الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: زيادات الثقات وموقف البخاري منها
المطلب الأول: موقف العلماء والطوائف من زيادة الثقة.
المطلب الثاني: نماذج لزيادات مقبولة عند الإمام البخاري.
المطلب الثالث: نماذج لزيادات مردودة عند الإمام البخاري.
تمهيد:
إن من أهم المسائل التي لها علاقة مباشرة بتعليل الأحاديث مسألة "زيادة الثقات"، وفي واقع الأمر أن هذه المسألة هي فرع عن مسألة المخالفة، لأن الراوي، إذا خالف غيره، فتارة ينقص عليهم، وتارة يزيد في السند أو في المتن.
وقد اعتنى المحدثون والفقهاء بزيادات الثقات اعتناءً بالغاً، فجمعوا الطرق، وفتشوا الأسانيد والروايات. ليتمكنوا من الوقوف على تلك الزيادات لما لها من آثار مهمة في الفقه والحديث. ولأهمية المسألة أفردتها بمبحث خاص حتى أساهم في الإجابة على إشكال كبير طالما يواجهه المشتغلون بالحديث والتخريج، فكثيراً ما يجدون في الأحاديث المروية أصولها في الصحيحين زيادات من طرف رواة ثقات ويترت على هذه الزيادات مسائل فقهية مهمة. لكن يفاجؤون لعدم ورودها في الصحيحين، رغم صحة أسانيدها، وأهمية متونها. فيقعون في الحيرة والتذبذب، فمنهم من يبادر إلى
قبولها بناء على صحة ظاهر الإسناد، وحال الراوي الذي انفرد بتلك الزيادة مدعمين موقفهم هذا بأن الشيخين لم يقصدا استيعاب كل الأحاديث الصحية. ومنهم من يردها ويرتاب في صحتها على أساس عدم ورودها في أصول دواوين الإسلام. ومنهم من يتلون فيقبلها تارة إذا وافقت مذهبه ومشربه ويردها إذا خالفت هواه. ويجد كل واحد من هؤلاء في كتب الحديث ومصطلحه ما يدعم به موقفه من الآراء المختلفة المنقولة عن العلماء. وأصبحت القواعد المقررة في علوم الحديث لا تكفي لرفع الخلاف لأن (القواعد المقررة في مصطلح الحديث، منها ما يذكر فيه خلاف، ولا يحقق الحق فيه تحقيقاً واضحاً. وكثيراً ما يختلف الترجيح باختلاف العوارض التي تختلف في الجزئيات كثيراً، وإدراك الحق في ذلك يحتاج إلى ممارسة طويلة لكتب الحديث والرجال والعلل مع حسن الفهم وصلاح النية)(1) .
فمن الصعوبة بمكان الوقوف على قواعد المحدثين في مسألة ما من هذا العلم دون النظر في كتبهم المصنفة في الصحيح والعلل، ودراسة ذلك دراسة متأنية ومتبصرة من غير مقررات مذهبية سابقة تحول دون الوصول إلى تقرير الحق.
وقد أرشد إلى هذا الإمام الحاكم النيسابوري إذ يقول:
" إن الصحيح لا يعرف بروايته فقط. وإنما يعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع، وليس لهذا النوع من العلم عون أكثر من مذاكرة أهل العلم والمعرفة. ليظهر ما يخفى من علة الحديث، فإذا وجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة غير مخرجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم. لزم صاحب الحديث التنقير عن علته، ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علته"(2) .
ففي هذه الفقرة من الفوائد العلمية ما يكشف بعض الجوانب عن منهج الأئمة النقاد ونذكر منها ما يلي:
(1) عبد الرحمن المعلمي: مقدمة تحقيق الفوائد المجموعة ص (ح) .
(2)
علوم الحديث ص59 - 60.
1-
ليس اعتماد المحدثين في تصحيح الأحاديث على ظاهر الأسانيد فقط، بل يضاف إليه النظر فيما يمكن أن يدخل الحديث من أوهام وأخطاء.
2-
إدراك العلل والأوهام في الأحاديث يحتاج إلى سعة الحفظ والاطلاع على مختلف الطرق والروايات للحديث الواحد، مع سلامة الفهم، وحسن القصد.
3-
الاهتمام البالغ بالصحيحين من قبل الأئمة، واعتبارها المعيار الذي تحاكم إليه الأحاديث الأخرى.
4-
لا يفهم من كلام الحاكم أن الأحاديث التي لم تخرج في الصحيحين كلها معلولة، وإنما المراد بذلك الطرق التي تشتمل على زيادات أو تفردات وكان ظاهر إسنادها صحيح.
وهذا الفهم ضروري إذ لو كان المتبادر أن الأحاديث التي خارج الصحيحين كلها سقيمة ومعلولة، ما ساغ للحاكم نفسه أن يصنف "المستدرك على الصحيحين" ولما ساغ أيضاً لمن جاء بعده كابن حبان، وابن خزيمة، وابن السكن وغيرهم أن يسموا كتبهم بالصحيح.
ومن هنا يمكن القول بأن مراده تلك الطرق والزيادات التي يتركها الشيخان، مع معرفتهما بها وحاجتهما إليها. إذ غالباً ما يتعلق بها فقه عظيم، مع صحة سندها وتخريجهما لأصل الحديث دون تلك الزيادات. فما هي مبررات هذا الترك؟ وهل دائماً الزيادة التي ينفرد بها الثقة مرفوضة؟ وما هي معايير الرفض والقبول؟
هذا ما سأحاول بمشيئة الله - توضيحيه في هذا المبحث من خلال نماذج مدروسة من صحيح البخاري.
وقبل الإجابة على هذه الأسئلة يحسن بنا أن نذكر بمذاهب العلماء والطوائف حول "زيادة الثقة".