الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْهَا: أَنْ يُقَالَ: الْمَاهِيَّاتُ الْمُمْكِنَةُ فِي نَفْسِهَا لَا نِهَايَةَ لَهَا.
وَمِنْهَا: أَنْ يُقَالَ: الْوَاحِدُ الْمَشْهُودُ الَّذِي تَصْدُرُ عَنْهُ الْآثَارُ لَهُ قَوَابِلُ مَوْجُودَةٌ، وَالْبَارِي تَعَالَى هُوَ الْمُبْدِعُ لِوُجُودِ كُلِّ مَا سِوَاهُ، فَلَا يُعْلَمُ أَمْرٌ صَادِرٌ عَنْ مُمْكِنٍ إِلَّا عَنْ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ هُنَاكَ مَانِعٌ يَمْنَعُ التَّأْثِيرَ (1) ، وَلَيْسَ فِي الْمَوْجُودَاتِ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ وَحْدَهُ شَيْءٌ إِلَّا اللَّهُ [تَعَالَى](2) .
[بطلان ما يزعمه الفلاسفة من أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد]
فَقَوْلُهُمْ: الْوَاحِدُ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ: إِنْ أَدْرَجُوا فِيهَا [مَا](3) سِوَى اللَّهِ فَذَاكَ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ وَحْدَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يُرِيدُوا بِهَا إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ فَهَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ وَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ هُوَ الدَّلِيلُ، وَذَلِكَ الْوَاحِدُ لَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَتَهُ وَلَا كَيْفِيَّةَ الصُّدُورِ عَنْهُ؟ .
وَأَيْضًا: فَالْوَاحِدُ الَّذِي يُثْبِتُونَهُ، هُوَ وُجُودٌ مُجَرَّدٌ عَنِ الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ عَنْ [بَعْضِهِمْ]- كَابْنِ سِينَا وَأَتْبَاعِهِ (4) - أَوْ عَنِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَهَذَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، بَلْ يُمْتَنَعُ تَحَقُّقُهُ فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا هُوَ [أَمْرٌ](5) يُقَدَّرُ فِي الْأَذْهَانِ، كَمَا تُقَدَّرُ الْمُمْتَنَعَاتُ. وَلِهَذَا (6) كَانَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِينَا فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا نَازَعَهُ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، وَقَالُوا: إِنَّ هَذَا لَيْسَ [هُوَ] قَوْلُ [أَئِمَّةِ] الْفَلَاسِفَةِ (7) ، وَإِنَّمَا ابْنُ
(1) ن (فَقَطْ) : النَّاسَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(2)
تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
(3)
مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(4)
ن، م: عِنْدَ ابْنِ سِينَا وَمَنْ تَابَعَهُ.
(5)
أَمْرٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(6)
ا: كَمَا تُقَدَّرُ وَلِهَذَا؛ ب: كَمَا تَقَدَّمَ وَلِهَذَا.
(7)
ن (فَقَطْ) : لَيْسَ قَوْلَ الْفَلَاسِفَةِ.
سِينَا وَأَمْثَالُهُ أَحْدَثُوهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَيْهِ أَبُو الْبَرَكَاتِ [صَاحِبُ " الْمُعْتَبَرِ "](1) ، وَهُوَ مِنْ أَقْرَبِ هَؤُلَاءِ إِلَى اتِّبَاعِ الْحُجَّةِ الصَّحِيحَةِ بِحَسَبِ نَظَرِهِ، وَالْعُدُولُ عَنْ تَقْلِيدِ سَلَفِهِمْ، مَعَ أَنَّ أَصْلَ (2) أَمْرِهِمْ وَحِكْمَتِهِمْ أَنَّ الْعَقْلِيَّاتِ لَا تَقْلِيدَ فِيهَا.
. وَأَيْضًا: فَإِذَا لَمْ يَصْدُرْ [عَنْهُ](3) إِلَّا وَاحِدٌ - كَمَا يَقُولُونَهُ فِي الْعَقْلِ الْأَوَّلِ فَذَلِكَ الصَّادِرُ الْأَوَّلُ إِنْ كَانَ وَاحِدًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَزِمَ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ، وَهَلُمَّ جَرًّا. وَإِنْ كَانَ فِيهِ كَثْرَةٌ مَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ - وَالْكَثْرَةُ وُجُودِيَّةٌ - كَانَ قَدْ صَدَرَ (4) عَنِ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَدَمِيَّةً لَمْ يَصْدُرْ عَنْهَا وُجُودٌ، فَلَا يَصْدُرُ عَنِ الصَّادِرِ الْأَوَّلِ وَاحِدٌ.
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ صَدَرَ عَنْهُ شَيْئَانِ، لَكَانَ مَصْدَرُ هَذَا غَيْرَ مَصْدَرِ ذَلِكَ (5) ، وَلَزِمَ التَّرْكِيبُ.
فَيُقَالُ أَوَّلًا: لَيْسَ الصُّدُورُ عَنِ الْبَارِي كَصُدُورِ الْحَرَارَةِ عَنِ النَّارِ، بَلْ هُوَ فَاعِلٌ بِالْمَشِيئَةِ وَالِاخْتِيَارِ، وَلَوْ قُدِّرَ تَعَدُّدُ الْمَصْدَرِ فَهُوَ تَعَدُّدُ أُمُورٍ إِضَافِيَّةٍ، وَتَعَدُّدُ الْإِضَافَاتِ وَالسُّلُوبِ ثَابِتَةٌ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ تَعَدُّدُ صِفَاتٍ، فَهَذَا يَسْتَلْزِمُ الْقَوْلَ بِثُبُوتِ الصِّفَاتِ، وَهَذَا حَقٌّ.
وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ هَذَا تَرْكِيبٌ، وَالتَّرْكِيبُ (* مُمْتَنَعٌ، قَدْ بَيَّنَّا [فَسَادَهُ] بِوُجُوهٍ
(1) صَاحِبُ الْمُعْتَبَرِ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
(2)
أَصْلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(3)
عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
ا: كَانَ بِمُقَدَّرٍ؛ ب: كَانَ يَصْدُرُ.
(5)
ن، م: غَيْرَ مَصْدَرِ هَذَا.
كَثِيرَةٍ [فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ] وَبَيَّنَّا أَنَّ (1) لَفْظَ التَّرْكِيبِ وَالِافْتِقَارِ وَالْجُزْءِ وَالْغَيْرِ أَلْفَاظٌ مُشْتَرَكَةٌ مُجْمَلَةٌ، وَأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِهِ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ بِالْمَعْنَى الَّذِي لَا *) (2) يَنْفِيهِ الدَّلِيلُ، بَلْ يُثْبِتُهُ الدَّلِيلُ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا (3) أَنَّ الْمُوجِبَ بِالذَّاتِ إِذَا فُسِّرَ بِهَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَمَّا إِذَا فُسِّرَ الْمُوجِبُ بِالذَّاتِ [بِأَنَّهُ](4) الَّذِي يُوجِبُ مَفْعُولَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمَعْنَى مُنَافِيًا لِكَوْنِهِ فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ، بَلْ يَكُونُ فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ، مُوجِبًا بِذَاتِهِ الَّتِي هِيَ فَاعِلٌ قَادِرٌ مُخْتَارٌ، وَهُوَ مُوجِبٌ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.
وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُوجِبَ بِالذَّاتِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ فَاعِلًا بِمَشِيئَتِهِ [وَقُدْرَتِهِ](5)(5 وَالْآخَرُ يُنَافِي كَوْنَهُ فَاعِلًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ 5)(6)، فَمَنْ قَالَ: الْقَادِرُ لَا يَفْعَلُ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ - كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّةِ - يَجْعَلُ الْفِعْلَ بِالِاخْتِيَارِ مُنَافِيًا لِلْإِيجَابِ، لَا يُجَامِعُهُ (7) بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ لَا يَكُونُ قَادِرًا [مُخْتَارًا](8) إِلَّا إِذَا فَعَلَ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ.
(1) ن (فَقَطْ) : قَدْ بَيَّنَّا بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَبَيَّنَّا أَنَّ. .
(2)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ.
(3)
ن: بِهَا.
(4)
بِأَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(5)
وَقُدْرَتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(6)
(5 - 5) سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(7)
لَا يُجَامِعُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(8)
مُخْتَارًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
وَالْجُمْهُورُ (1) مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ: الْقَادِرُ هُوَ الَّذِي إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ (2) لَمْ يَفْعَلْ، لَكِنَّهُ إِذَا شَاءَ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ قُدْرَتِهِ، لَزِمَ وُجُودُ فِعْلِهِ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَمَعَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ وَالْمَشِيئَةِ الْجَازِمَةِ يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ.
وَلِهَذَا صَارَتِ الْأَقْوَالُ ثَلَاثَةً: فَالْفَلَاسِفَةُ يَقُولُونَ بِالْمُوجِبِ بِالذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الصِّفَاتِ، أَوِ الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَاتِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُقَارِنَهُ مُوجِبُهُ الْمُعَيَّنُ أَزَلًا وَأَبَدًا.
وَالْقَدَرِيَّةُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ [مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ](3) ، يَقُولُونَ بِالْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ الَّذِي يَفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ (4) .
ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَفْعَلُ لَا بِإِرَادَةٍ، بَلِ الْمُرِيدُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْفَاعِلُ الْعَالِمُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِحُدُوثِ الْإِرَادَةِ، وَمَا يُحْدِثُهُ (5) مِنْ إِرَادَةٍ أَوْ فِعْلٍ فَهُوَ يُحْدِثُهُ (6) بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ، فَإِنَّ الْقَادِرَ عِنْدَهُمْ يُرَجِّحُ (7) بِلَا مُرَجِّحٍ. ثُمَّ الْقَدَرِيَّةُ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: يُرِيدُ (8) مَا لَا يَكُونُ، وَيَكُونُ مَا لَا يُرِيدُ، وَقَدْ يَشَاءُ مَا لَا يَكُونُ، وَيَكُونُ مَا لَا يَشَاءُ، [بِخِلَافِ الْمُجْبِرَةِ](9) .
(1) ن (فَقَطْ) : وَالْمَقْصُودُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(2)
ا، ب: وَإِنْ شَاءَ.
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
ن، م:. . بِالْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ الَّذِي لَا يَفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ.
(5)
ا، ب: وَمَا يَحْدُثُ.
(6)
ا، ب: فَهُوَ يُرَجِّحُهُ.
(7)
ن، م: تَرْجِيحٌ.
(8)
ب (فَقَطْ) : قَدْ يُرِيدُ.
(9)
عِبَارَةُ " بِخِلَافِ الْمُجْبِرَةِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمُ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ وَالصِّفَاتِ، يَقُولُونَ: إِنَّهُ فَاعِلٌ بِالِاخْتِيَارِ، وَإِذَا شَاءَ شَيْئًا كَانَ، وَإِرَادَتُهُ وَقُدْرَتُهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، سَوَاءٌ قَالُوا بِإِرَادَةٍ وَاحِدَةٍ قَدِيمَةٍ، أَوْ بِإِرَادَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ، أَوْ بِإِرَادَاتٍ (1) قَدِيمَةٍ تَسْتَوْجِبُ حُدُوثَ إِرَادَاتٍ أُخَرَ. فَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ (2) مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ عِنْدَهُمْ وُجُودُ مُرَادِهِ.
وَإِذَا فُسِّرَ الْإِيجَابُ بِالذَّاتِ بِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا، فَالدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يُمْكِنُ (3) تَصَوُّرُهُ (4) بِلَفْظِ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ، وَلَفْظِ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ، وَلَفْظِ الْمُؤَثِّرِ وَالْأَثَرِ، وَلَفْظِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، وَهُوَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ يُبَيِّنُ امْتِنَاعَ قِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَوُجُوبَ حُدُوثِ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ.
وَهُنَا أَمْرٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ النَّاسَ تَنَازَعُوا فِي الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ: هَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ إِرَادَتُهُ قَبْلَ الْفِعْلِ وَيُمْتَنَعُ مُقَارَنَتُهَا لَهُ؟ أَمْ يَجِبُ مُقَارَنَةُ إِرَادَتِهِ - الَّتِي هِيَ الْقَصْدُ - لِلْفِعْلِ، وَمَا يَتَقَدَّمُ الْفِعْلَ يَكُونُ عَزْمًا لَا قَصْدًا؟ أَمْ يَجُوزُ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.
وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا وُجُوبَ حُدُوثِ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ (5) مِنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ: قَوْلُ مَنْ يُوجِبُ الْمُقَارَنَةَ، [وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ (6) بِأَنَّ الْمُقَارَنَةَ](7) مُمْتَنَعَةٌ، وَقَوْلُ مَنْ يُجَوِّزُ الْأَمْرَيْنِ.
(1) ا، ب: أَوْ بِإِرَادَةٍ.
(2)
قَوْلٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(3)
ا، ب: لَا يُمْكِنُ.
(4)
ن، م: تَصْوِيرُهُ.
(5)
قَوْلٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(6)
ا، ب: وَمَنْ يَقُولُ.
(7)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا فِي الْقُدْرَةِ: هَلْ يَجِبُ مُقَارَنَتُهَا لِلْمَقْدُورِ [وَيُمْتَنَعُ تَقْدِيمُهَا](1) ؟ أَمْ يَجِبُ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْمَقْدُورِ (2 وَيُمْتَنَعُ مُقَارَنَتُهَا؟ أَمْ تَتَّصِفُ بِالتَّقَدُّمِ وَالْمُقَارَنَةِ 2)(2) ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَيْضًا (3) .
وَفَصْلُ الْخِطَابِ أَنَّ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْفِعْلِ وَمُقَارِنَةٌ لَهُ، فَلَا يَكُونُ [الْفِعْلُ](4) بِمُجَرَّدِ قُدْرَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ غَيْرِ مُقَارِنَةٍ، وَلَا بِمُجَرَّدِ إِرَادَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ غَيْرِ مُقَارِنَةٍ، بَلْ لَا بُدَّ عِنْدَ وُجُودِ الْأَثَرِ مِنْ وُجُودِ الْمُؤَثِّرِ التَّامِّ، وَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ بِفَاعِلٍ مَعْدُومٍ حِينَ الْفِعْلِ (5) ، وَلَا بِقُدْرَةٍ مَعْدُومَةٍ حِينَ الْفِعْلِ، (6 وَلَا بِإِرَادَةٍ مَعْدُومَةٍ حِينَ الْفِعْلِ 6)(6) ، وَقَبْلَ [الْفِعْلِ](7) لَا تَجْتَمِعُ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ وَالْقُدْرَةُ التَّامَّةُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْفِعْلِ، فَلَا يُوجَدُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ، لَكِنْ قَدْ يُوجَدُ قَبْلَ الْفِعْلِ قُدْرَةٌ بِلَا إِرَادَةٍ، وَإِرَادَةٌ بِلَا قُدْرَةٍ، كَمَا قَدْ يُوجَدُ عَزْمٌ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ، فَإِذَا حَضَرَ وَقْتُ الْفِعْلِ قَوِيَ الْعَزْمُ فَصَارَ قَصْدًا، فَتَكُونُ الْإِرَادَةُ حِينَ الْفِعْلِ أَكْمَلَ مِمَّا كَانَتْ (8) قَبْلَهُ، [وَكَذَلِكَ الْقُدْرَةُ حِينَ الْفِعْلِ أَكْمَلُ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَهُ](9) .
وَبِهَذَا كَانَ الْعَبْدُ قَادِرًا قَبْلَ الْفِعْلِ الْقُدْرَةَ الْمَشْرُوطَةَ فِي الْأَمْرِ الَّتِي بِهَا
(1) وَيُمْتَنَعُ تَقَدُّمُهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
(2 - 2) : بَدَلًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي (ن)، (م) : أَمْ يَجُوزُ الْأَمْرَانِ.
(3)
أَيْضًا: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ.
(4)
الْفِعْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(5)
ن (فَقَطْ) : وَلَا يَكُونُ الْفَاعِلُ بِفِعْلٍ مَعْدُومٍ حِينَ الْفِعْلِ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(6)
(6 - 6) : سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
(7)
الْفِعْلِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(8)
ن: كَانَ.
(9)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
يُفَارِقُ الْعَاجِزَ (1) كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ: 16]، وَقَوْلِهِ:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 97]، وَقَوْلِهِ:{فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 4] . فَإِنَّ هَذِهِ الِاسْتِطَاعَةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ [إِلَّا](2) مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ، لَمْ يَجِبِ الْحَجُّ عَلَى مَنْ لَمْ يَحُجَّ، وَلَا وَجَبَ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ، وَلَكَانَ كُلُّ مَنْ لَمْ يَصُمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ لِلصِّيَامِ، وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ هَذِهِ النُّصُوصِ وَخِلَافُ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
فَمَنْ نَفَى هَذِهِ الْقُدْرَةَ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ، وَزَعَمَ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ، فَقَدْ بَالَغَ فِي مُنَاقَضَةِ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا تَكُونُ الِاسْتِطَاعَةُ إِلَّا قَبْلَ الْفِعْلِ.
فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَخْطَئُوا حَيْثُ زَعَمُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: إِنَّ كُلَّ مَا يَقْدِرُ (3) بِهِ الْعَبْدُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ فَقَدْ (4) سَوَّى اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، بَلْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ مَا يُمْكِنُ (5) أَنْ يُعْطِيَهُ لِلْعَبْدِ (6) مِمَّا بِهِ يُؤْمِنُ وَيُطِيعُ.
وَهَذَا الْقَوْلُ فَاسِدٌ قَطْعًا، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي جَمِيعِ أَسْبَابِ الْفِعْلِ، لَكَانَ اخْتِصَاصُ أَحَدِهِمَا بِالْفِعْلِ دُونَ الْآخَرِ تَرْجِيحًا لِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ. وَهَذَا هُوَ أَصْلُ هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ
(1) ن: فِي الْأَمْرِ فَارَقَ بِهَا الْعَاجِزَ؛ م: فِي الْأَمْرِ الَّتِي فَارَقَ بِهَا الْعَاجِزَ.
(2)
إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(3)
ن (فَقَطْ) : كُلَّ مَا قُدِّرَ.
(4)
ن، م: قَدْ.
(5)
ن، م، ا: يُمْكِنُهُ.
(6)
ا، ب: الْعَبْدَ.