الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: الاختلاف في زيادة راو في الإسناد وحذفه
قد يجئ الحديث الواحد من طريقين، ولكن في أحدهما زيادة راو، ليس هو في الطريق الأخرى، فتارة يحكم النقاد على أن الزيادة راجحة، بكثرة الراوين لها أو بضبطهم وإتقانهم أو غيرها من القرائن، وتارة يحكم بأن راوي الزيادة وهم فيها، تبعاً للقرائن والمرجحات، وأحياناً يظهر صواب الطريقين، وصحة الوجهين الزائد والناقص على حد سواء، وفي أحيان أخرى يتوقف الناقد في ترجيح إحدى الطريقين على الأخرى أو الحكم بصحتها معاً.
فالأئمة النقاد ليس لهم عمل مطرد في الحكم على هذا النوع من الاختلاف من الرواة.
وسأذكر فيما يلي نماذج وشواهد من صنيع الإمام البخاري توضح كل حالة من الحالات الأربع السابقة.
الحالة الأول: ترجيح الناقصة والحكم على الزيادة بالوهم.
المثال الأول:
حديث خزيمة بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في الاستطابة ثلاثة أحجار ليس فيه رجيع".
رواه عبده عن هشام بن عروة، عن عمرو بن خزيمة المدني، عن عمارة بن خزيمة عن خزيمة بن ثابت (1) .
وقال وكيع عن هشام، عن أبي خزيمة، عن عمارة بن خزيمة (2) ، عن خزيمة بن ثابت (3) .
(1) أخرجه أحمد في مسنده: ج5 ص213 و 214، والدرامي (677) ، وأبو داود (41) .
(2)
هو عمرو بن خزيمة، مقبول من السادسة، د ق (التقريب ص421) .
(3)
أخرجه الحميدي (433) وأحمد: ج5 ص213، وابن ماجه (315) .
وقال أبو معاوية عن هشام بن عروة، عن عبد الرحمن بن سعد، عن عمر بن خزيمة، عن خزيمة بن ثابت (1) .
قال الترمذي: "سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: الصحيح، ما روى عبدة ووكيع، وأبو معاوية أخطأ في هذا الحديث إذ زاد عن عبد الرحمن بن سعد"(2) .
وقال أبو زرعة – رحمه الله: "الحديث حديث وكيع وعبدة"(3) .
فهذا الحديث يرويه عبدة ووكيع، وأبو أسامة وابن نمير (4) كلهم يقولون هشام بن عروة عن عمر بن خزيمة عن عمارة بن خزيمة عن خزيمة بن ثابت.
إلا أن أبا معاوية خالفهم في روايته إذ زاد عبد الرحمن بن سعد بين هشام بن عروة وعمرو بن خزيمة.
إلا أن أبا معاوية خالفهم في روايته إذ زاد عبد الرحمن بن سعد بين هشام بن عروة وعمرو بن خزيمة.
وقد حكم البخاري على رواية أبي معاوية بالوهم والخطأ وذلك لما يلي:
1-
أبو معاوية ضعيف في هشام بن عروة.
قال الأثرم قلت لأبي عبد الله (أي الإمام أحمد) : أبو معاوية صحيح الحديث عن هشام؟ قال: لا ما هو بصحيح الحديث عنه (5) .
2-
خالف من هو أكثر وأحفظ وأثبت في هشام.
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3724) .
(2)
العلل الكبير ص26.
(3)
علل الحديث: رقم (139) .
(4)
روايتي أبي أسامة وابن نمير أشار إليهما أبو داود في سننه: ج1 ص7 حديث رقم (41) .
(5)
شرح العلل ص271.
قال الدارقطني – رحمه الله: "أثبت الرواة عن هشام بن عروة: الثوري، ومالك، ويحيى القطان، وعبد الله بن نمير، والليث بن سعد"(1) .
3-
لأبي معاوية رواية (2) يوافق فيها الحفاظ الأثبات عن هشام بن عروة مما يدل على وهمه في الرواية المخالفة لهم.
لهذه القرائن حكم الإمام البخاري وغيره من النقاد على رواية أبي معاوية الزائدة بالوهم.
المثال الثاني:
حديث أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها".
هذا الحديث يرويه الوليد بن مسلم (3) ، وعيسى بن يونس (4) ، وصدقة بن خالد (5) كلهم عن بسر بن عبد الله عن واثلة بن الأسقع عن أبي مرثد.
وخالفهم عبد الله بن المبارك فزاد يه أبا إدريس الخولاني بين بسر وواثلة (6) وقد رجح الإمام البخاري الطريق الناقصة على الزائدة.
قال الترمذي: "سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: حديث الوليد بن مسلم أصح، وهكذا روى غير واحد، عن عبد الرحمن بن يزيد بن
(1) سؤالات ابن بكير للدارقطني.
(2)
سنن أبي داود: ج1 ص7 حديث رقم (41) .
(3)
أخرجه أحمد: ج4 ص135، ومسلم: ج3 ص62، والترمذي (1051) والنسائي: ج2 ص67 وابن خزيمة (793) .
(4)
أخرجها أبو داود في سننه (3229) .
(5)
ذكر ذلك ابن أبي حاتم في علله حديث رقم (213) .
(6)
أخرجه أحمد: ج4 ص135، ومسلم: ج3 ص63، والترمذي (1050) وابن خزيمة (794) .
جابر، عن بسر بن عبيد الله، عن واثلة بن الأسقع.
قال محمد: "ويسر بن عبيد الله سمع من واثلة، وحديث ابن المبارك خطأ إذ زاد فيه عن أبي إدريس الخولاني"(1) .
ولم ينفرد البخاري بهذا الحكم فقد وافقه فيه نقاد آخرون كأبي حاتم الرازي والدارقطني وغيرهما.
قال ابن أبي حاتم: "قال أبي: يرون أن ابن المبارك، وهم في هذا الحديث، أدخل أبا إدريس الخولاني بين بسر بن عبيد الله وبين واثلة.
ورواه عيسى بن يونس وصدقة بن خالد، والوليد بن مسلم، عن ابن جابر، عن بسر بن عبيد الله، قال: سمعت واثلة يحدث عن أبي مرثد الغنوي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو حاتم بسر قد سمع واثلة، وكثيراً ما يحدث بسر عن أبي إدريس، فغلط ابن المبارك فظن أن هذا مما روي عن أبي إدريس عن واثلة، وقد سمع هذا الحديث بسر من واثلة نفسه، لأن أهل الشام أعرف بحديثهم" (2) .
الحالة الثانية: ترجيح الطريق الزائدة والحكم على الناقصة بالوهم:
المثال الأول:
حديث ابن عباس قال: مر رسول الله على قبرين فقال: "إنهما ليعذبان"(3) .
(1) العلل الكبير ص151.
(2)
علل الحديث رقم (213) .
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطهارة، باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله رقم (216) ج1 ص (379) مع الفتح، وانظر الأرقام التالية (217) و (1361) و (1378) و (6052) و (6055) ، ومسلم ج1 ص126 وأبو داود (20) وابن ماجه (347) والترمذي (70) والنسائي (31) وابن خزيمة (56) وأحمد في مسنده ج1 ص225، والدرامي (745) .
هذا الحديث قد ورد من طريقين:
الطريق الأولى: منصور عن مجاهد عن عباس.
الطريق الثانية: الأعمش عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس.
فالطريق الأخيرة فيها زيادة طاووس فهل هذه الزيادة صحيحة أم لا؟
قال الترمذي:
"سالت محمداً عن حديث مجاهد، عن طاووس، عن ابن عباس مر رسول الله على قبرين.
فقال: الأعمش يقول عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس.
ومنصور يقول: عن مجاهد عن ابن عباس، ولا يذكر فيه: عن طاووس.
قلت أيهما أصح. قال: حديث الأعمش" (1) .
لكن الإمام البخاري خرج حديث منصور أيضاً في صحيحه فهل تغير اجتهاده أم أخرجه ليبين علته.
ذهب الحافظ ابن حجر إلى أنه يصح الطريق معاً، قال:
"وإخراجه له على الوجهين يقتضي صحتهما عندما، فيحمل على أن مجاهداً سمعه من طاووس عن ابن عباس ثم سمعه من ابن عباس بلا واسطة أو العكس"(2) .
وقد ذكر الدارقطني هذا الحديث في كتابه التتبع وحكى الخلاف فيه، ولم يحكم بشيء (3) .
(1) العلل الكبير ص42.
(2)
فتح الباري: ج1 ص379.
(3)
التتبع ص334 – 335.
والظاهر من صنيع البخاري في صحيحه أنه كان يرى صحة الطريين إذ إنه أخرج طريق منصور الناقصة في كتاب الطهارة، باب الكبائر أن لا يستتر من بوله معتمداً عليه وحده، ورواه أيضاً في كتاب الأدب، باب من الكبائر، معتمداً عليه وحده.
وأما طريق الأعمش فلا شك في صحتها لإطباق الشيخين على تخريجها وباقي الأئمة الستة، ثم حكم البخاري لطريق الأعمش، وذلك لتصريحه الذي نقله عنه الترمذي في علله الكبير، وكتاب العلل أصله مأخوذ من كتاب الجامع للترمذي، أي أنه صنف الجامع أولاً، وكان يسأل فيه البخاري عن العلل ثم أفرده عن الجامع، ولذلك يسميه البعض بـ"العلل المفردة" وجامع الترمذي كان بعد تصنيف صحيح البخاري، فيكون هذا النص متأخراً وهو يقتضي ترجيح رواية الأعمش الزائدة.
المثال الثاني:
حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب".
قال البخاري – رحمه الله:
"حدثنا عبد الله ابن يوسف: حدثنا الليث عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أنه سمعه يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا زنت الأمة، فتبين زناها، فليلدها ولا يثرب، ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر".
تابعه إسماعيل بن أمية عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم" (1) .
وقد وقع في هذا الحديث اختلاف بين الرواة على أبي سعيد المقبري.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب لا يثرب على الأمة إذا زنت ولا تنفي، رقم (6839) ج12 ص171 (مع الفتح) .
وحاصل هذا الاختلاف ما يلي:
الليث يقول: عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، وقد وافقه على زيادة "أبيه" محمد بن إسحاق" (1) .
وإسماعيل بن أمية يقول: عن سعيد عن أبي هريرة، وقد وافقه على حذف "أبيه" عبيد الله بن عمر العمري (2) وأيوب بن موسى (3) وأسامة بن زيد (4) ومحمد بن عجلان، وعبد الرحمن بن إسحاق (5) فأي الطريق اصح، الطريق الزائدة أم الناقصة، وما هي قرائن الترجيح.
لقد انتقد هذا الحديث الحافظ الدارقطني في "التتبع" وذكر الخلاف ولم يحكم فيه بشيء.
والظاهر عند تأمل صنيع البخاري – رحمه الله – أنه يرجح طريق الليث الزائدة وذلك لأنه أوردها متصلة معتمداً عليها في أول الباب، ثم أورد طريق إسماعيل بن أمية تعليقاً، وهذه قاعدة منهجية عند الإمام البخاري، نبه إليها الحافظ – رحمه الله – فقال:
" من عادة البخاري إذا كان في بعض الأسانيد التي يحتج بها خلاف على بعض رواتها، ساق الطريق الراجحة عنده مسندة متصلة، وعلق الطريق الأخرى إشعاراً بأن هذا الاختلاف يضر.
إما أن يكون للراوي فيه طريقان فيحدث فيه تارة عن هذا، وتارة عن هذا، فلا يكون ذلك اختلافاً يلزم منه اضطراب يوجب الضعف.
(1) روايته أخرجها الإمام مسلم في صحيحها كتاب الحدود، باب رجم اليهود وأهل الذمة في الزنى ج3 ص1328.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
المصدر نفسه.
(4)
المصدر نفسه.
(5)
عزاها الحافظ في الفتح (ج12 ص172) إلى النسائي ولم أحدها في السنن الصغرى ولعلها في الكبرى.
وإما أن لا يكون له فيه إلا طريق واحدة، والذي أتى عنه بالطريق الأخرى واهم عليه، ولا يضر الطريق الصيحة الراجحة، وجود الطريق الضعيفة المرجوحة" (1) .
وكذلك بالنسبة لصنيع الإمام مسلم في صحيحه فالظاهر منه أن يرجح طريق الليث الزائد على الطريق الناقصة. وذلك لأنه أوردها أولاً مصدراً بها الباب ومعتمداً عليها، ثم أورد بعدها الطريق الناقصة ليشير إلى الخلاف، ويبين العلة. وهذه الطريقة – رحمه الله – في صحيحه فقد قال:"ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما سألت وتأليفه على شريطة سوف اذكرها لك وهو أن نعتمد إلى جملة ما اسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقسمها على ثلاثة أقسام ثلاثة طبقات من الناس على غير تكرار إلا أن يأتي موضع لا يستغني فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى، أو إسناد يقع إلى جنب إسناد، لعلة تكون هناك"(2) .
ولم ينفرد الشيخان بهذا، فقد سبقهما إلى تعليل الطريق الناقصة وترجيح الطريق الزائدة –الإمام ابن المديني رحمه الله – حيث قال:
"حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها" رواه إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة.
رواه عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد، قال: سمعت أبا هريرة، فنظرت فإذا سعيد لم يسمعه من أبي هريرة.
ورواه إسحاق والليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة.
ورواه أيوب بن موسى عن سعيد عن أبي هريرة.
(1) النكت ص107.
(2)
مقدمة صحيح مسلم ص4.
والحديث عندي حديث سعيد عن أبيه عن أبي هريرة.
وحديث عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد قال: سمعت أبا هريرة يقول:.
وهم وأخاف ألا يكون حفظه" (1) .
فالخلاف في هذا الحديث على سعيد المقبري، والنقاد رجحوا رواية الليث بناء على أنه أثبت أصحابه وأحفظ لحديثه فيقدم عند الخلاف.
قال الإمام أحمد: "اصح الناس عن سعيد المقبري: ليث بن سعد، يفصل ما روى عن أبي هريرة، وما رواه عن أبي عن أبي هريرة، وهو ثبت في حديثه جداً"(2) .
وقال ابن المديني: "الليث وابن أبي ذنب: ثبتان في حديث سعيد المقبري"(3) .
فلكون الليث اثبت أصحاب سعيد المقبري وخاصة أنه يميز بين ما رواه سعيد المقبري عن أبي هريرة مباشرة، وما يرويه عن أبي هريرة بواسطة "أبيه" قدم النقاد روايته المتصلة على الطريق الناقصة.
الحالة الثالثة: ما يحكم فيه بصحة الطريقين معاً الزائدة والناقصة:
أحياناً يرد الحديث من طريقين إحداهما زائدة، والأخرى ناقصة من حيث السند، فيظهر عند الراوي بالوجهين ظهوراً بيناً، بتصريحه بذلك ونحوه، وتارة يكون الحكم بصحة الطريقين معاً بحسب الظن القوي الذي يكون عند الناقد، وفيما يلي أمثلة توضح ما ذكرت، من صنيع الإمام البخاري.
(1) العلل ومعرفة الرجال ص98 – 99.
(2)
شرح العلل ص263.
(3)
المصدر نفسه.
المثال الأول:
حديث المسيء صلاته، يرويه أبو هريرة، وهو يدور على الطرق التالية:
1-
يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة (1) .
2-
عبد الله بن نمر عن عبد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة (2) .
3-
أبو أسامة بن عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة (3) .
4-
ابن وهب عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة (4) .
5-
عيسى ابن يونس عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة (5) .
(1) أخرجه البخاري، في كتاب الأذان، باب الوجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها..، رقم (755) ج3 ص276 (مع الفتح) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة رقم (394) ج1 ص295، والنسائي في سننه ج2 ص124 وأبو داود ج1 ص218، مع (عون المعبود) والترمذي ج1 ص248 مع التحفة، وأحمد ج3 ص124 (مع الفتح الرباني) ، وأبو عوانة في صحيحه (2/103) وابن حبان (3/83 مع الإحسان) والبيهقي أيضاً في جزء القراءة (ص13) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/233) وأبو نعيم في الحلية (8/382) .
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان، باب من رد فقال: عليك السلام، رقم (6251) ، ج11 ص38 (مع الفتح) ، ومسلم (397) ، والترمذي (3/685) مع التحفة، وابن ماجه (1060) والبيهقي في السنن الكبرى (2/15) .
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسياً في الأيمان (6667) ج11 ص55، ومسلم (397) وابن أبي شبية في مصنفه (1/287) .
(4)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/373) .
(5)
ذكره الدارقطني في "التتبع" ص132، حديث رقم (9) .
نلاحظ أن هذه الطرق كلها – ما عدا الأولى – تتفق في أن الحديث عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة.
بينما الطريق الأولى عن يحيى تجعل الحديث عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة فأي الطريقين اصح، أم كلاهما صحيح؟
لقد حكم الأئمة النقاد بصحة الطريقين معاً، ومن هؤلاء الإمام الدارقطني –رحمه الله قال:"قد خالف يحيى أصحاب عبيد الله كلهم، منهم: أبو أسامة، وعبد الله بن نمير، وعيسى بن يونس، وغيرهم، رووه عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة، فلم يذكروا أباه، ورواه معتمر عن عبيد الله عن سعيد مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويحيى حافظ ويشبه أن يكون عبيد الله حدث به على الوجهين"(1) .
وقال الحافظ بعد أن نقل كلام الدارقطني السابق:
" وقال البزار: لم يتابع يحيى عليه، ورجح الترمذي رواية يحيى.
قلت: لكل من الروايتين وجه مرجح، أما رواية يحيى فللزيادة من الحافظ، وأما الرواية الأخرى فللكثرة، ولأن سعيداً لم يوصف بالتدليس وقد ثبت سماعه من أبي هريرة، ومن ثم أخرج الشيخان الطريقتين" (2) .
يستخلص من كلام الحافظ أن النقاد قد اختلفوا في الحكم على هذا الحديث:
- فالإمام البزار يرجح رواية الجماعة، ويرى أن يحيى خالف هؤلاء الحافظ بشيء لم يتابع عليه.
- والإمام الترمذي يرجح رواية يحيى على رواية غيره، قال في جامعة – بعد روايته للحديث من طريق يحيى.
"وروى ابن نمير هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر عن سعيد
(1) المصدر نفسه.
(2)
فتح الباري، ج2 ص324.
المقبري، عن أبي هريرة، ولم يذكر فيه عن أبيه عن أبي هريرة، ورواية يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر أصح، وسعيد قد سمع من أبي هريرة، وروى عن أبيه عن أبي هريرة" (1) .
ووجه ترجيح رواية يحيى أنه حافظ وقد زاد فتقبل زيادته.
ويرى البخاري ومسلم والدار قني صحة الطريقين معاً، للقرائن التي أشار إليها الحافظ –رحمه الله.
المثال الثاني:
حديث أبي هريرة "قيل يا رسول الله من أكر الناس؟ ".
هذا الحديث رواه البخاري بإسنادين ناقص وزائد.
قال: "حدثنا إسحاق بن إبراهيم سمع المعتمر عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس "(2) .
وقال "حدثني عبد الله بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله قال: أخبرني سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه – قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا"(3) .
ورواه أيضاً من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة – رضي الله عنه الله عنه – قال: قيل يا رسول الله من أكرم الناس" (4) .
(1) جامع الترمذي: ج1 ص249 مع التحفة.
(2)
رواه البخاري في كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى:{أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت} رقم (3374) ج6 ص477.
(3)
رواه البخاري في كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى:{لقد كان في يوسف واخوته آيات للسائلين} رقم (4689) ج8 ص212 وفي كتاب التفسير رقم (4689) ج8 ص212.
(4)
رواه البخاري في كتاب المناقب، باب قوله تعالى:{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} رقم (3490) ج6 ص607.
وحاصل الاختلاف في هذا الحديث ما يلي:
- أبو أسامة، وعبده ومعتمر يروونه عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة.
- ويحيى القطان خالفهم ورواه عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، فزاد عن "أبيه".
والظاهر من صنيع الإمام البخاري تصحيح الطريقين معاً، وقد أشار إلى هذا الحافظ ابن حجر (1) والحافظ العلائي (2) أيضاً.
لكن الإمام الدارقطني مال في علله إلى ترجيح طريق يحيى، فقال بعد أن ذكر اختلاف الرواة:"ويحيى يقول، والقول قول يحيى"(3) .
وقد ذكر في التتبع وبين الخلاف ولم يرجح شيئاً (4) .
الحالة الرابعة:
وهو ما لا يترجح فيه إحدى الطريقين على الأخرى، ولا يغلب على الظن صحتها معاً، لكن يحتمل أن تكون صحيحتين معاً.
قال – رحمه الله: "حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا شعبة قال: أخبرني علقمة بن مرثد سمعت سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان – رضي الله عنه الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
وحدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن أفضلكم من
(1) هدي الساري ص382.
(2)
جامع التحصيل ص135.
(3)
العلل للدار قطني: ج3 ص14.
(4)
التتبع ص132.
تعلم القرآن وعلمه" (1) .
وقد ذكر الدارقطني هذا الحديث في كتاب التتبع، وبين الخلاف فيه وحاصله ما يلي:
أن هذا الحديث يرويه شعبة عن علقمة عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان، وقد تابع شعبة على زيادة سعد بن عبيدة بين علقمة وأبي عبد الرحمن كل من: عبيد الله بن عيسى، ومحمد بن جحادة، وموسى بن قيس الحضرمي، والنصر بن إسحاق السلمي، ومحمد بن جابر وغيرهم عن علقمة.
رواه سفيان الثوري عن علقمة عن أبي عبد الرحمن بإسقاط سعد بن عبيدة، وقد تابعه علي روايته على كل من: عمرو بن قيس، ومسعر، وأبو اليسع، وعمر بن النعمان، ومحمد بن طلحة، وأبو حماد، وحفص بن سليمان، وأيوب بن جابر، وسلمة الأحمر، وغياث (2) .
فما موقف الحفاظ من هذين الطريقين؟ وهل كلاهما صحيح، أم يرجح أحدهما على الآخر، أم يحتمل أن يكون كلاهما صحيح؟
لقد مال بعض الحفاظ المتأخرين إلى احتمال صحة الطريقين معاً، ومن هؤلاء الحافظ العلائي.
قال بعد أن ساق اختلاف سفيان وشعبة فيه: "أخرجه البخاري من الطريقين، وهو لا يكتفي بمجرد إمكان اللقاء، وقد تابع كلاً من شعبة وسفيان جماعة على ما قال: فيحتمل أن يكون الحديث عند علقمة على الوجهين، ويحتمل أن يكون أرسله عن إسقاط سعد بن عبيدة"(3) .
(1) أخرجه البخاري في فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه رقم (5027) و (5028) ج8 ص692.
(2)
جامع التحصيل ص136.
(3)
جامع التحصيل ص136.
وقال الحافظ: "إن مثل هذا يخرجه البخاري على الاحتمال، لأن رواية الثوري عند جماعة من الحفاظ هي المحفوظة، وشعبة زاد رجلاً فأمكن أن يكون علقمة سمعه من سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن ثم لقي عبد الرحمن فسمعه منه"(1) .
فاحتمال صحة الطريقين غير مستبعد، لأن كلاً من سفيان وشعبة قد تابعها جماعة من الثقات، ولم تقم قرينة على ترجيح أحدهما على الآخر.
وفي تمام هذا المطلب نخلص إلى أن الترجيح بين الرواة إذا اختلفوا في زيادة راو في إسناد وحذفه، لا يلزم حالة واحدة مطردة بل يدور مع القرائن والمرجحات، فتارة يكون الحكم للزائد، وتارة يكون الحكم للناقص، وتارة يكون كلا الطرفين صحيحاً، وتارة لا يستطيع الناقد أن يرجح أحد الطريقين على الآخر مع احتمال كونهما صحيحين معاً.
وأما ما يسلكه كثير من الفقهاء والأصوليين والمتكلمين ومتأخري المحدثين من ترجيح الرواية الزائدة على الناقصة دائماً اعتماداً على أن الراوي الثقة إذا زاد تقبل زيادته، واحتمال أنه سمع من الشيخ بالواسطة ثم سمع منه مباشرة، كل هذا مخالف لمنهج النقاد القائم على النظر في الواقع الحديثي المدعوم بالقرائن والدلائل، ويحصل بالاتساع في الرواية والحفظ والفهم، وليس بالاحتمالات والتجويزات العقلية المجردة.
(1) هي الساري ص393.