الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنْتُمْ شَنَّعْتُمْ (1) عَلَى مُخَالِفِيكُمْ لَمَّا أَثْبَتُوا حُدُوثًا فِي غَيْرِ زَمَانٍ، وَقُلْتُمْ هَذَا لَا يُعْقَلُ، فَيُقَالُ لَكُمْ: وَلَا يُعْقَلُ أَيْضًا فِعْلٌ فِي غَيْرِ زَمَانٍ (2) أَصْلًا. وَلَا يُعْقَلُ مَفْعُولٌ (3) مُقَارِنٌ لِفَاعِلِهِ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ بِزَمَانٍ أَصْلًا.
[عود لمناقشة رأي الفلاسفة في التقدم والتأخر]
وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ أَنَّ التَّقَدُّمَ بِالذَّاتِ أَمْرٌ مَعْقُولٌ - وَهُوَ تَقَدُّمُ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ - أَمْرٌ قَدَّرْتُمُوهُ فِي الْأَذْهَانِ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْأَعْيَانِ، فَلَا يُعْقَلُ فِي الْخَارِجِ فَاعِلٌ يُقَارِنُهُ (4) مَفْعُولُهُ سَوَاءٌ سَمَّيْتُمُوهُ عِلَّةً تَامَّةً، أَوْ لَمْ تُسَمُّوهُ، وَمَا تَذْكُرُونَهُ مِنْ كَوْنِ الشَّمْسِ فَاعِلَةً لِلشُّعَاعِ، وَهُوَ مُقَارِنٌ لَهَا فِي الزَّمَانِ (5) مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ: عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الشَّمْسِ هِيَ الْفَاعِلَةُ، وَأَنَّهُ مُقَارِنٌ لَهَا بِالزَّمَانِ، وَكِلْتَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ بَاطِلَةٌ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الشُّعَاعَ لَا يَكْفِي فِي حُدُوثِهِ مُجَرَّدُ الشَّمْسِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حُدُوثِ جِسْمٍ قَابِلٍ لَهُ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ زَوَالِ الْمَوَانِعِ.
وَأَيْضًا: فَلَا نُسَلِّمُ لَكُمْ أَنَّ الشُّعَاعَ مُقَارِنٌ لِلشَّمْسِ فِي الزَّمَانِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا، وَلَوْ (6) بِجُزْءٍ يَسِيرٍ مِنَ الزَّمَانِ، وَهَكَذَا مَا تَمَثَّلُونَ بِهِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ حَرَّكْتُ يَدِيَ فَتَحَرَّكَ الْمِفْتَاحُ أَوْ كُمِّي مَبْنِيٌّ عَلَى هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ الْبَاطِلَتَيْنِ، فَمَنِ الَّذِي يُسَلِّمُ أَنَّ حَرَكَةَ الْيَدِ هِيَ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ لِحَرَكَةِ الْكُمِّ، وَالْمِفْتَاحِ؟ بَلِ الْفَاعِلُ لِلْحَرَكَتَيْنِ وَاحِدٌ لَكِنَّ تَحْرِيكَهُ لِلثَّانِي
(1) ن، م: شَفَعْتُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(2)
أ، ب: وَلَا نَعْقِلُ أَيْضًا فِعْلًا مِنْ غَيْرِ زَمَانٍ.
(3)
مَفْعُولٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.
(4)
ن (فَقَطْ) يُقَارِبُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(5)
ن، م: لَهَا بِالزَّمَانِ.
(6)
وَلَوْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) وَفِي (أ) : بَلْ.
مَشْرُوطٌ بِتَحْرِيكِهِ لِلْأَوَّلِ، فَالْحَرَكَةُ الْأُولَى شَرْطٌ فِي الثَّانِيَةِ لَا فَاعِلَةٌ لَهَا، وَالشَّرْطُ يَجُوزُ أَنْ يُقَارِنَ الْمَشْرُوطَ، وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا فَاعِلٌ لِلْآخَرِ لَمْ يُسَلَّمْ أَنَّهُ مُقَارِنٌ لَهُ فِي الزَّمَانِ، بَلْ يُعْقَلُ تَحْرِيكُ الْإِنْسَانِ لِمَا قَرُبَ مِنْهُ قَبْلَ تَحْرِيكِهِ لِمَا بَعُدَ مِنْهُ، فَتَحْرِيكُهُ لِشَعَرِ جِلْدِهِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى تَحْرِيكِهِ لِبَاطِنِ ثِيَابِهِ، وَتَحْرِيكُهُ لِبَاطِنِ ثِيَابِهِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى تَحْرِيكِهِ لِظَاهِرِهَا، وَتَحْرِيكُهُ لِقَدَمِهِ مُتَقَدِّمٌ (1) عَلَى تَحْرِيكِهِ لِنَعْلِهِ، وَتَحْرِيكُهُ لِيَدِهِ مُتَقَدِّمٌ (2) عَلَى تَحْرِيكِهِ لِكُمِّهِ.
وَالْمُقَارَنَةُ يُرَادُ بِهَا شَيْئَانِ (3)، أَحَدُهُمَا: الِاتِّصَالُ كَاتِّصَالِ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ وَأَجْزَاءِ الْحَرَكَةِ الْحَادِثَةِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَكُلُّ (4) وَاحِدٍ (5) يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالْآخَرِ يُقَالُ: إِنَّهُ مُقَارِنٌ لَهُ لِاتِّصَالِهِ بِهِ - وَإِنْ كَانَ عَقِبَهُ - وَيُقَالُ أَيْضًا لِمَا هُوَ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمٍ فِي الزَّمَانِ (6) أَصْلًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَجْسَامَ الْمُتَّصِلَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ إِذَا كَانَ مَبْدَأُ الْحَرَكَةِ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهَا، فَإِنَّ الْحَرَكَةَ تَحْصُلُ فِيهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَهِيَ مُتَّصِلَةٌ مُقْتَرِنَةٌ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّهَا مُقْتَرِنَةٌ فِي الزَّمَانِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي. .
وَمَبْدَأُ مَا يُحَرِّكُهُ الْإِنْسَانُ مِنْهُ، فَإِذَا حَرَّكَ يَدَهُ تَحَرَّكَ الْكُمُّ الْمُتَّصِلُ بِهَا، وَتَحَرَّكَ مَا اتَّصَلَ بِالْكُمِّ لَكِنَّ حَرَكَةَ الْيَدِ قَبْلَ حَرَكَةِ الْكُمِّ مَعَ اتِّصَالِهَا، وَهَكَذَا سَائِرُ النَّظَائِرِ.
(1) ن، م: مُقَدَّمٌ.
(2)
ن، م: مُقَدَّمٌ.
(3)
ن: سَبَبَانِ.
(4)
ن، م: وَكُلُّ.
(5)
أ، ب: أَحَدٍ.
(6)
م، ن: تَقَدُّمٍ بِالزَّمَانِ.
وَالْإِنْسَانُ إِذَا حَرَّكَ حَبْلًا بِسُرْعَةٍ، فَإِنَّهُ تَتَّصِلُ الْحَرَكَةُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الطَّرَفَ الَّذِي يَلِي يَدَهُ تَحَرَّكَ قَبْلَ الطَّرَفِ الْآخَرِ، وَلَا يُعْقَلُ (1) قَطُّ فِعْلٌ مِنَ الْأَفْعَالِ إِلَّا حَادِثًا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لَا يُعْقَلُ فِعْلٌ مُقَارِنٌ لِفَاعِلِهِ فِي الزَّمَانِ أَصْلًا.
[وَإِذَا قِيلَ] : (2) إِنَّ الْفَاعِلَ لَمْ يَزَلْ فَاعِلًا كَانَ الْمَعْقُولُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَحْدُثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لَمْ يُعْقَلْ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَفْعُولُهُ الْمُعَيَّنُ مُقَارِنًا لَهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ بِزَمَانٍ أَصْلًا.
وَأَيْضًا: فَالرَّبُّ تَعَالَى إِذَا لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا إِلَّا بِقُدْرَتِهِ، وَمَشِيئَتِهِ (3)، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سُورَةِ يس: 82] فَلَا بُدَّ أَنْ يُرِيدَ الْفِعْلَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ قَبْلَ الْمَفْعُولِ، وَإِنْ كَانَتِ الْإِرَادَةُ وَالْفِعْلُ مَوْجُودَيْنِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَفْعُولِ، كَمَا يَقُولُ (4) أَهْلُ السُّنَّةِ: إِنَّ الْقُدْرَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ.
لَكِنْ إِذَا قِيلَ: لَمْ يَزَلِ الْمَفْعُولُ لَازِمًا لِلْفَاعِلِ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِهِ وَبَيْنَ الْمَفْعُولِ الْمَخْلُوقِ [لَهُ](5) ، فَلَا يَكُونُ فَرْقٌ بَيْنَ حَيَاتِهِ وَبَيْنَ مَخْلُوقَاتِهِ، بَلْ وَلَا بَيْنَ الْخَالِقِ، وَالْمَخْلُوقِ.
وَالْعُقَلَاءُ يَعْلَمُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْفَاعِلُ - لَا سِيَّمَا مَا يَفْعَلُهُ
(1) ن (فَقَطْ) : وَلَا يَفْعَلُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(2)
عِبَارَةُ " وَإِذَا قِيلَ " مَكَانُهَا بَيَاضٌ فِي (ن) ، (م) .
(3)
أ، ب: إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.
(4)
ن، م، أ: كَمَا يَقُولُهُ.
(5)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
بِاخْتِيَارِهِ - وَبَيْنَ مَا هُوَ صِفَةٌ لَهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ لَوْنَ (1) الْإِنْسَانِ وَطُولَهُ وَعَرْضَهُ لَيْسَ مُرَادًا لَهُ وَلَا مَقْدُورًا لَهُ وَلَا مَفْعُولًا لَهُ ; لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ (2) ، وَأَمَّا أَفْعَالُهُ الدَّاخِلَةُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ (3) فَهِيَ أَفْعَالٌ لَهُ مَقْدُورَةٌ مُرَادَةٌ، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ هَذِهِ لَازِمَةٌ لِذَاتِهِ كَاللَّوْنِ (4) ، وَالْقَدْرِ كَانَ هَذَا غَيْرَ مَعْقُولٍ، بَلْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ [بِهِ](5) أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ أَفْعَالًا لَهُ، وَلَا مَفْعُولَاتٍ، بَلْ صِفَاتٍ [لَهُ](6) .
وَأَيْضًا، فَإِذَا كَانَ الْعَالَمُ لَمْ يَخْلُ مِنْ نَوْعِ الْحَوَادِثِ - كَمَا سَلَّمْتُمُوهُ، وَكَمَا يَقُومُ عَلَيْهِ الْبُرْهَانُ، بَلْ كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ - لَمْ يُمْكِنْ (7) فِعْلُ الْعَالَمِ بِدُونِ الْحَوَادِثِ لِامْتِنَاعِ وُجُودِ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ، وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ مَلْزُومُ الْحَوَادِثِ الْمَصْنُوعُ (8) الْمَفْعُولُ قَدِيمًا، وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَخْلُوَ مِنَ الْحَوَادِثِ.
وَمَا يَدَّعِيهِ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةِ مِنْ أَنَّ الْعُقُولَ خَالِيَةٌ عَنِ الْحَوَادِثِ مِنْ أَبْطَلِ الْكَلَامِ لَوْ كَانَ لِلْعُقُولِ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ [فَكَيْفَ وَلَا حَقِيقَةَ لَهَا فِي الْخَارِجِ](9) وَذَلِكَ أَنَّ مَعْلُولَ (10) الْعُقُولِ عِنْدَهُمْ - وَهِيَ النُّفُوسُ
(1) أ، ب: كَوْنَ.
(2)
أ، ب: مَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.
(3)
أ، ب: مَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.
(4)
ب، م: كَالْكَوْنِ.
(5)
بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(6)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(7)
أ، ب: يَكُنْ.
(8)
أ، ب: لِلْمَصْنُوعِ.
(9)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(10)
أ: مَعْقُولَ ; ب: مَفْعُولَ.
الْفَلَكِيَّةُ أَوِ الْأَفْلَاكُ أَوْ مَا (1) شِئْتَ مِنَ الْعَالَمِ - مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَوَادِثِ، فَإِنَّ النُّفُوسَ وَالْأَفْلَاكَ لَا يُمْكِنُ خُلُوُّهَا مِنَ الْحَوَادِثِ عِنْدَهُمْ، وَلَوْ خَلَتْ لَمْ تَكُنْ نُفُوسًا، بَلْ تَكُونُ عُقُولًا (2) .
وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ الْمَعْلُولُ لَمْ يَخْلُ عَنِ الْحَوَادِثِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ عِلَّتُهُ لَمْ تَخْلُ مِنَ الْحَوَادِثِ، وَإِلَّا لَزِمَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ فِي الْمَعْلُولِ بِلَا عِلَّةٍ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلْحَوَادِثِ مِنْ سَبَبٍ تَحْدُثُ عِنْدَهُ (3) ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِلَّةِ النُّفُوسِ وَالْأَفْلَاكِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ بَطَلَ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً لَهَا لِامْتِنَاعِ صُدُورِ الْحَوَادِثِ الْمُخْتَلِفَةِ عَنْ عِلَّةٍ بَسِيطَةٍ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ (4) .
وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَئِمَّتُهُمْ (5)، وَغَيْرُ أَئِمَّتِهِمُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ (6) الرَّبَّ تَقُومُ بِهِ الْأُمُورُ الِاخْتِيَارِيَّةُ قَالُوا: لِأَنَّ الْمَفْعُولَاتِ فِيهَا مِنَ التَّنَوُّعِ وَالْحُدُوثِ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ ذَلِكَ عَنِ الْفَاعِلِ، وَإِلَّا لَزِمَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا مُحْدِثٍ، وَإِذَا كَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ [أَجْزَاءِ](7) الْعَالَمِ مَلْزُومًا لِلْحَوَادِثِ، وَهُوَ مَصْنُوعٌ، فَإِبْدَاعُهُ بِدُونِ الْحَوَادِثِ مُمْتَنِعٌ، وَإِحْدَاثُ [الْحَوَادِثِ](8) شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ مَعَ قِدَمِ ذَاتِ مَحَلِّهَا الْمَعْلُولِ مُمْتَنِعٌ ; لِأَنَّ الْقَدِيمَ الْمُوجِبَ
(1) ن: وَمَا.
(2)
ن، م: بَلْ كَانَتْ تَكُونُ عَقْلًا.
(3)
ن، م، أ: مِنْ سَبَبٍ يُحْدَثُ عِنْدَهَا، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .
(4)
أ، ب: عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ; ن: عَلَى حَالٍ وَحْدَهُ.
(5)
ن، م: أَئِمَّتُهُمْ وَغَيْرُهُمْ.
(6)
ن: إِنَّ.
(7)
أَجْزَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
الْحَوَادِثِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
لِذَاتِهِ لَا يُوجِبُهَا إِلَّا مَعَ الْحَوَادِثِ، فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لَهَا قَطُّ إِلَّا مَعَ فِعْلٍ (1) حَادِثٍ يَقُومُ بِهِ، وَإِذَا كَانَ لَا يَفْعَلُ إِلَّا بِفِعْلٍ حَادِثٍ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ (2 قَدِيمًا ; لِأَنَّ قِدَمَ الْمَفْعُولِ 2)(2) يَقْتَضِي قِدَمَ الْفِعْلِ بِالضَّرُورَةِ.
وَإِذَا قِيلَ: فِعْلُ الْمَلْزُومِ قَدِيمٌ، وَفِعْلُ الْحَوَادِثِ حَادِثٌ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لَزِمَ أَنْ يَقُومَ بِذَاتِ الْفَاعِلِ فِعْلَانِ: أَحَدُهُمَا: فِعْلٌ لِلذَّاتِ الْقَدِيمَةِ، وَهُوَ قَدِيمٌ بِقِدَمِهَا دَائِمٌ بِدَوَامِهَا، وَالْآخَرُ: أَفْعَالٌ لِحَوَادِثِهَا، وَهِيَ حَادِثَةٌ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَتَكُونُ ذَاتُ الْفَاعِلِ فَاعِلَةً لِلْمَلْزُومِ بِفِعْلٍ، وَفَاعِلَةً لِلَّازِمِ بِفِعْلٍ آخَرَ أَوْ أَفْعَالٍ، وَفِعْلُهَا لِلْمَلْزُومِ يُوجِبُ فِعْلَهَا لِلَّازِمِ لِامْتِنَاعِ انْفِكَاكِ الْمَلْزُومِ عَنِ اللَّازِمِ، وَإِرَادَتُهَا لِلْمَلْزُومِ تُوجِبُ إِرَادَتَهَا لِلَّازِمِ ; لِأَنَّ الْمُرِيدَ لِلْمَلْزُومِ الْعَالِمِ بِأَنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ إِنْ لَمْ يُرِدِ اللَّازِمَ لَكَانَ إِمَّا غَيْرَ مُرِيدٍ لِوُجُودِ الْمَلْزُومِ، وَإِمَّا غَيْرَ عَالِمٍ بِالْمَلْزُومِ.
وَالرَّبُّ تَعَالَى مُرِيدٌ لِلْمَلْزُومِ (3) ، وَعَالِمٌ بِالْمَلْزُومِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُرِيدَ الْمَلْزُومَ دُونَ اللَّازِمِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِيمَا يُرِيدُ إِحْدَاثَهُ، وَيُرِيدُ أَنْ يُحْدِثَ لَهُ حَوَادِثَ مُتَعَاقِبَةً، كَمَا يُحْدِثُ الْإِنْسَانَ وَيُحْدِثُ لَهُ أَحْوَالًا مُتَجَدِّدَةً شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَيُحْدِثُ الْأَفْلَاكَ، وَيُحْدِثُ حَوَادِثَهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لَكِنَّهُ إِذَا فُرِضَ أَنَّ الْمَلْزُومَ غَيْرُ مُحْدِثٍ لَهُ لَمْ يُعْقَلْ كَوْنُهُ مَفْعُولًا لَهُ، وَلَا يُعْقَلُ [أَيْضًا](4) كَوْنُهُ مَعْلُولًا لَهُ قَدِيمًا بِقِدَمِهِ، فَإِنَّ الْمَعْلُولَ لَهُ صِفَاتٌ وَمَقَادِيرٌ
(1) فِعْلٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) فَقَطْ.
(2)
(2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.
(3)
ن، م: بِالْمَلْزُومِ.
(4)
أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وَالْعِلَّةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنِ الْأَحْوَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ إِنَّمَا تَسْتَلْزِمُ مَا يَكُونُ مِنْ لَوَازِمِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ لَوَازِمِهَا مَا يُنَاسِبُهَا مُنَاسَبَةَ الْمَعْلُولِ لِعِلَّتِهِ، وَالْمَعْلُولُ فِيهِ مِنَ الْأَقْدَارِ وَالْأَعْدَادِ وَالصِّفَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ مَا يَمْتَنِعُ (1) وُجُودُ مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ فِي عِلَّتِهِ، فَتَمْتَنِعُ الْمُنَاسَبَةُ، وَإِذَا امْتَنَعَتِ الْمُنَاسَبَةُ امْتَنَعَ كَوْنُهُ عِلَّةً لَهُ.
وَأَيْضًا، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهَا مُوجِبٌ أَزَلِيٌّ لِلْمَعْلُولِ الْأَزَلِيِّ كَانَ إِيجَابُهَا لَهُ إِمَّا بِالذَّاتِ مُجَرَّدَةً عَنْ أَحْوَالِهَا الْمُتَعَاقِبَةِ، وَإِمَّا مَعَ أَحْوَالِهَا، وَالْأَوَّلُ مُمْتَنِعٌ، فَإِنَّ خُلُوَّ الذَّاتِ (2) عَنْ لَوَازِمِهَا مُمْتَنِعٌ، وَالثَّانِي مُمْتَنِعٌ ; لِأَنَّ الذَّاتَ الْمُسْتَلْزِمَةَ لِصِفَاتِهَا وَأَحْوَالِهَا لَا تَفْعَلُ إِلَّا بِصِفَاتِهَا، وَأَحْوَالِهَا، وَالْأَحْوَالُ الْمُتَعَاقِبَةُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَعْلُولٌ مُعَيَّنٌ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ شَرْطًا فِي الْمَعْلُولِ الْأَزَلِيِّ ; لِأَنَّ الْمَعْلُولَ الْأَزَلِيَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعَ عِلَّةٍ (3) أَزَلِيَّةٍ، وَالْأَحْوَالُ الْمُتَعَاقِبَةُ لَا يَكُونُ مَجْمُوعُهَا وَلَا شَيْءٌ مِنْهَا أَزَلِيًّا (4) ،. وَإِنَّمَا الْأَزَلِيُّ هُوَ النَّوْعُ الْقَدِيمُ الَّذِي يُوجِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَهَذَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي الْأَزَلِ.
وَهَذَا كَمَا لَوْ قِيلَ: إِنَّ الْفَلَكَ الْمُتَحَرِّكَ دَائِمًا (5) يُوجِبُ ذَاتًا أَزَلِيَّةً مُتَحَرِّكَةً، [أَوْ غَيْرَ مُتَحَرِّكَةٍ، فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ مَا كَانَ فِعْلُهُ مَشْرُوطًا بِالْحَرَكَةِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولُهُ الْمُعَيَّنُ قَدِيمًا، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ
(1) أ، ب: مَا يَمْنَعُ.
(2)
ن: فَإِنَّ خُلُوَّ الذَّاتِ الْحَوَادِثِ ; م: فَإِنَّ خُلُوَّ الْحَوَادِثِ الذَّاتِ.
(3)
ن، أ: عِلَّتِهِ.
(4)
أ، ب: لَا يَكُونُ مَجْمُوعُهَا وَلَا شَيْءٌ مُعَيَّنٌ.
(5)
م: الْمُتَحَرِّكَ إِنَّمَا.
الْمُتَحَرِّكَ الْأَزَلِيَّ يُوجِبُ مُتَحَرِّكًا أَزَلِيًّا لَمْ يُوجِبْ] (1) إِلَّا مَا يُنَاسِبُهُ، وَأَمَّا الْمُتَحَرِّكَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ فِي قَدْرِهَا وَصِفَاتِهَا وَحَرَكَاتِهَا فَيَمْتَنِعُ صُدُورُهَا عَنْ مُتَحَرِّكٍ حَرَكَةً مُتَشَابِهَةً.
وَأَيْضًا، فَإِنَّ الْمَفْعُولَ الْمَخْلُوقَ مُفْتَقِرٌ إِلَى الْفَاعِلِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا مِنَ الْفَاعِلِ، وَالْفَاعِلُ الْخَالِقُ غَنِيٌّ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَاقْتِرَانُهُمَا (2) أَزَلًا وَأَبَدًا يَمْنَعُ كَوْنَ أَحَدِهِمَا فَاعِلًا غَنِيًّا وَالْآخَرِ مَفْعُولًا فَقِيرًا، بَلْ يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُتَوَلِّدًا عَنْهُ، وَيُوجِبُ كَوْنَهُ صِفَةً لَهُ، فَإِنَّ الْوَلَدَ وَإِنْ تَوَلَّدَ عَنْ وَالِدِهِ بِغَيْرِ قُدْرَتِهِ [وَإِرَادَتِهِ](3) ، وَاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ (4) ، فَهُوَ حَادِثٌ عَنْهُ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُتَوَلَّدِ عَنِ الشَّيْءِ مُلَازِمًا لِلْمُتَوَلِّدِ عَنْهُ مُقَارِنًا لَهُ فِي وُجُودِهِ، فَهَذَا أَيْضًا لَا يُعْقَلُ.
وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ أَوْلَادُ اللَّهِ وَإِنَّهُمْ بَنَاتُهُ، مَعَ مَا فِي قَوْلِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالْجَهْلِ (5) ، فَقَوْلُ هَؤُلَاءِ أَكْفَرُ مِنْهُ مِنْ وُجُوهٍ، فَإِنَّ أُولَئِكَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ حَادِثَةٌ كَائِنَةٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ (6) اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَكُونُوا يَقُولُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ.
وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْعُقُولَ وَالنُّفُوسَ - الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْمَلَائِكَةَ،
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(2)
أ، ب: وَاقْتِرَانُهَا.
(3)
وَإِرَادَتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
وَمَشِيئَتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(5)
ن، م: مِنَ الْجَهْلِ وَالْكُفْرِ.
(6)
إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
[وَالسَّمَاوَاتِ](1) - قَدِيمَةٌ بِقِدَمِ اللَّهِ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ وَالِدًا لَهَا، فَهُمْ مَعَ قَوْلِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ وَلَدَهَا يَقُولُونَ: لَمْ تَزَلْ مَعَهُ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُعْقَلُ لَا فِي الْوَلَدِ وَلَا فِي الْفِعْلِ، فَكَانَ قَوْلُهُمْ مُخَالِفًا لِمَا تَعْرِفُهُ الْعُقُولُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ، وَسِرُّ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، فَأَثْبَتُوا فِعْلًا وَصُنْعًا وَإِبْدَاعًا (2) مِنْ غَيْرِ إِبْدَاعٍ وَلَا صُنْعٍ وَلَا فِعْلٍ.
وَقَوْلُهُمْ فِي فِعْلِ الرَّبِّ كَقَوْلِهِمْ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، فَأَثْبَتُوا وَاجِبَ الْوُجُودِ (3) ، وَوَصَفُوهُ بِمَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعَ الْوُجُودِ، وَأَثْبَتُوا صِفَاتِهِ، وَقَالُوا فِيهَا مَا يُوجِبُ نَفْيَ صِفَاتِهِ، فَهُمْ دَائِمًا يَجْمَعُونَ فِي أَقْوَالِهِمْ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ فِي الْأَصْلِ مُعَطِّلَةٌ مَحْضَةٌ، وَلَكِنْ أَثْبَتُوا ضَرْبًا مِنَ الْإِثْبَاتِ، وَأَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالتَّعْطِيلِ، فَلَزِمَهُمُ التَّنَاقُضُ.
وَلِهَذَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ أَنْ يُوصَفَ بِنَفْيٍ أَوْ إِثْبَاتٍ (4)، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا يُقَالُ: هُوَ مَوْجُودٌ (5 وَلَا مَعْدُومٌ وَلَا حَيٌّ وَلَا مَيِّتٌ، وَقَدْ يَقُولُونَ: لَا يُقَالُ: هُوَ مَوْجُودٌ وَلَا يُقَالُ 5) : (5) لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَلَا يُقَالُ: هُوَ حَيٌّ، وَلَا يُقَالُ: لَيْسَ بِحَيٍّ (6) ، فَيَرْفَعُونَ النَّقِيضَيْنِ جَمِيعًا، أَوْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ إِثْبَاتِ أَحَدِ النَّقِيضَيْنِ وَرَفْعِ النَّقِيضَيْنِ مُمْتَنِعٌ، كَمَا أَنَّ جَمْعَ النَّقِيضَيْنِ مُمْتَنِعٌ، وَالِامْتِنَاعُ مِنْ إِثْبَاتِ أَحَدِ النَّقِيضَيْنِ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ،
(1) وَالسَّمَاوَاتِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
ب: وَإِبْدَاعًا وَصُنْعًا.
(3)
ب (فَقَطْ) : الْوُجُودَ لِلْوَاجِبِ.
(4)
ن، م: وَإِثْبَاتٍ.
(5)
(5 - 5) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(6)
أ، ب: هُوَ حَيٌّ وَلَا لَيْسَ بِحَيٍّ.
وَالْحَقِّ، وَالْبَاطِلِ، وَذَلِكَ جَهْلٌ وَامْتِنَاعٌ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالتَّكَلُّمِ بِهِ.
وَمَدَارُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُعْرَفُ وَلَا يُذْكَرُ وَلَا يُمَجَّدُ وَلَا يُعْبَدُ، وَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ السَّفْسَطَةِ، فَإِنَّ السَّفْسَطَةَ مِنْهَا مَا هُوَ نَفْيٌ لِلْحَقِّ، وَمِنْهَا مَا هُوَ نَفْيٌ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ تَجَاهُلٌ، وَامْتِنَاعٌ عَنْ إِثْبَاتِهِ، وَنَفْيِهِ، وَيُسَمَّى [أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ] الْلَا أَدْرِيَّةَ (1) لِقَوْلِهِمْ: لَا نَدْرِي (2) .
كَمَا قَالَ فِرْعَوْنُ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: 23] مُتَجَاهِلًا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ، وَأَنَّهُ مَنْكُورٌ لَا يُعْرَفُ، فَخَاطَبَهُ مُوسَى بِمَا بَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ أَعْرَفُ مِنْ أَنْ يُنْكَرَ، وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُجْحَدَ (3)، فَقَالَ:{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ - قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ - قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} [سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: 24 - 26] .
وَكَذَلِكَ قَالَتِ الرُّسُلُ لِمَنْ قَالَ مِنْ قَوْمِهِمْ: {إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ - قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ: 9 - 10] إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَقَامُ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَكِنْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَا لِاتِّصَالِ الْكَلَامِ بِهِ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ إِذَا جَوَّزْنَا حُدُوثَ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ امْتَنَعَ الْقَوْلُ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، كَمَا سَنُبَيِّنُ امْتِنَاعَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ حُدُوثِ
(1) ن، م: وَيُسَمَّى هَؤُلَاءِ الْأَدْرِيَّةَ.
(2)
أ، ب: لِقَوْلِهِمْ فِيمَا لَا نَعْلَمُ: لَا نَدْرِي.
(3)
ن (فَقَطْ) : مِمَّنْ أَنْ يَجِدَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.