المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: نماذج لزيادات مردودة عند البخاري - منهج الإمام البخاري

[أبو بكر كافي]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأول: الحديث وعلومه إلى عصر الإمام البخاري

- ‌المبحث الأول: كتب السنة قبل الجامع الصحيح

- ‌أ - كتب السنن:

- ‌ب - المصنفات والجوامع:

- ‌جـ - المسانيد:

- ‌ر - كتب المغازي والسير:

- ‌هـ - كتب التفسير:

- ‌و الأجزاء المفردة في أبواب مخصوصة:

- ‌المبحث الثاني: النقد وعلوم الحديث إلى عصر الإمام البخاري

- ‌تعريف النقد:

- ‌دوافع النقد وعوامل ظهوره:

- ‌المبحث الثالث: ترجمة الإمام البخاري

- ‌نسبه ومولده:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌شيوخه:

- ‌منزلته العلمية:

- ‌ثناء الأئمة عليه:

- ‌أخلاقه:

- ‌محنته وصبره:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الرابع: الآثار العلمية للإمام البخاري

- ‌1 - الجامع الصحيح:

- ‌أ - دوافع تأليف:

- ‌ب - الأغراض الفقهية للبخاري في صحيحه:

- ‌2 - التاريخ الكبير:

- ‌3 - التاريخ الصغير:

- ‌4 - التاريخ الأوسط:

- ‌5 - كتاب الكنى:

- ‌6 - الضعفاء الكبير:

- ‌7 - الضعفاء الصغير:

- ‌8 - خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل:

- ‌9 - الأدب المفرد:

- ‌10 - جزء القراءة خلف الإمام:

- ‌11 - جزء رفع اليدين في الصلاة:

- ‌التأثير العلمي لمصنفات الإمام البخاري:

- ‌1 - الإمام مسلم بن الحجاج (ت 261ه

- ‌2 - الإمام الترمذي (ت 279ه

- ‌3 - الإمام ابن خزيمة (ت 311ه

- ‌4 - الإمام ابن حبان (ت 354ه

- ‌5 - الإمام ابن أبي حاتم الرازي (ت 327ه

- ‌6 - الإمام النسائي (ت 303ه

- ‌7 - الإمام البيهقي (ت 458ه

- ‌الفصل الثاني: منهج تصحيح الأحاديث عند الإمام البخاري

- ‌المبحث الأول: عدالة الرواة

- ‌المطلب الأول: تعريف العدالة

- ‌المطلب الثاني: شروط العدالة وموقف البخاري منها

- ‌أولاً: الإسلام:

- ‌ثانياً: البلوغ:

- ‌ثالثاً: العقل:

- ‌رابعاً: السلامة من أسباب الفسق:

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المطلب الثالث: مسائل تتعلق بالعدالة وموقف البخاري منها

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المطلب الرابع: موقف البخاري من أحاديث أهل البدع والأهواء

- ‌تعريف البدعة:

- ‌أقسام البدعة:

- ‌مناقشة التقسيم السابق:

- ‌مذاهب العلماء في الرواية عن أهل البدع والأهواء:

- ‌المطلب الخامس: موقف البخاري من الرواة المجاهيل

- ‌أسباب الجهالة:

- ‌1 - أحمد بن عاصم البلخي:

- ‌2 - إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي المدني:

- ‌3 - أسامة بن حفص المدني:

- ‌4 - أسباب أبو اليسع:

- ‌5 - بيان بن عمرو البخاري العابد:

- ‌6 - الحسين بن الحسن بن يسار:

- ‌7 - الحكم بن عبد الله:

- ‌8 - عباس بن الحسين القنطري:

- ‌9 - محمد بن الحسن المروزي:

- ‌10 - خالد بن سعد الكوفي:

- ‌المطلب السادس: الوحدان وموقف البخاري من رواياتهم

- ‌تعريف الوحدان:

- ‌المبحث الثاني: ضبط الرواة

- ‌المطلب الأول: تعريف الضبط وأهميته وآثار اختلاله

- ‌المطلب الثاني: موقف الإمام البخاري من الرواة الضعفاء

- ‌المطلب الثالث: مراتب رجال الصحيحين من حيث الضبط

- ‌المطلب الرابع: نماذج من أحاديث الضعفاء ومنهج البخاري في تصحيحها

- ‌1 - أحاديث محمد بن عبد الرحمن الطفاوي:

- ‌2 - أحاديث فضيل بن سليمان النميري:

- ‌المبحث الثالث: اتصال السند

- ‌المطلب الأول: تعريف السند وأهميته

- ‌المطلب الثاني: طرق التحمل والأداء عند الإمام البخاري

- ‌المطلب الثالث: العنعنة وموقف البخاري منها

- ‌المطلب الرابع: نماذج من أحاديث أعلت بالانقطاع في صحيح البخاري

- ‌المطلب الخامس: التدليس وموقف البخاري من أحاديث المدلسين

- ‌الفصل الثالث: منهج تعليل الأحاديث عند الإمام البخاري

- ‌المبحث الأول: الأحاديث المعلولة في الجامع الصحيح

- ‌المطلب الأول: تعريف العلة وبيان مواضعها وحكمها ودلائلها

- ‌المطلب الثاني: الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري

- ‌المبحث الثاني: التفرد وأثرها في التعليل

- ‌المطلب الأول: مقدمات نظرية

- ‌المطلب الثاني: الأحاديث التي استنكرت أو استغربت

- ‌المطلب الثالث: نماذج لأحاديث أعلها الإمام البخاري بالتفرد

- ‌المبحث الثالث: المخالفة وأثرها في التعليل

- ‌مقدمات نظرية:

- ‌القسم الأول: الاختلاف في سياق الإسناد

- ‌المطلب الأول: الاختلاف في الوصل والإرسال

- ‌المطلب الثاني: الاختلاف في الرفع والوقف

- ‌المطلب الثالث: الاختلاف في تسمية شيخ الراوي

- ‌المطلب الرابع: الاختلاف في زيادة راو في الإسناد وحذفه

- ‌القسم الثاني: الاختلاف في سياق المتن

- ‌المطلب الأول: الاختصار وأثره في تغيير سياق المتن

- ‌المطلب الثاني: الرواية بالمعنى وأثرها في التعليل

- ‌المطلب الثالث: الإدراج وأثره في التعليل

- ‌المبحث الرابع: زيادات الثقات وموقف البخاري منها

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: موقف العلماء والطوائف من زيادة الثقة

- ‌المطلب الثاني: نماذج لزيادات مقبولة عند الإمام البخاري

- ‌المطلب الثالث: نماذج لزيادات مردودة عند البخاري

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌المطلب الثالث: نماذج لزيادات مردودة عند البخاري

فقال فيه: "من المسلمين"(1) .

قال الإمام أحمد في رواية عنه: "كنت أتهيب حديث مالك (من المسلمين) حتى وجدته من حديث العمريين. قيل له فمحفوظ هو عندك (من المسلمين) ؟ قال: نعم".

وهذه الرواية تدل على توقفه في زيادة واحدة من الثقات، ولو كان مثل مالك حتى يتابع على تلك الزيادة (2) . لهذه المتابعات صحح الإمام البخاري والترمذي وأحمد وغيرهم هذه الزيادة وعملوا بها.

‌المطلب الثالث: نماذج لزيادات مردودة عند البخاري

المثال الأول:

حديث عثمان رضي الله عنه في صفة وضوئه عليه السلام.

قال البخاري رحمه الله: "حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، قال: حدثني إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب بن عطاء بن يزيد أخبره أن حمران مولى عثمان، أخبره أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاثة مرار فغسلها ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرار ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى الله عليه وسلم ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه" (3) .

(1) المصدر نفسه.

(3)

أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب الوضوء ثلاثاً حديث رقم (159) ج1 ص311 (مع التفح) .

ص: 353

وقال البخاري أيضاً: " حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عطاء بن يزيد عن حمران مولى عثمان ثم مسح برأسه "(1) .

وقال البخاري أيضاً: " حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر قال: حدثني الزهرري عن عطاء بن يزيد عن حمران مولى عثمان رأيت عثمان.. ثم مسح برأسه "(2) .

هذه طرق هذا الحديث عن الإمام البخاري.

وأخرجه مسلم في الطهارة، باب صفة الوضوء وكماله، عن أبي طاهر بن السرح وحرملة بن يحيى كلاهما عن ابن وهب عن يوسف، وعن زهير بن حرب عن يعقوب بن إبراهيم بن سلامة عن أبيه ثلاثتهم عن الزهري (3) .

ولفظه مثل لفظ البخاري.

فهذه طرق حديث عثمان في صفة وضوئه عليه السلام ليس في شيء منها في الصحيحين ذكر عدد مسح الرأس.

(1) أخرجه في نفس الكتاب، والباب حديث رقم (164) ج1 ص321 (مع الفتح) .

(2)

أخرجه في كتاب الصوم، باب السواك الرطب واليابس للصائم، حديث رقم (1934) ج4 ص187.

(3)

صحيح مسلم، حديث رقم (226) ج1 ص304.

ص: 354

لكن روى أبو داود في سننه (1) بإسناد جيد في بعض طرق هذا الحديث زيادة لفظ (ثلاثاً) عند قوله ومسح رأسه، وهي تفيد تثليث مسح الرأس.

فما حكم هذه الزيادة؟ وهل هي محفوظة أم لا؟ ولماذا تركها الشيخان؟ وما الحكم الفقهي المستفاد منها؟

لو نظرنا إلى ظاهر السند الذي رويت به هذه الزيادة، ما ترددنا في قبولها لكن كثيراً من الأئمة لم يصححوها ومن هؤلاء:

الإمام أبو داود راوي هذه الزيادة.

يقول في سننه: "أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة واحدة"(2) .

وقال ابن المنذر: "إن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح واحدة"(3) .

وقال الدارقطني في سننه: "إن السنة في الوضوء مسح الرأس مرة واحدة"(4) .

وقال العلامة ابن القيم: "والصحيح أنه لم يكرر مسح رأسه بل كان إذا كرر غسل الأعضاء أفرد مسح الرأس، هكذا جاء عنه صريحاً، ولم يصح عنه خلافه البتة"(5) .

أما الإمام البخاري رحمه الله فصنيعه يشعر ويدل دلالة واضحة، أنه لا يصحح تلك الزيادة إذ أنه روى هذا الحديث في مواضع متعددة من صحيحه، ولم يورد تلك الزيادة وترجم على الحديث في كل مرة مستنبطاً منه مسائل فقهية.

- ترجم عليه أولاً بما يدل على سنة التثليث عموماً في الوضوء (باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً) بعد أن أورد ما يدل على مشروعية المرة الواحدة والمرتين (باب الوضوء مرة مرة) و (باب الوضوء مرتين مرتين) .

(1) أخرجه في كتاب الطهارة، باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم من طريق محمد بن المثنى، عن الضمان بن مخلد عن عبد الرحمن بن وردان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: رأيت عثمان ومسح رأسه ثلاثاً (السنن ج1 ص17) ، وفي صحيح ابن خزيمة من نفس الطريق وغيره.

ص: 355

- ثم ترجم له بما يدل على مشروعية غسل الرجلين، وعدم مشروعية المسح على القدمين بقوله (باب غسل الرجلين، ولا يمسح على القدمين) .

- ثم أورده في كتاب الصيام مستدلاً به على مشروعية السلواك للصائم سواء أكان رطباً أم يابساً.

- ومما يدل على عدم ثبوت تلك الزيادة عنده أنه ترجم صريحاً بما يخالفها في نفس الباب الذي أورد فيه حديث عثمان الآنف الذكر، فقد روى في كتاب الوضوء (باب مسح الرأس مرة) وفي بعض ورايات الصحيح (باب مسح الرأس مسحة) .

من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه الله عنه -.

فهذه القرائن تدل على أن الإمام البخاري لا يرى صحة تلك الزيادة لانفرادها ومخالفتها لما هو ثابت عن عثمان رضي الله عنه الله عنه -.

أما ما يتعلق بالزيادة من الناحية الفقهية، فيتمثل في مشروعية تثليث مسرح الرأس.

قد أفاض العلامة العيني في هذه المسألة، فأنقل كلامه ملخصاً، ثم نناقشه فيه، قال رحمه الله:

"إن قوله (ثم مسح برأسه) يقتضي مرة واحدة، كذا فهمه غير واحد من العلماء، وإليه ذهب أبو حنيفة ومال وأحمد، وقال الشافعي: يستحب التثليث لغيرها من الأعضاء وهو مشهور مذهبه.

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: لا نعلم أحداً من السلف جاء عنه استعمال الثلاث إلا إبراهيم التيمي.

قلت: فيه نظر، لأن ابن أبي شيبة حكى ذلك عن أنس بن مالك، وسعيد بن جبير وعطاء، وزاذان، وميسرة، أنهم كانوا إذا توضؤوا مسحوا رؤوسهم ثلاثاً.

ص: 356

ووردت أحاديث كثيرة بالمسح ثلاثاً، ففي سنن أبي داود بسند صحيح من حديث عبد الرحمن بن وردان عن حمران، وفيه (مسح رأسه ثلاثاً) .

وفي سنن ابن ماجه ما يدل على أن سائر وضوئه عليه السلام كان ثلاثاً، والرأس داخل فيه، وهو بسند صحيح.

وفي علل الترمذي أنه سأل البخاري عن حديث سعيد بن الحارث عن خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت، أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فقال هو حديث حسن، وقال أبو عيسى: هو غريب من هذا الوجه.

وفي مسند أحمد بن منيع عمن رأى عثمان رضي الله عنه أنه دعا بوضوء وعنده الزبير، وسعد بن أبي وقاص فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: أنشدكما الله أتعلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ كما توضأت؟ قالا: نعم.

وفي سنن أبي داود من حديث علي رضي الله عنه رفعه "ومسح برأسه ثلاثاً" وسنده صحيح.

وفي سنن الدارقطني بسند فيه البيلماني، عن عمر رضي الله عنه وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ومسح برأسه ثلاثاً".

وفي الأوسط للطبراني من حديث أبي رافع مرفوعاً "مسح برأسه وأذنيه وغسل رجليه ثلاثاً" وقال: لا يروي عن أبي رافع إلا بهذا الإسناد، تفرد به الداروردي عن عمر بن أبي عمرو عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي رافع عنه.

وروى الدارقطني في سننه عن محمد بن محمود الواسطي عن شعيب بن أيوب عن أبي يحيى الحماني عن أبي حنيفة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي- رضي الله عنه أنه توضأ وفيه "ومسح برأسه ثلاثاً" ثم قال: هكذا رواه أبو حنيفة عن علقمة بن خالد وخالفه جماعة من الحفاظ الثقات، فرووه عن خالد بن علقمة، فقالوا فيه: ومسح رأسه مرة واحدة، ومع خلافهم إياهم قال: إن السنة في الوضوء مسح الرأس مرة واحدة.

ص: 357

قلت (القاتل العيني) : الزيادة من الثقة مقبولة، ولا سيما من أبي حنيفة، وأما قوله فقد خالف في الحكم المسح فغير صحيح لأن تكرار المسح عنده مسنون أيضاً لكل بماء واحد.

وقد وردت الأحاديث في المسح مرتين: منها ما رواه ابن ماجة بسند لا بأس به عن الربيع "توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على رأسه مرتين".

ومنها ما رواه النسائي من حديث عبد الله بن زيد "ومسح برأسه مرتين" وسنده صحيح.

فكل ما أورده العلامة العيني رحمه الله ليستدل به على مشروعة التثليث لمسح الرأس لا ينهض للاحتجاج وذلك لأن بعض ما أورده صحيح غير صريح والبعض الآخر صريح غير صحيح. أما لصحيح غير الصريح فهي تلك الأحاديث التي تدل على مشروعية التثليث في الوضوء بصفة عامة، وهذا ليس هو محل النزاع إذ أخرج بعضها البخاري ومسلم - في صحيحيهما -.

وأما ما يدل على التثليث في مسح الرأس خاصة فهو صريح غير صحيح، فما رواه أبو داود فقد صرح بأن أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة.

وما رواه الدارقطني في سننه (1) من حديث ابن البيلماني عن أبيه عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فغسل كفيه ثلاثاً " ثم قال ومسح برأسه ثلاثاً.

فهذا لا يحتج به لحال ابن البيلماني وابيه وإن كان الأب أحسن حالاً.

وأما ما رواه الطبراني في الأوسط، فقد عقبه بقوله: تفرد به الدراوردي أي أنه غريب غير مشهور. وأما حديث علي الذي رواه

(1) سنن الدارقطني: ج1 ص93 وفي سنده صالح بن عبد الجبار، قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية. لا أعرفه إلا من هذا الحديث، وهو مجهول الحال، ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني، قال الترمذي: قال البخاري: منكر الحديث.

ص: 358

الدارقطني أيضاً في سننه من طريق أبي حنيفة فقد نص الدارقطني على أنه شاذ إذا إن أبا حنيفة خالف جماعة من الحفاظ الثقات.

وأما قول العيني "بأنه زيادة ثقة وزيادة الثقة مقبولة" فهذا الحكم ليس على إطلاقه، بل هو دائر مع القرائن والمرجحات، فإذا ثبت عندنا أن هذا الثقة قد حفظ، ولم يخالفه من هو أوثق وأحفظ وأكثر عدداً منه وغير ذلك من القرائن قبلت زيادته.

وأما ما ورد في بعض الروايات من أنه صلى الله عليه وسلم مسح رأسه مرتين (1) فيحمل على أنه رواية بالمعنى، لأنه ورد أنه كان يمسح رأسه بيديه يقبل بهما ويدبر.

قال ابن القيم: "وكان يمسح رأسه كله، وتارة يقبل بيديه ويدبر، وعليه يحمل حديث من قال مسح برأسه مرتين، والصحيح أنه لم يكرر مسح رأسه"(2) .

مما سبق يتضح لنا عدم مشروعية التثليث لمسح الرأس وهذا ما ذهب إليه البخاري رحمه الله ولم يصحح تلك الزيادة، لأنها ليست لها متابعات ولا شواهد صحيحة.

ولم ينفرد الإمام البخاري بترك هذه الزيادة بل قد شاركه في ذلك مسلم رحمه الله وأعلها أبو داود والدارقطني وغيرهما.

المثال الثاني:

زيادة "فليرقه" في حديث ولوغ الكلب.

قال البخاري: "حدثني عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً" (3) .

(1) أخرجه النسائي في سننه، كتاب الطهارة، باب عدد مسح الرأس رقم (99) ج1 ص76.

(2)

زاد المعاد: ج1 ص193.

(3)

كتاب الوضوء، باب الماء الذي يغتسل به شعر الإنسان، وسؤر الكلاب وممرهما في المسجد، حديث رقم (172) ج1 ص330.

ص: 359

وقد روى الإمام مسلم والنسائي هذا الحديث من طريق علي بن حجر السعدي عن علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات".

قال أبو عبد الرحمن: لا أعلم أحداً تابع علي بن مسهر على قوله فليرقه (1) .

يؤخذ من هذه الزيادة أن الماء الذي يلغ فيه الكلب نجس، وأن الغسل لتطهير الإناء لا لمجرد التعبد، ويؤخذ منه نجاسة لعاب الكلب، وهذه الأحكام الفقهية متوقفة على صحة تلك الزيادة.

قد صحح هذه الزيادة بعض الأئمة منهم:

الإمام الدارقطني، فإنه قال بعد أن ساق الحديث بسنده إلى أبي هريرة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه، وليغسله سبع مرات" صحيح: إسناده صحيح، رواته كلهم ثقات (2) .

وقد أورده ان خزيمة في صحيحه وكذلك ابن حبان.

وقال العراقي رحمه الله بعد أن نقل أقوال بعض الأئمة في تعليل زيادة "فليرقه": "قلت وهذا غير قادح فيه فإن زيادة الثقة مقبولة عند العلماء والفقهاء والأصوليين والمحدثين، وعلي بن مسهر قد وثقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والعجلي، وغيرهم، وهو أحد الحفاظ الذين احتج بهم الشيخان، وما علمت أحداً تكلم فيه، فلا يضره تفرده به"(3) .

وقد صحح هذه الزيادة أيضاً الإمام الشوكاني في النيل (4) .

(1) رواه مسلم في كتاب الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب حديث رقم (89) ج1 ص234، ورواه النسائي في كتاب الطهارة، باب الأمر بإراقة الإناء إذا ولغ فيه الكلب، حديث رقم (66) ، ج1 ص56.

(2)

السنن: ج1 ص64.

(3)

طرح التثريب: ج2 ص121.

(4)

نيل الأوطار، ج1 ص34.

ص: 360

وابن دقيق العيد في شرحه على عمدة الأحكام (1) .

ونلاحظ أن هؤلاء الأئمة اعتمدوا في تصحيح هذه الزيادة على ظاهر الإسناد فالراوي المتفرد بها ثقة فتقبل زيادته.

لكن هناك من الأئمة من أشار على عدم صحتها فمن هؤلاء:

- الإمام النسائي، قال: لا أعلم أحداً تابع علي بن مسهر على زيادة فليرقه (2) .

- وقال حمزة الكناني: إنها غير محفوظة (3) .

- وقال ابن منده: لا تعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه إلا علي بن مسهر بهذا الإسناد (4) .

وقال ابن عبد البر: "لم يذكرها الحفاظ من أصحاب الأعمش كأبي معاوية وشعبة"(5) .

ويعتبر شعبة وسفيان وأبو معاوية من أثبت الناس في حديث الأعمش (6) وهؤلاء لم يذكروا هذه اللفظة.

وعلي بن مسهر ثقة حافظ خلط في آخر عمره.

وقد ذكره الحافظ ابن رجب في أمثلة الثقات الذين ضعف حديثهم في بعض الأوقات دون بعض، وهم الثقات الذين خلطوا في آخر عمرهم.

وقال فيه:وعلي بن مسهر له مفاريد، ومنها في حديث:"إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليرقه" وقد خرجه مسلم.

(1) إحكام الأحكام: ج1 ص30.

(2)

سنن النسائي: ج1 ص56.

(3)

الفتح: ج1 ص330، والتلخيص الحبير: ج1 ص25.

(4)

المصدر نفسه.

(5)

الفتح: ج1 ص330.

(6)

انظر شرح العلل ص295.

ص: 361

وذكر الأثرم أيضاً عن أحمد أنه أنكر حديثاً، فقيل له: رواه علي بن مسهر، فقال: إن علي بن مسهر، كانت كتبه قد ذهبت فكتب بعد، فإذا روى هذا غيره، وإلا فليس بشيء يعتمد" (1) .

فهذه القرائن تدل على أن علي بن مسهر وهم في هذه الزيادة.

أما بالنسبة لمشروعية الإراقة، فلا يصح الاعتماد على هذه الزيادة، لكن (قد ورد الأمر بالإراقة من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعاً، أخرجه ابن عدي مرفوعاً، لكن في رفعه نظر، والصحيح أنه موقوف وكذا ذكر الإراقة ماد، زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعاً وإسناده صحيح أخرجه الدارقطني وغيره) .

إذن الصواب أن الأمر بالإراقة موقوف على أبي هريرة، ويمكن أن يكون ابن مسهر قد أدخل الموقف في المرفوع.

أما بالنسبة للإمام البخاري فإنه ترك هذه الزيادة رغم إخراجه لأصل الحديث، مما يدل على أنها غير ثابتة عنده، وقد ترجم بما يدل على ذلك "باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، وسؤر الكلاب وممرهما في المسجد" ومن خلال ما أورده في هذا الباب من أحاديث وآثار يبين أنه يذهب إلى طهارة الكلب، وطهارة سؤره.

وفي نهاية هذا المبحث نلخص إلى النتيجة التالية:

إن زيادة الثقة ليست مقبولة دائماً عند الإمام البخاري، وليست مردودة دائماً، وإنما يكون القبول والرد بناء على القرائن.

والغالب على أكثر الزيادات التي تتعلق بها مسائل فقهية مهمة، ولم يخرجها الشيخان، مع تخريجهما لأصل الحديث، أن تكون شاذة أو منكرة.

ص: 362