الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَوَادِثِ مُمْتَنِعٌ، وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَوَادِثِ مَبْدَأٌ لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
قَالُوا: فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا تُقَارِنُهُ الْحَوَادِثُ مُحْدَثًا، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِئُ لَمْ يَزَلْ فَاعِلًا مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ (1) .
بَلْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مُمْتَنِعَةٌ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى دَوَامِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.
[رد أئمة الفلاسفة وأئمة أهل الملل على المتكلمين]
قَالُوا: وَبِهَذَا يُعْلَمُ حُدُوثُ الْجِسْمِ ; لِأَنَّ الْجِسْمَ لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ، وَمَا لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ.
وَلَمْ يُفَرِّقْ هَؤُلَاءِ بَيْنَ مَا لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ الْحَوَادِثِ، وَبَيْنَ مَا لَا يَخْلُو عَنْ عَيْنِ الْحَوَادِثِ (2) ، وَلَا فَرَّقُوا فِيمَا لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مَعْلُولًا. أَوْ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا. وَاجِبًا بِنَفْسِهِ (3) .
فَقَالَ. (4) لِهَؤُلَاءِ أَئِمَّةِ الْفَلَاسِفَةِ، وَأَئِمَّةِ [أَهْلِ] (5) الْمِلَلِ وَغَيْرِهِمْ: فَهَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي أَثْبَتُّمْ بِهِ حُدُوثَ الْعَالَمِ (6 هُوَ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ حُدُوثِ الْعَالِمِ 6)(6) ، وَكَانَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ مَا قَصَدْتُمُوهُ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَادِثَ إِذَا حَدَثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ (7) مُحْدَثًا، فَلَا بُدَّ أَنْ
(1) وَقُدْرَتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(2)
أ، ب: الْحَادِثِ.
(3)
أ، ب: وَأَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ.
(4)
أ، ب: فَيُقَالُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(5)
أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(6)
(6 - 6) : سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(7)
يَكُنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) فَقَطْ.
يَكُونَ مُمْكِنًا، وَالْإِمْكَانُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ، فَمَا مِنْ وَقْتٍ يُقَدَّرُ إِلَّا وَالْإِمْكَانُ ثَابِتٌ قَبْلَهُ، فَلَيْسَ لِإِمْكَانِ الْفِعْلِ وَجَوَازِ ذَلِكَ وَصِحَّتِهِ مَبْدَأٌ يُنْتَهَى إِلَيْهِ، فَيَجِبُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْفِعْلُ مُمْكِنًا جَائِزًا صَحِيحًا، (1 فَيَلْزَمُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الرَّبُّ قَادِرًا عَلَيْهِ 1)(1) ، فَيَلْزَمُ جَوَازُ حَوَادِثَ لَا نِهَايَةَ لِأَوَّلِهَا (2) .
قَالَ الْمُنَاظِرُ عَنْ أُولَئِكَ (3) الْمُتَكَلِّمِينَ مَنَ الْجَهْمِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ وَأَتْبَاعِهِمْ: نَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ إِمْكَانَ الْحَوَادِثِ لَا بِدَايَةَ لَهُ لَكِنْ نَقُولُ إِمْكَانُ الْحَوَادِثِ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مَسْبُوقَةً بِالْعَدَمِ لَا بِدَايَةَ لَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَوَادِثَ عِنْدَنَا يُمْتَنَعُ أَنْ تَكُونَ قَدِيمَةَ النَّوْعِ، بَلْ يَجِبُ حُدُوثُ نَوْعِهَا، وَيُمْتَنَعُ قِدَمُ نَوْعِهَا لَكِنْ لَا يَجِبُ الْحُدُوثُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، فَإِمْكَانُ الْحَوَادِثِ بِشَرْطِ (4) كَوْنِهَا مَسْبُوقَةَ الْعَدَمِ لَا أَوَّلَ لَهُ بِخِلَافِ جِنْسِ الْحَوَادِثِ.
فَيُقَالُ لَهُمْ: هَبْ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ ذَلِكَ لَكِنْ يُقَالُ: إِمْكَانُ جِنْسِ الْحَوَادِثِ عِنْدَكُمْ لَهُ بِدَايَةٌ، فَإِنَّهُ صَارَ جِنْسُ الْحُدُوثِ (5) عِنْدَكُمْ مُمْكِنًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا، وَلَيْسَ لِهَذَا الْإِمْكَانِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، بَلْ مَا مِنْ وَقْتٍ يُفْرَضُ إِلَّا وَالْإِمْكَانُ ثَابِتٌ قَبْلَهُ، فَيَلْزَمُ دَوَامُ الْإِمْكَانِ، وَإِلَّا لَزِمَ انْقِلَابُ الْجِنْسِ مِنَ الْإِمْكَانِ إِلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ شَيْءٍ وَلَا تَجَدُّدِ شَيْءٍ.
(1)(1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.
(2)
ن، م: لَا نِهَايَةَ لَهَا.
(3)
ب: قَالَ الْمُنَاظِرُ لِأُولَئِكَ ; أ: قَالَ الْمُنَاظِرُ أُولَئِكَ.
(4)
ن: يُشْتَرَطُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(5)
ن، م: الْحَوَادِثِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ انْقِلَابَ حَقِيقَةِ جِنْسِ الْحُدُوثِ أَوْ جِنْسِ (1) الْحَوَادِثِ، أَوْ جِنْسِ الْفِعْلِ، أَوْ جِنْسِ الْإِحْدَاثِ، أَوْ مَا يُشْبِهُ هَذَا مِنَ الْعِبَارَاتِ مِنْ الِامْتِنَاعِ إِلَى الْإِمْكَانِ هُوَ مَصِيرُ ذَلِكَ مُمْكِنًا جَائِزًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ تَجَدَّدَ (2) ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ، وَهُوَ أَيْضًا انْقِلَابُ الْجِنْسِ مِنْ الِامْتِنَاعِ الذَّاتِيِّ إِلَى الْإِمْكَانِ الذَّاتِيِّ، فَإِنَّ ذَاتَ جِنْسِ الْحَوَادِثِ عِنْدَهُمْ تَصِيرُ مُمْكِنَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُمْتَنِعَةً.
وَهَذَا الِانْقِلَابُ لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ وَقْتِ يُقَدَّرُ إِلَّا وَالْإِمْكَانُ ثَابِتٌ قَبْلَهُ، (3 فَيَلْزَمُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ هَذَا الِانْقِلَابُ 3)(3) ، فَيَلْزَمُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْمُمْتَنِعُ مُمْكِنًا، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ قَوْلِنَا لَمْ يَزَلِ الْحَادِثُ مُمْكِنًا، فَقَدْ لَزِمَهُمْ فِيمَا فَرُّوا [إِلَيْهِ أَبْلَغُ مِمَّا لَزِمَهُمْ فِيمَا فَرُّوا](4) مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُعْقَلُ كَوْنُ الْحَادِثِ مُمْكِنًا (5) ، وَيُعْقَلُ أَنَّ هَذَا الْإِمْكَانَ لَمْ يَزَلْ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُمْتَنِعِ مُمْكِنًا، فَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي نَفْسِهِ، فَكَيْفَ إِذَا قِيلَ: لَمْ يَزَلْ إِمْكَانُ هَذَا الْمُمْتَنِعِ! .
وَأَيْضًا فَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الشَّرْطِ: وَهُوَ أَنَّ جِنْسَ الْفِعْلِ، أَوْ جِنْسَ الْحَوَادِثِ - بِشَرْطِ (6) كَوْنُهَا مَسْبُوقَةً بِالْعَدَمِ - لَمْ يَزَلْ مُمْكِنًا، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْجَمْعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ أَيْضًا، فَإِنَّ كَوْنَ هَذَا (7) لَمْ يَزَلْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بِدَايَةَ لِإِمْكَانِهِ،.
(1) ن، م: الْحُدُوثِ إِلَى جِنْسِ.
(2)
ن (فَقَطْ) : مَحْدُودٍ.
(3)
(3 - 3) : سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.
(4)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(5)
أ، ب: مُمْتَنِعًا.
(6)
ن، م: يُشْتَرَطُ.
(7)
ن، م: وَأَيْضًا فَإِنَّ كَوْنَ هَذَا. . إِلَخْ.
وَأَنَّ إِمْكَانَهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، وَكَوْنُهُ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ بِدَايَةً، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِقَدِيمٍ أَزَلِيٍّ (1) ، فَصَارَ قَوْلُهُمْ مُسْتَلْزِمًا أَنَّ الْحَوَادِثَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهَا بِدَايَةٌ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهَا بِدَايَةٌ.
وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوا تَقْدِيرًا مُمْتَنِعًا، وَالتَّقْدِيرُ الْمُمْتَنِعُ قَدْ يَلْزَمُهُ حُكْمٌ مُمْتَنِعٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 22] .
فَإِنَّ قَوْلَهُمْ: إِمْكَانُ جِنْسِ الْحَوَادِثِ - بِشَرْطِ كَوْنِهَا مَسْبُوقَةً بِالْعَدَمِ - لَا بِدَايَةَ لَهُ مَضْمُونَةً أَنَّ مَا لَهُ بِدَايَةٌ لَيْسَ لَهُ بِدَايَةٌ، فَإِنَّ الْمَشْرُوطَ بِسَبْقِ الْعَدَمِ لَهُ بِدَايَةٌ (2) ، وَإِنَّ (3) قُدِّرَ أَنَّهُ لَا بِدَايَةَ لَهُ كَانَ جَمْعًا بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ.
وَأَيْضًا فَيُقَالُ: هَذَا تَقْدِيرٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الْقَائِلِ: جِنْسُ الْحَوَادِثِ بِشَرْطِ (4) كَوْنِهَا مَلْحُوقَةً بِالْعَدَمِ هَلْ لِإِمْكَانِهَا نِهَايَةٌ؟ أَمْ لَيْسَ لِإِمْكَانِهَا نِهَايَةٌ؟ فَكَمَا أَنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ الْجَمْعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فِي النِّهَايَةِ، فَكَذَلِكَ الْأَمَلُ يَسْتَلْزِمُ الْجَمْعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فِي الْبِدَايَةِ (5) .
وَأَيْضًا فَالْمُمْكِنُ لَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الْآخَرِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ تَامٍّ يَجِبُ بِهِ الْمُمْكِنُ، وَقَدْ يَقُولُونَ: لَا يَتَرَجَّحُ وُجُودُهُ عَلَى عَدَمِهِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ تَامٍّ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ ذَلِكَ الْمُمْكِنِ.
[وَهَذَا الثَّانِي أَصْوَبُ، كَمَا عَلَيْهِ نُظَّارُ الْمُسْلِمِينَ الْمُثْبِتِينَ، فَإِنَّ بَقَاءَهُ
(1) ن: وَأَنَّهُ غَيْرُ قَدِيمٍ لَيْسَ أَوْلَى ; م: وَأَنَّهُ لَيْسَ بِقَدِيمٍ أَوْلَى.
(2)
ب (فَقَطْ) : فَإِنَّ لِلْمَشْرُوطِ بِسَبْقِ الْعَدَمِ بِدَايَةً.
(3)
أ، ب: وَإِذَا.
(4)
ن (فَقَطْ) : يُشْتَرَطُ.
(5)
ن، م: النِّهَايَةِ.