الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: التفرد وأثرها في التعليل
المطلب الأول: مقدمات نظرية
(حقيقة التفرد، أنواعه، مراتبه، حكمه) .
المطالب الثاني: الأحاديث التي استنكرت في صحيح البخاري.
المطالب الثالث: الأحاديث التي أعلها الإمام البخاري بالتفرد.
المطلب الأول: مقدمات نظرية
أ- حقيقة التفرد:
هو أن يروي شخص من الرواة حديثاً دون أن يشاركه الآخرون، وهو ما يقول فيه المحدثون النقاد "حديث غريب" أو "تفرد به فلان" أو "هذا حديث لا يعرف إلا من هذا الوجه" أو "لا نعلمه يروي عن فلان إلا من حديث فلان"(1) .
فالحديث الذي يتفرد به الراوي ولا يشاركه فيه غيره يسمى غريباً ويقابله المشهور.
(1) الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين ص14.
قال الحافظ ابن منده، فيما نقله عنه ابن الصلاح:
" الغريب من الحديث كحديث الزهري وقتادة وأشباههما من الأئمة ممن يجمع حديثهم إذا انفرد الرجل عنهم بالحديث يسمى غريباً، فإذا روى عنهم رجلان أو ثلاثة واشتركوا في حديث سمى عزيزاً، فإذا روى الجماعة عنهم حديثاً سمي مشهوراً"(1) .
ويسمى بعضهم الحديث الذي ينفرد به الراوي ولا يشاركه فيه غيره فرداً، وبعض العلماء جعلهما مترادفين وبعضهم غاير بينهما، ويرى الحافظ ابن حجر أنهما مترادفين لغة واصطلاحاً، إلا أن أهل الاصطلاح غايروا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته، فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق، والغريب أكثر ما يطلقونه على الغريب النسبي (2) .
ب- أنواعه:
للتفرد نوعان: تفرد مطلق، وتفرد نسبي (3) .
فالفرد المطلق ما كانت الغرابة ي أصل سنده.
ويمكن أن نقول أيضاً: هو ما ينفرد به واحد عن كل أحد.
والفرد النسبي، وهو ما يقع فيه التفرد في أثناء سنده، وسمي النسبي لأن التفرد ليس مطلقاً، وإنما هو بالنسبة إلى جهة معينة، ومن هنا كانت له أنواع مختلفة، باعتبار جهة التفرد منها:
1-
تفرد ثقة برواية حديث.
2-
تفرد راو معين عن راو معين.
(1) مقدمة ابن الصلاح ص243.
(2)
نزهة النظر ص17.
(3)
انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 80-81، والنكت ص291 - 295، ونزهة النظر ص17 - 18، وتيسير مصطلح الحديث ص17.
3-
تفرد أهل بلد أو أهل جهة.
4-
تفرد أهل بلد أو جهة عن أهل بلد أو جهة.
ج- مراتب التفرد:
عند إمعان النظر في صنيع المحدثين يتبين لنا أن التفرد على مرتبتين:
1-
تفرد في الطبقات المتقدمة.
2-
تفرد في الطبقات المتأخرة.
أولاً: التفرد في الطبقات المتقدمة:
إن تفرد الراوي بحديث في طبقة من شأنها عدم شهرته وعدم تعدد رواته في الغالب، فهذا النوع من التفرد مقبول ومحتج به بشرط أن يكون الراوي ثقة معروفاً.
لأن التفرد في هذه الطبقات لا يثير في نفس الناقد تساؤلاً حول كيفية التفرد، ولا ريبة في مدى ضبطه لما تفرد به حيث إن تداخل الأحاديث والآثار بالنسبة إليه احتمال يكون معدوماً، ونظراً لمحدودية الأسانيد التي يتداولها هو ومعاصروه وقصرها.
وأما إذا خالف ما ثبت واشتهر، أو كان متنه لا يعرف إلا من روايته، ولم يجر العمل بمقتضاه سابقاً، فإنه عندئذ يصبح شاذاً غريباً ويرفض الناقد قبوله.
وأما إذا كان الراوي المتفرد به ضعيفاً فأمره بين، فلا خلاف بينهم في رد حديثه، وكذا إذا كان مجهولا، فإنه يرد عند الجمهور من النقدة (1) .
(1) الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين ص26 - 27 ملخصاً.
ثانياً: التفرد في الطبقات المتأخرة:
أما التفرد برواية حديث في طبقة من شأنها أن يكون الحديث فيها مشهوراً ومتعدد الطرق، كالمدارس الحديثية المشتهرة في جهات مختلفة من الأقطار الإسلامية، والتي يشترك في نقل أحاديثها جماعة كثيرة من مختلف البلاد لبالغ حرصهم على جمعها من مخارجها الأصلية بحيث لا يفوت لهم شيء منها إلا نادراً، وقد تهيأ لهم ذلك من خلال تنقلهم الواسع بين البلدان الإسلامية.
فهذا النوع من التفرد يدعو الناقد إلى ضرورة النظر إلى أسبابه، فينظر في علاقة صباحه مع المروي عنه عموماً، وكيفية تلقيه ذلك الحديث الذي تفرد به خصوصاً، كما ينظر في حال ضبطه لأحاديث شيخه بصفة عامة، ولهذا الحديث خصوصاً ن ثم يحكم عليه حسب مقتضى دراسته وبحثه.
فليس هناك حكم مطرد بقبول تفرد الثقة أورد تفرد الضعيف بل تتفاوت أحكامه (1) .
حكم التفرد وضابطه:
لقد استقرت كتب المصطلح منذ ابن الصلاح إلى يومنا هذا على أن الحكم على التفرد يكون بحسب أحوال الرواة فإذا كان الراوي ثقة قبل حديثه، وإن كان ضعيفاً رد حديثه، وإن كان متوسطاً اعتبر حديثه حسناً (2) ، وهذا الحكم أخذ كضابط كلي مطرد في كل تفرد.
وعند تتبع كلام النقاد والنظر في صنيعهم يتجلى لنا أن ما لخصه ابن الصلاح - رحمه الله تعالى - ينبغي تخصيصه فإن مقاييس القبول والرد في مجال التفرد ليست أحوال الرواة المتمثلة في الثقة والضعف فحسب، بل بتوافر القرائن الدالة على ذلك.
(1) المصدر نفسه ص27 - 28،وقد أشار إليه الذهبي في الموقظة ص77.
(2)
انظر علوم الحديث ص70 - 71.
فمن أفراد الثقات، وغرائبهم ما يرد ومنها ما يقبل، ولهذا وضع في تعريف الصحيح قيداً مهماً وهو الخلو من الشذوذ والعلة في فلو كان القبول لازماً لأحاديث الثقات لأصبح ذكر هذا القيد لغواً في التعريف (1) .
يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي: "وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد وإن لم يرو الثقات خلافه: "إنه لا يتابع عليه " ويجعلون ذلك علة فيه اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفرد الثقات الكبار، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه"(2) .
الغرائب والأفراد في نظر الأئمة:
يقول ابن رجب: "وقد كان السلف يمدحون المشهور من الحديث ويذمون الغريب منه في الجملة.
ومنه قول ابن المبارك: "العلم هو الذي يجيئك من ههنا ومن ههنا" يعني المشهور وعن علي بن الحسين: "ليس العلم ما لا يعرف، إنما العلم ما عرف وتواطأت عليه الألسن".
وعن مالك: "شر العلم الغريب وخير العلم الظاهر الذي رواه الناس".
وعن الأعمش: "كانوا يكرهون غريب الحديث وغريب الكلام ".
وعن أبي يوسف: "من طلب غرائب الحديث كذب ".
وذكر مسلم في مقدمة كتابه من طريق حماد بن زيد أن أيوب قال لرجل: لزمت عمراً؟ قال: نعم إنه يجيئنا بأشياء غرائب قال يقول له أيوب: إنما نفر أو نفر من تلك الغرائب قال رجل لخالد بن الحارث: اخرج لي حديثا الأشعث لعلي أجد فيه شيئاً غريباً.
(1) الوازنة ص27 - 28 وانظر أيضاً "الحديث المعلول" ص122-125.
(2)
شرح العلل ص208.