الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذَا قَدْ يُقَالُ لِأَجْلِ الْمُنَاقَشَةِ فِي الْحِسَابِ وَالتَّقْصِيرِ فِي [حَقِيقَةِ] الطَّاعَةِ (1) ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يَجْعَلُ الظُّلْمَ مَقْدُورًا غَيْرَ وَاقِعٍ، وَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّ الظُّلْمَ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَأَنَّهُ مَهْمَا قُدِّرَ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ لَمْ يَكُنْ ظُلْمًا. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إِذَا قُدِّرَ أَنَّ اللَّهَ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا يَفْعَلُهُ إِلَّا بِحَقٍّ، لَا يَفْعَلُهُ وَهُوَ ظَالِمٌ، لَكِنْ إِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ فَقَدْ يَكُونُ ظُلْمًا يَتَعَالَى اللَّهُ عَنْهُ.
[فَصْلٌ الرد على قول الرافضي إنهم يَقُولُونَ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ غَيْرُ مَعْصُومِينَ]
فَصْلٌ
وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: " إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ غَيْرُ مَعْصُومِينَ "(2) فَهَذَا الْإِطْلَاقُ نَقْلٌ بَاطِلٌ عَنْهُمْ.
فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ عَنِ اللَّهِ
(1) ن: فِي طَاعَتِهِ.
(2)
انْظُرْ مَا سَبَقَ، ص 126.
[تَعَالَى](1) ، وَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الرِّسَالَةِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ هُوَ الَّذِي يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَخَبَرَهُ (2) ، وَهُمْ مَعْصُومُونَ فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ (3) بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الْخَطَأِ.
وَتَنَازَعُوا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ عَلَى لِسَانِهِ مَا يَسْتَدْرِكُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُبَيِّنُهُ لَهُ بِحَيْثُ لَا يُقِرُّهُ عَلَى الْخَطَأِ. كَمَا نُقِلَ أَنَّهُ أُلْقِيَ عَلَى لِسَانِهِ [صلى الله عليه وسلم](4) : تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ (5) لَتُرْتَجَى؛ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَخَ مَا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ وَأَحْكَمَ آيَاتِهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ إِذْ لَا مَحْذُورَ فِيهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ [تَعَالَى](6) يَنْسَخُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ وَيُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 53] (7) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ بَلْ (8) قَدْ يَقَعُ مِنْهُمُ الْخَطَأُ (9) "
(1) تَعَالَى: لَيْسَتْ فِي (ن) .
(2)
ب (فَقَطْ) : وَغَيْرُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3)
ن (فَقَطْ) : فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ.
(4)
صلى الله عليه وسلم: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(5)
ن، م، أ: شَفَاعَتُهَا.
(6)
تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(7)
انْظُرْ خَبَرَ الْغَرَانِيقِ وَتَفْسِيرَ الْآيَةِ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ 17/131 - 134، ط. بُولَاقَ، 1328؛ تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ 5/438 - 442 (ط. الشَّعْبِ) ؛ نَصْبُ الْمَجَانِيقِ لِنَسْفِ قِصَّةِ الْغَرَانِيقِ، لِلشَّيْخِ مُحَمَّد نَاصِر الدِّينِ الْأَلْبَانِيِّ، ط. الْمَكْتَبِ الْإِسْلَامِيِّ، دِمَشْقُ، 1372/1952.
(8)
بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(9)
انْظُرْ مَا سَبَقَ، ص [0 - 9]24.
فَيُقَالُ لَهُ: هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ [عَلَى](1) خَطَأٍ فِي الدِّينِ أَصْلًا وَلَا عَلَى فُسُوقٍ (2) وَلَا كَذِبٍ، فَفِي الْجُمْلَةِ كُلُّ مَا يَقْدَحُ فِي نُبُوَّتِهِمْ وَتَبْلِيغِهِمْ عَنِ اللَّهِ فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَنْزِيهِهِمْ عَنْهُ. وَعَامَّةُ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْإِقْرَارِ عَلَيْهَا، فَلَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مَا يَضُرُّهُمْ.
كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ: كَانَ دَاوُدُ بَعْدَ التَّوْبَةِ خَيْرًا مِنْهُ قَبْلَ الْخَطِيئَةِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 222] ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَفْعَلُ السَّيِّئَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا الْجَنَّةَ.
وَأَمَّا النِّسْيَانُ وَالسَّهْوُ فِي الصَّلَاةِ فَذَلِكَ وَاقِعٌ مِنْهُمْ، وَفِي وُقُوعِهِ حِكْمَةُ اسْتِنَانِ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ كَمَا رُوِيَ فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ:" «إِنَّمَا أُنَسَّى أَوْ أَنْسَى لِأَسُنَّ» "(3) . وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم " «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي» " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (4) . «وَلَمَّا صَلَّى
(1) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(2)
أ، ب: فِسْقٍ.
(3)
الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ 1/100 (كِتَابُ السَّهْوِ، بَابُ الْعَمَلِ فِي السَّهْوِ) وَنَصُّهُ فِيهِ: " وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ ". قَالَ الْمُحَقِّقُ: " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ هَذَا الْحَدِيثَ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُسْنَدًا وَلَا مَقْطُوعًا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي فِي الْمُوَطَّأِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ مُسْنَدَةً وَلَا مُرْسَلَةً، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ فِي الْأُصُولِ ".
(4)
الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 1/85 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ) وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِيهِ:. . . عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا أَدْرِي زَادَ أَمْ نَقَصَ فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ قَالَ:" وَمَا ذَاكَ؟ " قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ: " إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ. . الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ 1/402 - 403 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ لَهُ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/368 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ إِذَا صَلَّى خَمْسًا) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/380 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/212، 6/52 - 53، 102.
بِهِمْ خَمْسًا، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالُوا: لَهُ [يَا رَسُولَ اللَّهِ](1) أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا» ، [فَقَالَ] الْحَدِيثَ (2) .
وَأَمَّا الرَّافِضَةُ فَأَشْبَهُوا النَّصَارَى، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ النَّاسَ بِطَاعَةِ الرُّسُلِ فِيمَا أَمَرُوا بِهِ، وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ، وَنَهَى الْخَلْقَ عَنِ الْغُلُوِّ وَالْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ، فَبَدَّلَتِ النَّصَارَى دِينَ اللَّهِ، فَغَلَوْا فِي الْمَسِيحِ فَأَشْرَكُوا بِهِ، وَبَدَّلُوا دِينَهُ فَعَصَوْهُ وَعَظَّمُوهُ فَصَارُوا عُصَاةً بِمَعْصِيَتِهِ، وَبَالَغُوا فِيهِ خَارِجِينَ عَنْ أَصْلَيِ الدِّينِ وَهُمَا الْإِقْرَارُ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِرُسُلِهِ بِالرِّسَالَةِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَالْغُلُوُّ أَخْرَجَهُمْ عَنِ التَّوْحِيدِ حَتَّى قَالُوا بِالتَّثْلِيثِ وَالِاتِّحَادِ، وَأَخْرَجَهُمْ عَنْ طَاعَةِ الرَّسُولِ وَتَصْدِيقِهِ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ رَبَّهُ وَرَبَّهُمْ، فَكَذَّبُوهُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ رَبُّهُ وَرَبُّهُمْ (3) وَعَصَوْهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ.
(1) يَا رَسُولَ اللَّهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
فَقَالَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) وَالْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 2/68 (كِتَابُ السَّهْوِ، بَابُ إِذَا صَلَّى خَمْسًا) ؛ مُسْلِمٍ 1/401 - 402 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/369 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ إِذَا صَلَّى خَمْسًا) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/380 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَهُوَ سَاهٍ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/193 - 194.
(3)
وَرَبُّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ غَلَوْا فِي الرُّسُلِ، بَلْ فِي الْأَئِمَّةِ، حَتَّى اتَّخَذُوهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَتَرَكُوا عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِهَا الرُّسُلُ، وَكَذَّبُوا الرَّسُولَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ (1) مِنْ تَوْبَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَاسْتِغْفَارِهِمْ، فَتَجِدُهُمْ يُعَطِّلُونَ الْمَسَاجِدَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، فَلَا يُصَلُّونَ فِيهَا جُمْعَةً وَلَا جَمَاعَةً، وَلَيْسَ لَهَا عِنْدَهُمْ كَبِيرُ (2) حُرْمَةٍ، وَإِنْ صَلَّوْا فِيهَا صَلَّوْا فِيهَا وُحْدَانًا، وَيُعَظِّمُونَ الْمَشَاهِدَ الْمَبْنِيَّةَ (3) عَلَى الْقُبُورِ فَيَعْكُفُونَ عَلَيْهَا مُشَابَهَةً لِلْمُشْرِكِينَ، وَيَحُجُّونَ إِلَيْهَا كَمَا يَحُجُّ الْحَاجُّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الْحَجَّ إِلَيْهَا أَعْظَمَ مِنَ الْحَجِّ إِلَى الْكَعْبَةِ، بَلْ يَسُبُّونَ مَنْ لَا يَسْتَغْنِي بِالْحَجِّ إِلَيْهَا عَنِ الْحَجِّ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَنْ لَا يَسْتَغْنِي بِهَا عَنِ الْجُمْعَةِ وَالْجَمَاعَةِ.
وَهَذَا مِنْ جِنْسِ دِينِ النَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُفَضِّلُونَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ عَلَى عِبَادَةِ الرَّحْمَنِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» "(4) . وَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ: «إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا
(1) ن، م: الرُّسُلَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ.
(2)
ن، م: كَثِيرُ.
(3)
ن، م: الْميلَامه، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا ن، م: مَا صَنَعُوا. وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم فِي الْبُخَارِيِّ 1/91 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَامَةِ. .) . وَهُوَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي الْبُخَارِيِّ 2/88 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ) 2/88، 102 - 103 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. .) ؛ مُسْلِمٍ 1/376 377 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ فِيهَا، بَابُ النَّهْيِ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ. .) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/294 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابٌ فِي الْبِنَاءِ عَلَى الْقَبْرِ) ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/33 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ) ، 5/78 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ) . وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ الدَّارِمِيِّ وَفِي الْمُوَطَّأِ وَفِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ج [0 - 9] حَدِيثٌ رَقْمُ 1884، ج [0 - 9] 4 حَدِيثٌ رَقْمُ 7818 وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى
يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1) . وَقَالَ:" «إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ» " رَوَاهُ [الْإِمَامُ] أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ (2) فِي صَحِيحِهِ (3) وَقَالَ " «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ". رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ (4) .
(1) الْحَدِيثُ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه فِي مُسْلِمٍ 1/377 - 378 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ. .، بَابُ النَّهْيِ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ. . . .) وَنَصُّهُ فِيهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ: " إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ ".
(2)
أ، ب: رَوَاهُ الْإِمَامُ وَابْنُ حِبَّانَ؛ ن، م: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ.
(3)
الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/324، 6/90، 162. وَصَحَّحَ الْمُحَقِّقُ رحمه الله الْحَدِيثَ فِي كُلِّ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَقَالَ 5/324: وَهُوَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 2/27 وَقَالَ (أَيِ الْهَيْثَمِيُّ) : " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ " وَهُوَ فِيهِ أَيْضًا 8/13 وَقَالَ: " رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادَيْنِ، فِي أَحَدِهِمَا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ، وَهُوَ ثِقَةٌ وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ " وَجَاءَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. . وَهُمْ أَحْيَاءٌ فِي الْبُخَارِيِّ 9/49 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ ظُهُورِ الْفِتَنِ) .
(4)
الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ 1/172 (كِتَابُ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، بَابُ جَامِعِ الصَّلَاةِ) وَنَصُّهُ فِيهِ:. . عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ "، قَالَ الْمُحَقِّقُ: " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ ". وَجَاءَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، لَعَنَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رحمه الله الْحَدِيثَ وَانْظُرْ تَعْلِيقَهُ الْمُطَوَّلَ.
وَقَدْ صَنَّفَ شَيْخُهُمُ ابْنُ النُّعْمَانِ، الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ بِالْمُفِيدِ -[وَهُوَ شَيْخُ الْمُوسَوِيِّ وَالطُّوسِيِّ] (1) - كِتَابًا سَمَّاهُ:" مَنَاسِكُ الْمَشَاهِدِ " جَعَلَ قُبُورَ الْمَخْلُوقِينَ تُحَجُّ كَمَا تُحَجُّ [الْكَعْبَةُ](2) الْبَيْتُ الْحَرَامُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ قِيَامًا لِلنَّاسِ، وَهُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ فَلَا يُطَافُ إِلَّا بِهِ، وَلَا يُصَلَّى إِلَّا إِلَيْهِ (3) وَلَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ إِلَّا بِحَجِّهِ (4) .
وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَمْرِ الْمَشَاهِدِ، وَلَا شَرَعَ لِأُمَّتِهِ مَنَاسِكَ عِنْدَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، بَلْ هَذَا مِنْ دِينِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [سُورَةُ نُوحٍ: 23] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [وَغَيْرُهُ] : (5) هَؤُلَاءِ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ فِي
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ الْمُفِيدِ وَالْمُوسَوِيِّ وَالطُّوسِيِّ فِيمَا سَبَقَ، ص 56 ت [0 - 9] ، 3، 4.
(2)
الْكَعْبَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
ن، م: إِلَّا لَهُ.
(4)
أ، ب: وَلَمْ يَأْمُرْ إِلَّا بِحَجِّهِ.
(5)
وَغَيْرُهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
قَوْمِ نُوحٍ لَمَّا مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ، فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ، فَصَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ ثُمَّ عَبَدُوهُمْ. (1)
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (2) عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ قَالَ: " لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا» " (3) . [وَقَدْ ثَبَتَ فِي] صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ (4) عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ [لِي](5) عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: «أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا أَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتُهُ، وَلَا تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتُهُ» (6) . فَقَرَنَ بَيْنَ طَمْسِ التَّمَاثِيلِ وَتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ الْمُشْرِفَةِ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا (7) ذَرِيعَةٌ إِلَى
(1) الْأَثَرُ مَرْوِيٌّ بِمَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبُخَارِيِّ 6/16 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ (إِنَّا أَرْسَلْنَا) . وَانْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِآيَةِ 23 مِنْ سُورَةِ نُوحٍ.
(2)
عِبَارَةُ " فِي الصَّحِيحِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(3)
الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ رضي الله عنه فِي مُسْلِمٍ 2/668 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/294 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ الْقُعُودِ عَلَى الْقَبْرِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/257 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْوَطْءِ عَلَى الْقُبُورِ وَالْجُلُوسِ عَلَيْهَا) ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/53 (كِتَابُ الْقِبْلَةِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى الْقَبْرِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/135.
(4)
ن، م: وَفِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ.
(5)
لِي: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(6)
الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي مُسْلِمٍ 2/666 - 667 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ الْأَمْرِ بِتَسْوِيَةِ الْقَبْرِ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/291 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابٌ فِي تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/256 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ) ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 4 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ تَسْوِيَةِ الْقُبُورِ إِذَا رُفِعَتْ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/105، 236 - 237.
(7)
ن، م، أ: لِأَنَّ كِلَاهُمَا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) وَهُوَ الصَّوَابُ.
الشِّرْكِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ وَأُمَّ حَبِيبَةَ ذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. وَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا، فَقَالَ:" إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ التَّصَاوِيرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "(1) .
وَاللَّهُ أَمَرَ فِي كِتَابِهِ (2) بِعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَشَاهِدَ. فَالرَّافِضَةُ بَدَّلُوا دِينَ اللَّهِ فَعَمَرُوا الْمَشَاهِدَ، وَعَطَّلُوا الْمَسَاجِدَ، مُضَاهَاةً لِلْمُشْرِكِينَ، وَمُخَالَفَةً لِلْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ تَعَالَى {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 29] لَمْ يَقُلْ: عِنْدَ كُلِّ مَشْهَدٍ. وَقَالَ: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ - إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 17، 18] وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّمَا يَعْمُرُ (3) مَشَاهِدَ اللَّهِ، بَلْ عُمَّارُ الْمَشَاهِدِ يَخْشَوْنَ بِهَا غَيْرَ اللَّهِ وَيَرْجُونَ غَيْرَ اللَّهِ (4) .
(1) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ عَائِشَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنهن فِي الْبُخَارِيِّ 1/89 \ 90 - 91 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الْجَاهِلِيَّةِ. . .، بَابٌ فِي الصَّلَاةِ فِي الْبَيْعَةِ) ، 2/90 - 91 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْقَبْرِ) ؛ مُسْلِمٍ 1/375 - 376 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ. . .، بَابُ النَّهْيِ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ. .) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/51.
(2)
ن، م: فِي كِتَابِهِ أَمَرَ. .
(3)
عِبَارَةُ " إِنَّمَا يَعْمُرُ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(4)
ن، م: وَيَرْجُونَ غَيْرَهُ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [سُورَةُ الْجِنِّ: 18] وَلَمْ يَقُلْ: وَأَنَّ الْمَشَاهِدَ [لِلَّهِ. وَقَالَ: {وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [سُورَةُ الْحَجِّ: 40] وَلَمْ يَقُلْ: وَمَشَاهِدُ] (1) . وَقَالَ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ - رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [سُورَةُ النُّورِ 36، 37](2) .
وَأَيْضًا فَقَدْ عُلِمَ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، بَلْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ (3) مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (4) صلى الله عليه وسلم شَرَّعَ لِأُمَّتِهِ عِمَارَةَ الْمَسَاجِدِ بِالصَّلَوَاتِ، وَالِاجْتِمَاعِ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَلِصَلَاةِ الْجُمْعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَمْ يُشَرِّعْ لِأُمَّتِهِ أَنْ يَبْنُوا عَلَى قَبْرِ نَبِيٍّ وَلَا رَجُلٍ صَالِحٍ (* لَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَلَا غَيْرِهِمْ، لَا مَسْجِدًا (5) وَلَا مَشْهَدًا. وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم *) (6) فِي الْإِسْلَامِ مَشْهَدٌ (6 مَبْنِيٌّ عَلَى قَبْرٍ، وَكَذَلِكَ عَلَى عَهْدِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَأَصْحَابِهِ الثَّلَاثَةِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاوِيَةَ، لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِهِمْ مَشْهَدٌ 6)(7) مَبْنِيٌّ لَا عَلَى قَبْرِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ، لَا عَلَى قَبْرِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَلَا عَلَى (8) غَيْرِهِ.
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
فِي (أ)، (ب) : وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ. . . الْآيَةَ.
(3)
أ، ب:. . الْمُتَوَاتِرِ وَبِالِاضْطِرَارِ.
(4)
أ، ب: أَنَّ الرَّسُولَ. .
(5)
أ، ب: مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَلَا غَيْرِهِ مَسْجِدًا.
(6)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(7)
(6 - 6) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(8)
عَلَى: زِيَادَةٌ فِي (ن) .
بَلْ لَمَّا قَدِمَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الشَّامِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَمَعَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرُهُمْ، ثُمَّ (1) لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ لِفَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ لِوَضْعِ الْجِزْيَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُشَارَطَتِهِمْ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ إِلَى سَرْغٍ (2) ، فَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَرَّاتِ (3) لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمْ يَقْصِدُ السَّفَرَ إِلَى قَبْرِ (4) الْخَلِيلِ، وَلَا كَانَ هُنَاكَ مَشْهَدٌ، بَلْ كَانَ هُنَاكَ الْبِنَاءُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْمَغَارَةِ، وَكَانَ مَسْدُودًا (5) بِلَا بَابٍ [لَهُ](6) مِثْلَ حُجْرَةِ (7) النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ هَكَذَا فِي خِلَافَةِ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ، إِلَى أَنْ مَلَكَ النَّصَّارَى تِلْكَ الْبِلَادِ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ، فَبَنَوْا ذَلِكَ الْبِنَاءَ وَاتَّخَذُوهُ كَنِيسَةً [وَنَقَبُوا بَابَ الْبِنَاءِ؛ فَلِهَذَا تَجِدُ الْبَابَ مَنْقُوبًا لَا مَبْنِيًّا](8) ، ثُمَّ لَمَّا اسْتَنْقَذَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ تِلْكَ الْأَرْضَ اتَّخَذَهَا مَنِ اتَّخَذَهَا مَسْجِدًا.
بَلْ كَانَ الصَّحَابَةُ إِذَا رَأَوْا أَحَدًا بَنَى مَسْجِدًا عَلَى قَبْرٍ نَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَمَّا ظَهَرَ قَبْرُ دَانْيَالَ بِتُسْتَرَ (9) كَتَبَ فِيهِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه
(1) ثُمَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(2)
فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ: هُوَ أَوَّلُ الْحِجَازِ وَآخِرُ الشَّامِ بَيْنَ الْمُغِيثَةِ وَتَبُوكَ مِنْ مَنَازِلِ حَاجِّ الشَّامِ.
(3)
ن، م: الْمَرَاتِبِ.
(4)
ن: قَرْيَةِ.
(5)
أ، ب: مُدَوَّرًا.
(6)
لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(7)
ن، م: حُجَرِ.
(8)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .
(9)
فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ: تُسْتَرُ. . أَعْظَمُ مَدِينَةٍ بِخُوزِسْتَانَ.
إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنْ تَحْفُرَ بِالنَّهَارِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قَبْرًا، وَتَدْفِنُهُ بِاللَّيْلِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا لِئَلَّا يَفْتَتِنَ النَّاسُ بِهِ (1) .
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا رَآهُمْ يَتَنَاوَبُونَ مَكَانًا يُصَلُّونَ فِيهِ لِكَوْنِهِ مَوْضِعَ نَبِيٍّ يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاتِّخَاذِ آثَارِ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، مَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِيهِ فَلْيُصَلِّ (2) وَإِلَّا فَلْيَذْهَبْ.
فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا كَانُوا يُحَقِّقُونَ بِهِ التَّوْحِيدَ الَّذِي أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ الرَّسُولَ إِلَيْهِمْ، وَيَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ سُنَّتَهُ صلى الله عليه وسلم.
وَالْإِسْلَامُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَنْ لَا تَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَأَنْ نَعْبُدَهُ بِمَا شَرَعَ، لَا نَعْبُدُهُ بِالْبِدَعِ.
فَالنَّصَارَى خَرَجُوا عَنِ الْأَصْلَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْمُبْتَدِعُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَأَيْضًا، فَإِنَّ النَّصَارَى يَزْعُمُونَ أَنَّ الْحَوَارِيِّينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الْمَسِيحَ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْحَوَارِيِّينَ رُسُلٌ شَافَهَهُمُ اللَّهُ بِالْخِطَابِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ، وَيَقُولُونَ أَيْضًا: إِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ اللَّهِ.
وَالرَّافِضَةُ تَجْعَلُ الْأَئِمَّةَ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَفْضَلَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ
(1) هَذِهِ الْوَاقِعَةُ ذَكَرَهَا الطَّبَرِيُّ فِي كَلَامِهِ عَنْ فَتْحِ السُّوسِ فِي حَوَادِثِ السَّنَةِ السَّابِعَةَ عَشَرَ، كَمَا ذَكَرَهَا الْبَلَاذُرِيُّ (أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ) فِي الْكَلَامِ عَنْ فَتْحِ السُّوسِ، ص [0 - 9] 86 (الطَّبْعَةُ الْأُولَى، الْقَاهِرَةُ) 1319/1901.
(2)
ن، م: فَلْيَفْعَلْ.