الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: الأحاديث المعلولة في الجامع الصحيح
المطلب الأول: تعريفا لعلة وبيان مواضعها، وحكمها ودلائها.
المطلب الثاني: الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري وتصنيفها.
المطلب الأول: تعريف العلة وبيان مواضعها وحكمها ودلائلها
تمهيد:
إن الجامع الصحيح للإمام البخاري من أصح الكتب في الحديث بل أصحها، ومع ذلك فهو جهد بشري ليس كاملاً ولا معصوماً، ومن هنا نجد بعض الأئمة الحفاظ قد تكلموا على بعض الأحاديث في هذا الكتاب، وبينوا فيها عللاً تجعلها قاصرة على رتبة الصحة، وقبل الخوض في ذكر هذه الانتقادات وتقويمها يجدر بنا أن نعرف العلة ومواضعها ودلائلها، ثم نتعرض إلى الأحاديث المنتقدة في جامع الصحيح، ومناهج هؤلاء الأئمة في انتقاداتهم وكذلك طريقة من حاول الدفاع عن الصحيح والرد على هذه الانتقادات.
تعريف العلة:
1-
لغة:
قال الفيروزآبادي:
" العلة بالكسر: المرض، عل، يعل، واعتل، وأعله الله تعالى، فهو معل، وعليل، ولا نقول معلول "(1) ويرى كثير من العلماء أن معلول خلاف القياس، لأن القياس أن يقال معل من أعل قال ابن الصلاح:"ويسميه أهل الحديث: المعلول، وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس العلة والمعلول. مرذول عند أهل العربية واللغة "(2) .
وتبعه على ذلك النووي: إنه لحن، وتبعه السيوطي أيضاً (3) .
لكن قال الفيومي: "العلة المرض الشاغل، والجمع علل مثل سدرة وسدر، وأعله الله فهو معلول، قيل: من النوادر التي جاءت على غير قياس، وليس كذلك، فإنه من تداخل اللغتين، والأصل، أعله الله فعل، فهو معلول، فيكون على القياس، وجاء معل على القياس، ولكنه قليل الاستعمال"(4) .
وأورد الحافظ العراقي في "التقييد والإيضاح" استعمال معلول عن عدد من أهل اللغة منهم قطرب، وابن القوطية، والمطرزي والجوهري (5) .
وجاء في مختار الصحاح: "والعلة: المرض، وحدث يشغل صاحبه عن وجهه كأن تلك العلة صارت شغلاً ثانياً منعه عن شغله الأول؛ واعتل: أي: مرض، فهو عليل، ولا أعلك الله أي لا أصابك بعلة"(6) .
(1) القاموس المحيط: ج4 ص21.
(2)
علوم الحديث ص81.
(3)
التقريب مع شرحه التدريب: ج1 ص251.
(4)
المصباح المنير ص426.
(5)
التقييد والإيضاح ص96.
(6)
مختار الصحاح ص291.
وأصل الخلاف في هذه المسألة هل هذا الفعل ثلاثي مجرد أم مزيد. قال السخاوي رحمه الله:
" نص جماعة كابن القوطية في الأفعال على أنه ثلاثي فإنه قال: عل الإنسان علة مرض والشيء أصابته علة ولكن الأعرف أن فعله من الثلاثي المزيد نقول: أعله الله فهو معل، ولا يقال: تعلل، فإنهم يستعملونه من علة بمعنى ألهاه بالشيء وشغله به، ومنه تعليل الصبي بالطعام، وما يقع في استعمال أهل الحديث له حيث يقال علله فلان، على طريق الاستعارة"(1) .
ومما سبق نستطيع أن نلخص معاني هذا الفعل واستعمالاته على هذا النحو:
فعل علّ يعلّ بالكسر والضم: علا، يستعمل متعدياً ولازماً، ومعناه سقاه السقية الثانية، ومنه العلل وهو الشرب الثاني، يقال علل بعد نهل (2) .
وأما علله فهو في اللغة بمعنى ألهاه وشغله، واستعمال المحدثين لهذا الفعل قليل، واستعمالهم له على سبيل الاستعارة أي كأن المحدث شغل بالنظر في علة الحديث عما هو أهم من ذلك، والله أعلم.
ويرى العراقي أن الأحسن استعمال لفظ معلّ بدلاً من معلول (3) .
ومما تقدم يتبين لنا أن استعمال لفظ معلول لا إشكال فيه لغة، كما أنه المستعمل بكثرة في كلام المحدثين كالبخار، والترمذي والحاكم والدارقطني وغيرهم.
(1) فتح المغيث، ج1 ص244.
(2)
مختار الصحاح ص291.
(3)
التقييد والإيضاح ص96.
ب- تعريف العلة اصطلاحاً:
قال ابن الصلاح "هي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة (1) .
فالعلة عبارة عن سبب غامض يدل على وهم الراوي سواء أكان الراوي ثقة أم ضعيفاً. سواء أكان الوهم فيما يتعلق بالإسناد أم فيما يتعلق بالمتن (2)، وقد تطلق العلة على الأسباب الظاهرة التي تقدح في صحة الحديث كما نبه على ذلك ابن الصلاح فقال:"ثم اعلم أنه قد تطلق العلة على غير ما ذكرنا من باقي الأسباب القادحة في الحديث، المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف، المانعة من العمل به على مقتضى لفظ العلة في الاصل"(3) .
مواضع العلة وحكمها:
قال ابن الصلاح "ثم قد تقع العلة في إسناد الحديث وهو الأكثر وقد تقع في متنه، ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعاً كما في التعليل بالإرسال والوقف، وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن"(4) .
والقدح هنا لفظ مجمل إن أريد به القدح في صحة الحديث، ففي العلل ما هو قادح ومنها ما هو غير قادح، وعلى هذا يحمل كلام ابن الصلاح وغيره من العلماء.
وإن أريد بالقدح، القدح في صحة ما قاله الراوي عمن فوقه فالعلة على هذا الاعتبار كلها قادحة لأن العلة كما سبق هي الوهم والخطأ فما كان وهماً لا يكون صحيحاً (*) .
(1) علوما لحديث ص81.
(2)
الدكتور حمزة عبد الله المليباري: الحديث المعلول قواعد وضوابط - دار الهدى عين مليلة. الجزائر ص13.
(3)
المصدر السابق.
(4)
علوم الحديث ص82
(*) انظر لمزيد من التفصيل في هذه المسألة "الحديث المعلول" ص22.