المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أقوال الناس في خلافة علي] - منهاج السنة النبوية - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌[سبب تأليف ابن تيمية للكتاب]

- ‌[تحريم كتمان العلم]

- ‌[كلام عام عن الرافضة]

- ‌[مشابهة الرافضة لليهود والنصارى]

- ‌[بعض حماقات الشيعة]

- ‌[الرافضة هم أضل الناس في المعقول والمنقول]

- ‌[الرافضة هم أكذب الطوائف]

- ‌[اعتماد متأخري الإمامية على المعتزلة في المعقولات]

- ‌[فصل مقدمة كتاب ابن المطهر]

- ‌[الإمامة هي أهم المطالب في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين]

- ‌[إبطال كلام ابن المطهر من وجوه]

- ‌[الوجه الأول الْإِيمَان بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَهَمُّ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِمَامَةِ]

- ‌[قول الرافضة إن الإمامة هي الأهم والرد على ذلك]

- ‌[الكلام على الإمام المنتظر عند الرافضة]

- ‌[إيمان الرافضة بالمنتظر ليس مثل إيمان الصوفية برجال الغيب]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّانِي الإمامية أنفسهم يجعلون الإمامة آخر المراتب في أصول الدين]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ الإمامة عند الرافضة لا تحقق اللطف والمصلحة]

- ‌[الْوَجْهُ الرَّابِعُ الكرامة لا تنال بمجرد معرفة الإمام]

- ‌[الْوَجْهُ الْخَامِسُ الإمامة ليست من أركان الإيمان]

- ‌[الْوَجْهُ السَّادِسُ الحديث الذي يستشهد به ابن المطهر لا أصل له]

- ‌[الوجه السابع لا حجة للإمامة في الحديث]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّامِنُ الحديث حجة عليهم]

- ‌[الوجه التاسع الأمر بطاعة الأئمة في غير المعصية]

- ‌[الفصل الأول من منهاج الكرامة عرض عام لرأي الإمامية وأهل السنة في الإمامة]

- ‌[رد ابن تيمية الكذب والتحريف في نقل مذهب أهل السنة ومذهب الرافضة]

- ‌[الوجه الأول إثبات القدر ونفيه معروف عند طوائف من الفريقين]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّانِي تمام قول الإمامية في القدر]

- ‌[الْوَجْهُ الثَّالِثُ الإمامة عندهم لا يحصل بها اللطف]

- ‌[الْوَجْهُ الرَّابِعُ مقالة أهل السنة في عدل الله وحكمته]

- ‌[الاستطراد في الرد على قول الفلاسفة بقدم العالم]

- ‌[مجمل الرد على قول الفلاسفة بقدم العالم]

- ‌[مناقشة الفلاسفة تفصيلا على قولهم بقدم العالم]

- ‌[بطلان القول بأن البارئ موجب بذاته للفلك]

- ‌[النتائج التي أدى إليها امتناع المتكلمين عن القول بحوادث لا أول لها]

- ‌[رد أئمة الفلاسفة وأئمة أهل الملل على المتكلمين]

- ‌[القدرية التامة والإرادة الجازمة تقتضي وجود الفعل]

- ‌[المعنى الصحيح للتقدم والتأخر]

- ‌[الزمان المطلق مقدار الحركة المطلقة]

- ‌[الأقوال الثلاثة في دوام أنواع الحوادث أزلا وأبدا]

- ‌[اعتراض يشبه قول ابن ملكا والرد عليه]

- ‌[قول الكلابية]

- ‌[قول الأشعرية والكرامية وموافقيهم]

- ‌[قول ابن سينا]

- ‌[البرهنة على صحة هذا الدليل من وجوه شتى]

- ‌[القول بأن بعض العالم أزلي وبعضه ليس بأزلي يقتضي بطلان قولهم من وجوه]

- ‌[موضع الارتباط بين الاستطراد في مسألة قدم العالم وبين الكلام في مشكلة القدر]

- ‌[دليل آخر على بطلان القول بقدم العالم]

- ‌[بطلان الاحتجاج بالأفول على الإمكان والحركة]

- ‌[الرد على ديموقريطس وأبو بكر الرازي]

- ‌[بطلان قول المعتزلة والأشاعرة بالْجَوْهَر الْفَرْد]

- ‌[مقالة ابن ملكا والرد عليها]

- ‌[عود لمناقشة رأي الفلاسفة في التقدم والتأخر]

- ‌[القول بإمكان حوادث لا أول لها مبطل للقول بقدم العالم]

- ‌[ابن سينا مخالف لأرسطو ولجمهرة الفلاسفة]

- ‌[أكثر الفلاسفة يقولون إن الفعل لا يكون إلا بعد عدم]

- ‌[حجج ابن سينا وغيره على أن الفعل لا يشترط فيه تقدم العدم]

- ‌[البرهان الأول والرد عليه]

- ‌[الْبُرْهَانُ الثَّانِي والرد عليه]

- ‌[الْبُرْهَانُ الثَّالِثُ والرد عليه]

- ‌[الْبُرْهَانُ الرَّابِعُ والرد عليه]

- ‌[الْبُرْهَانُ الْخَامِسُ والرد عليه]

- ‌[الْبُرْهَانُ السَّادِسُ والرد عليه]

- ‌[الْبُرْهَانُ السَّابِعُ والرد عليه]

- ‌[الْبُرْهَانُ الثَّامِنُ والرد عليه]

- ‌[الْبُرْهَانُ التَّاسِعُ والرد عليه]

- ‌[الْبُرْهَانُ الْعَاشِرُ والرد عليه]

- ‌[استطراد: الْكَلَامُ فِي الْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ وَكَلَامِهِ تَصَادَمَتْ فِيهِ أَئِمَّةُ الطَّوَائِفِ]

- ‌[عرض تاريخي لنشأة البدع والمذاهب الكلامية]

- ‌[ظهور الفلاسفة]

- ‌[أقوال الفلاسفة]

- ‌[عود لمسألة قدم العالم]

- ‌[بطلان القول بأن فاعل العالم علة تامة لأصول العالم دون حوادثه]

- ‌[رد ابن ملكا ومتابعيه على سلفهم من الفلاسفة]

- ‌[قول أكثر الفلاسفة بتقدم مادة العالم على صورته]

- ‌[ضلال أرسطو وأتباعه وشركهم]

- ‌[أدلة السمع على حدوث العالم لا يمكن تأويلها]

- ‌[الأقوال المختلفة في إرادة الله تعالى]

- ‌[التقديرات الثلاثة في مقارنة المراد للإرادة]

- ‌[بطلان ما يزعمه الفلاسفة من أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد]

- ‌[نقد فلاسفة اليونان المشركين]

- ‌[موافقة الفارابي وابن سينا لأرسطو في القول بالحركة الشوقية]

- ‌[امتناع مقارنة المفعول للواجب]

- ‌[وجه الارتباط بين الكلام في قدم العالم ومسألة الحكمة والتعليل]

- ‌[حُجَّةُ الِاسْتِكْمَالِ]

- ‌[أدلة القائلين بامتناع ما لا نهاية له من الحوادث والرد عليهم]

- ‌[التَّسَلْسُلُ نَوْعَانِ]

- ‌[الدور نوعان]

- ‌[امتناع وجود إلهين]

- ‌[الأخطاء التي وقع فيها المعتزلة والشيعة نتيجة ظنهم أَنَّ التَّسَلْسُلَ نَوْعٌ وَاحِدٌ]

- ‌[تجويز المعتزلة والشيعة الترجيح بلا مرجح مكن الفلاسفة من القول بقدم العالم]

- ‌[رد الأشاعرة ومن وافقهم على المعتزلة والشيعة]

- ‌[استمرار مناقشة مزاعم ابن المطهر]

- ‌[فَصْلٌ قول الرافضي بأن أهل السنة جَوَّزُوا على الله فِعْلَ الْقَبِيحِ وَالْإِخْلَالَ بِالْوَاجِبِ والرد عليه]

- ‌[فَصْلٌ الرد على قول الرافضي إن الله لا يفعل لغرض ولا حكمة]

- ‌[فَصْلٌ الرد على قول الرافضي إنهم يقولون إن الله تعالى لا يفعل الأصلح]

- ‌[فَصْلٌ الرد على قول الرافضي إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ الْمُطِيعَ لَا يَسْتَحِقُّ ثَوَابًا وَالْعَاصِيَ لَا يَسْتَحِقُّ عِقَابًا]

- ‌[فَصْلٌ الرد على قول الرافضي إنهم يَقُولُونَ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ غَيْرُ مَعْصُومِينَ]

- ‌[اعتراض: الغلو موجود في كثير من المنتسبين إلى السنة والرد عليه]

- ‌[فَصْلٌ الرد على قول الرافضي إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَنُصَّ عَلَى إِمَامَةِ أَحَدٍ وَإِنَّهُ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ]

- ‌[النصوص الدالة على استحقاق أبي بكر الخلافة]

- ‌[أدلة ابن حزم على أن الرسول نص على خلافة أبي بكر نصا جليا]

- ‌[قول الراوندية بالنص على خلافة العباس]

- ‌[الأحاديث الدالة على ثبوت خلافة أبي بكر]

- ‌[فَصْلٌ بطلان مزاعم ابن المطهر عن بيعة أبي بكر]

- ‌[كانت بيعة عثمان بإجماع المسلمين]

- ‌[اتفاق المسلمين على بيعة أبي بكر أعظم من اتفاقهم على بيعة علي]

- ‌[أقوال الناس في خلافة علي]

- ‌[التعليق على ما نسبه ابن المطهر إلى أهل السنة من أقوال عن الإمامة بعد علي]

- ‌[تفصيل القول في بيان رأي أهل السنة في الإمامة]

الفصل: ‌[أقوال الناس في خلافة علي]

جَلِيلَةٌ (1) جِدًّا، وَهِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ نَزَلَ عَنْ مَقَامِهِ الْأَوَّلِ فِي دَعْوَى الْإِمَارَةِ، وَأَذْعَنَ لِلصِّدِّيقِ بِالْإِمَارَةِ، فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ] (2) .

وَلِهَذَا اضْطَرَبَ النَّاسُ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ عَلَى أَقْوَالٍ:

[أقوال الناس في خلافة علي]

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّهُ إِمَامٌ وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ إِمَامٌ، وَإِنَّهُ يَجُوزُ نَصْبُ إِمَامَيْنِ [فِي وَقْتٍ](3) إِذَا لَمْ يُمْكِنِ الِاجْتِمَاعُ عَلَى إِمَامٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا يُحْكَى عَنِ الْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إِمَامٌ عَامٌّ، بَلْ كَانَ زَمَانَ فِتْنَةٍ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْبَصْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ. وَلِهَذَا لَمَّا أَظْهَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ التَّرْبِيعَ بِعَلِيٍّ فِي الْخِلَافَةِ وَقَالَ: مَنْ لَمْ يُرَبِّعْ بِعَلِيٍّ فِي الْخِلَافَةِ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ، أَنْكَرَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَقَالُوا: قَدْ أَنْكَرَ خِلَافَتَهُ مَنْ لَا يُقَالُ: هُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ، يُرِيدُونَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مِنَ الصَّحَابَةِ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ بِحَدِيثِ سَفِينَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" «تَكُونُ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثِينَ سَنَةً ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا» "، [وَ](4) هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ كَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ (5) .

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ: بَلْ عَلِيٌّ هُوَ الْإِمَامُ، وَهُوَ مُصِيبٌ فِي قِتَالِهِ لِمَنْ قَاتَلَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَاتَلَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ كَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ كُلُّهُمْ مُجْتَهِدُونَ

(1) أ: جَلِيَّةٌ.

(2)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(3)

فِي وَقْتٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

(4)

ن، م: مُلْكًا هَذَا.

(5)

سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الْحَدِيثِ (ص 515 ت [0 - 9] ) .

ص: 537

مُصِيبُونَ. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، كَقَوْلِ الْبَصْرِيِّينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ:[أَبِي الْهُذَيْلِ](1) وَأَبِي عَلِيٍّ، وَأَبِي هَاشِمٍ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ: كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي حَامِدٍ (2) ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ [أَبِي الْحَسَنِ] الْأَشْعَرِيِّ (3) . وَهَؤُلَاءِ [أَيْضًا](4) يَجْعَلُونَ مُعَاوِيَةَ مُجْتَهِدًا مُصِيبًا فِي قِتَالِهِ، كَمَا أَنَّ عَلِيًّا مُصِيبٌ.

وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ [مِنَ الْفُقَهَاءِ](5) مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، ذَكَرَهُ [أَبُو عَبْدِ اللَّهِ](6) بْنُ حَامِدٍ، ذَكَرَ [لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ] (7) فِي الْمُقْتَتِلِينَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: (8) كِلَاهُمَا مُصِيبٌ، وَالثَّانِي: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الْمُصِيبُ وَمَنْ خَالَفَهُ مُخْطِئٌ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَئِمَّةِ السَّلَفِ (9) أَنَّهُ لَا يُذَمُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ (10) وَأَنَّ عَلِيًّا أَوْلَى بِالْحَقِّ [مِنْ غَيْرِهِ](11) . أَمَّا تَصْوِيبُ الْقِتَالِ فَلَيْسَ هُوَ قَوْلَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، بَلْ هُمْ يَقُولُونَ إِنَّ تَرْكَهُ كَانَ أَوْلَى.

(1) أَبِي الْهُذَيْلِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(2)

وَهُوَ الْغَزَالِيُّ.

(3)

ن، م: عَنِ الْأَشْعَرِيِّ.

(4)

أَيْضًا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(5)

مِنَ الْفُقَهَاءِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(6)

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(7)

لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(8)

ن، م، أ: أَحَدُهُمَا، وَهُوَ خَطَأٌ.

(9)

أ، ب: وَأَئِمَّةِ السُّنَّةِ.

(10)

ن، م: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمْ.

(11)

مِنْ غَيْرِهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

ص: 538

وَطَائِفَةٌ رَابِعَةٌ تَجْعَلُ عَلِيًّا هُوَ الْإِمَامَ، وَكَانَ مُجْتَهِدًا مُصِيبًا فِي الْقِتَالِ، وَمَنْ قَاتَلَهُ (1) كَانُوا [مُجْتَهِدِينَ](2) مُخْطِئِينَ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْكَلَامِ (3) ، مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ.

وَطَائِفَةٌ خَامِسَةٌ تَقُولُ: إِنَّ عَلِيًّا مَعَ كَوْنِهِ كَانَ خَلِيفَةً وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ، فَكَانَ (4) تَرْكُ الْقِتَالِ أَوْلَى، وَيَنْبَغِي الْإِمْسَاكُ عَنِ الْقِتَالِ لِهَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا (5) خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي» "(6) . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ عَنِ الْحَسَنِ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ،

(1) ن: وَمَنْ قَاتَلُوهُ.

(2)

مُجْتَهِدِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(3)

أ، ب: الْكَلَامِ وَالرَّأْيِ.

(4)

ن، م: وَكَانَ.

(5)

فِيهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (أ) ، (ب) .

(6)

الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 4/198 - 199 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ) وَنَصُّهُ فِيهِ: " سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفُ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ 9/51 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ) ؛ مُسْلِمٍ 4/2211 - 2212 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ نُزُولِ الْفِتَنِ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 14/207 - 208. وَجَاءَ الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/29 (وَصَحَّحَهُ أَحْمَد شَاكِر) وَجَاءَ الْحَدِيثُ مَعَ زِيَادَةٍ طَوِيلَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِ " الِاسْتِقَامَةِ " 2/341 وَتَكَلَّمْتُ هُنَاكَ عَلَى مَكَانِهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالْمُسْنَدِ.

ص: 539

وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ (1) عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» " (2) . فَأَثْنَى عَلَى الْحَسَنِ بِالْإِصْلَاحِ، وَلَوْ كَانَ الْقِتَالُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا، لَمَا مُدِحَ تَارِكُهُ.

قَالُوا: وَقِتَالُ الْبُغَاةِ لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِهِ ابْتِدَاءً، وَلَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِ كُلِّ بَاغٍ، بَلْ قَالَ [تَعَالَى] (3) {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 9] ، فَأَمَرَ إِذَا اقْتَتَلَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا [عَلَى الْأُخْرَى](4) قُوتِلَتْ.

قَالُوا: وَلِهَذَا لَمْ يَحْصُلْ بِالْقِتَالِ مَصْلَحَةٌ، وَالْأَمْرُ الَّذِي يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَصْلَحَتُهُ رَاجِحَةً عَلَى مَفْسَدَتِهِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَنْبَأَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ

(1) أ، ب: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَسَنِ.

(2)

أ، ب: الْمُؤْمِنِينَ. وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 3/186 (كِتَابُ الصُّلْحِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ. . .) ، 4/204 - 205 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ) ، 5/26 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بَابُ مَنَاقِبِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رضي الله عنهما) ، 9/56 - 57 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ ابْنِي هَذَا لَسَيِّدٌ. . .) وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ:. . . وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ. وَفِي لَفْظٍ: بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. الْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/299 - 300 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ فِي الْفِتْنَةِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/323 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. . .) ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3/87 - 88 (كِتَابُ الْجُمُعَةِ، بَابُ مُخَاطَبَةِ الْإِمَامِ رَعِيَّتَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ) .

(3)

تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(4)

عَلَى الْأُخْرَى: زِيَادَةٌ فِي (م) .

ص: 540

سِيرِينَ، قَالَ:«قَالَ حُذَيْفَةُ: مَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ تُدْرِكُهُ الْفِتْنَةُ إِلَّا أَنَا أَخَافُهَا عَلَيْهِ إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ (1) ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَا تَضُرُّكَ الْفِتْنَةُ» " (2) .

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، [عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ، قَالَ: دَخَلْنَا (3) عَلَى حُذَيْفَةَ فَقَالَ: إِنِّي لَأَعْرِفُ رَجُلًا لَا تَضُرُّهُ الْفِتَنُ شَيْئًا. قَالَ: فَخَرَجْنَا فَإِذَا فُسْطَاطٌ مَضْرُوبٌ، فَدَخَلْنَا (4) فَإِذَا فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ](5) ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا أُرِيدُ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْ أَمْصَارِكُمْ (6) حَتَّى تَنْجَلِيَ عَمَّا انْجَلَتْ (7) .

فَهَذَا الْحَدِيثُ يُبَيِّنُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ لَا تَضُرُّهُ الْفِتْنَةُ، وَهُوَ مِمَّنِ اعْتَزَلَ فِي الْقِتَالِ فَلَمْ يُقَاتِلْ لَا مَعَ عَلِيٍّ

(1) مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا إِلَّا تَبُوكَ، وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ 46 أَوْ 47، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي الْإِصَابَةِ لِابْنِ حَجَرٍ 3/363 - 364؛ الِاسْتِيعَابِ (بِهَامِشِ الْإِصَابَةِ) 3/315 - 317؛ أُسْدِ الْغَابَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ (ط. الشَّعْبِ) 5/112 - 113.

(2)

الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/300 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) .

(3)

م، أ: دَخَلْتُ.

(4)

فَدَخَلْنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (أ) .

(5)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

(6)

ن، م، أ: أَمْصَارِهِمْ.

(7)

الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/300 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) .

ص: 541

وَلَا مَعَ مُعَاوِيَةَ، كَمَا اعْتَزَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ (1) ، وَأَبُو بَكْرَةَ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَأَكْثَرُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ قِتَالٌ وَاجِبٌ وَلَا مُسْتَحَبٌّ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ تَرْكُ ذَلِكَ مِمَّا يُمْدَحُ بِهِ الرَّجُلُ، بَلْ كَانَ مَنْ فَعَلَ الْوَاجِبَ أَوِ الْمُسْتَحَبَّ (2) أَفْضَلَ مِمَّنْ تَرَكَهُ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ قِتَالُ فِتْنَةٍ.

كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ [فِيهَا] (3) خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَالسَّاعِي خَيْرٌ مِنَ الْمُوضِعِ» "(4) - 31.، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي تُبَيِّنُ أَنَّ تَرْكَ الْقِتَالِ كَانَ خَيْرًا مِنْ فِعْلِهِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ [أَئِمَّةِ] (5) أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ؛ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ (6) وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ.

(1) ن: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(2)

ن، م: الْوَاجِبُ وَالْمُسْتَحَبُّ.

(3)

فِيهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(4)

الْحَدِيثُ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (ص [0 - 9] 39 ت [0 - 9] ) . وَهُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، انْظُرْ: ج [0 - 9] ، رَقْمُ 1446، 1609 ج [0 - 9] ، رَقْمُ 4286، ج [0 - 9] 4 رَقْمُ 7783، وَلَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ. انْظُرْ شَرْحَ الْحَدِيثِ فِي فَتْحِ الْبَارِي 13

(5)

أَئِمَّةِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(6)

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سُفْيَانُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَسْرُوقِ بْنِ حَبِيبٍ الثَّوْرِيُّ الْكُوفِيُّ. كَانَ إِمَامًا فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ. تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ 161، وَقِيلَ سَنَةَ 162. تَرْجَمَتُهُ فِي وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/127 - 128؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/250 - 251.

ص: 542

وَهَذِهِ أَقْوَالُ مَنْ يُحْسِنُ الْقَوْلَ فِي عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةَ، وَمَنْ سِوَى هَؤُلَاءِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فَمَقَالَاتُهُمْ فِي الصَّحَابَةِ لَوْنٌ آخَرُ، فَالْخَوَارِجُ تُكَفِّرُ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَمَنْ وَالَاهُمَا (1) ؛ وَالرَّوَافِضُ تُكَفِّرُ جُمْهُورَ (2) الصَّحَابَةِ كَالثَّلَاثَةِ وَمَنْ وَالَاهُمْ وَتُفَسِّقُهُمْ (3) ، وَيُكَفِّرُونَ مَنْ قَاتَلَ

(1) ذَكَرَ ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ (الْفَرْقُ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 45) : " وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ: الَّذِي يَجْمَعُهَا " فِرَقُ الْخَوَارِجِ " إِكْفَارُ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَأَصْحَابِ الْجَمَلِ وَالْحَكَمَيْنِ، وَمَنْ رَضِيَ بِالتَّحْكِيمِ وَصَوَّبَ الْحَكَمَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا ". وَيَذْكُرُ الْأَشْعَرِيُّ (مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 2/126) أَنَّ بَعْضَ الْخَوَارِجِ يَرَوْنَ أَنَّ كُفْرَ عَلِيٍّ وَالْحَكَمَيْنِ هُوَ كُفْرُ شِرْكٍ، وَالْبَعْضُ الْآخَرُ يَقُولُونَ إِنَّهُ كُفْرُ نِعْمَةٍ وَلَيْسَ بِكُفْرِ شِرْكٍ. وَانْظُرِ: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/106، 107، 109، وَقَارِنْ مَا وَرَدَ فِي ص [0 - 9] 18. وَانْظُرْ أَيْضًا: أُصُولَ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيِّ، ص [0 - 9] 86 - 287؛ الِانْتِصَارَ لِلْخَيَّاطِ، 102.

(2)

أ، ب: جَمِيعَ.

(3)

يَذْكُرُ الْخَيَّاطُ (الِانْتِصَارَ، ص [0 - 9] 04) : " وَأَمَّا قَوْلُهُ: " أَيِ ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ ": إِنَّهُ لَيْسَ فِي الشِّيعَةِ مَنْ يُجَوِّزُ اجْتِمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى الْكُفْرِ؛ فَإِنَّ الرَّافِضَةَ بِأَسْرِهَا قَدْ زَعَمَتْ أَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهَا قَدْ كَفَرَتْ وَأَشْرَكَتْ إِلَّا نَفَرًا يَسِيرًا خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً، وَشُهْرَةُ قَوْلِهَا بِذَلِكَ تُغْنِي عَنِ الْإِكْثَارِ فِيهِ ". وَانْظُرْ: ص [0 - 9] 00، 101 - 102 - 103. وَيَذْكُرُ الِاسْفَرَايِينِيُّ (التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ ص [0 - 9] 4) بَعْدَ كَلَامِهِ عَلَى فِرَقِ الْإِمَامِيَّةِ مَا يَلِي:" وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ ذَكَرْنَاهُمْ مِنْ فِرَقِ الْإِمَامِيَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّحَابَةِ ". وَحَتَّى الْجَارُودِيَّةِ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ يَقُولُونَ بِتَكْفِيرِ كُلِّ الصِّحَابِ لِتَرْكِهِمْ بَيْعَةَ عَلِيٍّ، وَانْظُرِ: التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 6؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/140. وَنَجِدُ فِي كُتُبِ الشِّيعَةِ مِصْدَاقَ ذَلِكَ (انْظُرْ مَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ: أَحْمَد أَمِين: ضُحَى الْإِسْلَامِ 3/249 - 250) . وَفِي كِتَابِ " مِنْهَاجِ الشَّرِيعَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ تَيْمِيَّةَ " يُحَاوِلُ الْمُؤَلِّفُ التَّدْلِيلَ عَلَى جَوَازِ سَبِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما ثُمَّ يَقُولُ (ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 1) : ". . . فَاسْتَبَاحَا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنَ الْعِتْرَةِ وَتَقَدَّمَا عَلَيْهِمَا، فَهَذِهِ أَدِلَّةُ السَّابِّ، وَهِيَ أَدِلَّةٌ ثَابِتَةُ الصِّحَّةِ عِنْدَ مَنْ تَابَعَهَا وَلَيْسَ لَهَا مُعَارِضٌ، بَلْ لَهَا مَا يُعَضِّدُهَا مِمَّا صَدَرَ مِنْهُمَا مِنَ الْمُخَالَفَاتِ لِلشَّرِيعَةِ وَالْمُشَاقَّاتِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ حَسْبَمَا يَأْتِي الْبَيَانُ. فَمَنْ فَسَّقَ مَنْ سَبَّهُمْ فَهُوَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ لِدُخُولِهِ فِي خَبَرِ: وَقَاضٍ قَضَى بِجَوْرٍ وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ؛ لِعِلْمِ الْمُفَسِّقِ بِأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلسَّبِّ بِالسُّنَنِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا. وَيَذْهَبُ الْمُؤَلِّفُ (ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 8) إِلَى أَنَّ " مَسْأَلَةَ تَفْضِيلِ طَبَقَةِ مُؤْمِنِي الصَّحَابَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الطَّبَقَاتِ مِنَ الْبُهْتَانِ الْبَيِّنِ "، ثُمَّ يَقُولُ: " فَإِنَّهُ يُعْلَمُ يَقِينًا بِأَنَّ أَخْبَارَهُمْ قَدِ اسْتَفَاضَتْ وَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ الطَّفِّ (يَاقُوتٌ: أَرْضٌ مِنْ ضَاحِيَةِ الْكُوفَةِ) بَيْنَ يَدَيْ رَيْحَانَةِ الرَّسُولِ (ص) أَفْضَلُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُسْتَشْهِدِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَغَيْرِهِ ".

ص: 543

عَلِيًّا وَيَقُولُونَ: هُوَ إِمَامٌ مَعْصُومٌ (1)، وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمَرْوَانِيَّةِ تُفَسِّقُهُ وَتَقُولُ: إِنَّهُ ظَالِمٌ مُعْتَدٍ (2)، وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ تَقُولُ: قَدْ فَسَقَ إِمَّا هُوَ وَإِمَّا مَنْ قَاتَلَهُ، لَكِنْ لَا يُعْلَمُ عَيْنُهُ، وَطَائِفَةٌ أُخْرَى مِنْهُمْ تُفَسِّقُ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرًا دُونَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ (3) .

(1) يَذْكُرُ الْأَشْعَرِيُّ (الْمَقَالَاتِ 1/122) أَنَّ فِرْقَةً مِنَ الشِّيعَةِ تُكَفِّرُ مَنْ حَارَبَ عَلِيًّا وَتُضَلِّلُهُ، وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ حَارَبَ عَلِيًّا فَاسِقٌ لَيْسَ بِكَافِرٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَارَبَ عَلِيًّا عِنَادًا لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَرَدًّا عَلَيْهِ فَهُمْ كُفَّارٌ. وَفِي " مِنْهَاجِ الشَّرِيعَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ تَيْمِيَّةَ " يُحَاوِلُ الْمُؤَلِّفُ الْبَرْهَنَةَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ حَارَبَ عَلِيًّا رضي الله عنه فِي مَوْقِعَتَيِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ لَا يُعَدُّ مُسْلِمًا، وَمِنْ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ (ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 3) : " وَخَبَرُ: وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ، دَلِيلٌ عَلَى نِفَاقِ حَتَّى مَنْ لَمْ يُحَارِبْ مَعَهُ وَلَمْ يُحَارِبْهُ، فَإِنَّ مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، فَعُلِمَ مُخَالَفَتُهُمْ وَتَرْكُهُمْ لِهَذِهِ السُّنَنِ جَمِيعًا فِي حُكْمِهِمْ بِأَنَّ مَنْ حَارَبَ عَلِيًّا مُسْلِمٌ ".

(2)

مُعْتَدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ)، (ب) . وَفِي (ن) : مُتَعَدٍّ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) .

(3)

فِي كِتَابِ " أُصُولِ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيِّ، ص [0 - 9] 90 - 291: " وَقَالَ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَالنَّظَّامُ وَأَكْثَرُ الْقَدَرِيَّةِ: نَتَوَلَّى عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ عَلَى انْفِرَادِهِمْ، وَنَتَوَلَّى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَأَتْبَاعَهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِمَا، وَلَكِنْ لَوْ شَهِدَ عَلِيٌّ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ شَهِدَ طَلْحَةُ أَوِ الزُّبَيْرُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَ عَلِيٌّ مَعَ طَلْحَةَ عَلَى بَاقَةِ بَقْلٍ لَمْ نَحْكُمْ بِشَهَادَتِهِمَا: لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فَاسِقٌ، وَالْفَاسِقُ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ، وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ ". وَذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ (الْمَقَالَاتِ 2/130) أَنَّ النَّظَّامَ كَانَ مِمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ مُصِيبًا، فِي حِينِ أَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَائِشَةَ وَمُعَاوِيَةَ كَانُوا مُخْطِئِينَ. وَقَالَ ضِرَارٌ وَأَبُو الْهُذَيْلِ وَمَعْمَرٌ: نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُصِيبٌ وَالْآخَرَ مُخْطِئٌ، فَنَحْنُ نَتَوَلَّى كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَأَنْزَلُوا الْفَرِيقَيْنِ مَنْزِلَةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُخْطِئٌ، وَلَا يَعْلَمُونَ الْمُخْطِئَ مِنْهُمَا. هَذَا قَوْلُهُمْ فِي عَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَعَائِشَةَ؛ فَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَهُمْ لَهُ مُخَطِّئُونَ غَيْرُ قَائِلِينَ بِإِمَامَتِهِ. وَانْظُرْ أَيْضًا: الِانْتِصَارَ لِلْخَيَّاطِ، ص 97 - 98؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 1 - 73؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/52 - 53.

ص: 544

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ وَحُرُوبِهِ (1) كَثِيرٌ مُنْتَشِرٌ (2) بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، فَكَيْفَ تَكُونُ مُبَايَعَةُ الْخَلْقِ لَهُ أَعْظَمَ مِنْ مُبَايَعَتِهِمْ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ، [رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ؟](3) .

فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي (4) أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ خِلَافَتَهُ انْعَقَدَتْ بِمُبَايَعَةِ الْخَلْقِ لَهُ لَا بِالنَّصِّ.

فَلَا رَيْبَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ النَّصَّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، لِقَوْلِهِ:" «خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً» "، فَهُمْ يَرْوُونَ (5) النُّصُوصَ الْكَثِيرَةَ فِي صِحَّةِ خِلَافَةِ غَيْرِهِ.

وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (6) ، يَرْوُونَ فِي صِحَّةِ خِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ نُصُوصًا كَثِيرَةً، بِخِلَافِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ فَإِنَّ نُصُوصَهَا قَلِيلَةٌ، فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ اجْتَمَعَتْ (7) الْأُمَّةُ عَلَيْهِمْ فَحَصَلَ بِهِمْ مَقْصُودُ الْإِمَامَةِ، وَقُوتِلَ بِهِمُ

(1) ن، م: وَجُودِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(2)

أ: مُنْذُ شَهْرٍ (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) ؛ ب: مُشْتَهَرٌ.

(3)

رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(4)

بِقَوْلِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (أ) ، (ب) .

(5)

ن: يَرَوْنَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(6)

أ، ب: أَهْلُ الْحَدِيثِ.

(7)

ن، م: أَجْمَعَتْ.

ص: 545