الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تفصيل القول في بيان رأي أهل السنة في الإمامة]
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَا يُنَازِعُونَ فِي أَنَّهُ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الشَّوْكَةِ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ يُوَلُّونَ شَخْصًا وَغَيْرُهُ أَوْلَى بِالْوِلَايَةِ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَخْتَارُ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ (1) بَعْدَهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يُطِقْ ذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الشَّوْكَةِ لَمْ يَكُونُوا مُوَافِقِينَ (2) عَلَى ذَلِكَ، (3 وَلِأَنَّهُ كَانَ قَدْ عُقِدَ الْعَهْدُ مَعَهُ لِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بَعْدَهُ، فَكَانَ يَزِيدُ هُوَ وَلِيَّ الْعَهْدِ 3)(3) .
وَحِينَئِذٍ فَأَهْلُ الشَّوْكَةِ الَّذِينَ قَدَّمُوا الْمَرْجُوحَ وَتَرَكُوا الرَّاجِحَ، أَوِ الَّذِي تَوَلَّى بِقُوَّتِهِ وَقُوَّةِ أَتْبَاعِهِ ظُلْمًا وَبَغْيًا، يَكُونُ إِثْمُ هَذِهِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ أَعَانَ عَلَى الظُّلْمِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَظْلِمْ وَلَا أَعَانَ ظَالِمًا وَإِنَّمَا أَعَانَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي هَذَا شَيْءٌ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ صَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ لَا يُعَاوِنُونَ الْوُلَاةَ إِلَّا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، لَا يُعَاوِنُونَهُمْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَيَصِيرُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ الَّذِي يَجِبُ تَقْدِيمُهُ فِي الشَّرْعِ لِكَوْنِهِ أَقْرَأَ وَأَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ، أَوْ أَقْدَمَ هِجْرَةً وَسِنًّا، إِذَا قَدَّمَ ذَوُو الشَّوْكَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُ، فَالْمُصَلُّونَ خَلْفَهُ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُهُمُ الصَّلَاةُ إِلَّا خَلْفَهُ، أَيُّ ذَنْبٍ لَهُمْ فِي ذَلِكَ؟
(1) الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، أَبُو مُحَمَّدٍ، وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُتَوَفَّى حَوَالَيْ سَنَةَ 107. رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَمَّتِهِ عَائِشَةَ، وَعَنِ الْعَبَادِلَةِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزُّبَيْرُ: مَا رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَدَ وَلَدًا أَشْبَهَ مِنْ هَذَا الْفَتَى. تَرْجَمَتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 8/333 - 335؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/135.
(2)
ن، م، أ: يُوَافِقُونَ.
(3)
(3 - 3) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ الْجَاهِلُ أَوِ الظَّالِمُ أَوِ الْمَفْضُولُ إِذَا طَلَبَ الْمَظْلُومُ مِنْهُ أَنْ يُنْصِفَهُ وَيَحْكُمَ لَهُ بِحَقِّهِ: فَيَحْبِسُ (1) لَهُ غَرِيمَهُ، [أَوْ يُقَسِّمُ لَهُ مِيرَاثَهُ](2) ، أَوْ يُزَوِّجُهُ بِأَيِّمٍ لَا وَلِيَّ لَهَا غَيْرُ السُّلْطَانِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَأَيُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ مِنْ إِثْمِهِ، أَوْ إِثْمِ مَنْ وَلَّاهُ وَهُوَ لَمْ يَسْتَعِنْ بِهِ إِلَّا عَلَى حَقٍّ لَا عَلَى بَاطِلٍ؟ .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ: 16] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» "[رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ](3) .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا، بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ.
وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يُوَلَّى الْأَصْلَحُ لِلْوِلَايَةِ إِذَا أَمْكَنَ: [إِمَّا](4) وُجُوبًا عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَإِمَّا اسْتِحْبَابًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَأَنَّ مَنْ عَدَلَ عَنِ
(1) ن (فَقَطْ) : فَحَبَسَ.
(2)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
عِبَارَةُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 9/94 - 95 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ. . .) وَنَصُّهُ: " دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " وَالْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - فِي مُسْلِمٍ 2/975 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ فَرْضِ الْحَجِّ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ) ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/83 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ وُجُوبِ الْحَجِّ) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/3 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ اتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) .
(4)
إِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
الْأَصْلَحِ مَعَ قُدْرَتِهِ - لِهَوَاهُ - فَهُوَ ظَالِمٌ، وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ تَوْلِيَةِ الْأَصْلَحِ مَعَ مَحَبَّتِهِ لِذَلِكَ فَهُوَ مَعْذُورٌ.
وَيَقُولُونَ: مَنْ تَوَلَّى فَإِنَّهُ يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ، [وَلَا يُعَانُ إِلَّا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ](1) ، وَلَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يُعَانُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ.
(2 أَفَلَيْسَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْإِمَامَةِ خَيْرًا مِنْ قَوْلِ مَنْ يَأْمُرُ بِطَاعَةِ مَعْدُومٍ أَوْ عَاجِزٍ 2)(2) لَا يُمْكِنُهُ الْإِعَانَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنَ الْأَئِمَّةِ؟ .
وَلِهَذَا كَانَتِ الرَّافِضَةُ لَمَّا عَدَلَتْ عَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي مُعَاوَنَةِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ، دَخَلُوا فِي مُعَاوَنَةِ الْكُفَّارِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ، فَهُمْ يَدْعُونَ إِلَى الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ إِمَامٌ مَوْجُودٌ يَأْتَمُّونَ بِهِ إِلَّا كَفُورٌ أَوْ ظَلُومٌ (3) ، فَهُمْ كَالَّذِي يُحِيلُ بَعْضَ (4) الْعَامَّةِ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ رِجَالِ الْغَيْبِ، وَلَا رِجَالَ عِنْدَهُ (5) إِلَّا أَهْلُ الْكَذِبِ وَالْمَكْرِ (6) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الْجِنُّ أَوِ الشَّيَاطِينُ الَّذِينَ يَحْصُلُ بِهِمْ لِبَعْضِ النَّاسِ أَحْوَالٌ شَيْطَانِيَّةٌ.
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
(2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ.
(3)
ن، م: كَفُورٌ وَظَلُومٌ.
(4)
ن (فَقَطْ) : لِبَعْضِ.
(5)
أ، ب: وَلَا رِجَالَ الْغَيْبِ عِنْدَهُ.
(6)
ن، م: وَالْمُنْكَرِ.
فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ مَا تَدَّعِيهِ الرَّافِضَةُ مِنَ النَّصِّ هُوَ حَقٌّ مَوْجُودٌ، وَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يُوَلُّوا الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ، لَكَانُوا قَدْ تَرَكُوا مَنْ يَجِبُ تَوْلِيَتُهُ وَوَلَّوْا غَيْرَهُ. وَحِينَئِذٍ فَالْإِمَامُ الَّذِي قَامَ (1) بِمَقْصُودِ الْإِمَامَةِ هُوَ هَذَا الْمُوَلَّى دُونَ ذَلِكَ (2) الْمَمْنُوعِ الْمَقْهُورِ. نَعَمْ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوَلَّى، لَكِنْ مَا وُلِّيَ، فَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ ضَيَّعَ حَقَّهُ وَعَدَلَ عَنْهُ، لَا عَلَى مَنْ لَمْ يُضَيِّعْ حَقَّهُ وَلَمْ يَعْتَدِ.
وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنِ الْإِمَامَ وَجَبَ نَصْبُهُ لِأَنَّهُ لُطْفٌ وَمَصْلَحَةٌ لِلْعِبَادِ، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ - وَرَسُولُهُ - يَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ لَا يُوَلُّونَ هَذَا الْمُعَيَّنَ إِذَا أُمِرُوا بِوِلَايَتِهِ، كَانَ أَمْرُهُمْ بِوِلَايَةِ مَنْ يُوَلُّونَهُ وَيَنْتَفِعُونَ بِوِلَايَتِهِ، أَوْلَى مِنْ أَمْرِهِمْ بِوِلَايَةِ مَنْ لَا يُوَلُّونَهُ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِوِلَايَتِهِ، كَمَا قِيلَ فِي إِمَامَةِ الصَّلَاةِ وَالْقَضَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنَ النَّصِّ مِنْ أَعْظَمِ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ؟ .
وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخْبَرَ أُمَّتَهُ بِمَا سَيَكُونُ وَمَا يَقَعُ بَعْدَهُ مِنَ التَّفَرُّقِ، فَإِذَا نَصَّ لِأُمَّتِهِ عَلَى إِمَامَةِ شَخْصٍ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يُوَلُّونَهُ، بَلْ يَعْدِلُونَ عَنْهُ وَيُوَلُّونَ غَيْرَهُ يَحْصُلُ لَهُمْ بِوِلَايَتِهِ مَقَاصِدُ (3) الْوِلَايَةِ، وَأَنَّهُ إِذَا أَفْضَتِ النَّوْبَةُ إِلَى الْمَنْصُوصِ حَصَلَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ [الْأُمَّةِ] مَا لَمْ (4) يَحْصُلْ قَبْلَ ذَلِكَ (5) وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ مَقَاصِدِ الْوِلَايَةِ مَا حَصَلَ بِغَيْرِ الْمَنْصُوصِ، كَانَ الْوَاجِبُ الْعُدُولَ عَنِ الْمَنْصُوصِ.
(1) ن، م: وَحِينَئِذٍ فَالَّذِي قَامَ.
(2)
ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(3)
أ، ب: مَقْصُودُ.
(4)
ن، م: مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ مَا لَمْ. . .
(5)
ب (فَقَطْ) : مَا لَمْ يَحْصُلْ بِغَيْرِ الْمَنْصُوصِ.
مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ شَخْصَانِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ وَلَّى أَحَدَهُمَا أُطِيعَ وَفَتَحَ الْبِلَادَ وَأَقَامَ الْجِهَادَ وَقَهَرَ الْأَعْدَاءَ، وَأَنَّهُ إِذَا وَلَّى الْآخَرَ لَمْ يُطَعْ وَلَمْ يَفْتَحْ شَيْئًا مِنَ الْبِلَادِ، بَلْ يَقَعُ فِي الرَّعِيَّةِ الْفِتْنَةُ وَالْفَسَادُ، كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ عَاقِلٍ [أَنَّهُ يَنْبَغِي](1) أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا وَلَّاهُ حَصَلَ بِهِ الْخَيْرُ وَالْمَنْفَعَةُ، لَا مَنْ إِذَا وَلَّاهُ لَمْ يُطَعْ وَحَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّعِيَّةِ الْحَرْبُ وَالْفِتْنَةُ، فَكَيْفَ مَعَ عِلْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِحَالِ وِلَايَةِ الثَّلَاثَةِ وَمَا حَصَلَ فِيهَا مِنْ مَصَالِحِ الْأُمَّةِ فِي دِينِهَا وَدُنْيَاهَا لَا يَنُصُّ عَلَيْهَا، وَيَنُصُّ عَلَى وِلَايَةِ مَنْ لَا يُطَاعُ بَلْ يُحَارَبُ وَيُقَاتَلُ حَتَّى لَا يُمْكِنَهُ قَهْرُ الْأَعْدَاءِ، وَلَا إِصْلَاحُ الْأَوْلِيَاءِ؟ وَهَلْ يَكُونُ مَنْ يَنُصُّ عَلَى وِلَايَةِ هَذَا دُونَ ذَاكَ إِلَّا جَاهِلًا، إِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْحَالَ، أَوْ ظَالِمًا مُفْسِدًا، إِنْ عَلِمَ وَنَصَّ؟ .
وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ مِنَ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، وَهُمْ يُضِيفُونَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْعُدُولَ عَمَّا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْعِبَادِ إِلَى مَا لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْفَسَادُ.
وَاذَا قِيلَ: إِنَّ الْفَسَادَ حَصَلَ مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ لَهُ (2) لَا (3) مِنْ تَقْصِيرِهِ.
قِيلَ: أَفَلَيْسَ وِلَايَةُ مَنْ يُطِيعُونَهُ فَتَحْصُلُ (4) الْمَصْلَحَةُ، أَوْلَى مِنْ وِلَايَةِ مَنْ يَعْصُونَهُ فَلَا تَحْصُلُ الْمَصْلَحَةُ بَلِ الْمَفْسَدَةُ؟ .
وَلَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ وَلَدٌ وَهُنَاكَ مُؤَدِّبَانِ: إِذَا أَسْلَمَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا تَأَدَّبَ
(1) أَنَّهُ يَنْبَغِي: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.
(3)
لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) فَقَطْ.
(4)
ن، م: بِتَحْصِيلِ.
وَتَعَلَّمَ (1) ، وَإِذَا أَسْلَمَهُ إِلَى الْآخَرِ فَرَّ وَهَرَبَ، أَفَلَيْسَ إِسْلَامُهُ إِلَى ذَاكَ أَوْلَى؟ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ ذَاكَ أَفْضَلُ فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ فِي فَضِيلَتِهِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْوَلَدِ بِهِ مَنْفَعَةٌ لِنُفُورِهِ عَنْهُ؟ .
وَلَوْ خَطَبَ الْمَرْأَةَ رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْآخَرِ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ تَكْرَهُهُ، وَإِنْ زُوِّجَتْ بِهِ (2) لَمْ تُطِعْهُ، بَلْ تُخَاصِمُهُ وَتُؤْذِيهِ، فَلَا تَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَنْتَفِعُ [هُوَ](3) بِهَا، وَالْآخَرُ تُحِبُّهُ وَيُحِبُّهَا وَيَحْصُلُ بِهِ مَقَاصِدُ النِّكَاحِ، أَفَلَيْسَ تَزْوِيجُهَا بِهَذَا الْمَفْضُولِ أَوْلَى بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، وَنَصُّ مَنْ يَنُصُّ [عَلَى](4) تَزْوِيجِهَا بِهَذَا الْمَفْضُولِ (5) أَوْلَى مِنَ النَّصِّ عَلَى تَزْوِيجِهَا بِهَذَا؟ .
فَكَيْفَ يُضَافُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا لَا يَرْضَاهُ إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ ظَالِمٌ (6) ؟ .
وَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ بُطْلَانُ النَّصِّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ هُوَ الْأَفْضَلَ الْأَحَقَّ بِالْأَمْرِ (7) لَكِنْ لَا يَحْصُلُ بِوِلَايَتِهِ إِلَّا مَا حَصَلَ، وَغَيْرُهُ ظَالِمًا يَحْصُلُ بِهِ مَا حَصَلَ مِنَ الْمَصَالِحِ، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَا فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا؟ .
(1) أ، ب: تَعَلَّمَ وَتَأَدَّبَ.
(2)
ن، أ، ب: وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِهِ.
(3)
هُوَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(4)
عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
الْمَفْضُولِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ.
(6)
أ، ب: ظَالِمٌ أَوْ جَاهِلٌ.
(7)
أ، ب: بِالْإِمَارَةِ.
فَقَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ خَبَرٌ صَادِقٌ وَقَوْلٌ حَكِيمٌ، وَقَوْلُ الرَّافِضَةِ خَبَرٌ كَاذِبٌ وَقَوْلٌ سَفِيهٌ (1) . فَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: الْأَمِيرُ وَالْإِمَامُ وَالْخَلِيفَةُ ذُو السُّلْطَانِ الْمَوْجُودُ الَّذِي لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى عَمَلِ مَقْصُودِ الْوِلَايَةِ، كَمَا أَنَّ إِمَامَ الصَّلَاةِ هُوَ [الَّذِي](2) يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَهُمْ يَأْتَمُّونَ بِهِ، لَيْسَ إِمَامُ الصَّلَاةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا وَهُوَ لَا يُصَلِّي بِأَحَدٍ، لَكِنْ [هَذَا](3) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِمَامًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ مَنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِمَامُ، لَا يُخْفَى إِلَّا عَلَى الطَّغَامِ.
وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يُعَاوَنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى دُونَ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَيُطَاعُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ دُونَ مَعْصِيَتِهِ، وَلَا يُخْرَجُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ، وَأَحَادِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رضي الله عنهما](4)، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَخْرُجُ عَنِ (5) السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ [عَلَيْهِ] (6) إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» (7 وَفِي لَفْظٍ: "«أَنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ (7) إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» " 7) (8) ، فَجَعَلَ الْمَحْذُورَ هُوَ الْخُرُوجَ عَنِ السُّلْطَانِ وَمُفَارَقَةَ الْجَمَاعَةِ، وَأَمَرَ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يُكْرَهُ مِنَ الْأَمِيرِ، لَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ سُلْطَانًا مُعَيَّنًا وَلَا أَمِيرًا مُعَيَّنًا وَلَا جَمَاعَةً مُعَيَّنَةً.
(1) أ، ب: سَفَهٍ.
(2)
الَّذِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(4)
رضي الله عنهما: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(5)
ن، م، أ: مِنَ.
(6)
عَلَيْهِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.
(7)
عَلَيْهِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.
(8)
(7 - 7) : سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رضي الله عنه](1)، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ ثُمَّ مَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً (2) فَقُتِلَ فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي (* يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ (3) فَلَيْسَ مِنِّي *) (4) وَلَسْتُ مِنْهُ» "(5) . فَذَمَّ الْخُرُوجَ عَنِ الطَّاعَةِ وَمُفَارَقَةَ الْجَمَاعَةِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رَأْسٌ يَجْمَعُهُمْ.
وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَائِمًا يَأْمُرُ بِإِقَامَةِ رَأْسٍ، حَتَّى أَمَرَ بِذَلِكَ فِي السَّفَرِ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً، فَأَمَرَ بِالْإِمَارَةِ فِي أَقَلِّ عَدَدٍ وَأَقْصَرِ اجْتِمَاعٍ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، «عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا (6) اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ
(1) رضي الله عنه: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(2)
ن، م: يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ يَنْصُرُ لِلْعَصَبَةِ؛ أ: تَعَصَّبَ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ يَنْصُرُ لِلْعَصَبِيَّةِ.
(3)
ن، أ: وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدِهَا.
(4)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ.
(5)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا، ص 112. وَالْحَدِيثُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي مُسْلِمٍ 3/1476 - 1477 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ مُلَازَمَةِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. . .) ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/122 - 113 (كِتَابُ تَحْرِيمِ الدَّمِ، بَابُ التَّغْلِيظِ فِيمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 15/87 - 89، 201، (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/488. وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1302 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ الْعَصَبِيَّةِ) .
(6)
ن، م: وَقَدْ جَاءَنَا.
هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ: (1) فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ ". قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: " قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي (2) ، وَيَهْتَدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ". فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. " قَالَ نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ:" تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ". قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ [لَهُمْ](3) جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: " فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» "(4) .
وَفِي لَفْظٍ [آخَرَ](5) «قُلْتُ: [وَهَلْ](6) وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ (7) شَرٍّ؟ قَالَ:
(1) ن، م: قَالَ:
(2)
ن، م: بِسُنَّتِي.
(3)
لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ رضي الله عنه فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ 3/1475 - 1476، وَفِيهِ: وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي (وَفِي شَرْحِ النَّوَوِيِّ 12/236: يَهْتَدُونَ) ، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ 4/199 - 200 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ) ، 9/51 - 52 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ كَيْفَ الْأَمْرُ إِذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةٌ) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1317 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ الْعُزْلَةِ) وَجَاءَ مُخْتَصَرًا. وَالدَّخَنُ (شَرْحُ النَّوَوِيِّ 12/236 - 237) : " قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ. . .: أَصْلُهُ أَنْ تَكُونَ فِي لَوْنِ الدَّابَّةِ كُدُورَةٌ إِلَى سَوَادٍ. قَالُوا: وَالْمُرَادُ هُنَا أَنْ لَا تَصْفُوَ الْقُلُوبُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ، وَلَا يَزُولَ خُبْثُهَا، وَلَا تَرْجِعَ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الصَّفَاءِ ".
(5)
آخَرَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(6)
وَهَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(7)
مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
" نَعَمْ ". قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: " يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ "(1) . قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: " تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» "(2) .
وَهَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ عَنِ الْخَيْرِ الثَّانِي: " «صُلْحٌ عَلَى دَخَنٍ، وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ فِيهَا، وَقُلُوبٌ لَا تَرْجِعُ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ» (3) ".
فَكَانَ الْخَيْرُ الْأَوَّلُ النُّبُوَّةَ (4) وَخِلَافَةَ النُّبُوَّةِ الَّتِي لَا فِتْنَةَ فِيهَا، وَكَانَ الشَّرُّ مَا حَصَلَ مِنَ الْفِتْنَةِ بِقَتْلِ عُثْمَانَ وَتَفَرُّقِ النَّاسِ، حَتَّى صَارَ حَالُهُمْ شَبِيهًا بِحَالِ الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
وَلِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ (5) : وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ
(1) ب: الْإِنْسُ، وَمَا أَثْبَتَهُ هُوَ الَّذِي فِي نُسْخَتَيْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَشَرْحِ النَّوَوِيِّ.
(2)
صَحِيحِ مُسْلِمٍ 3/1476. وَفِيهِ وَفِي شَرْحِ النَّوَوِيِّ 12/238: لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ.
(3)
الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/135 - 137 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ ذِكْرِ الْفِتَنِ وَدَلَائِلِهَا) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/386 - 387، 403. وَفِي اللِّسَانِ: قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي فِتْنَةٍ ذَكَرَهَا: هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ؛ الْأَقْذَاءُ: جَمَعَ قَذًى، وَالْقَذَى: جَمْعُ قَذَاةٍ، وَهُوَ مَا يَقَعُ فِي الْعَيْنِ وَالْمَاءِ وَالشَّرَابِ مِنْ تُرَابٍ، أَوْ تِبْنٍ أَوْ وَسَخٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَرَادَ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى فَسَادٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ فَشَبَّهَهُ بِقَذَى الْعَيْنِ وَالْمَاءِ وَالشَّرَابِ.
(4)
ن، م: وَكَانَ الْخَيْرُ الْأَوَّلُ لِلنُّبُوَّةِ.
(5)
ن، م: الْأَزْهَرِيُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، أَبُو بَكْرٍ الْمَدَنِيُّ، أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ، وَعَالِمُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ؛ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرِهِمْ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 124 وَقِيلَ: سَنَةَ 125. تَرْجَمَتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 9/445 - 451؛ الْخُلَاصَةُ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص 306 - 307.
- صلى الله عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فَرْجٍ أُصِيبَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَهُوَ هَدَرٌ، أَنْزَلُوهُمْ مَنْزِلَةَ الْجَاهِلِيَّةِ. فَبَيَّنَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا هَذَا غَيْرَ مَضْمُونٍ، كَمَا أَنَّ مَا يُصِيبُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ غَيْرُ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ، فَأَمَّا مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّحْرِيمِ، كَحَالِ الْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَالْمُتَأَوِّلِينَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، فَالضَّمَانُ مُنْتَفٍ.
وَلِهَذَا لَمْ يُضَمِّنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ (1) دَمَ الْمَقْتُولِ الَّذِي قَتَلَهُ مُتَأَوِّلًا، مَعَ قَوْلِهِ:" «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ؟ "(2) وَلِهَذَا لَا تُقَامُ الْحُدُودُ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ (3) .
وَالْخَيْرُ الثَّانِي اجْتِمَاعُ النَّاسِ لَمَّا اصْطَلَحَ الْحَسَنُ وَمُعَاوِيَةُ، لَكِنْ كَانَ (4) صُلْحًا عَلَى دَخَنٍ، وَجَمَاعَةً عَلَى أَقْذَاءٍ، فَكَانَ فِي النُّفُوسِ
(1) بْنَ زَيْدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(2)
الْحَدِيثُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه فِي مَوْضِعَيْنِ فِي مُسْلِمٍ 1/96 - 97 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْكَافِرِ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) . وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/61 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ عَلَى مَا يُقَاتِلُ الْمُشْرِكُونَ) . وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ بِنَفْسِ الْمَعْنَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1296 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ الْكَفِّ عَمَّنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/438 - 439.
(3)
ن (فَقَطْ) : الْحُدُودَ.
(4)
ن، م: وَكَانَ ذَلِكَ.
مَا فِيهَا، أَخْبَرَ [رَسُولُ اللَّهِ](1) صلى الله عليه وسلم بِمَا هُوَ الْوَاقِعُ.
وَحُذَيْفَةُ حَدَّثَ (2) بِهَذَا فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَبْلَ الْفِتْنَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ مَقْتَلُ عُثْمَانَ عَلِمَ أَنَّ الْفِتْنَةَ قَدْ جَاءَتْ، فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا قَبْلَ الِاقْتِتَالِ (3) .
وَهُوَ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُومُ أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ، وَبِقِيَامِ رِجَالٍ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ الْإِنْسِ، وَأَمَرَ مَعَ هَذَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ، فَتَبَيَّنَ (4) أَنَّ الْإِمَامَ الَّذِي يُطَاعُ هُوَ مَنْ [كَانَ](5) لَهُ سُلْطَانٌ، سَوَاءٌ كَانَ عَادِلًا أَوْ ظَالِمًا.
وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةِ [إِمَامٍ] (6) لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، لَكِنَّهُ لَا يُطَاعُ أَحَدٌ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» "(7) .
(1) رَسُولُ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(2)
حَدَّثَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(3)
ن، م: الِافْتِتَانِ: وَفِي الْإِصَابَةِ لِابْنِ حَجَرٍ 1/316 - 317 فِي تَرْجَمَةِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه: " قَالَ الْعِجْلِيُّ: اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ عَلَى الْمَدَائِنِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ، وَبَعْدَ بَيْعَةِ عَلِيٍّ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا. قُلْتُ: وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ".
(4)
أ، ب: فَبَيَّنَ.
(5)
كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(6)
إِمَامٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(7)
وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ (ص [0 - 9] 10 ت [0 - 9] ) بِدُونِ الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ. وَانْظُرِ الْحَدِيثَ (مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ: 5386، 5551، 5676، 5718، 5897.
كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه (1) - قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا، فَأَغْضَبُوهُ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ: اجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا. ثُمَّ قَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوا نَارًا (2) . ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَسْمَعُوا لِي وَتُطِيعُوا؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَادْخُلُوهَا. فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ النَّارِ، فَكَانُوا كَذَلِكَ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ وَطَفِئَتِ النَّارُ. فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» (3)". وَفِي لَفْظٍ: "«لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» " (4)
وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (5) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(1) ن، م: عَلِيٍّ عليه السلام.
(2)
نَارًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(3)
الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 5/161 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ. . .) ، 9/63 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةٌ) ؛ مُسْلِمٍ 3/1469 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ج [0 - 9] رَقْمُ 622، 1018.
(4)
الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 9/88 (كِتَابُ أَخْبَارِ الْآحَادِ، الْبَابُ الْأَوَّلُ) ؛ مُسْلِمٍ 3/469 (الْكِتَابَ وَالْبَابَ السَّابِقَيْنِ فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3 - 56 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي الطَّاعَةِ) ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/142 (كِتَابُ الْبَيْعَةِ، بَابُ جَزَاءِ مَنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَأَطَاعَ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/98. .
(5)
ن، م: فِي الصَّحِيحِ.
أَنَّهُ قَالَ: " «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» (1) ".
وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: «خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ مَعَهُ تِسْعَةٌ: خَمْسَةٌ وَأَرْبَعَةٌ، أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْآخَرُ مِنَ الْعَجَمِ، فَقَالَ: " اسْمَعُوا، هَلْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي (2) أُمَرَاءُ، مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَيْسَ يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ (3) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ (4) «عَنْ عُبَادَةَ [بْنِ الصَّامِتِ](5) قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ
(1) سَبَقَ وُرُودُ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ. انْظُرْ: ص 119 ت [0 - 9] .
(2)
بَعْدِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(3)
الْحَدِيثُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ (بِشَرْحِ السُّيُوطِيِّ، ط. الْقَاهِرَةِ، 1383/1964) 7/143 (كِتَابُ الْبَيْعَةِ، بَابُ مَنْ لَمْ يُعِنْ أَمِيرًا عَلَى الظُّلْمِ) عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه. وَهُوَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/358 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمَذَانِيُّ) وَفِيهِ: وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى الْحَوْضِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ تَعْقِيبًا عَلَيْهِ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ مِسْعَرٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. . وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَابْنِ عُمَرَ ". وَوَرَدَ الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ أُخْرَى فِي بَابِ " مَا ذُكِرَ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ " مِنْ كِتَابِ الْجُمُعَةِ فِي صَحِيحِ التِّرْمِذِيِّ 2/61 - 62. وَانْظُرْ أَيْضًا جَامِعَ الْأُصُولِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 4/460 - 461، وَانْظُرِ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/321، 4/243، 5/384.
(4)
ن: وَفِي الصَّحِيحِ.
(5)
بْنِ الصَّامِتِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
- صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ (1) فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعْنَا عَلَى:" السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنَ اللَّهِ بُرْهَانٌ» (2) ".
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «إِنَّهُ سَيَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنَّ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ» (3) ". وَفِي لَفْظٍ: " «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ (4) جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ» (5) ".
(1) أ، ب: فَكَانَ.
(2)
هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ وُرُودُهُ بِأَلْفَاظٍ أُخْرَى (ص 118 ت 5) وَهُوَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 9/47 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا. . .) ؛ مُسْلِمٍ 3/1470 - 1471 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/314. وَفِي اللِّسَانِ: " الْبَوْحُ: ظُهُورُ الشَّيْءِ. . . وَفِي الْحَدِيثِ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ كُفْرًا بَوَاحًا: أَيْ جِهَارًا ": وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ 12/229: " وَالْمُرَادُ بِالْكُفْرِ هُنَا: الْمَعَاصِي. وَمَعْنَى عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ: أَيْ تَعْلَمُونَهُ مِنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى ".
(3)
الْحَدِيثُ عَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ شُرَيْحٍ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه فِي مُسْلِمٍ 3/1479 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ حُكْمِ مَنْ فَرَّقَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُجْتَمِعٌ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/334 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي قَتْلِ الْخَوَارِجِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/341 فِي مَوْضِعَيْنِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ 12/241: " الْهَنَاتُ: جَمْعُ هَنَةٍ وَتُطْلَقُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا: الْفِتَنُ وَالْأُمُورُ الْمُحْدَثَةُ.
(4)
ن، م، أ: وَيُفَرِّقَ.
(5)
الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 3/1480 (الْمَوْضِعَ السَّابِقَ) وَفِيهِ: وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «سَيَكُونُ أُمَرَاءُ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ". قَالُوا: أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ؟ قَالَ: " لَا مَا صَلَّوْا» "(1) .
وَفِيهِ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَلْيُنْكِرْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ» "(2) .
تَمَّ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ بِحَمْدِ اللَّهِ، وَيَلِيهِ الْجُزْءُ الثَّانِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَوَّلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ الرَّافِضِيُّ: الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ.
(1) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ (ص 116) وَتَكَلَّمْتُ عَلَيْهِ هُنَاكَ (ت 6) .
(2)
ن: طَاعَةِ اللَّهِ. وَهَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ سَبَقَ وُرُودُهُ (ص 116 ت [0 - 9] ) .