ بَعْدَ سُطُورٍ كَمَا أَثْبَتُّهَا هُنَا.
(2)
ن: فَتَقَدَّرَ ; م: فَيُقَدِّرَ.
(3)
أَيْضًا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(4)
ن: الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ ; م: الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّهُ، وَعَلَى " مِنْهُ " شَطْبٌ.
(5)
ن، أ: لَا اسْتِحْقَاقِيَّةَ ; م: لِاسْتِحْقَاقِيَّةِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .
(6)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(7)
إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(8)
ن، م: سَابِقَانِ.
النَّقِيضَيْنِ مِنْهُ، فَهَذَا حَقٌّ، وَلَيْسَ فِيهِ سَبْقُ أَحَدِهِمَا: لِلْآخَرِ.
وَهُمْ يَقُولُونَ: عَدَمُهُ سَابِقٌ لِوُجُودِهِ مَعَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ دَائِمًا فَعَلِمْتَ أَنَّهُمْ مَعَ قَوْلِهِمْ إِنَّ الْمُمْكِنَ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَدَمٌ يَسْبِقُ وُجُودَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَإِنَّمَا كَلَامُهُمْ جَمَعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا التَّنَاقُضِ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ، وَلَكِنَّ الْإِمْكَانَ الَّذِي أَثْبَتَهُ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ، وَأَثْبَتَهُ قُدَمَاؤُهُمْ - أَرِسْطُو، وَأَتْبَاعُهُ - هُوَ إِمْكَانُ أَنْ يُوجَدَ الشَّيْءُ وَأَنْ يَعْدَمَ، وَهَذَا الْإِمْكَانُ مَسْبُوقٌ بِالْعَدَمِ سَبْقًا حَقِيقِيًّا، فَإِنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ مُحْدَثٍ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَبَسْطُ هَذِهِ [الْأُمُورِ] لَهُ (1) مَوْضِعٌ آخَرُ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُمْ أَفْسَدُوا الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ بِمَا أَدْخَلُوهُ فِيهَا مِنَ الْقَرْمَطَةِ وَتَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، كَمَا أَفْسَدُوا الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ (2) بِمَا أَدْخَلُوهُ فِيهَا مِنَ السَّفْسَطَةِ وَقَلْبِ الْحَقَائِقِ الْمَعْقُولَةِ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ وَتَغْيِيرِ فِطْرَةِ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا يَسْتَعْمِلُونَ الْأَلْفَاظَ الْمُجْمَلَةَ وَالْمُتَشَابِهَةَ ; لِأَنَّهَا أَدْخَلُ فِي التَّلْبِيسِ وَالتَّمْوِيهِ مِثْلُ لَفْظِ (التَّأْثِيرِ)، (وَالِاسْتِنَادِ) لِيَقُولُوا: ثَبَتَ أَنَّ (3) مَا هُوَ مُمْكِنُ الثُّبُوتِ لِمَا هُوَ هُوَ يَجُوزُ (4) اسْتِنَادُهُ إِلَى مُؤَثِّرٍ يَكُونُ دَائِمَ الثُّبُوتِ مَعَ الْأَثَرِ، وَالْمُرَادُ فِي الْأَصْلِ الَّذِي قَاسُوا عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ عَدَمٌ لَازِمٌ لِوُجُودِهِ فِي الْفَرْعِ أَنَّهُ مُبْدَعٌ لِمُبْدِعٍ وَمَخْلُوقٌ لِخَالِقٍ، فَأَيْنَ هَذَا الِاسْتِنَادُ مِنْ هَذَا الِاسْتِنَادِ. وَأَيْنَ هَذَا التَّأْثِيرُ مِنْ هَذَا التَّأْثِيرِ.
الْوَجْهُ التَّاسِعُ (5) : أَنْ يُقَالَ: حَقِيقَةُ هَذِهِ الْحُجَّةِ هِيَ قِيَاسٌ مُجَرَّدٌ بِتَمْثِيلٍ
(1) ن، م: وَبَسْطُ هَذَا لَهُ.
(2)
ن (فَقَطْ) : الْقَطْعِيَّةَ.
(3)
أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(4)
أ، ب: بِجَوَازِ ; ن، ش: يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ سَبَقَ أَنْ ذَكَرْنَاهُ.
(5)
ن، م: السَّابِعُ، وَهُوَ خَطَأٌ.