الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الدور نوعان]
تَجْوِيزُهُ فِيهِمَا، كَقَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفَلَاسِفَةِ، وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَكَذَلِكَ الدَّوْرُ نَوْعَانِ: دَوْرٌ قَبْلِيٌّ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا بَعْدَ هَذَا، وَلَا هَذَا إِلَّا بَعْدَ هَذَا، وَهَذَا مُمْتَنَعٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ. وَأَمَّا الدَّوْرُ الْمَعِيُّ الِاقْتِرَانِيُّ مِثْلُ الْمُتَلَازِمَيْنِ اللَّذَيْنِ يَكُونَانِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ، وَعُلُوُّ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مَعَ سُفُولِ الْآخَرِ، وَتَيَامُنِ هَذَا عَنْ ذَاكَ مَعَ تَيَاسُرِ (1) الْآخَرِ عَنْهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَلَازِمَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ إِلَّا مَعًا، فَهَذَا الدَّوْرُ مُمْكِنٌ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَاعِلًا لِلْآخَرِ وَلَا تَمَامَ لِلْفَاعِلِ (2) ، بَلْ كَانَ الْفَاعِلُ لَهُمَا غَيْرَهُمَا، جَازَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فَاعِلًا لِلْآخَرِ (3) ، أَوْ مِنْ تَمَامِ كَوْنِ الْفَاعِلِ فَاعِلًا، صَارَ مِنَ الدَّوْرِ الْمُمْتَنَعِ.
[امتناع وجود إلهين]
وَلِهَذَا امْتَنَعَ رَبَّانِ مُسْتَقِلَّانِ أَوْ مُتَعَاوِنَانِ. أَمَّا الْمُسْتَقِلَّانِ، فَلِأَنَّ اسْتِقْلَالَ أَحَدِهِمَا بِالْعَالَمِ (4) يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ (5) الْآخَرُ لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ مُسْتَقِلًّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَعَلَهُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَمْ يَفْعَلْهُ، وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ.
وَأَمَّا الْمُتَعَاوِنَانِ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ حَالَ كَوْنِ الْآخَرِ مُسْتَقِلًّا بِهِ (6) ، لَزِمَ الْقُدْرَةُ عَلَى اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ وَهُوَ مُمْتَنَعٌ،
(1) ن، م: عَنْ ذَاكَ وَتَيَاسُرِ. . .
(2)
ا، ب: الْفَاعِلُ.
(3)
لِلْآخَرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(4)
ن (فَقَطْ) : بِالْعِلْمِ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(5)
يَكُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(6)
بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
فَإِنَّهُ حَالَ قُدْرَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الِاسْتِقْلَالِ يُمْتَنَعُ قُدْرَةُ الْآخَرِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، وَلَا يَكُونَانِ (1) فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ كُلٌّ مِنْهُمَا قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُودَهُ مَرَّتَيْنِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ. لَكِنَّ الْمُمْكِنَ أَنْ يُقَدَّرَ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْآخَرُ فَاعِلًا (2) وَبِالْعَكْسِ، فَقُدْرَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَشْرُوطَةٌ بِعَدَمِ فِعْلِ الْآخَرِ مَعَهُ، فَفِي حَالِ فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ (3) مِنْهُمَا يُمْتَنَعُ قُدْرَةُ الْآخَرِ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْمُتَعَاوِنَيْنِ لَا يَقْدِرَانِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، كَمَا هُوَ الْمُمْكِنُ الْمَوْجُودُ فِي الْمُتَعَاوِنَيْنِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، كَانَ هَذَا بَاطِلًا [أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي](4) .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمَا إِنْ كَانَا قَادِرَيْنِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، أَمْكَنَ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا مَقْدُورَهُ وَهَذَا مَقْدُورَهُ، فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ قُدْرَةُ أَحَدِهِمَا مَشْرُوطَةً بِتَمْكِينٍ الْآخَرِ لَهُ، وَهَذَا مُمْتَنَعٌ كَمَا سَيَأْتِي.
وَأَيْضًا، فَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمَا (5) ضِدَّ مُرَادِ الْآخَرِ، فَيُرِيدُ هَذَا تَحْرِيكَ جِسْمٍ وَهَذَا تَسْكِينَهُ، وَاجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ مُمْتَنَعٌ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَحَدُهُمَا إِرَادَةَ الْفِعْلِ إِلَّا بِشَرْطِ مُوَافَقَةِ الْآخَرِ لَهُ، كَانَ عَاجِزًا وَحْدَهُ، وَلَمْ يَصِرْ قَادِرًا إِلَّا بِمُوَافَقَةِ الْآخَرِ
(1) ن، م: فَلَا يَكُونُ.
(2)
ب (فَقَطْ) : لَكِنَّ الْمُمْكِنَ أَنْ يُقَدَّرَ هَذَا فَاعِلًا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْآخَرُ فَاعِلًا، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي (ن) ، (م) ، (ا) .
(3)
وَاحِدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(4)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
(5)
ب: كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا. فَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمَا. . . إِلَخْ.
وَكَذَا (1) إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَادِرًا عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، بَلْ لَا يَقْدِرُ إِلَّا بِمُعَاوَنَةِ الْآخَرِ كَمَا فِي الْمَخْلُوقِينَ، أَوْ قِيلَ: يُمْكِنُ كُلٌّ (2) مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالَ بِشَرْطِ تَخْلِيَةِ الْآخَرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِعْلِ، فَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ قُدْرَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِإِقْدَارِ الْآخَرِ لَهُ، وَهَذَا مُمْتَنَعٌ، فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ الدَّوْرِ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ فِي الْفَاعِلِينَ وَالْعِلَلِ الْفَاعِلَةِ (3) . فَإِنَّ مَا بِهِ يَتِمُّ كَوْنُ الْفَاعِلِ فَاعِلًا يُمْتَنَعُ فِيهِ الدَّوْرُ، كَمَا يُمْتَنَعُ فِي ذَاتِ الْفَاعِلِ، وَالْقُدْرَةُ شَرْطٌ فِي الْفِعْلِ، فَلَا يَكُونُ الْفَاعِلُ فَاعِلًا إِلَّا بِالْقُدْرَةِ، (* فَإِذَا كَانَتْ قُدْرَةُ هَذَا لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِقُدْرَةِ ذَاكَ (4) ، وَقُدْرَةُ ذَاكَ (5) لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِقُدْرَةِ هَذَا *) (6) كَانَ هَذَا دَوْرًا مُمْتَنَعًا.
كَمَا أَنَّ ذَاتَ ذَاكَ إِذَا لَمْ تَحْصُلْ إِلَّا بِهَذَا، وَذَاتَ هَذَا لَمْ تَحْصُلْ إِلَّا بِذَاتِ ذَاكَ (7) كَانَ هَذَا دَوْرًا مُمْتَنَعًا، إِذْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا هُوَ الْفَاعِلُ لِلْآخَرِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ مُلَازِمًا لَهُ أَوْ شَرْطًا فِيهِ (8) وَالْفَاعِلُ غَيْرَهُمَا، فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ، كَمَا ذُكِرَ فِي الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ.
وَكَذَلِكَ الْوَاحِدُ الَّذِي يُرِيدُ أَحَدَ الضِّدَّيْنِ بِشَرْطِ (9) أَنْ لَا يُرِيدَ الضِّدَّ
(1) ا، ب: وَهَكَذَا.
(2)
ب (فَقَطْ) : كُلًّا.
(3)
ا: وَالْعِلَلِ وَالْفَاعِلَةِ؛ ب: وَالْعِلَلِ وَالْفَاعِلِيَّةِ.
(4)
ن، ا: هَذَا.
(5)
ن (فَقَطْ) : هَذَا.
(6)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(7)
ن، م، ا: وَذَاتُ ذَاكَ لَمْ تَحْصُلْ إِلَّا بِذَاتِ هَذَا. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ مِنْ (ب) .
(8)
ا: مُلَازِمًا لَهُ وَشَرْطًا فِيهِ؛ ب: لَازِمًا لَهُ وَشَرْطًا فِيهِ.
(9)
ن (فَقَطْ) : يُشْتَرَطُ.