الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَتْبَاعُهُ إِنَّمَا يُثْبِتُونَ الْأَوَّلَ - الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْعِلَّةَ الْأُولَى - بِالِاسْتِدْلَالِ بِحَرَكَةِ الْفَلَكِ (1)، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: هِيَ اخْتِيَارِيَّةٌ شَوْقِيَّةٌ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا مُحَرِّكٌ [مُنْفَصِلٌ](2) عَنْهَا، وَزَعَمُوا أَنَّ الْمُتَحَرِّكَ بِالْإِرَادَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحَرِّكٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ بَاطِلٌ.
قَالُوا: وَالْمُحَرِّكُ لَهَا يُحَرِّكُهَا، كَمَا يُحَرِّكُ الْإِمَامُ الْمُقْتَدَى بِهِ لِلْمَأْمُومِ الْمُقْتَدِي، وَقَدْ يُشَبِّهُونَهَا بِحَرَكَةِ الْمَعْشُوقِ لِلْعَاشِقِ، فَإِنَّ الْمَحْبُوبَ الْمُرَادَ يَتَحَرَّكُ [إِلَيْهِ] (3) الْمُحِبُّ الْمُرِيدُ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةٍ مِنْ (4) الْمَحْبُوبِ. قَالُوا: وَذَلِكَ الْعِشْقُ هُوَ عِشْقُ التَّشَبُّهِ بِالْأَوَّلِ (5) .
[موافقة الفارابي وابن سينا لأرسطو في القول بالحركة الشوقية]
وَهَكَذَا وَافَقَهُ مُتَأَخِّرُوهُمْ كَالْفَارَابِيِّ وَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِمَا، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ سَبَبَ الْحَوَادِثِ فِي الْعَالَمِ إِنَّمَا هُوَ حَرَكَاتُ الْأَفْلَاكِ (6) ، وَحَرَكَاتُ الْأَفْلَاكِ حَادِثَةٌ عَنْ تَصَوُّرَاتٍ حَادِثَةٍ وَإِرَادَاتٍ (7) حَادِثَةٍ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَتْ تَابِعَةً لِتَصَوُّرٍ كُلِّيٍّ [وَإِرَادَةٍ كُلِّيَّةٍ](8) ، كَالرَّجُلِ الَّذِي يُرِيدُ
(1) ا، ب: بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْحَرَكَةِ حَرَكَةِ الْفَلَكِ.
(2)
مُنْفَصِلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
إِلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(5)
هَذَا الَّذِي يَذْكُرُهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ عَنْ أَرِسْطُو مِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ " مَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ " لِأَرِسْطُو. انْظُرْ: Aristotle metaphysica، english translation by ross (.) book. 7، 1072 a - 1072 b 2 nd ed. O \ ford، 1928 وَانْظُرْ أَيْضًا: Gomperz (.) - greek thinkers. Iv،. 211، english tr.، london، 1912.
(6)
ن، م، ا: إِنَّ سَبَبَ الْحَوَادِثِ فِي الْعَالَمِ إِنَّمَا هِيَ حَرَكَاتُ الْأَفْلَاكِ، وَهُوَ خَطَأٌ وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .
(7)
ن، م: وَأُمُورٍ.
(8)
عِبَارَةُ " وَإِرَادَةٌ كُلِّيَّةٌ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
الْقَصْدَ إِلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ، مِثْلِ مَكَّةَ مَثَلًا، فَهَذِهِ إِرَادَةٌ كُلِّيَّةٌ [تَتَّبِعُ تَصَوُّرًا كُلِّيًّا](1) ، ثُمَّ إِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ تَصَوُّرَاتٌ لِمَا يَقْطَعُهُ مِنَ الْمَسَافَاتِ، وَإِرَادَاتٌ لِقَطْعِ تِلْكَ الْمَسَافَاتِ، فَكَهَذَا حَرَكَةُ (2) الْفَلَكِ عِنْدَهُمْ. لَكِنَّ مُرَادَهُ الْكُلِّيَّ هُوَ التَّشَبُّهُ (3) بِالْأَوَّلِ، وَلِهَذَا قَالُوا: الْفَلْسَفَةُ هِيَ التَّشَبُّهُ بِالْأَوَّلِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ (4) .
فَإِذَا (5) كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِلَّةَ الْغَائِيَّةَ الْمُنْفَصِلَةَ عَنِ الْمَعْلُولِ لَا تَكُونُ هِيَ الْعِلَّةُ الْفَاعِلَةُ، وَإِذَا كَانَ الْفَلَكُ مُمْكِنًا مُتَحَرِّكًا بِإِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُبْدِعٍ [لَهُ](6) أَبْدَعَهُ كُلَّهُ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ كَالْإِنْسَانِ، وَلَا بُدَّ لِهَذِهِ التَّصَوُّرَاتِ وَالْإِرَادَاتِ وَالْحَرَكَاتِ الْحَادِثَةِ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ قَدِيمٍ تَكُونُ صَادِرَةً عَنْهُ، سَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّهَا صَادِرَةٌ بِوَسَطٍ أَوْ بِغَيْرٍ وَسَطٍ.
وَهَؤُلَاءِ لَمْ يُثْبِتُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ لَمْ يُثْبِتُوا إِلَّا عِلَّةً غَائِيَّةً لِلْحَرَكَةِ،
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
ن: حَرَكَاتُ.
(3)
ب (فَقَطْ) : التَّشْبِيهُ.
(4)
انْظُرِ الْفَارَابِيَّ: مَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ قَبْلَ تَعَلُّمِ الْفَلْسَفَةِ، ص 13، طَبْعَةُ الْمَكْتَبَةِ السَّلَفِيَّةِ، الْقَاهِرَةَ، 1328/1910؛ ابْنَ سِينَا: النَّجَاةَ 3/293، الطَّبْعَةَ الثَّانِيَةَ، الْقَاهِرَةَ، 1357/1938. وَهَذِهِ الْفِكْرَةُ الَّتِي تَجْعَلُ غَايَةَ الْفَلْسَفَةِ وَالْفَيْلَسُوفِ هِيَ التَّشَبُّهُ بِاللَّهِ، مَصْدَرُهَا الْأَوَّلُ أَفْلَاطُونَ، وَقَدْ ذَكَرَ مَا يُشْبِهُهَا فِي مُحَاوَرَةِ " تِيتْيَاتُوسَ ". وَانْظُرْ فِي ذَلِكَ. Rosenthal (. .) political thought in medieval islam: pp. 122 - 3. 272، cambridge، 1958. وَقَارَنَ الدُّكْتُورُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِدَوِيٌّ: أَفْلَاطُونَ، ص 212، الطَّبْعَةَ الثَّالِثَةَ، الْقَاهِرَةَ، 1954.
(5)
ا، ب: وإِنَّ.
(6)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
فَكَانَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ أَنَّ جَمِيعَ الْحَوَادِثِ مِنَ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ لَيْسَ لَهَا فَاعِلٌ يُحْدِثُهَا أَصْلًا، بَلْ وَلَا لِمَا يَسْتَلْزِمُ هَذِهِ الْحَوَادِثَ (1)[وَالْعَنَاصِرَ](2) ، وَكُلٌّ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَوَادِثِ (3) .
وَمِنَ الْمَعْلُومِ فِي بُدَائَةِ (4) الْعُقُولِ أَنَّ الْمُمْكِنَ الْمُفْتَقِرَ إِلَى غَيْرِهِ مُمْتَنَعٌ (5) وَجُودُهُ بِدُونِ وَاجِبِ الْوُجُودِ، وَأَنَّ الْحَوَادِثَ يُمْتَنَعُ وُجُودُهَا بِدُونِ مُحْدِثٍ. وَمُتَأَخِّرُوهُمْ - كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ - يُسَلِّمُونَ (6) أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ مُمْكِنٌ [بِنَفْسِهِ](7) لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَمَنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ غُلَاتِهِمْ فَقَوْلُهُ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّ الْفَقْرَ وَالْحَاجَةَ لَازِمَانِ (8) لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ، لَا يَقُومُ مِنْهُ شَيْءٌ (9) إِلَّا بِشَيْءٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ.
وَوَاجِبُ الْوُجُودِ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ (10) بِنَفْسِهِ، لَا يَفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلَيْسَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ يَكُونُ [هُوَ](11) وَحْدَهُ مُحْدِثًا لِشَيْءٍ مِنَ الْحَوَادِثِ، وَكُلٌّ مِنَ الْأَفْلَاكِ لَهُ حَرَكَةٌ تَخُصُّهُ، لَيْسَتْ حَرَكَتُهُ عَنْ حَرَكَةِ
(1) ن، م: بَلْ وَلَا (ثُمَّ بَيَاضٌ بِمِقْدَارِ كَلِمَتَيْنِ)، لَعَلَّ الصَّوَابَ: بَلْ وَلَا (وُجُودَ عِنْدَهُمْ) لِمَا يَسْتَلْزِمُ. . . إِلَخْ.
(2)
وَالْعَنَاصِرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
ن، م: لِلْحَرَكَاتِ.
(4)
ن، ا: بِدَايَةِ؛ ب: بَدَاهَةِ.
(5)
ا: لَا يُمْتَنَعُ، وَهُوَ خَطَأٌ؛ ب: يُمْتَنَعُ.
(6)
ن، م: وَهُمْ يُسَلِّمُونَ.
(7)
بِنَفْسِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
ن، م، ا: لَازِمٌ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .
(9)
ا، ب: شَيْءٌ مِنْهُ.
(10)
عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . وَالْمَقْصُودُ عَنِ الْعَالَمِ.
(11)
هُوَ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
الْأَعْلَى حَتَّى يُقَالَ (1) أَنَّ الْأَعْلَى هُوَ الْمُحْدِثُ لِجَمِيعِ الْحَرَكَاتِ، وَلَا فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ حَادِثٌ (2) عَنْ سَبَبٍ بِعَيْنِهِ - لَا عَنْ حَرَكَةِ الشَّمْسِ وَلَا الْقَمَرِ وَلَا الْأَفْلَاكِ (3) وَلَا الْعَقْلِ الْفَعَّالِ وَلَا شَيْءٍ مِمَّا يُظَنُّ - بَلْ أَيُّ جُزْءٍ مِنَ الْعَالَمِ اعْتَبَرْتَهُ وَجَدْتَهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِإِحْدَاثِ شَيْءٍ، وَوَجَدْتَهُ إِذَا كَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي شَيْءٍ - كَالسُّخُونَةِ الَّتِي تَكُونُ لِلشَّمْسِ مَثَلًا - فَلَهُ مُشَارِكُونَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، كَالْفَاكِهَةِ الَّتِي لِلشَّمْسِ مَثَلًا أَثَرٌ فِي إِنْضَاجِهَا ثُمَّ إِيبَاسِهَا وَتَغْيِيرِ أَلْوَانِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَا يَكُونُ إِلَّا بِمُشَارَكَةٍ مِنَ الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ وَالتُّرْبَةِ (4) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ، ثُمَّ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لَا يَتَمَيَّزُ أَثَرُهُ عَنْ أَثَرِ الْآخَرِ، بَلْ هُمَا مُتَلَازِمَانِ.
فَإِذَا قَالُوا: الْعَقْلُ الْفَعَّالُ لِلْفِعْلِ (5) خَلَعَ عَلَيْهِ صُورَةً عِنْدَ اسْتِعْدَادِهِ، [وَ] بِالِامْتِزَاجِ (6) قَبْلَ الصُّورَةِ، مَثَلًا كَالطِّينِ (7) الَّذِي يَحْدُثُ [فِيهِ](8) عَنِ امْتِزَاجِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ (9) أَثَرٌ مُلَازِمٌ لِهَذَا الِامْتِزَاجِ، لَا يُمْكِنُ وُجُودُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَإِذَا كَانَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِمَا اثْنَيْنِ (10) لَزِمَ أَنْ يَكُونَا مُتَلَازِمَيْنِ، لِامْتِنَاعِ
(1) ا، ب: يُظَنَّ.
(2)
ن، م: وَلَا فِي وُجُودِ شَيْءٍ خَارِجٍ.
(3)
ن، م: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَلَا الْفَلَكُ.
(4)
ا، ب: وَالطِّينَةِ.
(5)
لِلْفِعْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(6)
ن، م: عِنْدَ اسْتِعْدَادِهِ بِالِامْتِزَاجِ.
(7)
ن، م: بِالطِّينِ.
(8)
فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(9)
ن، م: وَالطِّينِ.
(10)
ن، م، ا: اثْنَانِ، وَهُوَ خَطَأٌ.
وُجُودِ أَثَرِ أَحَدِهِمَا دُونَ (1) الْآخَرِ، وَيُمْتَنَعُ اثْنَانِ مُتَلَازِمَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبُ الْوُجُودِ؛ لِأَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ لَا يَكُونُ وُجُودُهُ مَشْرُوطًا بِوُجُودِ غَيْرِهِ، وَلَا تَأْثِيرُهُ مَشْرُوطًا بِتَأْثِيرِ غَيْرِهِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ، فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ غَنِيًّا عَمَّا سِوَاهُ، فَكُلُّ مَا (2) افْتَقَرَ إِلَى غَيْرِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَوْ أَفْعَالِهِ (3) ، لَا يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا بِنَفْسِهِ، بَلْ يَكُونُ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ، [وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا إِلَى غَيْرِهِ وَلَوْ بِوَجْهٍ](4) ، لَمْ يَكُنْ غِنَاهُ ثَابِتًا لَهُ بِنَفْسِهِ.
وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ (5) وُجُودِ غَنِيٍّ بِنَفْسِهِ عَمَّا سِوَاهُ مِنْ (6) كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنَّ الْمَوْجُودَ إِمَّا مُمْكِنٌ وَإِمَّا وَاجِبٌ، وَالْمُمْكِنُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وَاجِبٍ، فَثَبَتَ وُجُودُ الْوَاجِبِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِلْوُجُودِ (7) : إِمَّا مُحْدَثٌ وَإِمَّا قَدِيمٌ، وَالْمُحْدَثُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَدِيمٍ، فَثَبَتَ وُجُودُ الْقَدِيمِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
وَكَذَلِكَ يُقَالُ: إِمَّا فَقِيرٌ وَإِمَّا غَنِيٌّ، وَالْفَقِيرُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ غَنِيٍّ، فَثَبَتَ وُجُودُ الْغَنِيِّ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
وَكَذَلِكَ يُقَالُ: الْمَوْجُودُ (8) إِمَّا قَيُّومٌ وَإِمَّا غَيْرُ قَيُّومٍ، وَغَيْرُ الْقَيُّومِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَيُّومٍ، فَثَبَتَ وُجُودُ الْقَيُّومِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
(1) ا: وُجُودِ أَثَرِهِمَا دُونَ؛ ب: وُجُودِ أَحَدِهِمَا دُونَ. .
(2)
ا: فَكَمَا؛ ب: فَلَمَّا.
(3)
ن، م، ا: أَوْ أَفْعَالِهِ إِلَى غَيْرِهِ.
(4)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(5)
ب (فَقَطْ) : لَا بُدَّ لَهُ مِنْ. . .
(6)
ن: عَنْ.
(7)
م: الْمَوْجُودُ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (ا) ، (ب) .
(8)
ن، م: الْوُجُودُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
وَكَذَلِكَ يُقَالُ: إِمَّا مَخْلُوقٌ وَإِمَّا غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَالْمَخْلُوقُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ خَالِقٍ غَيْرِ الْمَخْلُوقِ، فَثَبَتَ وُجُودُ الْمَوْجُودِ الَّذِي لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
ثُمَّ ذَلِكَ الْمَوْجُودُ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ [الْقَدِيمُ](1) الْغَنِيُّ بِنَفْسِهِ الْقَيُّومُ الْخَالِقُ الَّذِي لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ بِجِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ، فَإِنَّهُ إِنِ افْتَقَرَ إِلَى مَفْعُولِهِ، وَمَفْعُولُهُ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ، لَزِمَ الدَّوْرُ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ. وَإِنِ افْتَقَرَ إِلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ، لَزِمَ التَّسَلْسُلُ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ. وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ.
فَإِنِ امْتَنَعَ (2) أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا [لِنَفْسِهِ، فَهُوَ يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لِفَاعِلٍ](3) بِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَسَوَاءٌ عَبَّرَ (4) بِلَفْظِ الْفَاعِلِ أَوِ الصَّانِعِ (5) أَوِ الْخَالِقِ أَوِ الْعِلَّةِ أَوِ الْمَبْدَأِ أَوِ الْمُؤَثِّرِ، فَالدَّلِيلُ يَصِحُّ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ.
وَكَذَلِكَ يُمْتَنَعُ تَقْدِيرُ مَفْعُولَاتٍ لَيْسَ فِيهَا فَاعِلٌ غَيْرُ مَفْعُولٍ، وَهُوَ تَقْدِيرُ آثَارٍ (* لَيْسَ فِيهَا مُؤَثِّرٌ، وَتَقْدِيرُ مُمْكِنَاتٍ لَيْسَ فِيهَا وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ *)(6) مُمْكِنٌ فَقِيرٌ، وَمَجْمُوعُهَا مُفْتَقِرٌ إِلَى كُلٍّ مِنْ آحَادِهَا (7) ، فَهُوَ
(1) الْقَدِيمُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
ا، ب: فَإِذَا كَانَ يُمْتَنَعُ.
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(4)
ن: غَيْرُ (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) ؛ ا: ب: عَبَّرُوا.
(5)
ن، م: وَالصَّانِعِ.
(6)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.
(7)
ن: أَوْحَدِهَا؛ م: وَاحِدِهَا.
أَيْضًا فَقِيرٌ مُمْكِنٌ، وَكُلَّمَا زَادَتِ السِّلْسِلَةُ زَادَ (1) الْفَقْرُ وَالِاحْتِيَاجُ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَقْدِيرُ مَعْدُومَاتٍ لَا تَتَنَاهَى، فَإِنَّ كَثْرَتَهَا لَا تُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا مَعْدُومَاتٍ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَوْجُودٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمَوْجُودِ الْغَنِيِّ الْقَدِيمِ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ، الْغَنِيِّ عَمَّا سِوَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَكُلُّ مَا فِي الْعَالَمِ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ، وَالْفَقْرُ (2) ظَاهِرٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنَ الْعَالَمِ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ، لَا يُحْدِثُ شَيْئًا (3) بِنَفْسِهِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ لَا يَسْتَغْنِي بِنَفْسِهِ أَلْبَتَّةَ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبَ الْوُجُودِ.
فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ الْقَيُّومُ الْغَنِيُّ مُبَايِنًا لِلْعَالَمِ، وَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ كُلُّ كَمَالٍ [مُمْكِنِ الْوُجُودِ](4) لَا نَقْصَ فِيهِ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِهِ (* لَكَانَ الْكَمَالُ: إِمَّا مُمْتَنَعًا عَلَيْهِ، وَهُوَ مُحَالٌ: لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّهُ مُمْكِنُ الْوُجُودِ، وَلِأَنَّ (5) الْمُمْكِنَاتِ *) (6) مُتَّصِفَةٌ (7) بِكَمَالَاتٍ عَظِيمَةٍ، وَالْخَالِقُ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ مِنَ الْمَخْلُوقِ، وَالْقَدِيمُ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْحَادِثِ، وَالْوَاجِبُ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْمُمْكِنِ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ وُجُودًا مِنْهُ، وَالْأَكْمَلُ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ مِنْ غَيْرِ الْأَكْمَلِ، وَلِأَنَّ كَمَالَ الْمَخْلُوقِ مِنَ الْخَالِقِ، فَخَالِقُ الْكَمَالِ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ، وَهُمْ يَقُولُونَ:
(1) ب (فَقَطْ) : يَزْدَادُ.
(2)
ن (فَقَطْ) : وَالْفَقِيرُ.
(3)
ب: شَيْءٌ.
(4)
مُمْكِنِ الْوُجُودِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
ن: الْوُجُودِ لِأَنَّ. . .
(6)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(7)
ا، ب: مَوْصُوفَةٌ.