الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قول أكثر الفلاسفة بتقدم مادة العالم على صورته]
وَذَلِكَ (1) الْقَوْلُ بِحُدُوثِ هَذَا الْعَالَمِ هُوَ قَوْلُ أَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ أَرِسْطُو، بَلْ هُمْ يَذْكُرُونَ أَنَّ أَرِسْطُو أَوَّلُ مَنْ صَرَّحَ بِقِدَمِ الْأَفْلَاكِ، وَأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَسَاطِينِ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا الْعَالَمَ مُحْدَثٌ: إِمَّا بِصُورَتِهِ فَقَطْ، وَإِمَّا بِمَادَّتِهِ وَصُورَتِهِ، وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ بِتَقَدُّمِ (2) مَادَّةِ هَذَا الْعَالَمِ عَلَى صُورَتِهِ.
وَهَذَا (3) مُوَافِقٌ لِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ [صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ](4)، فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [سُورَةُ هُودٍ: 7](5) .
وَأَخْبَرَ أَنَّهُ: {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 11] .
وَقَدْ ثَبَتَ (6) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَكَانَ عَرْشُهُ (7) عَلَى الْمَاءِ "(8) .
(1) ا، ب: وَكَذَلِكَ.
(2)
ا (فَقَطْ) : بِتَقْدِيمِ.
(3)
ا، ب: وَهُوَ.
(4)
صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
(5)
ن، م: أَخْبَرَ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ. . عَلَى الْمَاءِ.
(6)
ن، م: وَثَبَتَ.
(7)
ا، ب: وَعَرْشُهُ.
(8)
الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما فِي: مُسْلِمٍ 4/44. (كِتَابُ الْقَدَرِ، بَابُ حِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى عليهما السلام؛ سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ (ط. الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ) 3/311 (كِتَابُ الْقَدَرِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّضَا بِالْقَضَاءِ) ؛ الْمُسْنَدُ (ط. الْمَعَارِفِ) 10/114 (عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ) .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه (1) عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» "، وَفِي رِوَايَةٍ:«ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» (2) . وَالْآثَارُ مُتَوَاتِرَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينِ بِمَا يُوَافِقُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ مِنْ بُخَارِ الْمَاءِ الَّذِي سَمَّاهُ [اللَّهُ](3) دُخَانًا.
وَقَدْ تَكَلَّمَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيِّ (4) وَغَيْرُهُ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ هُوَ الْعَرْشُ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ هُوَ الْقَلَمُ. وَرَجَّحُوا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ بِالْقَلَمِ الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ فِي اللَّوْحِ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، فَكَانَ الْعَرْشُ مَخْلُوقًا قَبْلَ الْقَلَمِ. قَالُوا وَالْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ أَنَّ: " «أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ
(1) ن، م: وَثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ.
(2)
الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الْبُخَارِيِّ 9/124 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) ، 4/105 - 106 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/431، 432، 433، 436؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ (مُخْتَصَرًا) 5/389 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابٌ فِي مَنَاقِبِ ثَقِيفٍ وَبَنِي حَنِيفَةَ) .
(3)
لَفْظُ الْجَلَالَةِ: لَيْسَ فِي (ن) ، (م) .
(4)
هُوَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْعَطَّارُ شَيْخُ هَمْدَانَ. لَهُ تَصَانِيفُ مِنْهَا " زَادُ الْمُسَافِرِ " فِي خَمْسِينَ مُجَلَّدًا، تُوُفِّيَ سَنَةَ 569. تَرْجَمَتُهُ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ لِلذَّهَبِيِّ (حَيْدَرْ أَبَادَ، سَنَةَ 1334) 4/114 - 117.
الْقَلَمُ» " (1) ، مَعْنَاهَا مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ خَلَقَهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَكَانَ حِينَ خَلَقَهُ زَمَنٌ يُقَدَّرُ بِهِ (2) خَلَقَهُ يَنْفَصِلُ إِلَى أَيَّامٍ، فَعُلِمَ أَنَّ الزَّمَانَ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَيَخْلُقَ فِي هَذَا الْعَالَمِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ: " «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» (3) ". وَفِي
(1) الْحَدِيثُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/311 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الْقَدَرِ) وَنَصُّهُ: ". . قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِابْنِهِ. . سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ " يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْهُ رضي الله عنه فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ فِي مَوْضِعَيْنِ 3/310 - 311 (كِتَابِ الْقَدَرِ، بَابٍ مِنْهُ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ "، 5/96 (كِتَابِ التَّفْسِيرِ، سُورَةِ ن وَالْقَلَمِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَفِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ ". وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/317.
(2)
ن، م: زَمَنٌ بِقُدْرَتِهِ.
(3)
هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا: 9/133 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) ، 7/100 (كِتَابُ الْأَضَاحِي، بَابُ مَنْ قَالَ الْأَضْحَى يَوْمَ النَّحْرِ) ، 4/107 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ) وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِيهِ: " الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ "؛ مُسْلِمٍ 3/1305 - 1306 (كِتَابُ الْقَسَامَةِ، بَابُ تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ. .) وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِيهِ: " إِنَّ الزَّمَانَ. . "؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/265 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/37 وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِيهِ: " أَلَا إِنَّ الزَّمَانَ. . ".
الصَّحِيحِ عَنْ عُمَرَ [بْنِ الْخَطَّابِ] رضي الله عنه (1) قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً فَذَكَرَ بَدْءَ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ» (2) .
وَهَكَذَا فِي التَّوْرَاةِ (3)[مَا يُوَافِقُ](4) خَبَرَ اللَّهِ (5) فِي الْقُرْآنِ، وَأَنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ مَغْمُورَةً بِالْمَاءِ، وَالْهَوَاءُ يَهُبُّ (6) فَوْقَ الْمَاءِ، وَأَنَّ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَأَنَّهُ خَلَقَ ذَلِكَ فِي أَيَّامٍ. وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ: مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَلَقَ هَذَا الْعَالَمَ مِنْ مَادَّةٍ أُخْرَى، وَأَنَّهُ خَلَقَ ذَلِكَ فِي زَمَانٍ (7) قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ.
وَلَيْسَ فِيمَا أَخْبَرَ [اللَّهُ تَعَالَى] بِهِ (8) فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْ غَيْرِ مَادَّةٍ، وَلَا أَنَّهُ خَلَقَ الْإِنْسَ أَوِ الْجِنَّ أَوِ الْمَلَائِكَةَ (9) مِنْ غَيْرِ مَادَّةٍ، بَلْ يُخْبِرُ اللَّهُ أَنَّهُ خَلَقَ ذَلِكَ مِنْ مَادَّةٍ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَادَّةُ مَخْلُوقَةً مِنْ مَادَّةٍ أُخْرَى، كَمَا خَلَقَ الْإِنْسَ (10) مِنْ آدَمَ وَخَلَقَ آدَمَ مِنْ طِينٍ، وَفِي صَحِيحِ
(1) ن: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه؛ م: عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه.
(2)
الْحَدِيثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 4/106 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، الْبَابُ الْأَوَّلُ) .
(3)
ن، م: وَهَكَذَا فِي التَّوْرِيَةِ؛ ا: وَهَذَا فِي التَّوْرَاةِ؛ ب: هَذَا وَفِي التَّوْرَاةِ.
(4)
مَا يُوَافِقُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
م (فَقَطْ) : كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ.
(6)
يَهُبُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) فَقَطْ.
(7)
ا، ب: أَزْمَانٍ.
(8)
ن، م: أَخْبَرَ بِهِ.
(9)
ن، ا: الْإِنْسَانَ أَوِ الْجِنَّ أَوِ الْمَلَائِكَةَ؛ م: الْإِنْسَانَ وَالْجِنَّ وَالْمَلَائِكَةَ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .
(10)
م (فَقَطْ) : الْإِنْسَانَ.