الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسباب الجهالة:
للجهالة سببان بينهما الحافظ ابن حجر بقوله:
" أحدهما: أن الراوي: قد تكثر نعوته، من اسم أو كنية، أو لقب، أو صفة، أو حرفة، أو نسب فيشتهر بشيء منها، فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض من الأغراض فيظن أنه آخر فيحصل الجهل بحاله. والأمر الثاني: أن الراوي قد يكون مقلاً من الحديث، فلا يكثر الأخذ عنه، وقد صنفوا فيه الوحدان، وهو من لم يرو عنه إلا واحد، ولو سمي "(1) .
والتعريف الذي أورده الخطيب البغدادي للمجهول، قد اعترض عليه غير واحد ممن كتب في المصطلح كابن الصلاح، والنووي، والعراقي (2) . كما أن الواقع التطبيقي عند الأئمة النقاد يخالفه، فكم من راو حكموا عليه بالجهالة وقد روى عنه جماعة، وفيهم من حكموا عليه بالوثاقة وليس له إلا راو واحد، وكثير ممن ليس له إلا راو واحد اختلفوا في الحكم عليه بين موثق ومضعف ومجهل (3) ، وعليه نستطيع القول أن الجهالة غير مرتبطة بعدد الرواة بقدر ما هي مرتبطة بالشهرة، ورواية الحفاظ.
وقد سبق إلى هذا الإمام ابن رجب رحمه الله فقال: " وظاهر هذا أنه لا عبرة بتعدد الرواة، وإنما العبرة بالشهرة، ورواية الحفاظ "(4) .
فمقدار مرويات الرجل لها دور بارز في الحكم عليه، فكلما كثرت مرويات الرجل وكانت مستقيمة حكم عليه بالوثاقة، وكلما قلّت وكانت مخالفة لروايات الثقات فحكم عليه بالضعف، وإن قلّت رواياته، ولم يتداولها العلماء، فلا يمكن الحكم عليه، وبقي في حيز الجهالة.
(1) نخبة الفكر مع شرحها نزهة النظر ص51 - 52.
(2)
انظر: مقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح ص148 - والتقريب مع التدريب ج1 ص318 والتبصرة والتذكرة ج1 ص328.
(3)
انظر: شرح العلل ص81.
(4)
المصدر نفسه ص82.
وهذا الذي ذهب إليه الحافظ ابن رجب رحمه الله يخالف إطلاق محمد بن يحي الذهلي - الذي حكاه عنه الخطيب في الكفاية - وتبعه عليه المتأخرون من أنه لا يخرج الرجل من الجهالة إلا برواية رجلين فصاعداً عنه (1) ، وإن كان الخطيب رحمه الله قد صرح باعتبار شهرة الراوي بالطلب، وكذلك صرح بأن أقل ما ترتفع به الجهالة أن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم كذلك (2) .
ومع ذلك نجد أن كثيراً من المتأخرين لم يعتبروا الشهرة بالطلب في الراوي، لكي يرتفع عنه وصف الجهالة، وهذا النوع من الرواة الذين اشتهروا بطلب العلم وعرفوا به بين العلماء يزول عنهم وصف الجهالة ويثبت لهم بذلك وصف العدالة. وقد نبّه على هذا الحاكم النيسابوري فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر حيث قال:
" زاد الحاكم في علوم الحديث في شرط الصحيح أن يكون راوية مشهوراً وهذه الشهرة قدر زائد عن الشهرة التي تخرجه عن الجهالة. وقد استدل الحاكم على مشروطية الشهرة بالطلب بما أسنده عن عبد الله بن عون " لا يؤخذ العلم إلا ممن شهد له عندنا بالطلب " والظاهر من تصرف صاحبي الصحيح اعتبار ذلك، إلا أنهما حيث يحصل للحديث طرق كثيرة يستغنون بذلك عن اعتبار ذلك "(3) .
نفهم من كلام الحاكم رحمه الله أن هناك نوعين من الشهرة:
شهرة شخص الراوي وهذه تنفي عنه جهالة العين، وشهرته بالطلب وهذه تتنفي عنه جهالة الحال. وقد أشار الحاكم إلى أن راوي الصحيح لابد أن يكون معروفاً بطلب العلم وقد استظهر الحافظ ذلك من صنيع الإمامين البخاري ومسلم في صحيحيهما. فكل رواة الصحيحين مشهورون بطلب العلم، وقد تداول أحاديثهم الحفاظ، وحيث يكون الراوي مقلاً ولم
(1) الكفاية ص111.
(2)
المصدر نفسه ص111.
(3)
النكت على كتاب ابن الصلاح ص41.