الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: نماذج من أحاديث أعلت بالانقطاع في صحيح البخاري
إن الإمام البخاري قد اشترط في كتابه اتصال السند في الأحاديث التي يخرجها في جامعه لذا سماه " الجامع الصحيح المسند " وعلى الرغم من ذلك هناك أحاديث انتقدها بعض الأئمة، وقالوا بأن هذا الشرط لم يتحقق فيها، وسأذكر في هذا المطلب نماذج من أحاديث من صحيح البخاري أعلها الإمام الحافظ الدارقطني بالانقطاع والإرسال.
فمن هذه الأحاديث التي عدها الحافظ الدارقطني مرسلة:
1 -
حديث مصعب بن سعد (1) :
قال: قال: رأي سعد أن له فضلاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم "(2) .
قال الدارقطني: " وهذا مرسل "(3) .
فهذا الحديث ظاهر سياقه أنه مرسل لأن مصعباً لم يدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن صحّ أنه سمعه من أبيه، وقد أورد الحافظ في الفتح ما يدل على أن مصعباً أخذ هذا الحديث عن أبيه، وهذه الطرق هي (4) :
1 -
ما رواه الإسماعيلي من طريق معاذ بن هانئ حدثنا محمد بن طلحة فقال فيه ابن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر المرفوع دون ما في أوله.
(1) هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري، أبو زرارة المدني، ثقة، من الثالثة، أرسل عن عكرمة بن أبي جهل. مات سنة ثلاث ومائة روى له الجماعة (التقريب ص533) .
(2)
رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير - باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب رقم (2896) ج6 ص104 (مع الفتح) .
(3)
التتبع ص194.
(4)
المصدر السابق.
2 -
ما أخرجه أو نعيم في الحلية من رواية عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاتي عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعاً مختصراً ولفظه " ينصر المسلمون بدعاء المستضعفين "(1) .
فهذه الطرق تدل على أن الحديث مسند، وإن كانت صورته في صحيح البخاري صورة المرسل.
وهناك أحاديث أخرى على هذا النمط في صحيح البخاري قال الحافظ: " وقد اعتمد البخاري كثيراً من أمثال هذا السياق فأخرجه على أنه موصول، إذا كان الراوي معروفاً بالرواية عمن ذكره، وقد ترك الدارقطني أحاديث في الكتاب من هذا الجنس لم يتتبعها "(2) .
2 -
أحاديث الحسن عن أبي بكرة:
أخرج البخاري بهذه الرجمة أربعة أحاديث اعتبرها الدارقطني مرسلة ولم يصحح سماع الحسن من أبي بكرة، بينما البخاري يرى صحة سماعه، ومن هنا فهي متصلة عند الإمام البخاري لذا أوردها في صحيحه.
وسأذكر انتقاد الدارقطني ثم أعقبه بأقوال الأئمة الحفاظ في تحقيق سماع الحسن من أبي بكرة.
قال الدارقطني رحمه الله: " وأخرج البخاري أحاديث الحسن عن أبي بكرة، منها: الكسوف، ومنها زادك الله حرصاً ولا تعد، ومنها لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، ومنها إن ابني هذا سيد، والحسن لا يروي إلا عن الأحنف عن أبي بكرة "(3) .
وقد وضح الحافظ ابن حجر هذا الانتقال فقال: " فالدارقطني
(1) حلية الأولياء: ج5 ص100.
(2)
هدي الساري ص381.
(3)
التتبع ص222.
- رحمه الله يرى عدم صحة سماع الحسن (1) من أبي بكرة (2) لكن الإمام البخاري يرى صحة ذلك، وقد اعتمد في تصحيح سماع الحسن من أبي بكرة على رواية أبي موسى عن الحسن أنه سمع أبا بكرة، وقد أخرجه مطولاً في كتاب الصلح، وقال في آخره: قال لي علي بن عبد الله إنما ثبت عندنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث " (3) .
وقال الحافظ في شرح هذا الحديث: " وإنما قال ابن المديني ذلك لأن الحسن كان يرسل كثيراً عمن لم يلقهم بصيغة عن فخشي أن روايته عن أبي بكرة مرسلة، فلما جاءت هذه الرواية مصرحة بسماعه من أبي بكرة ثبت عنده أنه سمعه منه "(4) .
ثم نقل كلام الدارقطني في كتابه التتبع عقبه بقوله: " وهذا يقتضي عنده أنه لم يسمع من أبي بكرة، لكن لم أرَ من صرح بذلك ممن تكلم في مراسيل الحسن كابن المدينين وأبي حاتم، وأحمد والبزار، وغيرهم، نعم كلام ابن المديني يشعر بأنهم كانوا يحملونه على الإرسال حتى وقع هذا التصريح "(5) .
فكلام الحافظ يفيد أن الأئمة لم ينفوا سماع الحسن من أبي بكرة وأن الدارقطني انفرد بهذا، وفيما يلي تفصيل القول في سماع الحسن من أبي بكرة وموقف أئمة النقد من ذلك.
(1) الحسن بن أبي الحسن البصري، تابعي، فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيراً ويدلس. مات سنة 110 وقد قارب التسعين. ترجمته في التقريب ص160، والشذرات: ج1 ص139، وحلية الأولياء: ج2 ص131 - 160.
(2)
هو نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو الثقفي، صحابي، مشهور بكنيته، أسلم بالطائف ثم نزل البصرة ومات بها سنة إحدى أو اثنين وخمسين، ترجمته في: التقريب ص565.
(3)
هدي الساري ص386.
(4)
الفتح: ج13 ص71.
(5)
المصدر نفسه ص71.
تحقيق القول في سماع الحسن من أبي بكرة:
لم يتعرض الإمام البخاري في ترجمة الحسن في تاريخه الكبير لسماعه من أبي بكرة.
أما الإمام ابن أبي حاتم الرازي فقد ترجم له بترجمة متوسطة وتعرض لسماعه من كثير من الصحابة نفياً وإثباتاً وإليك نص كلامه:
" حدثنا عبد الرحمن، نا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: قال أبي: سمع الحسن من ابن عمر، وأنس بن مالك، وابن مغفل، وسمع من عمر بن تغلب أحاديث.
قال أبو محمد فذكرت قول أحمد لأبي رحمه الله فقال: قد سمع من هؤلاء الأربعة، ويصح له السماع من أبي برزة، ومن أحمر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيرهم، ولم يصح له السماع من جندب، ولا من معقل بن يسار، ولا من عمران بن حصين، ولا من ابن عمر، ولا من عقبة بن عامر، ولا من أبي ثعلبة، ولا من أبي بكرة، ولا من أبي هريرة " (1) .
واضح أن الإمام ابن أبي حاتم لم يقصد استيعاب جميع من صح للحسن سماعه منه، لذا قال بعد أن عدّد جملة منهم:" وغيرهم ".
ثن نفى سماعه من بعض الصحابة، ولم ينف سماعه من أبي بكرة، فهذا النص محتمل في تصحيح سماع الحسن من أبي بكرة، ويزيده وضوحاً هذا النص الصريح قال ابن أبي حاتم رحمه الله:
" حدثنا محمد بن سعيد بن بلخ قال: سمعت عبد الرحمن بن الحكم يقول: سمعت جريراً يقول: سألت بهزاً (2) عن الحسن، من لقي من أصحاب رسول الله؟ فقال: سمع من ابن عمر حديثاً، وسمع من عمران بن حصين شيئاً، وسمع من أبي بكرة شيئاً "(3) .
(1) الجرح والتعديل: ج3 ترجمة 177.
(2)
هو بهز بن أسد العمي تقدمت ترجمته.
(3)
ابن أبي حاتم المراسيل: دار الكتب العلمية - بيروت ص44.
وقال الإمام علي ابن المديني في علله:
" سمع الحسن البصري من عثمان بن عفان - وهو غلام - يخطب، ومن عثمان بن أبي العاص، ومن أبي بكرة "(1) .
وقد عد الحافظ المزي من روى عنهم الحسن فذكر أبا بكرة نفيع بن الحارث الثقفي (2) .
وقال الحافظ الذهبي في ترجمة الحسن من كتابه سير أعلام النبلاء:
" وقد روى بالإرسال عن طائفة، كعلي، وأم سلمة، ولم يسمع منها، ولا من أبي موسى، ولا من ابن سريع، ولا من عبد الله بن عمرو، ولا من عمر بن تغلب، ولا من عمران، ولا من أبي برزة، ولا من أسامة بن زيد، ولا من ابن عباس، ولا من عقبة بن عامر، ولا من أبي هريرة، ولا من جابر، ولا من أبي سعيد قاله يحي بن معين "(3) .
وقال الإمام يحي بن معين في تاريخه:
" لم يسمع الحسن من أبي بكرة، قيل له: فإن مبارك بن فضالة يقول: عن الحسن قال حدثنا أبو بكرة، قال ليس بشيء "(4) .
وقال الذهبي أيضاً في تاريخ الإسلام في ترجمة الحسن:
" قال علي بن المديني: لم يسمع الحسن من أبي موسى الأشعري، ولا من عمر بن تغلب ولا من الأسود بن سريع، ولا من عمران، ولا من أبي بكرة "(5) .
(1) العلل ومعرفة الرجال. تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي. دار الوعي. حلب. ط الأولى ص60.
(2)
تهذيب الكمال: ج6 ص99.
(3)
سير أعلام النبلاء: ج4 ص566.
(4)
تاريخ يحي ابن معين - رواية الدوري عنه - تحقيق أحمد نور السيف، ج4 ص322.
(5)
تاريخ الإسلام: تحقيق د. عمر عبد السلام تدمري - دار الكتاب العربي - ط سنة 1410هـ - 1990م - ج7 ص48.
فهذا النص الذي أورده الذهبي مخالف لما نقلته آنفاً من علل ابن المديني، والظاهر أن النص الأول المنقول من العلل هو الصحيح لأنه يوافق ما حكاه البخاري في صحيحه عن ابن المديني، ويبدو أن الإمام الذهبي كتب هذا من حفظه فوهم في نفي سماع الحسن من أبي بكرة، ويرجح هذا الاحتمال أننا لا نجد هذا النص بهذا الاختصار في علل ابن المديني بل نجده فرق الكلام على سماع الحسن في صفحات من العلل (1) والإمام الذهبي قد ذكرها هنا مختصرة، ولم يسق كل من قال عنه ابن المديني أن الحسن لم يسمع منه.
أما بالنسبة للإمام يحي بن معين، فنعم لم يصح عنده سماع الحسن من أبي بكرة، وذلك لأن الطريق التي ورد منها التصريح بالسماع طريق ضعيفة، وسبب ضعفها كما أشار إليه ابن معين هو مبارك بن فضالة.
فمبارك هذا قال فيه الحافظ رحمه الله:
" فمبارك بن فضالة، بفتح الفاء وتخفيف المعجمة، أبو فضالة البصري، صدوق يدلس ويسوي، من السادسة، مات سنة ست وستين، على الصحيح/ خت، د، ت، ق/ "(2) .
قال أبو طالب عن أحمد بن حنبل: كان مبارك بن فضالة يرفع حديثاً كثيراً، ويقول في غير حديث عن الحسنز قال حدثنا عمران قال حدثنا ابن مغفل، وأصحاب الحسن لا يقولون ذلك، غيره" (3) .
فمبارك هذا يخالف أصحابه في أحاديث الحسن، ويذكر للحسن سماعاً لم يصح. ومن ثم لم يعتمد ابن معين رحمه الله على إثبات سماع الحسن من أبي بكرة برواية مبارك بن فضالة.
أما الإمام البخاري فإنه أثبت سماع الحسن من أبي بكرة برواية
(1) انظر العلل ومعرفة الرجال ص60 - 74.
(2)
التقريب ص519.
(3)
تهذيب الكمال: ج28 ص184، والجرح والتعديل: ج8 ت 1557.
إسرائيل أبي موسى البصري، وهو ثقة كما قال الحافظ.
قال الإمام البخاري: " حدثنا صدقة حدثنا ابن عيينة حدثنا أبو موسى، عن الحسن سمع أبا بكرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، والحسن ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة، ويقول: " ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين " (1) .
واستشهد أيضاً برواية مبارك بن فضالة (فقد أخرج البخاري حديث الكسوف من طرق عن الحسن، علق بعضها، ومن جملة ما علقه فيه رواية موسى بن إسماعيل عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال: أخبرني أبو بكرة. فهذا معتمده في إخراج حديث الحسن، ورده على من نفى أنه سمع من أبي بكرة باعتماده على إثبات من أثبته " (2) .
فلما صح سماع الحسن من أبي بكرة عند الإمام البخاري أخرج له في صحيحه، ولم ينفرد الإمام البخاري بإخراج حديث الحسن عن أبي بكرة بل قد أخرج له كثير من الأئمة.
وإليك الأحاديث التي رواها الحسن عن أبي بكرة مع ذكر من أخرجها من الأئمة (3) :
1 -
حديث " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، والحسن إلى جنبه يقول إن ابني هذا سيد " رواه البخاري في كتاب الصلح، حديث رقم (2704) ، وفي كتاب المناقب، حديث رقم (3629) ، وفي كتاب فضائل الصحابة حديث رقم (3746) ، وفي كتاب الفتن حديث رقم (7109) .
والترمذي في سننه، في كتاب المناقب حديث رقم (102) وقال حسن صحيح.
(1) أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما رقم (3746) ج7 ص118.
(2)
هدي الساري ص372.
(3)
انظر تحفة الإشراف للمزي - تحقيق عبد الصمد شرف الدين - مطبعة المكتب الإسلامي - الدار القيمة. الطبعة الثانية 1303هـ، 1973م - ج9 ص38 - 42.
والنسائي في السنن الكبرى في كتاب المناقب.
2 -
حديث أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع دون الصف.
أخرجه البخاري في كتاب الأذان حديث رقم (783) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، والنسائي في الصلاة أيضاً. قال الحافظ:" وقد أعله بعضهم بأن الحسن عنعنه، وقيل إنه لم يسمع من أبي بكرة، وإنما يروي عن الأحنف عنه، ورد هذا الإعلال برواية سعيد بن أبي عروبة عن الأعلم قال: " حدثني الحسن أن أبا بكرة حدثه " أخرجه أبو داود والنسائي (1) .
3 -
حديث نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة ".
رواه البخاري في كتاب المغازي حديث رقم (4425) ، وفي كتاب الفتن حديث رقم (7099) والترمذي في الفتن أيضاً (75) وقال صحيح، والنسائي في القضاة باب (8) .
4 -
حديث " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس فخرج يجر رداءه فصلى بهم ركعتين ".
رواه البخاري في كتاب الكسوف حديث رقم (1040) ، وفي كتاب اللباس باب (2) حديث (2) .
ورواه النسائي في كتاب الصلاة باب (623) حديث (7) .
فهذه أحاديث الحسن عن أبي بكرة عند البخاري، وقد شاركه في تخريجها من ذكرت من الأئمة، وله أحاديث أخرى عن أبي بكرة أيضاً لم يخرجها البخاري وخرجها غيره من الأئمة كأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والبيهقي وابن حبان (2) .
(1) فتح الباري: ج2 ص213.
(2)
انظر تحفة الأشراف: ج9 ص38 - 42.
وخلاصة القول: إن سماع الحسن من أبي بكرة مختلف فيه بين مثبت وناف.
فالمثبتون لسماعه كثير من الأئمة: كابن المديني، والبخاري، والترمذي، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وأحمد، وأبو داود، والبيهقي فكل هؤلاء يصححون حديثه عن أبي بكرة.
وقد نفى سماعه بعض الأئمة كالدارقطني رحمه الله وابن المديني فيما نقله الذهبي - إن صح النقل - ويحي بن معين، لضعف الطريق التي ورد فيها السماع عنده.
والصواب صحة سماع الحسن من أبي بكرة وقد بينت - بحمد الله وتوفيقه - أن البخاري لم ينفرد بإثبات سماعه ولا بتصحيح حديثه، فقد أثبت سماعه جمع من الأئمة النقاد، وصحح حديثه كثير من الأئمة في كتبهم، ولا يفوتني أن أنبه على أن الحسن يروي عن أبي بكرة مباشرة من غير واسطة كما تقدم، ويروي عنه أيضاً بواسطة الأحنف بن قيس، وقد أخرج البخاري أيضاً حديث الأحنف بن قيس عن أبي بكرة (1) .
حديث عبد الله بن الزبير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من لبس الحرير في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة ".
فهذا الحديث أورده البخاري في صحيحه (2) ، وقد انتقده الدارقطني بما يفيد أنه مرسل، حيث قال رحمه الله وأخرج البخاري عن سليمان بن حرب عن حماد بن ثابت عن ابن الزبير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ".
(1) كتاب الفتن، باب إذا التقى مسلمان بسيفهما، حديث رقم (7083) ج13 ص35 (مع الفتح) .
(2)
رواه البخاري في كتاب اللباس، باب لبس الحرير للرجال، وقدر ما يجوز منه حديث رقم (5833) وعقبه بروايتي: أبي ذبيان خليفة بن كعب، وأم عمرو بنت عبد الله بن الزبير، وفيهما يقول ابن الزبير: سمعت عمر يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من لبس الحرير " رقم (5834) ج10 ص296 (مع الفتح) .
قلت: لم يسمعه ابن الزبير من النبي صلى الله عليه وسلم، إنما سمع من عمر، قاله أبو ذبيان (1) وأم عمرو (2) عنه " (3) .
قال الحافظ - بعد ذكره كلام الدارقطني -:
" هذا تعقب ضعيف، فإن ابن الزبير صحابي، فهبه أرسل فكان ماذا؟ وكم في الصحيح مرسل صحابي، وقد أتفق الأئمة قاطبة على قبول ذلك إلا من شذ ممن تأخر عصره عنهم فلا يعتد بخلافه "(4) .
وقال الحافظ أيضاً في شرحه لهذا الحديث: " هذا من مرسل ابن الزبير، ومراسيل الصحابة محتج بها عند جمهور من لا يحتج بالمراسيل، لأنهم إما أن يكون عند الواحد منهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابي آخر، واحتمال كونها عن تابعي لوجود رواية بعض الصحابة عن بعض التابعين نادر، لكن تبين من الروايتين بعد هذا أن ابن الزبير إنما حمله عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة عمر "(5) .
فالحديث إذن مسند، ولا وجه لإعلاله بالإرسال.
فهذه نماذج من أحاديث في صحيح البخاري يرى الإمام الدارقطني بأنها مرسلة أو منقطعة، وقد بينت أن البخاري رحمه الله يرى بأنها مسندة لذا أوردها في صحيحه.
* * *
(1) هو خليفة بن كعب التميمي، البصري، ثقة من الرابعة، روى له البخاري ومسلم والنسائي (التقريب ص195) .
(2)
هي أم عمرو بنت عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدية مقبولة، روى لها البخاري تعليقاً والنسائي (التقريب ص757) .
(3)
التتبع - دراسة وتحقيق: مقبل بن هادي الوادعي - دار الكتب العلمية - الطبعة الثانية 1405هـ - 1985م، ص306.
(4)
هدي الساري ص397 وانظر تفصيل القول في مراسيل الصحابة في أسباب اختلاف المحدثين لخلدون الأحدب ج1 ص220 - 224.
(5)
الفتح: ج10 ص301.