الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: موقف العلماء والطوائف من زيادة الثقة
لقد اختلفت أنظار العلماء وتباينت مواقفهم كثيراً، من زيادات الثقات. واختلطت فيها أقوال المحدثين بأقوال الأصوليين وعلماء الكلام، ونعرض في هذا المطلب لبيان تلك الآراء - على سبيل الاختصار - دون التعرض لذكر الأدلة ومناقشتها.
وبما أن الزيادات قد تكون في الأسانيد كما تكون في المتون. فأقدم الحديث على زيادات الأسانيد وموقف العلماء منها ثم زيادات المتون.
القسم الأول: الزيادة في السند:
تتمثل في اختلاف الوصل والإرسال والرفع والوقف أو زيادة راو في الإسناد وحذفه. وقد اختلف العلماء في هذا النوع على أربعة أقوال:
القول الأول: ترجيح الوصل على الإرسال، والرفع على الوقف:
وإلى هذا الرأي ذهب كثير من الأئمة المتأخرين.
قال الخطيب البغدادي: "وهذا القول هو الصحيح عندما لأن إرسال الحديث ليس بجرح لمن وصله، ولا تكذيب له، ولعله أيضاً مسند عند الذين رووه مرسلاً، أو عند بعضهم، إلا أنهم أرسلوه لغرض أو نسيان، والناسي لا يقضي على الذاكر وكذا حال راوي الخبر إذا أرسله مرة، ووصله أخرى؛ لا يضعف ذلك إيصاله لأنه قد ينسى فيرسله، ثم يذكر بعد فيسنده، أو يفعل الأمرين معاً عن قصد منه لغرض له فيه"(1) .
وقال ابن الصلاح: "وما صححه - أي الخطيب - هو الصحيح في الفقه والأصول"(2) .
(1) الكفاية ص451.
(2)
علوم الحديث ص65.
وقال الإمام النووي: "الصحيح بل الصواب الذي عليه الفقهاء والأصوليون ومحققو المحدثين أنه روي الحديث مرفوعاً وموقوفاً، أو موصولاً ومرسلاً حكم بالرفع والوصل لأنها زيادة ثقة، وسواء كان الرافع والواصل أكثر أو أقل في الحفظ والعدد"(1) .
القول الثاني: ترجيح الإرسال على الوصل والوقف على الرفع:
وقد حكاه الخطيب البغدادي عن أكثر أصحاب الحديث. بالنسبة لترجيح الإرسال على الوصل (2) ، وأما ترجيح الوقف على الرفع فهو مثله فيأخذ حكمه.
القول الثالث: الحكم للأكثر:
فإن كان من أرسله أكثر ممن وصله فالحكم للإرسال. وإن كان من وصله أكثر ممن أرسله فالحكم للوصل، وكذا الرفع والوقف.
لأن تطرق السهو والخطأ إلى الأكثر أبعد، وقد حكى هذا القول الحاكم النيسابوري في "المدخل" عن أئمة الحديث (3) .
القول الرابع:
إن المعتبر ما قاله الأحفظ من وصل أو إرسال. فإذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله، فالحكم لمن أرسله. وإن كان من وصل أحفظ، فالحكم له (4) .
وهذه الأقوال كلها نظرية فقط. وقد سبق أن نقلت في "مبحث المخالفة" أقوال بعض الحفاظ المتأخرين التي تبين أن منهج المحدثين على خلاف هذه الأقوال وبينت بالأمثلة المدروسة أن الترجيح خاضع للقرائن.
(1) شرح صحيح مسلم: ج6 ص29.
(2)
الكفاية ص450.
(3)
انظر: فتح المغيث ك ج1 ص193.
(4)
علوم الحديث ص64، وشرح العراقي لألفيته: ج1 ص177.
القسم الثاني: الزيادة في المتن:
الخلاف في هذا النوع من الزيادة أكثر من النوع الأول. ولقد نقلت فيه أقوال كثيرة هذه أهمها:
القول الأول:
ذهب الجمهور من الفقهاء وبعض المحدثين كابن حبان والحاكم وجماعة من الأصوليين منهم الغزالي في "المستصفى" وجرى عليه النووي في مصنفاته إلى أن زيادة الثقة مقبولة مطلقاً (1) ".
القول الثاني:
أنها لا تقبل مطلقاً، لا ممن رواه ناقصاً ولا من غيره.
حكاه الخطيب في "الكفاية" عن قوم، المحدثين (2) ، وابن الصباغ في "العدة"(3) .
القول الثالث:
قبول الزيادة إذا كان الراوي لها غير الذي روى الحديث بدونها، فأما إن كان راوي الحديث بدون الزيادة هو راويه مع الزيادة فإن هذه الزيادة لا تقبل وإلى هذا القول ذهبت فرقة من الشافعية (4) .
القول الرابع:
إن غيرت الإعراب لم تقبل، وإن لم تغير الإعراب. وكان عدد من مرات ذكر الزيادة أكثر من الإمساك عنها قبلت. وإن كان العكس ردت وإن تساويا قبلت أيضاً.
وقد ذهب إلى هذا فخر الدين الرازي (5) .
(1) الكفاية ص464، وفتح المغيث: ج1 ص233.
(2)
الكافية ص465.
(3)
فتح المغيث، ج1 ص235.
(4)
المصدر السابق.
(5)
المحصول في علم أصول الفقه: ق1 ج2 ص680 – 681 بتحقيق طه جابر العلواني.
القول الخامس:
إن كان من لم يرو الزيادة قد انتهوا إلى عدد لا يتصور في العادة غفلة مثلهم عن سماع تلك الزيادة وفهمها. فإن هذه الزيادة لا تقبل، سواء أبلغ الرواة للحديث بدونها حد التواتر أم لم يبلغوه، وإن لم ينتهوا إلى هذا الحد قبلت.
وإليه ذهب ابن الصباغ (1) والآمدي (2) وابن الحاجب (3) والسمعاني (4) .
القول السادس:
تقبل الزيادة إذا سكت الباقون ممن لم يروها عن نفيها، أما إذا صرحوا بنفي ما نقله عند إمكان اطلاعهم على نقله، فهذا يعارض قول المثبت ويوهنه.
وإليه ذهب إمام الحرمين الجويني (5) .
القول السابع:
إن الزيادة تقبل إذا أفادت حكما شرعياً، وإلا فلا تقبل.
ذكر الخطيب في الكفاية ولم ينسبه لمعين (6) .
القول الثامن:
وجوب قبول الزيادة من جهة اللفظ دون المعنى.
(1) تدريب الراوي: ج1 ص246.
(2)
الإحكام في أصول الأحكام: ج2 ص155.
(3)
في مختصره ج2 ص71 بشرح الإيجي.
(4)
فتح المغيث: ج1 ص234.
(5)
البرهان في أصول الفقه: بتحقيق د. عبد العظيم الذيب. ط1 – مطابع الدوحة الحديثة قطر، سنة 1399هـ. ج1 ص664 – 665، ونقله السخاوي في فتح المغيث: ج1 ص234.
(6)
الكفاية ص465.
وهذا القول أيضاً حكاه الخطيب في الكفاية ولم ينسبه لمعين (1) .
القول التاسع:
تقبل الزيادة في المتون في الفقهاء ولا تقبل من المحدثين الذين لا يهتمون بالفقه، وأن الزيادة في الإسناد فتقبل من المحدثين ولا تقبل من الفقهاء الذين لا يهتمون بالإسناد.
وإلى هذا القول ذهب الإمام ابن حبان في مقدمة "صحيحه"(2) .
هذه أهم مذاهب العلماء من محدثين وفقهاء وأصوليين ومتكلمين في زيادة الثقة. وأكثرها شهرة واستعمالاً القول بقبول زيادة الثقة مطلقاً. وقد نسبه كثير من العلماء إلى جمهور المحدثين ولكن الواقع العلمي النقدي لأئمة الحديث يرده. وقد نبه على هذا الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى فقال:
"اشتهر عن جمع مع العلماء القول بقبول الزيادة مطلقاً، من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح أن لا يكون شاذاً ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه، والعجب ممن أغفل منهم مع اعترافه باشتراط انتفاء الشذوذ في حد الحديث الصحيح، وكذلك الحسن.
والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين كعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والدارقطني وغيرهم اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، ولا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة (3) .
إذن فمنهج الأئمة ليس هو قبول الزيادة من الثقة مطلقاً، أو ردها مطلقاً، وإنما الأمر يدور مع القرائن والمرجحات.
(1) المصدر نفسه.
(2)
صحيح ابن حبان: بترتيب الأمير علاء الدين الفارسي، وتحقيق الشيخ أحمد شاكر، مطبعة المعارف– القاهرة سنة 1372هـ، ج1 ص120.
(3)
نزهة النظر ص27.