الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُقَالَ: يُمْكِنُ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ ; لِأَنَّ [الْفَاعِلَ] الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ (1) يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَيُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ قِدَمُ الْعَالَمِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُخْتَارُ رُجِّحَ قِدَمُهُ بِلَا مُرَجِّحٍ - فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لِظُهُورِ بُطْلَانِهِ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ فِيمَا نَعْلَمُ ; لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَاطِلَةٌ فِي نَظَرِ (2) الْعُقُولِ - وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعُقَلَاءِ مَنِ الْتَزَمَ بَعْضَهُمَا (3) ، فَلَا يُعْرَفُ مَنِ الْتَزَمَهُمَا مَعًا (4) .
إِحْدَاهُمَا: كَوْنُ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ يُرَجِّحُ بِلَا سَبَبٍ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ فَسَادَ هَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، أَوْ [هُوَ](5) قَطْعِيٌّ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ.
وَالثَّانِيَةُ: كَوْنُ الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ يَكُونُ فِعْلُهُ مُقَارِنًا لَهُ لَا يُحْدِثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَإِنَّ هَذَا أَيْضًا مِمَّا يَقُولُ الْعُقَلَاءُ، - أَوْ جُمْهُورُهُمْ -: إِنَّ فَسَادَهُ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، أَوْ قَطْعًا، بَلْ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ مَفْعُولَ الْفَاعِلِ لَا يَكُونُ مُقَارِنًا لَهُ أَبَدًا.
[موضع الارتباط بين الاستطراد في مسألة قدم العالم وبين الكلام في مشكلة القدر]
ثُمَّ مِنَ النُّظَّارِ مَنْ قَالَ بِإِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى، فَالْقَدَرِيَّةُ وَبَعْضُ الْجَهْمِيَّةِ يَقُولُونَ بِالْأُولَى، وَبَعْضُ الْجَبْرِيَّةِ يَقُولُونَ بِالْأُولَى فِي حَقِّ الرَّبِّ دُونَ الْعَبْدِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمْ يَقُلْ بِهَا إِلَّا مَنْ جَعَلَ الْفَاعِلَ مُرِيدًا، أَوْ جَعَلَ (6) بَعْضُ الْعَالَمِ قَدِيمًا كَأَبِي الْبَرَكَاتِ وَنَحْوِهِ.
(1) ن، م: لِأَنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ ; أ، ب: لِأَنَّ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ.
(2)
أ: ظَنِّ ; ب: ظَاهِرِ.
(3)
ن، م، أ: بَعْضَهَا. وَالصَّوَابُ مَا فِي (ب) .
(4)
أ: فَلَمْ يُعْرَفْ مَنِ الْتَزَمَهَا جَمِيعًا ; ب: فَلَمْ يُعْرَفْ مَنِ الْتَزَمَهُمَا جَمِيعًا ; م: فَلَمْ يُعْرَفْ مَنِ الْتَزَمَهُمَا مَعَ.
(5)
هُوَ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) .
(6)
ن، م: وَجَعَلَ.
[. وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، فَلَا يَقُولُونَ: بِأَنَّ الْفَاعِلَ مُرِيدٌ](1) ، وَهَؤُلَاءِ (2) قَوْلُهُمْ أَفْسَدُ مِنْ قَوْلِ أَبِي الْبَرَكَاتِ وَأَمْثَالِهِ، فَإِنَّ كَوْنَ (3) الْمَفْعُولِ الْمُعَيَّنِ لَمْ يَزَلْ مُقَارِنًا لِفَاعِلِهِ هُوَ مِمَّا يَقُولُ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ إِنَّهُ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ، فَإِذَا قِيلَ: مَعَ ذَلِكَ إِنَّ الْفَاعِلَ غَيْرُ مُرِيدٍ كَانَ زِيَادَةَ ضَلَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا يُقَوِّي قَوْلَهُمْ، بَلْ نَفْسُ كَوْنِ الْفَاعِلِ فَاعِلًا لِمَفْعُولِهِ الْمُعَيَّنِ يَمْنَعُ مُقَارَنَتَهُ لَهُ، وَمَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ حَرَكَةِ الْخَاتَمِ مَعَ الْيَدِ، وَحَرَكَةِ الشُّعَاعِ مَعَ الشَّمْسِ (4) ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْمَفْعُولَ قَارَنَ فَاعِلَهُ، وَإِنَّمَا قَارَنَ شَرْطَهُ، وَلَيْسَ فِي الْعَالَمِ فَاعِلٌ لَمْ يَزَلْ مَفْعُولُهُ مُقَارِنًا لَهُ.
وَأَمَّا سَائِرُ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، فَلَا يَقُولُونَ. بِأَنَّ الْفَاعِلَ مُرِيدٌ.
ثُمَّ كُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ إِنْكَارًا لِمُقَدِّمَةِ الْقَدَرِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ يُرَجِّحُ بِلَا مُرَجِّحٍ حَادِثٍ، وَمَتَى جَوَّزُوا ذَلِكَ بَطَلَ قَوْلُهُمْ بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، فَإِنَّ أَصْلَ قَوْلِهِمْ إِنَّمَا هُوَ أَنَّ الْفَاعِلَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَصِيرَ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لِامْتِنَاعِ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُعَطَّلًا. ثُمَّ يَصِيرُ فَاعِلًا. بَلْ إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ كَانَ مُعَطَّلًا لَزِمَ دَوَامُ تَعْطِيلِهِ،
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
ن، م: فَهَؤُلَاءِ.
(3)
ن، م: فَكَوْنُ.
(4)
ن، م: مِنْ حَرَكَةِ الْيَدِ وَحَرَكَةِ الْخَاتَمِ وَالشُّعَاعِ مَعَ الشَّمْسِ.
(1 فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ فَاعِلٌ لَزِمَ دَوَامُ فِعْلِهِ، وَعِنْدَهُمْ يَمْتَنِعُ مَا قَالَهُ أُولَئِكَ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ جَوَازِ تَعْطِيلِهِ 1)(1) ، ثُمَّ فِعْلِهِ، (2 فَمَتَى جَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ مُعَطَّلًا لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ نَفْيُ 2)(2) مَا قَالَهُ أُولَئِكَ، وَلَا الْقَوْلُ بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ.
لَكِنَّ غَايَةَ مَنْ جَوَّزَ هَذَا أَنْ يَصِيرَ شَاكًّا يَقُولُ: هَذَا مُمْكِنٌ، وَهَذَا مُمْكِنٌ، وَلَا أَدْرِي أَيُّهُمَا الْوَاقِعُ، وَحِينَئِذٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدَهُمَا بِالسَّمْعِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرُّسُلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَخْبَرَتْ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَمَنْ قُدِّرَ أَنَّ عَقْلَهُ جَوَّزَ الْأَمْرَيْنِ، فَبَقِيَ (3) شَاكًّا أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْلَمَ، وُقُوعَ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ بِالسَّمْعِ.
وَالْعِلْمُ بِصِدْقِ الرَّسُولِ لَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَى الْعِلْمِ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ صَحِيحَةٌ لِمَنْ سَلَكَهَا، فَإِنَّ الْمُقَدِّمَاتِ الدَّقِيقَةَ [الصَّحِيحَةَ](4) الْعَقْلِيَّةَ قَدْ لَا تَظْهَرُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ وَسَّعَ طَرِيقَ (5) الْهُدَى لِعِبَادِهِ، فَيَعْلَمُ أَحَدُ الْمُسْتَدِلِّينَ الْمَطْلُوبَ بِدَلِيلٍ، وَيَعْلَمُهُ الْآخَرُ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَمَنْ عَلِمَ صِحَّةَ الدَّلِيلَيْنِ [مَعًا](6) كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدُلُّهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَكَانَ
(1)(1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(2)
(2 - 2) : هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي (ن) ، (م) مُحَرَّفَةٌ.
(3)
ن، م: فِيهِنَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
الصَّحِيحَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
أ، ب، م: طُرُقَ.
(6)
مَعًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .