الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وناقده: ناقشة في الأمر (1) .
النقد اصطلاحاً: هو دراسة الرواة والمرويات لتمييز جيدها من رديئها، وعلوم الحديث كلها تعتبر نتاجاً لهذه المهمة التي اضطلع بها المحدثون والحفاظ، ومن أبرز هذه العلوم علمي الجرح والتعديل وعلل الحديث.
دوافع النقد وعوامل ظهوره:
اختلفت عوامل ظهور النقد باختلاف المراحل التي مر بها، ويمكن تقسيمها إلى مرحلتين:
أ - المرحلة الأولى: وهي تتمثل في المرحلة التي سبقت ظهور الفتن والبدع ويقف وراء ظهور النقد في هذه الفترة عامل واحد وهو ما جبل عليه الإنسان من الوهم والخطأ والنسيان.
ب - المرحلة الثانية: وهي المرحلة التي ظهرت فيها البدع والفتن، ويقف إلى جانب العامل الأول عامل آخر كان وراء تطور حركة النقد ونشاطها، وهو الكذب (2) ، ولقد هيأ الله لهذه المهمة رجالاً قاموا بها أحسن قيام فقد وجد في كل عصر، وفي كل مصر من الجهابذة والحفاظ من يقوم بهذه الوظيفة من عهد الصحابة والتابعين إلى أتباعهم، يأخذ كل واحد منهم ما عند شيخه، ويضيف إليه ما توصل إليه بخبرته فتجمعت مادة علمية غزيرة في الكلام على الرواة والأحاديث إلى أن وصل الأمر إلى الأئمة الذين دوّنوا المصنفات المستقلة مثل: يحي ابن معين، والبخاري، وابن أبي حاتم وغيرهم.
والذي أريد التركيز عليه هو حركة التدوين في النقد وعلوم الحديث
(1) محمد بن أبي بكر الرازي: مختار الصحاح - ت الدكتور مصطفى البغا - دار الهدي عين مليلة الجزائر - ط4 - سنة 1990م، ص426.
(2)
أحمد محمد نور سيف: مقدمة تحقيق تاريخ ابن معين - طبع مركز البحث العلمي وإحياء التراث بمكة - سنة 1979م - 1399هـ، ص6.
ويمكن تقسيمها إلى المراحل التالية (1) :
المرحلة التمهيدية: وهو الشكل المبدئي والأولي للتدوين، إذ كان عبارة عن ملاحظات واستدراكات وتصويبات تدوّن بهوامش المرويات يستفيدها التلاميذ من شيوخهم، وتعتبر هذه التدوينات النواة الأولى لما عرف فيما بعد بالمسانيد المعللة.
المرحلة الثانية: وتتمثل في المسانيد المعللة، وتعتبر هذه المسانيد أول علوم الحديث ظهوراً ونشأة، لأنها تضم خليطاً من المعارف الحديثة: توثيق الرواة، أو تضعيفهم، أو بيان وفاة، أو ضبط غريب، أو بيان شكل، أو توضيح كنية، أو نسبة، أو موطن، أو غير ذلك. ثم نمت بعض الشيء وبدأت تنفصل عن كتب الحديث لتأخذ تسميات خاصة كسؤالات فلان في الرجال، وكان طابع التدوين في هذه الفترة هو أن يقوم به التلاميذ عن الشيوخ ويحتفظون به، وهي في الحقيقة إنتاج الشيوخ ومؤلفاتهم، أو ما جمعوه عن شيوخهم في علوم الحديث.
وكما قام هؤلاء التلاميذ بجمع ما عند شيوخهم من علوم الحديث، قام هؤلاء الشيوخ أنفسهم بهذه المهمة، فدوّنوا عن شيوخهم كثيراً من المعلومات وأضافوا إليها، وهكذا كل طبقة عن التي تليها.
المرحلة الثانية: وتمثلها كتب هؤلاء النقاد أو الروايات عنهم، وهي وإن اختلفت مسمياتها فكلها تدور في فلك واحد، وهو نقد الرجال وعلل الحديث وما يتصل بهما من علوم الحديث. ويلاحظ هنا طابع التلازم بين نقد الرجال وعلل الحديث وهو سمة بارزة في مؤلفات ابن المديني ويحي بن معين والإمام أحمد - رحمهم الله تعالى -.
فالروايات عن يحي أخذت مسميات عدة هي: (التاريخ، معرفة الرجال، السؤالات) وأما عن أحمد بن حنبل: (العلل، العلل ومعرفة الرجال، التاريخ) وأما عن ابن المديني: (العلل، المسند بعلله، التاريخ) .
(1) أحمد محمد نور سيف: مقدمة تحقيق تاريخ ابن معين - ص7 وما بعدها.
وعلى الرغم من ذلك فقد ظهرت كتب مخصصة في هذه الفترة تناولت عدة فنون منها: الأسماء والكنى، الضعفاء والمدلسون، وأجزاء مستقلة لعلل أحاديث شيوخ معينين، وفي الوهم، وتفسير الغريب، والإخوة والأخوات، ومن عرف باللقب أو الاسم وهذه الكتب ذكرتها المصادر في مؤلفات ابن المديني.
ومن أحسن ما ألف في هذه المرحلة من حيث التنظيم والترتيب (طبقات ابن سعد) ، وتعتبر من المصادر الأولى في علم الجرح والتعديل وعلم الرجال، وقد طبع في تسع مجلدات، وتغلب عليها الصبغة التاريخية، فمدلول كلمة تاريخ كان يشمل علم الرجال والنقد، إضافة إلى السير والمغازي، ثم اقتصر مدلوله بعد ذلك على الأحداث التاريخية، فقد سمى كل من الدوري والدارمي روايتيهما عن يحي بن معين باسم التاريخ، وكذلك أبو بكر بن أبي شيبة (ت235هـ)(*) سمى كتابه في الرجال والجرح والتعديل باسم التاريخ، وكذلك الإمام الحافظ خليفة بن خياط العصفري (240هـ) له كتاب التاريخ والطبقات، وكذلك نجد الإمام البخاري سمى كتابه في علم الرجال والجرح والتعديل والعلل بالتاريخ الكبير وله التاريخ الأوسط والتاريخ الصغير (**) .
وقد اتخذ التدوين في العلل والرجاء في هذه المرحلة اتجاهين:
• ذكر الجرح والتعديل وأحوال الرواة مضموماً إلى ذلك العلل في مناسبات تتصل بتراجمهم، والكتب السابقة تمثل هذا الاتجاه.
• والاتجاه الثاني: يتمثل في عرض الأحاديث التي تطرقت إليها العلل، ثم يتبع ذلك بيان حال الرواة، وجرحهم وتعديلهم والتوسع في ذلك، مع التطرق إلى ذكر أوطانهم أحياناً، ويمثل هذا الاتجاه المسند المعلل
(*) قال الدكتور عبد المعطي قلعجي: هناك نسخة من تاريخ ابن أبي شيبة في مكتبة برلين في 113 ورقة (انظر مقدمة تحقيق كتاب الضعفاء للعقيلي ص33) .
(**) سيأتي التعريف بهذه التواريخ الثلاثة في المبحث الرابع من هذا الفصل.
ليعقوب بن شيبة السدوسي (1) .
المرحلة الثالثة: وتمثل هذه المرحلة مؤلفات ابن أبي حاتم الرازي (ت 327هـ) وقد عمد إلى تلك المؤلفات التي وصلت إليه، فهذبها وأضاف إليها، وتعتبر كتبه نقلة نوعية في تدوين العلل والجرح والتعديل، فبعد أن كانت مادة العلل متداخلة في نقد الرجال، جرّدها وجعل كل واحدة مستقلة عن الأخرى.
وتتمثل تلك النقلة في اختيار العنوان أيضاً حيث سمى كتابه " الجرح والتعديل "(2) ومن هنا حددت أغراضه الأساسية، وهي ذكر ما وصل إليه الرواة من جرح أو تعديل، وقد اعتمد اعتماداً كبيراً على التاريخ الكبير للبخاري حيث ضمنه كتابه وأضاف إليه ومن ثم أصبح كتابه مصدراً مهماً في بابه. وقد جرده من مادة العلل وألف فيها كتاباً مستقلاً سماه " علل الحديث (3) " واحتذى في هذا حذو الترمذي في تأليفه " العلل الصغير والكبير " والبزار في " مسنده العلل ".
* * *
(1) هو الحافظ أبو يوسف السدوسي البصري نزيل بغداد، صاحب المسند الكبير المعلل ما صنف مسند أحسن منه لكنه لم يتم، طبع جزء منه.
(2)
وهو مطبوع في 9 مجلدات مع مقدمته بتحقيق العلامة عبد الرحمن المعلمي.
(3)
وهو مطبوع في مجلدين اشتمل على أكثر من ألفي حديث معلول.