المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الخامس: التدليس وموقف البخاري من أحاديث المدلسين - منهج الإمام البخاري

[أبو بكر كافي]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأول: الحديث وعلومه إلى عصر الإمام البخاري

- ‌المبحث الأول: كتب السنة قبل الجامع الصحيح

- ‌أ - كتب السنن:

- ‌ب - المصنفات والجوامع:

- ‌جـ - المسانيد:

- ‌ر - كتب المغازي والسير:

- ‌هـ - كتب التفسير:

- ‌و الأجزاء المفردة في أبواب مخصوصة:

- ‌المبحث الثاني: النقد وعلوم الحديث إلى عصر الإمام البخاري

- ‌تعريف النقد:

- ‌دوافع النقد وعوامل ظهوره:

- ‌المبحث الثالث: ترجمة الإمام البخاري

- ‌نسبه ومولده:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌شيوخه:

- ‌منزلته العلمية:

- ‌ثناء الأئمة عليه:

- ‌أخلاقه:

- ‌محنته وصبره:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الرابع: الآثار العلمية للإمام البخاري

- ‌1 - الجامع الصحيح:

- ‌أ - دوافع تأليف:

- ‌ب - الأغراض الفقهية للبخاري في صحيحه:

- ‌2 - التاريخ الكبير:

- ‌3 - التاريخ الصغير:

- ‌4 - التاريخ الأوسط:

- ‌5 - كتاب الكنى:

- ‌6 - الضعفاء الكبير:

- ‌7 - الضعفاء الصغير:

- ‌8 - خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل:

- ‌9 - الأدب المفرد:

- ‌10 - جزء القراءة خلف الإمام:

- ‌11 - جزء رفع اليدين في الصلاة:

- ‌التأثير العلمي لمصنفات الإمام البخاري:

- ‌1 - الإمام مسلم بن الحجاج (ت 261ه

- ‌2 - الإمام الترمذي (ت 279ه

- ‌3 - الإمام ابن خزيمة (ت 311ه

- ‌4 - الإمام ابن حبان (ت 354ه

- ‌5 - الإمام ابن أبي حاتم الرازي (ت 327ه

- ‌6 - الإمام النسائي (ت 303ه

- ‌7 - الإمام البيهقي (ت 458ه

- ‌الفصل الثاني: منهج تصحيح الأحاديث عند الإمام البخاري

- ‌المبحث الأول: عدالة الرواة

- ‌المطلب الأول: تعريف العدالة

- ‌المطلب الثاني: شروط العدالة وموقف البخاري منها

- ‌أولاً: الإسلام:

- ‌ثانياً: البلوغ:

- ‌ثالثاً: العقل:

- ‌رابعاً: السلامة من أسباب الفسق:

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المطلب الثالث: مسائل تتعلق بالعدالة وموقف البخاري منها

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المطلب الرابع: موقف البخاري من أحاديث أهل البدع والأهواء

- ‌تعريف البدعة:

- ‌أقسام البدعة:

- ‌مناقشة التقسيم السابق:

- ‌مذاهب العلماء في الرواية عن أهل البدع والأهواء:

- ‌المطلب الخامس: موقف البخاري من الرواة المجاهيل

- ‌أسباب الجهالة:

- ‌1 - أحمد بن عاصم البلخي:

- ‌2 - إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي المدني:

- ‌3 - أسامة بن حفص المدني:

- ‌4 - أسباب أبو اليسع:

- ‌5 - بيان بن عمرو البخاري العابد:

- ‌6 - الحسين بن الحسن بن يسار:

- ‌7 - الحكم بن عبد الله:

- ‌8 - عباس بن الحسين القنطري:

- ‌9 - محمد بن الحسن المروزي:

- ‌10 - خالد بن سعد الكوفي:

- ‌المطلب السادس: الوحدان وموقف البخاري من رواياتهم

- ‌تعريف الوحدان:

- ‌المبحث الثاني: ضبط الرواة

- ‌المطلب الأول: تعريف الضبط وأهميته وآثار اختلاله

- ‌المطلب الثاني: موقف الإمام البخاري من الرواة الضعفاء

- ‌المطلب الثالث: مراتب رجال الصحيحين من حيث الضبط

- ‌المطلب الرابع: نماذج من أحاديث الضعفاء ومنهج البخاري في تصحيحها

- ‌1 - أحاديث محمد بن عبد الرحمن الطفاوي:

- ‌2 - أحاديث فضيل بن سليمان النميري:

- ‌المبحث الثالث: اتصال السند

- ‌المطلب الأول: تعريف السند وأهميته

- ‌المطلب الثاني: طرق التحمل والأداء عند الإمام البخاري

- ‌المطلب الثالث: العنعنة وموقف البخاري منها

- ‌المطلب الرابع: نماذج من أحاديث أعلت بالانقطاع في صحيح البخاري

- ‌المطلب الخامس: التدليس وموقف البخاري من أحاديث المدلسين

- ‌الفصل الثالث: منهج تعليل الأحاديث عند الإمام البخاري

- ‌المبحث الأول: الأحاديث المعلولة في الجامع الصحيح

- ‌المطلب الأول: تعريف العلة وبيان مواضعها وحكمها ودلائلها

- ‌المطلب الثاني: الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري

- ‌المبحث الثاني: التفرد وأثرها في التعليل

- ‌المطلب الأول: مقدمات نظرية

- ‌المطلب الثاني: الأحاديث التي استنكرت أو استغربت

- ‌المطلب الثالث: نماذج لأحاديث أعلها الإمام البخاري بالتفرد

- ‌المبحث الثالث: المخالفة وأثرها في التعليل

- ‌مقدمات نظرية:

- ‌القسم الأول: الاختلاف في سياق الإسناد

- ‌المطلب الأول: الاختلاف في الوصل والإرسال

- ‌المطلب الثاني: الاختلاف في الرفع والوقف

- ‌المطلب الثالث: الاختلاف في تسمية شيخ الراوي

- ‌المطلب الرابع: الاختلاف في زيادة راو في الإسناد وحذفه

- ‌القسم الثاني: الاختلاف في سياق المتن

- ‌المطلب الأول: الاختصار وأثره في تغيير سياق المتن

- ‌المطلب الثاني: الرواية بالمعنى وأثرها في التعليل

- ‌المطلب الثالث: الإدراج وأثره في التعليل

- ‌المبحث الرابع: زيادات الثقات وموقف البخاري منها

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: موقف العلماء والطوائف من زيادة الثقة

- ‌المطلب الثاني: نماذج لزيادات مقبولة عند الإمام البخاري

- ‌المطلب الثالث: نماذج لزيادات مردودة عند البخاري

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌المطلب الخامس: التدليس وموقف البخاري من أحاديث المدلسين

‌المطلب الخامس: التدليس وموقف البخاري من أحاديث المدلسين

تعريف التدليس:

التدليس لغة مشتق من الدلس بفتحتين، وهو اختلاط الظلام بالنور ويسمى المدلس بذلك لاشتراكهما في الخفاء والتغطية كأنه لتغطيته على الواقف عليه أظلم أمره، ومنه التدليس في البيع يقال: دلس فلان على فلان أي ستر عنه العيب الذي في متاعه (1) .

أقسام التدليس:

قسمه العلماء إلى أقسام عدة، فمنهم من قسمه إلى ستة أقسام كالإمام الحاكم النيسابوري في كتاب " معرفة علوم الحديث " (2) وهذه الأقسام هي:

الأول: من دلس عن الثقات الذين هم في الثقة مثل المحدث أو فوقه أو دونه إلا أنهم لم يخرجوا عداد الذين تقبل أخبارهم.

الثاني: قوم يدلسون الحديث فيقولون: قال فلان، فإذا وقع إليهم من ينفر عن سماعاتهم، ويلح ويراجعهم ذكروا فيه سماعاتهم.

الثالث: قوم دلسوا عن أقوام مجهولين لا يدري من هم ولا من أين هم.

الرابع: قوم دلسوا أحاديث رووها عن المجروحين فغيروا أساميهم وكناهم كي لا يعرفوا.

الخامس: قوم دلسوا عن قوم سمعوا منهم الكثير، وربما فاتهم الشيء عنهم، فيدلسونه.

(1) لسان العرب والقاموس المحيط مادة (دلس) .

(2)

معرفة علوم الحديث ص128 -. 12.

ص: 199

السادس: قوم رووا عن شيوخ لم يروهم قط، ولم يسمعوا منهم وإنما قالوا: قال فلان. نحمل ذلك منهم على السماع، وليس عندهم عنهم سماع عال ولا نازل.

وقد مثل الحاكم لكل قسم من هذه الأقسام بعدة أمثلة.

ونلاحظ أن الحاكم قد اعتمد في هذا التقسيم على حالات المدلسين مع شيوخهم.

كما نلاحظ أن بعض الأقسام متداخلة في بعض، لذا ترى من جاء بعد الحاكم قد اختصر هذا التقسيم إلى ثلاثة أقسام، كالحافظ العراقي في شرحه لألفيته (1) وفي شرحه على مقدمة ابن الصلاح (2) .

وهذه الأقسام هي:

الأول: تدليس الإسناد.

الثاني: تدليس الشيوخ.

الثالث: تدليس التسوية.

ومن العلماء من قسمه إلى قسمين فقط هما:

تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ. وقد ذهب إلى هذا ابن الصلاح (3) ، والنووي (4) ، وابن كثير (5) ، والطيبي (6) ، وابن حجر (7) ، والسخاوي (8) وغيرهم.

(1) شرح العراقي المسمى فتح المغيث: ج1 ص179 - 191.

(2)

التقييد والإيضاح ص78.

(3)

علوم الحديث ص66.

(4)

التقريب (مع التدريب) : ج1 ص223.

(5)

اختصار علوم الحديث ص50.

(6)

الخلاصة في أصول الحديث ص74.

(7)

النكت على كتاب ابن الصلاح ص244.

(8)

فتح المغيث: ج1 ص169.

ص: 200

قال الحافظ البلقيني: " الأقسام الستة التي ذكرها الحاكم داخلة تحت القسمين السابقين، فالقسم الأول والثاني والثالث والخامس والسادس داخلة تحت القسم الأول، والرابع عين القسم الثاني - أي تدليس الشيوخ وما عده العراقي قسماً ثالثاً - وهو تدليس التسوية داخل تحت القسم الأول وهو تدليس الإسناد (1) .

وعند التدقيق، نلاحظ أن الأقسام كلها تعود إلى تدليس الإسناد لأن الإسناد يتكون من الشيوخ، والصيغ الدالة على التحمل، فإخراج الشيوخ من الإسناد وإبقاء الصيغ الدالة على التحمل أمر غير سليم، ومن هنا يمكن أن نقول إن هذه التقسيمات اعتبارية فقط ترجع إلى أحوال المدلسين وليست تقسيمات حقيقية ترجع إلى التدليس في حد ذاته فالتدليس موضوعه الإسناد، شيوخه وما يدل على الاتصال بينهم.

تعريفه اصطلاحاً:

نذكر تعريف العلماء لقسمي التدليس.

أ - تدليس الإسناد:

اختلف تعاريف العلماء له. فقد عرفه الإمام البزار (ت 392هـ) بقوله: " هو أن يروي عمن سمع منه ما لم يسمع منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه "(2) .

ويمثل تعريف البزار عرفه الإمام أبو الحسن القطان الفاسي (ت 628هـ) في كتابه بيان الوهم والإيهام (3) وفصل ابن عبد البر في تعريفه (4) لكنه لم يخرج عن مضمون تعريف البزار، وهؤلاء يشترطون اللقي والسماع في حد التدليس

(1) محاسن الاصطلاح ص168.

(2)

فتح المغيث: ج1 ص197، وشرح العراقي لألفيته: ج1 ص180.

(3)

فتح المغيث: ج1 ص197، والنكت ص242.

(4)

انظر التمهيد: ج1 ص15.

ص: 201

وذهب آخرون إلى التوسع في مدلول التدليس، فيمثل عندهم من سمع، ومن أدرك ولم يسمع، ومن هؤلاء الإمام ابن الصلاح رحمه الله قال:

" تدليس الإسناد: وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه موهماً أنه سمعه منه، أو عمن عاصره، ولم يلقه موهماً أنه لقيه وسمع منه "(1) .

وبمثل تعريف ابن الصلاح عرفه النووي (2) وابن كثير (3) والعراقي (4) وذكر أن تعريف ابن الصلاح هو المشهور بين أهل الحديث.

لكن الحافظ ابن حجر لم يرتض هذا، وفرق بين النوعين باعتبار أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، وأما إذا عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي (5) .

وهو الظاهر أيضاً من صنيع الحافظ العلائي رحمه الله حيث تكلم على التدليس بنوعيه ثم أفرد للمرسل الخفي باباً مستقلاً في كتابه جامع التحصيل والرأي الذي ذهب إليه ابن حجر هو المعتمد لما يلي:

أولاً: إنه قول المتقدمين من أهل الحديث كما سبق نقله عنهم.

ثانياً: إنه يفرق تفريقاً دقيقاً بين المدلس والمرسل الخفي، وهذا التفريق له أثره الواضح في القبول والرد، لأن حكمنا على الحديث بالتدليس يستلزم رده أما حكمنا عليه بالإرسال الخفي فيعني قبوله عند من يقبل المراسيل.

(1) علوم الحديث ص66.

(2)

التقريب ص223 - 224.

(3)

اختصار علوم الحديث ص50.

(4)

التقييد والإيضاح ص80.

(5)

نزهة النظر ص39 - 40.

ص: 202

ب - تدليس الشيوخ:

هو أن يروي الراوي عن شيخ حديثاً سمعه منه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف (1) .

ويمكن أن نضع تعريفاً للتدليس يشمل القسمين وهو: " التدليس إخفاء عيب في الإسناد ظهوره يكون سبباً في ضعفه أو انقطاعه " فعيوب الإسناد التي تكون سبباً في ضعفه هي: ضعف الرواة، وجهالتهم، وجرحهم.

والعيوب التي تكون سبباً في انقطاع الإسناد، كعدم السماع مطلقاً أو عدم لقاء الرواة بعضهم بعضاً أو عدم السماع منهم في خصوص ذلك الحديث.

حكم التدليس:

قال الخطيب البغدادي رحمه الله: " التدليس متضمن للإرسال لا محالة، لإمساك المدلس عن ذكر الواسطة، وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه بالسماع ممن لم يسمع فقط، وهو الموهن لأمره فوجب كون التدليس متضمناً للإرسال، والإرسال لا يتضمن التدليس، لأنه لا يقتضي إبهام السماع ممن لم يسمع منه "(2) فالتدليس يشبه المرسل في كون كل منهما منقطع، ويختلف عنه بأن الإرسال انقطاع ظاهر والتدليس انقطاع خفي مع أن راويه يذكره بصيغة توهم الاتصال، ولهذا لم يذم العلماء في أرسل وذموا من دلس.

ولقد اختلف العلماء في قبول رواية من عرف بهذا التدليس، ولقد ذكر هذا الخلاف الإمام ابن الصلاح في مقدمته، فقال رحمه الله: " ثم اختلفوا في رواية من عرف بهذا التدليس (أي تدليس الإسناد) فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحاً بذلك، وقالوا: لا تقبل روايته بحال بين

(1) علوم الحديث ص66.

(2)

الكفاية ص395.

ص: 203

السماع أو لم يبين، والصحيح التفصيل وأن ما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع والاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه وما رواه بلفظ مبين للاتصال نحو " سمعت " و "حدثنا " و " أخبرنا " وأشباهها فهو مقبول محتج به.

وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جداً كقتادة، والأعمش، والسفيانين، وهشيم بن بشير، وغيرهم، وهذا أن التدليس ليس كذباً، وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل " (1) وبهذا التفصيل قال الحافظ العلائي رحمه الله (2) - وقال الحافظ ابن حجر:" وحكم من ثبت عنه التدليس إذا كان عدلاً أن لا يقبل منه إلا مصرح فيه بالتحديث على الأصح"(3) كما تعقب الحافظ ابن حجر الإمام ابن الصلاح في قوله: " وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جداً ".

قال ابن حجر: " أورد المصنف هذا محتجاً به على قبول رواية المدلس إذا صرح، وهو يوهم أن الذي في الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث المدلسين مصرح في جميعه وليس كذلك، بل في الصحيحين وغيرهما جملة كثيرة من أحاديث المدلسين بالعنعنة.

وقد جزم المصنف في موضع آخر، وتبعه النووي وغيره، بأن ما كان في الصحيحين وغيرهما من الكتب الصحيحة عن المدلسين، فهو محمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى، وتوقف في ذلك المتأخرين الإمام صدر الدين بن المرحل وقال في " كتاب الإنصاف ": " إن في النفس من هذا الاستثناء غصة، لأنها دعوى لا دليل عليها، ولا سيما أنا قد وجدنا كثيراً من الحفاظ يعللون أحاديث وقعت في الصحيحين أو أحدهما بتدليس

(1) علوم الحديث ص67 - 68.

(2)

جامع التحصيل في أحكام المراسيل - حققه وقدم له وخرّج أحاديثه: حمدي عبد المجيد السلفي - عالم الكتب. الطبعة الثانية 1407هـ - 1986م، ص98 - 99.

(3)

نزهة النظر ص39.

ص: 204

رواتهما " وكذلك استشكل ذلك قبله العلامة ابن دقيق العيد فقال: " لابد من الثبات على طريقة واحدة، إما القبول مطلقاً أو الرد مطلقاً، في كل كتاب، وأما التفرقة بين ما في الصحيح من ذلك وما خرج عنه فغاية ما يوجه به أحد أمرين: إما أن يدعي أن تلك الأحاديث عرف صاحب الصحيح صحة السماع فيها. قال: وهذا إحالة على جهالة، وإثبات أمر بمجرد الاحتمال.

وإما أن يدعي أن الإجماع على صحة ما في الكتابين دليل وقوع السماع في هذه الأحاديث، وإلا كان أهل الإجماع على الخطأ، وهو ممتنع ".

وفي أسئلة الإمام تقي الدين السبكي للحافظ ابن أبي الحجاج المزي " وسألته عما وقع في الصحيحين من حديث المدلس معنعناً هل نقول: إنهما اطلعا على اتصالها

فقال: كذا يقولون وما فيه إلا تحسين الظن بهما، وإلا ففيهما أحاديث من رواية المدلسين ما توجد من غير تلك الطرق التي في الصحيحين ".

قلت (القائل ابن حجر) وليست الأحاديث التي في الصحيحين بالعنعنة عن المدلسين كلها في الاحتجاج، فيحمل كلامهم هنا على ما كان منها في الاحتجاج فقط، أما ما كان في المتابعات فيحتمل أن يكون حصل التسامح في تخريجها كغيرها " (1) .

وهذه الإشكالات التي أوردها هؤلاء الحفاظ المتأخرون مردها إلى أنهم يقررون قواعد عامة مطردة بمعزل عن صنيع الأئمة في كتبهم فإذا وجدوا ما يخالف تلك القواعد حاولوا جاهدين الجواب عنها، وكان من المفترض أن يكون الواقع التطبيقي هو المنطلق الذي تستمد منه القواعد والأحكام.

ولو تأملنا مسألة التدليس وأحاديث المدلسين من خلال الواقع التطبيقي عند الإمام البخاري تتضح لنا الحقائق التالية:

(1) النكت على كتاب ابن الصلاح ص255 - 256.

ص: 205

1 -

أن الإمام البخاري قد أخرج أحاديث كثير ممن وصف بالتدليس، وهذا يقتضي أن التدليس ليس بجرح ترد به الرواية، ويقدح به في العدالة.

2 -

إن الإمام البخاري أكثر ما يخرج لهؤلاء في التعاليق والاستشهاد.

3 -

خرج الإمام البخاري لبعض المدلسين في الأصول احتجاجاً إما لتصريحهم بالسماع، أو لأنهم توبعوا على أحاديهم، أو لشيوخ أكثروا عنهم بحيث لم يفتهم من أحاديثهم شيء، أو من طريق من لا يأخذ عنهم إلا ما صرحوا فيه بالسماع أو لكون هؤلاء المدلسين لا يدلسون إلا عن الثقات.

أصناف المدلسين في صحيح البخاري:

1 -

المدلسون الذين أخرج البخاري أحاديثهم متابعة واستشهاداً:

وهؤلاء مثل: بقية بن الوليد، عيسى بن موسى غنجار، مبارك بن فضالة، محمد بن إسحاق، محمد بن عجلان.

2 -

المدلسون الذين أخرج البخاري أحاديثهم احتجاجاً:

وهؤلاء يخرج أحاديثهم بطرق مختلفة:

أ - من الطرق المصرح فيها بالسماع: مثل:

حميد بن أبي حميد الطويل: كان يدلس وقد اعتنى البخاري بطرق حديثه التي فيها التصريح بالسماع (1) .

ب - من طريق من كان لا يأخذ عنهم إلا ما صرحوا فيه بالسماع: مثل:

الأعمش: فقد اعتمد البخاري في تخريج حديثه على حفص بن غياث لأنه كان يميز بين ما صرح فيه الأعمش بالسماع وبين ما دلسه (2) .

(1) هدي الساري ص419.

(2)

المصدر نفسه ص418.

ص: 206

جـ - من لا يدلس إلا عن الثقات أو تدليسهم نادر، وهؤلاء مثل (1) :

إبراهيم بن يزيد النخعي، إسماعيل بن أبي خالد، بشير بن المهاجر، الحسن بن ذكوان، الحسن البصري، الحكم بن عتبة، حماد بن أسامة، سعيد بن أبي عروبة، سفيان الثوري، سفيان بن عيينة، شريك القاضي، ومحمد بن حازم أبو معاوية الضرير، وغيرهم.

إن تخريج الإمام البخاري روايات بعض المدلسين دون أن يكون هناك تصريح بالسماع مما يدل على أن قاعدة " المدلس لا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالتحديث " ليس قاعدة مطردة بل لها استثناءات.

فهناك بعض المدلسين من يكون تدليسه نادراً في بعض الروايات أو لا يدلس فيها أصلاً مع كونه معروفاً بالتدليس، مثل هشيم بن بشير المشهور بالتدليس إلا أنه لا يكاد يدلس في حديثه عن حصين بن عبد الرحمن فعنعنته محمولة على الاتصال، قال الإمام أحمد:" هشم لا يكاد يدلس عن حصين "(2) .

ذلك لأنه لازمه ملازمة طويلة وأكثر سماعه منه بحيث لم يفت له من أحاديثه شيء، ولذا قالوا:" هشيم أعلم الناس بأحاديث حصين ".

وكذلك سفيان الثوري فقد وصف بالتدليس عن الضعفاء إلا أن الإمام البخاري قال: " لا أعرف لسفيان عن حبيب بن أبي ثابت، ولا عن سلمة بن كهيل، ولا عن منصور، وذكر شيوخاً كثيرة، لا أعرف لسفيان عن هؤلاء تدليساً، ما أقل تدليسه "(3) .

ومن هؤلاء الشيوخ، الأعمش وابن جريج، وأبو إسحاق ومعمر ويحي بن أبي كثير، لأنه قلما يفوت له من أحاديثهم لطول الملازمة وكثرة السماع.

(1) النكت ص257.

(2)

شرح العلل ص389.

(3)

نفس المصدر ص389، وفتح المغيث: ج1 ص219 والنكت ص253.

ص: 207

وكذلك الأعمش فقد قال الحافظ الذهبي: " وهو يدلس وربما دلس عن ضعيف، وهو لا يدري به فمتى قال حدثنا فلا كلام، ومتى قال عن تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم كإبراهيم، وابن أبي وائل، وأبي صالح السمان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال "(1) .

وكذلك ابن جريج إنه كان يدلس عن غير عطاء فأما عن عطاء فلا، قال: إذا قلت: قال عطاء فأنا سمعته منه وإن لم أقل سمعت، وإنما قال هذا لأنه كان يرى أنه قد استوعب ما عند عطاء" (2) .

كما أن بعض المدلسين إذا جاء حديثهم من طريق بعض الرواة فتحمل عنعنتهم على الاتصال لأنهم لا يقبلون منهم إلا ما سمعوا من شيوخهم مثل عكرمة بن عمار اليمامي، وقتادة، والأعمش ولأبي إسحاق وأبي الزبير وسفيان الثوري.

فعكرمة قد ذكره الحافظ ابن حجر في المرتبة الثالثة من مراتب المدلسين لكن إذا جاء حديثه من طريق سفيان الثوري فتحمل عنعنته على الاتصال لأنه كان يوقفه عند كل حديث قل: "حدثني" و " سمعت "(3) .

وأما قتادة والأعمش وأبو إسحاق فلا تضر عنعنتهم إذا روى عنهم شعبة فإنه كان يقول: "كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش وإسحاق وقتادة "(4) .

قال الحافظ: " وهي قاعدة حسنة تقبل أحاديث هؤلاء إذا كانت عن شعبة ولو عنعنوها"(5) .

وقال الإسماعيلي: " يحي القطان لا يروي عن زهير إلا ما كان

(1) ميزان الاعتدال: ج2 ص224.

(2)

التنكيل: ج2 ص100.

(3)

الجرح والتعديل: ج1 ص68.

(4)

النكت على ابن الصلاح ص252.

(5)

المصدر نفسه ص252.

ص: 208

مسموعاً لأبي إسحاق فإذا عنعن زهير عن أبي إسحاق وكان من طريق يحي القطان فلا يضر ذلك ويحمل على الاتصال " (1) .

وأبو الزبير عن جابر إذا روى عنه الليث بن سعد فعنعنته محمولة على الاتصال (2) .

إلى غير ذلك من الأمثلة والشواهد التي تدل على صحة ما ذهب إليه الإمام البخاري من عدم اعتبار أحاديث المدلسين على طريقة واحدة.

* * *

(1) المصدر نفسه.

(2)

المصدر نفسه. وانظر: الموازنة في تصحيح الأحاديث وتعليلها - للدكتور حمزة المليباري - ط2 بقسنطينة ص120 - 124.

ص: 209