الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: ضبط الرواة
المطلب الأول: تعريفه وأهميته وآثار اختلاله وكيفية معرفة ضبط الراوي، ومراتب الرواة من حيث الضبط.
المطلب الثاني: موقف الإمام البخاري من الرواة الضعفاء.
المطلب الثالث: مراتب الرجال الصحيحين من حيث الضبط.
المطلب الرابع: نماذج من روايات الضعفاء ومنهج البخاري في تصحيحها.
المطلب الأول: تعريف الضبط وأهميته وآثار اختلاله
بعد أن تحدثت عن العدالة وما يتعلق بها من مسائل، وموقف الإمام البخاري منها أتحدث في هذا المبحث عن الشرط الثاني من شروط صحة الحديث، وهو الضبط وقبل الخوض في مباحثه يجدر بنا أن نقدم تعريفه وأهميته وآثار اختلاله، وكيفية معرفة ضبط الراوي، ومراتب الرواة من حيث الضبط.
أ - تعريفه في اللغة والاصطلاح:
الضبط لغة لزوم الشيء وحبسه، ضبط عليه وضبطه يضبطه ضبطاً وضباطه.
قال الليث: الضبط لزوم شيء لا يفارقه في كل شيء.
وضبط الشيء: حفظه بالحزم، والرجل ضابط، أي حازم (1) .
وفي اصطلاح المحدثين: نوعان ضبط صدر، وضبط كتاب.
أما ضبط الصدر: فهو أن يثبت الراوي في صدره ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء.
أما ضبط الكتاب: فهو صيانة الراوي لكتابه منذ سمع فيه وصححه إلى أن يؤدي منه (2) .
ب - أهميته وآثار اختلاله:
إن توفر الضبط في الراوي شرط أساسي في قبول حديثه، فلا يكفي أن يكون ديّناً مستقيماً حتى يضاف إلى ذلك حفظه وعلمه بما يحدث، وتثبته في الأخذ والرواية. ومن هنا كان اختلال الضبط سبباً في رد المروي.
قال الإمام ابن الصلاح رحمه الله: " لا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماع الحديث أو إسماعه، كمن لا يبالي بالنوم في مجلس السماع، وكمن لا يحدث بأصل مقابل صحيح ومن هذا القبيل من عرف بقبول التلقين في الحديث، ولا تقبل رواية من كثرت الشواذ والمناكير في حديثه.. ولا تقبل رواية من عرف بالسهو في رواياته إذ لم يحدث من أصل صحيح. وكل هذا يخرم الثقة بالراوي وضبطه "(3) .
(1) لسان العرب: مادة (ضبط) ج7 ص340 ومختار الصحاح: مادة (ضبط) ص245.
(2)
نزهة النظر ص19.
(3)
علوم الحديث ص107 - 108.
جـ - كيفية معرفة ضبط الراوي:
يعرف ضبط الراوي بسبر أحاديثه وعرضها على أحاديث غيره من الرواة لتعرف مدى الموافقة والمخالفة لهم، وقد لخص الإمام ابن الصلاح رحمه الله هذه الطريقة معتمداً في ذلك على صنيع الأئمة وصريح أقوالهم. فنذكر قوله. ثم نتبعه بأقوال أئمة النقد.
قال رحمه الله: " يعرف كون الراوي ضابطاً بأن نعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان. فإن وجدنا رواياته موافقة لهم ولو من حيث المعنى لرواياتهم، أو موافقة لها في الأغلب، والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطاً ثبتاً، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا اختلاف ضبطه ولم يحتج بحديثه "(1) .
وهذا الذي ذكره ابن الصلاح قد صرح به الأئمة وعلموا به.
قال الإمام الشافعي مشيراً إلى شروط الراوي الذي تقوم به الحجة: " إذا شارك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم "(2) .
وقال الإمام أيوب السختياني (ت 131هـ) من صغار التابعين: " إذا أردت أن تعرف خطأ معلمك فجالس غيره "(3) .
وقال ابن المبارك: " إذا أردت أن يصح لك الحديث فاضرب بعضها ببعض "(4) .
وقد صرح بهذا الإمام مسلم في صحيحه، فقال: " وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل
(1) المصدر نفسه ص108.
(2)
محمد بن إدريس الشافعي: الرسالة - تحقيق أحمد شاكر - مطبعة مصطفى البابي الحلبي - القاهرة - ط1 سنة 1358هـ، ص153.
(3)
رواه الدارمي في سننه: ج1 ص153.
(4)
الخطيب البغدادي: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع - تحقيق د. محمد رأفت سعيد - مكتبة الفلاح - الكويت سنة 1401هـ، ج2 ص354.
الحفظ والرضى، خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث، غير مقبوله ولا مستعمله " (1) .
د - مراتب الرواة من حيث الضبط:
إن رواة الحديث ليسوا على درجة واحدة من حيث الضبط والإتقان، ففيهم من هو في الذروة العالية في الحفظ عديم الإتقان والضبط. وبينهما رواة وسط، وهؤلاء منهم من يقترب من الطبقة الأولى وفيهم من ينزل إلى الطبقة الدنيا، لكن أحسن منهم حالاً.
وقد بيّن الإمام ابن رجب الحنبلي ذلك فقال: " إن الرواة ينقسمون أربعة أقسام:
أحدهما: من يتهم بالكذب.
والثاني: من لا يتهم لكن الغالب على حديثه الوهم والغلط.
والثالث: من هو صادق ويكثر في حديثه الوهم، ولا يغلب عليه.
والرابع: الحفاظ الذين يندر الخطأ والوهم في حديثهم أو يقل.
فأما القسم الأول فمتفق عليى تركه وعدم الاحتجاج به. وأما القسم الأخير فمتفق على الاحتجاج به. وأما القسم الثاني فأكثر المحدثين لا يحتجون بهم. ووقع الخلاف في القسم الثالث، فقد روى عن يحي بن معين أنه لا يحتج بهم، وعن ابن المبارك، وابن مهدي، ووكيع وغيرهم أنهم حدثوا عنهم، وهو أيضاً رأى سفيان وأكثر أهل الحديث المصنفين في السنن والصحاح كمسلم بن الحجاج وغيره، وعلى هذا المنوال نسج أبو داود والنسائي والترمذي. مع أنه خرج لبعض من هو دون هؤلاء وبين ذلك ولم يسكت عنه، وإلى طريقة يحي بن سعيد يميل على ابن المديني وصاحبه البخاري" (2) .
(1) مقدمة صحيح مسلم ص4.
(2)
شرح العلل ص92 - باختصار.