الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ، فَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِامْتِنَاعِ قِدَمِهِ (1) عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَيَلْزَمُ امْتِنَاعُ الْقَوْلِ بِقِدَمِهِ عَلَى تَقْدِيرِ النَّقِيضَيْنِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
[القول بإمكان حوادث لا أول لها مبطل للقول بقدم العالم]
وَهَذَا التَّقْدِيرُ الَّذِي نُرِيدُ أَنْ نَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَقْدِيرُ إِمْكَانِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ وَتَسَلْسُلِهَا وَإِمْكَانِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَيَمْتَنِعُ حُدُوثُ حَادِثٍ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ بِالضَّرُورَةِ، وَاتِّفَاقُ الْعُقَلَاءِ فِيمَا نَعْلَمُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ تَرْجِيحٌ لِأَحَدِ طَرَفَيِ الْمُمْكِنِ بِلَا مُرَجِّحٍ تَامٍّ مَعَ إِمْكَانِ الْمُرَجِّحِ التَّامِّ، وَحُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ مَعَ إِمْكَانِ حُدُوثِ السَّبَبِ الْحَادِثِ دَائِمًا.
وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ [فِيمَا نَعْلَمُ](2) ، وَهُوَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ (3) يَقْتَضِي تَرْجِيحَ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ نِسْبَةُ الْحَادِثِ الْمُعَيَّنِ إِلَى جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ نِسْبَةً وَاحِدَةً، وَنِسْبَتُهَا إِلَى قُدْرَةِ الْفَاعِلِ الْقَدِيمِ وَإِرَادَتِهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ نِسْبَةً وَاحِدَةً، وَالْفَاعِلُ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ تَخْصِيصَ وَقْتٍ بِدُونِ وَقْتٍ بِالْإِحْدَاثِ تَرْجِيحٌ (4) لِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ.
وَأَيْضًا فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ هَذَا جَائِزٌ، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ جَازَ أَنْ يُرِيدَ حَادِثًا بَعْدَ حَادِثٍ لَا إِلَى أَوَّلٍ لَا يَقْتَضِي (5) أَنْ يُرِيدَ حَادِثًا بِعَيْنِهِ فِي الْأَزَلِ ; لِأَنَّ وُجُودَ الْحَادِثِ الْمُعَيَّنِ فِي الْأَزَلِ مُحَالٌ
(1) أ، ب: امْتِنَاعُ الْقَوْلِ بِقِدَمِهِ.
(2)
فِيمَا نَعْلَمُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(3)
أ، ب: لِأَنَّهُ.
(4)
ن، م: تَرْجِيحًا.
(5)
فِي (أ)، (ب) : لَا يَنْقَضِي، وَفِي (ن)، (م) : لَا إِلَى أَوَّلٍ يَقْتَضِي. وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ.
بِالضَّرُورَةِ وَاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، فَإِنَّ الْمُحْدَثَ الْمُعَيَّنَ لَا يَكُونُ قَدِيمًا إِذْ هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي دَوَامِ نَوْعِ الْحَوَادِثِ لَا فِي قِدَمِ حَادِثٍ مُعَيَّنٍ.
وَفِي الْجُمْلَةِ (1)، فَإِذَا قِيلَ: بِجَوَازِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ، وَأَنَّ نَوْعَهَا قَدِيمٌ (2) لَمْ يَقُلْ إِنَّ نَوْعَهَا حَادِثٌ (3) بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّ مَا جَازَ قِدَمُهُ امْتَنَعَ عَدَمُهُ (4) .
وَالْمُرَادُ هُنَا الْجَوَازُ الْخَارِجِيُّ لَا مُجَرَّدُ الْجَوَازِ الذِّهْنِيِّ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى قِدَمِ شَيْءٍ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِإِمْكَانِ قِدَمِهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ قِدَمُهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا لِوُجُوبِهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ لِصُدُورِهِ عَنْ وَاجِبِ الْوُجُودِ (5) ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَمَا كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، أَوْ لَازِمَا لِلْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ لَزِمَ كَوْنُهُ قَدِيمًا، وَامْتَنَعَ كَوْنُهُ مَعْدُومًا ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِنَفْسِهِ يَجِبُ قِدَمُهُ، وَيَمْتَنِعُ عَدَمُهُ، وَيَمْتَنِعُ وُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ، فَيَجِبُ قِدَمُ لَوَازِمِهِ، وَيَمْتَنِعُ عَدَمُهَا.
وَإِذَا قِيلَ (6) : بِجَوَازِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ جَازَ قِدَمُ نَوْعِهَا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ قِدَمُهَا، [وَيَمْتَنِعُ عَدَمُ نَوْعِهَا](7) إِذَا كَانَ لَهُ مُوجَبٌ أَزَلِيٌّ، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ قِدَمُ نَوْعِهَا، (8 وَيَمْتَنِعُ عَدَمُ نَوْعِهَا 8)(8) ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْعَالَمِ أَزَلِيًّا، ثُمَّ إِنَّهُ
(1) ن، م: وَبِالْجُمْلَةِ.
(2)
ن، م: وَأَنْ يَكُونَ نَوْعُهَا قَدِيمًا.
(3)
ن، م: حَادِثًا، وَهُوَ خَطَأٌ.
(4)
أ، ب: فَإِنَّ مَا جَازَ قِدَمُهُ وَجَبَ قِدَمُهُ وَامْتَنَعَ عَدَمُهُ.
(5)
أ، ب: عَنْ وَاجِبِ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ.
(6)
ن، م: فَإِذَا.
(7)
عِبَارَةُ " وَيَمْتَنِعُ عَدَمُ نَوْعِهَا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
(8 - 8) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
يَحْدُثُ فِيهِ الْحَوَادِثُ مَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ دَوَامِهَا، بَلْ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مُقَدِّمَاتٌ بَيِّنَةٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهَا وَفَهِمَهَا.
فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنَ الْعَالَمِ أَزَلِيًّا قَدِيمًا لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مُوجِبًا بِالذَّاتِ، وَلَوْ كَانَ فَاعِلُ الْعَالَمِ مُوجِبًا بِالذَّاتِ لَمْ يَحْدُثْ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ مِنَ الْحَوَادِثِ، وَالْحَوَادِثُ فِيهِ مَشْهُودَةٌ (1) ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ (2 الْعَالَمِ مُوجِبًا بِذَاتِهِ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ 2)(2) الْعَالَمُ قَدِيمًا، كَمَا قَالَهُ أُولَئِكَ (3) الدَّهْرِيَّةُ، بَلْ وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُعَيَّنُ الَّذِي هُوَ مَفْعُولُ الْفَاعِلِ أَزَلِيًّا، لَا سِيَّمَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ فَاعِلٌ بِاخْتِيَارِهِ، فَيَمْتَنِعُ أَنَّ يَكُونَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ أَزَلِيٌّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الَّذِي هُوَ تَقْدِيرُ إِمْكَانِ الْحَوَادِثِ وَدَوَامِهَا وَامْتِنَاعِ صُدُورِ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ.
وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ فَاعِلَ الْعَالَمِ (4) قَادِرٌ مُخْتَارٌ - كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُسْلِمِينَ، وَسَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَأَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ أَرِسْطُو (5) - فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ الْمُبْدِعُ مُرِيدًا لِمَفْعُولَاتِهِ حِينَ فِعْلِهِ لَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سُورَةِ النَّحْلِ: 40] .
وَلَا يَكْفِي وُجُودُ إِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْمُتَجَدِّدَاتِ بِدُونِ تَجَدُّدِ إِرَادَةِ ذَلِكَ الْحَادِثِ الْمُعَيَّنِ ; لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَلْزَمُ جَوَازُ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ.
(1) ن، م: مَشْهُورَةٌ.
(2)
(2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(3)
ن، م: هَؤُلَاءِ.
(4)
ن (فَقَطْ) : إِنَّ الْفَاعِلَ الْعَالِمَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(5)
ن، م: أَرِسْطُو.