الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حجج ابن سينا وغيره على أن الفعل لا يشترط فيه تقدم العدم]
[البرهان الأول والرد عليه]
. ثُمَّ هَؤُلَاءِ الشُّذُوذُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ الْفِعْلَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَقَدُّمُ الْعَدَمِ قَدْ ذَكَرُوا لَهُمْ (1) حُجَجًا ذَكَرَهَا ابْنُ سِينَا وَغَيْرُهُ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ، وَاسْتَقْصَاهَا الرَّازِيُّ فِي (مَبَاحِثِهِ الْمَشْرِقِيَّةِ) ، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَا سَمَّاهُ عَشَرَةَ (2) بَرَاهِينَ، وَكُلُّهَا بَاطِلَةٌ (3) .
قَالَ (4) :
الْأَوَّلُ (5) : الْمُحْتَاجُ (6) إِلَى الْعَدَمِ السَّابِقِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ وُجُودَ الْفِعْلِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ [هُوَ](7) تَأْثِيرَ الْفَاعِلِ فِيهِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتَقِرُ إِلَى الْعَدَمِ السَّابِقِ هُوَ وُجُودَ الْفِعْلِ (8) ; لِأَنَّ الْفِعْلَ لَوِ افْتَقَرَ فِي وُجُودِهِ إِلَى الْعَدَمِ لَكَانَ ذَلِكَ الْعَدَمُ مُقَارِنًا لَهُ، وَالْعَدَمُ الْمُقَارِنُ مُنَافٍ لِذَلِكَ الْوُجُودِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتَقَرُ إِلَيْهِ تَأْثِيرَ الْفَاعِلِ (9) ; لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْفَاعِلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِلْأَثَرِ، وَوُجُودُ الْأَثَرِ يُنَافِي عَدَمَهُ، وَالْمُنَافِي لِمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا، وَالْمُنَافِي لَا يَكُونُ شَرْطًا، فَإِذَنْ لَا الْفِعْلُ
(1) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(2)
ن، م: عَشْرَ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(3)
سَيُورِدُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ نُصُوصًا مِنْ كَلَامِ الرَّازِيِّ فِي كِتَابِهِ " الْمَبَاحِثِ الْمَشْرِقِيَّةِ " وَسَأُقَابِلُ هَذِهِ النُّصُوصَ عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنَ الْأَصْلِ الْمَطْبُوعِ بِحَيْدَرَأَبَادَ سَنَةَ 1343 هـ، وَهُوَ الَّذِي سَأَرْمُزُ لَهُ بِحَرْفِ " ش ".
(4)
مَا يَلِي مِنْ كَلَامِ الرَّازِيِّ فِي " ش "، ج [0 - 9] ، ص 485.
(5)
ب: الْبُرْهَانُ الْأَوَّلُ.
(6)
ش: (إِنَّ) الْمُحْتَاجَ.
(7)
هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
ن، م: الْعَقْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(9)
ش:. (هُوَ) تَأْثِيرَ.
فِي كَوْنِهِ مَوْجُودًا. وَلَا (1) حَاصِلًا. وَلَا الْفَاعِلُ فِي كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا يَفْتَقِرُ (2) إِلَى الْعَدَمِ الْمُنَافِي (3)) .
فَيُقَالُ [فِي](4) الْجَوَابِ: إِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ الْمَفْعُولِ أَوْ فِعْلِ الْفَاعِلِ مُفْتَقِرًا إِلَى الْعَدَمِ أَنَّ الْعَدَمَ مُؤَثِّرٌ فِيهِ حَتَّى يَجِبَ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لَهُ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْعَدَمِ، كَمَا قَالُوا هُمْ: إِنَّ الْعَدَمَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَبَادِئِ سَوَاءٌ جَعَلُوهُ مَبْدَءًا لِمُطْلَقِ الْفِعْلِ [أَوِ الْحَرَكَةِ](5) ، أَوِ الْحَرَكَةِ وَالتَّغَيُّرِ وَالِاسْتِكْمَالِ، فَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ مُفْتَقِرًا إِلَى الْعَدَمِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ عَدَمِ شَيْءٍ لَا بِمَعْنَى أَنَّ الْعَدَمَ مُقَارِنٌ لَهُ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا قِيلَ: إِنَّ الْحَرَكَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ - أَوِ الصَّوْتَ - كَانَ الْحَادِثُ مِنْ ذَلِكَ مَوْقُوفًا عَلَى وُجُودِ مَا قَبْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقَارِنًا لَهُ.
وَأَيْضًا، فَالشَّيْءُ الْمَعْدُومُ إِذَا عُدِمَ بَعْدَ وُجُودِهِ كَانَ هَذَا الْعَدَمُ الْحَادِثُ مُفْتَقِرًا إِلَى ذَلِكَ الْوُجُودِ السَّابِقِ، وَلَمْ يَكُنْ مُقَارِنًا لَهُ.
[وَأَيْضًا](6) ، فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ مَا يَحْدُثُ [فَإِنَّ كُلَّ مَا يَحْدُثُ فَإِنَّمَا يَحْدُثُ](7) بَعْدَ عَدَمِهِ، فَحُدُوثُهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى عَدَمِهِ السَّابِقِ لِوُجُودِهِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْعَدَمَ لَيْسَ مُقَارِنًا (8) لَهُ، فَإِنْ طَرَدُوا حُجَّتَهُمْ لَزِمَهُمْ
(1) وَلَا: لَيْسَتْ فِي (ش) .
(2)
يَفْتَقِرُ: كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، وَفِي (ش) : مُفْتَقِرًا.
(3)
الْمُنَافِي: كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، وَفِي (ش) : السَّابِقُ.
(4)
فِي: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(5)
أَوِ الْحَرَكَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(6)
وَأَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(7)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
أ: الْعَدَمَ مُقَارِنًا ; ب: الْعَدَمَ مُقَارِنٌ.
أَنْ لَا يَحْدُثَ حَادِثٌ، وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ، وَهَذَا شَأْنُهُمْ فِي عَامَّةِ (1) حُجَجِهِمُ الَّتِي يَذْكُرُونَهَا فِي قِدَمِ الْعَالَمِ، (2 فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا أَنْ لَا يَحْدُثَ شَيْءٌ وَحُدُوثُ الْحَوَادِثِ فِي الْعَالَمِ 2)(2) مَشْهُودٌ (3) ، فَكَانَتْ حُجَجُهُمْ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ شُبَهِ السُّوفِسْطَائِيَّةِ.
وَهَذَا كَحُجَّتِهِمْ (4) الْعُظْمَى الَّتِي يَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَى أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ تَامٌّ فِي الْأَزَلِ، وَأَنَّ الْمُؤَثِّرَ التَّامَّ يَسْتَلْزِمُ أَثَرَهُ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا (5) أَنْ لَا يَحْدُثَ شَيْءٌ، وَهُمْ ضَلُّوا حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مُطْلَقِ الْمُؤَثِّرِ، وَبَيْنَ الْمُؤَثِّرِ فِي كُلِّ مُمْكِنٍ.
فَإِذَا قَالُوا (6) : كَوْنُهُ مُؤَثِّرًا إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ، أَوْ لِأَمْرٍ لَازِمٍ لَهَا، أَوْ لِأَمْرٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهَا، وَالثَّالِثُ مُمْتَنِعٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُنْفَصِلَ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ آثَارِهِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِيهِ لِامْتِنَاعِ الدَّوْرِ فِي الْعِلَلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي يَلْزَمُ [دَوَامُ](7) كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا.
قِيلَ لَهُمْ: كَوْنُهُ مُؤَثِّرًا يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي وُجُودِ كُلِّ مَا صَدَرَ عَنْهُ، وَيُرَادُ بِهِ أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَيُرَادُ بِهِ أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي الْجُمْلَةِ: مِثْلُ (8) أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِي شَيْءٍ (9) بَعْدَ شَيْءٍ.
(1) عَامَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(2)
(2 - 2) : سَاقِطَةٌ مِنْ (م) فَقَطْ.
(3)
ن، م: مَشْهُودَةٌ.
(4)
م، ن: فَهَذَا حُجَّتُهُمْ.
(5)
أ، ب: فَإِنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ.
(6)
ن، م: فَإِذَا قِيلَ.
(7)
دَوَامُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
ن (فَقَطْ) : قَبْلَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(9)
أ، ب: مُؤَثِّرًا شَيْئًا.
وَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي مُمْتَنِعَانِ فِي الْأَزَلِ لَا سِيَّمَا الْأَوَّلِ (1) ، فَإِنَّهُ لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، وَالْحُجَّةُ لَا تَدُلُّ عَلَى تَأْثِيرِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي الْأَزَلِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فِي الْأَزَلِ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَيُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ لَا يُوَافِقُهُ، بَلْ يَقْتَضِي حُدُوثَ كُلِّ مَا سِوَاهُ، فَإِذَا (2) كَانَ تَأْثِيرُهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَالْحَوَادِثُ مَشْهُودَةٌ، بَلِ التَّأْثِيرُ لَا يُعْقَلُ إِلَّا مَعَ الْإِحْدَاثِ كَانَ الْإِحْدَاثُ الثَّانِي مَشْرُوطًا بِسَبْقِ الْأَوَّلِ وَبِانْقِضَائِهِ أَيْضًا، وَذَلِكَ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ.
فَلَا يَكُونُ فِي الْحُجَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَلَا عَلَى مَا يُنَاقِضُ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ الْمُحْدَثِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، وَالْقَدَرِيَّةِ، وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ.
وَكَذَلِكَ مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ الْإِحْدَاثِ وَالتَّأْثِيرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الشُّبَهِ الْمُقْتَضِيَةِ (3) نَفْيَ التَّأْثِيرِ وَنَفْيَ تَرْجِيحِ وُجُودِ الْمُمْكِنِ عَلَى عَدَمِهِ، وَنَفْيَ كَوْنِهِ فَاعِلًا لِحِكْمَةٍ، أَوْ لَا لِحِكْمَةٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُذْكَرُ فِي هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ جَمِيعَهَا تَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْدُثُ فِي الْعَالَمِ حَادِثٌ، وَهَذَا خِلَافُ الْمُشَاهَدَةِ، وَكُلُّ حُجَّةٍ تَقْتَضِي خِلَافَ الْمَشْهُودِ فَهِيَ مِنْ جِنْسِ [حُجَجِ](4) السَّفْسَطَةِ.
وَهُمْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْعَدَمَ مِنْ جُمْلَةِ الْعِلَلِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ عَنْ
(1) عِبَارَةُ " لَا سِيَّمَا الْأَوَّلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(2)
أ، ب: وَإِذَا.
(3)
ب: أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِثْلُ الشُّبْهَةِ الْمُقْتَضِيَةِ.
(4)
حُجَجِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
أَرِسْطُو قَالَ أَرِسْطُو فِي (مَقَالَةِ اللَّامِ) الَّتِي هِيَ مُنْتَهَى فَلْسَفَتِهِ، وَهِيَ عِلْمُ مَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ:
(. وَأَمَّا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ، فَأَخْلَقُ بِنَا - إِنْ نَحْنُ اتَّبَعْنَا مَا وَصَفْنَا - أَنْ نُبَيِّنَ أَنَّ مَبَادِئَ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الْمَوْجُودَةِ ثَلَاثَةٌ: الْعُنْصُرُ، وَالصُّورَةُ، وَالْعَدَمُ. مِثَالُ ذَلِكَ فِي الْجَوْهَرِ الْمَحْسُوسِ أَنَّ الْحَرَّ نَظِيرُ الصُّورَةِ وَالْبَرْدَ نَظِيرُ الْعَدَمِ وَالْعُنْصُرَ هُوَ الَّذِي لَهُ هَذَانِ بِالْقُوَّةِ، وَفِي بَابِ الْكَيْفِ يَكُونُ الْبَيَاضُ نَظِيرَ الصُّورَةِ وَالسَّوَادُ نَظِيرَ الْعَدَمِ، وَالشَّيْءُ الْمَوْضُوعُ لَهُمَا هُوَ السَّطْحَ فِي قِيَاسِ الْعُنْصُرِ، وَيَكُونُ الضَّوْءُ نَظِيرَ الصُّورَةِ، وَالظُّلْمَةُ نَظِيرَ الْعَدَمِ، وَالْجِسْمُ الْقَابِلُ لِلضَّوْءِ هُوَ الْمَوْضُوعَ لَهُمَا، فَلَيْسَ يُمْكِنُ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنْ تَجِدَ عَنَاصِرَ هِيَ بِأَعْيَانِهَا عَنَاصِرَ لِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، وَأَمَّا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ وَالْمُقَايَسَةِ فَأَخْلَقُ بِهَا أَنْ تُوجَدَ) .
قَالَ: (وَلَيْسَ طَلَبُنَا الْآنَ طَلَبَ عُنْصُرِ الْأَشْيَاءِ الْمَوْجُودَةِ لَكِنَّ قَصْدَنَا إِنَّمَا هُوَ طَلَبُ مَبْدَئِهَا، وَكِلَاهُمَا سَبَبٌ لَهَا إِلَّا أَنَّ (1) الْمَبْدَأَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ خَارِجًا عَنِ الشَّيْءِ مِثْلَ السَّبَبِ الْمُحَرِّكِ، وَأَمَّا الْعَنَاصِرُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِلَّا فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ مِنْهَا، وَمَا كَانَ عُنْصُرًا، فَلَيْسَ [مَانِعٌ](2) يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهُ مَبْدَأٌ، وَمَا كَانَ مَبْدَءًا، فَلَيْسَ لَهُ عُنْصُرٌ لَا مَحَالَةَ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْمَبْدَأَ الْمُحَرِّكَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَارِجًا عَنِ الْمُحَرِّكِ، وَلَكِنَّ (3) الْمُحَرِّكَ الْقَرِيبَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الطَّبِيعِيَّةِ هُوَ مِثْلُ الصُّورَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ
(1) ن (فَقَطْ) : لِأَنَّ.
(2)
مَانِعٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
ن، م: لِأَنَّ.
الْإِنْسَانَ إِنَّمَا يَلِدُهُ إِنْسَانٌ، وَأَمَّا فِي الْأَشْيَاءِ الْوَهْمِيَّةِ، فَالصُّورَةُ أَوِ الْعَدَمُ، مِثَالُ ذَلِكَ الطِّبُّ وَالْجَهْلُ بِهِ، [وَالْبِنَاءُ وَالْجَهْلُ بِهِ](1) ، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ يَكُونُ السَّبَبُ الْمُحَرِّكُ هُوَ الصُّورَةَ، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الطِّبَّ مِنْ وَجْهٍ مَا هُوَ الصِّحَّةُ ; لِأَنَّهَا الْمُحَرِّكَةُ، وَصُورَةَ الْبَيْتِ مِنْ وَجْهٍ مَا هِيَ الْبِنَاءُ، وَالْإِنْسَانَ إِنَّمَا يَلِدُهُ إِنْسَانٌ (2) .
وَلَيْسَ قَصْدُنَا لِطَلَبِ الْمُحَرِّكِ الْقَرِيبِ لَكِنَّ قَصْدَنَا لِلْمُحَرِّكِ الْأَوَّلِ الَّذِي مِنْهُ يَتَحَرَّكُ جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ، فَالْأَمْرُ فِيهِ بَيِّنٌ أَنَّهُ جَوْهَرٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَبْدَأُ الْجَوَاهِرِ (3) ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبْدَأُ الْجَوَاهِرِ (4) إِلَّا جَوْهَرًا، وَهُوَ مَبْدَأُ الْجَوَاهِرِ (5) ، وَمَبْدَأُ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الْمَوْجُودَةِ، وَلَمْ يَكُنِ التَّهَيُّبُ مِنَ التَّصْرِيحِ بِهَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ صَوَابًا، فَإِنَّ سَائِرَ الْأَشْيَاءِ إِنَّمَا هِيَ أَحْدَاثٌ وَحَالَاتٌ لِلْجَوْهَرِ، وَحَرَكَاتٌ لَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ نَبْحَثَ عَنْ هَذَا الْجَوْهَرِ الَّذِي يُحَرِّكُ الْجِسْمَ كُلَّهُ مَا هُوَ هَلْ يَجِبُ أَنْ نَضَعَ أَنَّهُ نَفْسٌ، أَوْ أَنَّهُ عَقْلٌ، أَوْ أَنَّهُ غَيْرُهُمَا بَعْدَ أَنْ نُحَذِّرَ وَنَتَوَقَّى أَنْ نَحْكُمَ عَلَى الْمَبْدَأِ الْأَوَّلِ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَعْرَاضِ الَّتِي تَلْزَمُ الْأَوَاخِرَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَوْجُودَةِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ يُوجَدُ فِي أَوَاخِرِ الْأَشْيَاءِ الْمَوْجُودَةِ مَا هُوَ بِالْقُوَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ عَلَى حَالَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ دَائِمًا عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي تَقْبَلُ الْكَوْنَ وَالْفَسَادَ هِيَ الَّتِي تُوجَدُ بِهَذِهِ الْحَالِ، فَإِنَّكَ تَجِدُ الشَّيْءَ فِيهَا بِعَيْنِهِ مَرَّةً بِالْقُوَّةِ، وَمَرَّةً بِالْفِعْلِ.
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(2)
أ، ب: الْإِنْسَانُ.
(3)
ن، م: الْجَوْهَرِ.
(4)
ن، م: الْجَوْهَرِ.
(5)
ن، م: الْجَوْهَرِ.
مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَمْرَ تُوجَدُ بِالْفِعْلِ (1) بَعْدَ أَنْ تُغْلَى وَتُسْكِرُ، وَقَدْ تَكُونُ مَوْجُودَةً بِالْقُوَّةِ فِي وَقْتٍ آخَرَ إِذْ (2) كَانَتِ الرُّطُوبَةُ الَّتِي فِيهَا تَتَوَلَّدُ إِنَّمَا هِيَ فِي نَفْسِ الْكَرْمِ وَاللَّحْمِ. وَرُبَّمَا كَانَ بِالْفِعْلِ، وَرُبَّمَا كَانَ بِالْقُوَّةِ فِي الْعَنَاصِرِ الَّتِي عَنْهَا تَتَوَلَّدُ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْقُوَّةِ، أَوْ بِالْفِعْلِ، فَلَيْسَ نَعْنِي شَيْئًا غَيْرَ الصُّورَةِ وَالْعُنْصُرِ، وَنَعْنِي بِالصُّورَةِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَنْفَرِدَ (3) مِنَ الْمُرَكَّبِ مِنَ الصُّورَةِ وَالْعُنْصُرِ، فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَمِثْلُ الضَّوْءِ وَالظُّلْمَةِ إِذْ كَانَ يُمْكِنُ فِيهَا أَنْ تَنْفَرِدَ عَنِ الْهَوَاءِ، وَالْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا فَمِثْلُ الْبَدَنِ الصَّحِيحِ، [وَالْبَدَنِ] السَّقِيمِ (4) ، وَأَعْنِي بِالْعُنْصُرِ الشَّيْءَ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ أَنْ يَحْتَمِلَ الْحَالَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا مِثْلَ الْبَدَنِ، فَرُبَّمَا كَانَ صَحِيحًا، وَرُبَّمَا كَانَ سَقِيمًا.
فَهَذَا الشَّيْءُ الَّذِي بِالْفِعْلِ، وَالَّذِي بِالْقُوَّةِ قَدْ يَخْتَلِفُ لَا فِي الْعَنَاصِرِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْهُمَا أَعْنِي مِنَ الصُّورَةِ وَالْعُنْصُرِ (5) لَكِنْ فِي الْأَشْيَاءِ الْخَارِجَةِ عَنِ الْأَشْيَاءِ الْمُرَكَّبَةِ أَيْضًا الَّتِي لَمْ يَكُنْ عُنْصُرُهَا عُنْصُرَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ عَنْهَا وَلَا صُورَتُهَا صُورَتَهَا لَكِنْ غَيْرَهَا.
فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْأَمْرُ قَائِمًا فِي وَهْمِكَ إِذَا قَصَدْتَ الْبَحْثَ عَنِ السَّبَبِ الْأَوَّلِ أَنَّ بَعْضَ الْعِلَلِ الْمُحَرِّكَةِ مُوَافِقَةٌ فِي الصُّورَةِ لِلشَّيْءِ الْمُتَحَرِّكِ (6) قَرِيبَةٌ مِنْهُ، وَبَعْضَهَا أَبْعَدُ مِنْهُ أَمَّا الْعِلَّةُ الْقَرِيبَةُ (7) ، فَمِثْلُ الْأَبِ،
(1) ن، م: بِالْعَقْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(2)
ن، م: إِذَا.
(3)
ب: تَقَرَّرَ.
(4)
ن، م: الْبَدَنِ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ.
(5)
ن، م، أ: مِنْهَا أَعْنِي فِي الصُّورَةِ وَالْعُنْصُرِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .
(6)
م، أ، ب: الْمُحَرِّكِ.
(7)
الْقَرِيبَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .