المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ويكتب الطبرى فى تاريخه الاسم شث وشاث (جـ 1، ص - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٢٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌شاه جهان

- ‌المصادر:

- ‌شاهد

- ‌المصادر:

- ‌شاور

- ‌المصادر:

- ‌الشاوى

- ‌المصادر:

- ‌الشبلى

- ‌ الشبلى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌شبلى النعمانى

- ‌المصادر:

- ‌شبيب

- ‌المصادر:

- ‌شجرة الدر

- ‌المصادر:

- ‌شداد، بنو

- ‌سلاطين دولة بنى شداد

- ‌المصادر:

- ‌الشربينى

- ‌المصادر:

- ‌شرفا

- ‌المصادر:

- ‌شرف الدين

- ‌المصادر:

- ‌شركة إسلام

- ‌تاريخ الشركة المبكر:

- ‌المصادر:

- ‌شريعة

- ‌المصادر:

- ‌تعليق على مادة "شريعة

- ‌1 - نظرة عامة

- ‌2 - بين الحقيقة والشريعة

- ‌3 - الإجماع قديما. . وحديثا

- ‌4 - الشريعة والتعليل والمنطق

- ‌5 - المصادر المادية للشريعة

- ‌شريف *

- ‌المصادر:

- ‌تعليق على مادة "شريف

- ‌شريف باشا

- ‌المصادر:

- ‌الشريف الرضى

- ‌المصادر:

- ‌الششترى

- ‌المصادر:

- ‌شطرنج

- ‌المصادر:

- ‌شط العرب

- ‌المصادر:

- ‌شعبان

- ‌المصادر:

- ‌شعبان

- ‌ المصادر)

- ‌الشعبى

- ‌المصادر:

- ‌الشعر

- ‌المصادر:

- ‌الشعرانى

- ‌ شعيب" عليه السلام

- ‌المصادر:

- ‌شفاعة

- ‌المصادر:

- ‌شقيقة النعمان

- ‌المصادر:

- ‌‌‌الشماخى

- ‌الشماخى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌شمر

- ‌المصادر

- ‌الشمس

- ‌المصادر

- ‌شمس الدولة

- ‌المصادر:

- ‌شمس الدين

- ‌المصادر:

- ‌شهاب الدين

- ‌المصادر:

- ‌التعليقات:

- ‌شهاب الدين

- ‌المصادر:

- ‌الشهرستانى

- ‌المصادر:

- ‌شهيد

- ‌المصادر:

- ‌تعليق على مادة شهيد للأستاذ أمين الخولى

- ‌1 - التمييز بين شاهد وشهيد

- ‌2 - مأخذ معنى الشهيد

- ‌3 - قضايا تنقصها الدقة

- ‌4 - ما فى تمنى الشهادة

- ‌5 - شهيد العشق

- ‌شوشترى

- ‌المصادر:

- ‌الشيبانى

- ‌المصادر:

- ‌الشيبانى

- ‌المصادر:

- ‌شيبة، بنو

- ‌المصادر:

- ‌شيث

- ‌الروايات المتأخرة:

- ‌المصادر:

- ‌شيخ الإسلام

- ‌المصادر:

- ‌شيخزاده

- ‌المصادر

- ‌المصادر

- ‌‌‌المصادر

- ‌المصادر

- ‌شيخ سعيد

- ‌المصادر:

- ‌شيخية

- ‌المصادر:

- ‌شيراز

- ‌المصادر

- ‌الشيرازى

- ‌المصادر:

- ‌الشيرازى

- ‌المصادر:

- ‌الشيرازى

- ‌المصادر:

- ‌حياة الشيرازى ومصنفاته

- ‌شيركوه

- ‌المصادر:

- ‌شيروان

- ‌المصادر:

- ‌الشيعة

- ‌دوافع الشيعة والعصر الأول

- ‌الحديث:

- ‌المصادر:

- ‌تعليق على مادة الشيعة

الفصل: ويكتب الطبرى فى تاريخه الاسم شث وشاث (جـ 1، ص

ويكتب الطبرى فى تاريخه الاسم شث وشاث (جـ 1، ص 153)، ويقول إن شاث هى الصيغة السريانية. ومعنى الاسم شيث "هبة اللَّه" أى بدل هابيل، لأن اللَّه عوض به آدم عن هابيل (سفر التكوين، الإصحاح الرابع، الآية 26). ويقول المقنّع إن روح اللَّه قد انتقلت من آدم إلى شيث (مطهر بن طاهر المقدسى: كتاب البدء والتكوين جـ 6، ص 96) وهذه الفكرة قالت بها فرقة أدرية، هم الشيثيون الذين كانوا فى مصر منذ القرن الرابع والذين كان فى حوزتهم شرح سنن شيث، وهى إن شئت الدقة سبعة كتب لهذا الأب من آباء البشر وسبعة أخرى لأبنائه سموها "الأغراب" (Haer: Epiphanes، جـ 39، ص 5). وكان الأدريون يملكون كتب يلدبئوس الصانع Jaldaboath، the Demiurge المنسوبة إلى شيث (Epiphanes المصدر المذكور، جـ 26، ص 8) وكان فى حوزة صابئة حران عدة كتب تنسب إلى شيث. وقد عرف المانوية القرابة بين شيث وآدم (Les Ecritures manicheennec: Prosper Alfaric) باريس 1918 ص 6، 9، 10). والدروز أيضًا ينسبون شيث إلى آدم دائمًا (Drusen، Philip Wolff، ليبسك 1845، ص 151، 193، 372 وما بعدها).

‌المصادر:

(1)

الطبرى: تاريخ، جـ 1، ص 152 - 168 و 1122، 1123

(2)

ابن الأثير Chronicen، طبعة Tcmberg، جـ 1، ص 35 و 39

(3)

الثعالبى: عرائس المجالس، طبعة على الحجر، 1277 هـ، ص 42.

صبحى [إيوار cl.Huart]

‌شيخ الإسلام

لقب من ألقاب التشريف التى ظهرت أول ما ظهرت فى النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى، وقد كان يحمل الألقاب الأخرى التى يدخل فى تركيبها كلمة إسلام (مثل عز الإسلام، وجلال الإسلام، وسيف الإسلام) أشخاص يتولون السلطة الزمنية (ونخص بالذكر منهم وزراء الفاطميين؛ انظر Van Berchem فى Zeitschr. des Deutsch palastinavereins، جـ 16، ص 101)،

ص: 6365

على حين أن لقب شيخ الإسلام كان دائمًا مقصورًا على العلماء والمتصوفة شأنه شأن ألقاب التشريف المركبة الأخرى التى يبدأ جزوها الأول بكلمة شيخ (مثل شيخ الدين؛ وقد لقب ابن خلدون الفقيه أسد بن الفرات بلقب "شيخ الفتيا" انظر المقدمة، ترجمة ده سلان، جـ 1، ص 78). وكان لقب شيخ الإسلام من دون هذه الألقاب جميعا هو أوسعها استعمالا. وهكذا نجد فى القرن الخامس الهجرى أن رأس فقهاء الدين الشافعية فى خراسان إسماعيل بن عبد الرحمن قد لقب بشيخ الإسلام الذى تمثلت فيه خير صفات هذا اللقب (انظر أيضا الجوينى: جهان كشا، جـ 2، ص 23 حيث وردت فى هذا الكتاب إشارة إلى "شيخ الإسلام خراسان")، ونجد فى هذا العهد نفسه أن أنصار الصوفى أبى إسماعيل الأنصارى (1006 - 1088 م) قد لقبوه بهذا اللقب (السبكى: الطبقات، القاهرة 1324 هـ، جـ 3، ص 117؛ جامى: نفحات الأنس، طبعة Lees، كلكته 1859، ص 33، 376). وكذلك لقب بهذا اللقب فى القرن السادس الهجرى فخر الدين الرازى. ونذكر من بين من لقبوا بشيخ الإسلام فى القرون التالية: الشيخ الصوفى صفى الدين الأردبيلى (Persian Literature in Modern Times: Browne، ص 33) والمتكلم التفتازانى. على أن لقب شيخ الإسلام أصبح فى مصر والشام لقب تشريف (ولكنه ليس لقبا رسميا) لا يطلق إلا على الفقهاء وبخاصة أولئك الذين أكسبتهم فتاواهم شهرة أو اعترافا من جمهور الفقهاء بالفضل، وكان ذلك على وجه خاص فى أوائل العهد المملوكى. ومن ثم فإن خصوم ابن تيمية فى المناظرات التى أثارتها أقواله، قد أنكروا عليه لقب شيخ الإسلام الذى خلعه عليه أنصاره.

وإن المجددين فى أيامنا هذه المتأثرين بابن تيمية وابن قيم الجوزية يصورون هذين الفقيهين فى صورة إمامين من أئمة الدين جديرين حقا بأن يلقبا بلقب شيخ الإسلام (المنار، جـ 1 ص 24، فى قول Die Richtungen der islamischen Koranaus legung: Goldziher، ص 339) ومن ثم فإن شيخ الإسلام أصبح حوالى سنة 700 هـ (1300 م)

ص: 6366

لقبا يستطيع أى مفتٍ له بعض النفوذ أن يتلقب به. ويقول محمود بن سليمان الكفوى المتوفى سنة 1582 م فى تراجمه لفقهاء الحنفية: "الأعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار"(Gesch. der Arab Litt.: Brockelmann، جـ 2، ص 83) إن من يلقب بشيخ الإسلام من أصحاب الفتيا هم أولئك الذين يفصلون فى المسائل الخلافية ويبتون فى الأمور التى تتعلق بالصالح العام (وفقا لقول على أميرى فى علميه سالنامه سى، ص 306). وهكذا نجد فى مصر وروسيا حتى يومنا هذا (1)، وفى تركية حتى القرن الثامن عشر (انظر أوليا جلبى: سياحتنامه فى مواضع مختلفة) أن أصحاب الفتيا، سواء كانوا من أهل السنة أو من الشيعة، إذا بلغوا شيئًا من النفوذ جاز أن يلقبوا بهذا اللقب، على أن تطور اللقب فى فارس كان على خلاف ذلك، فقد أصبح شيخ الإسلام هناك سلطة قضائية يرأس فى كل قرية ذات شأن محكمة دينية مؤلفة من الملا والمجتهدين. وكان شيخ الإسلام فى عهد الصفويين يعينه صدر الصدور (Les six Vayages: Tavernier باريس 1676 م، جـ 1 ص 598؛ Persia: Curzon، لندن 1892، جـ 1، ص 452، 454).

بيد أن هذا اللقب بلغ أوج مجده بعد أن أطلق بخاصة على مفتى الآستانة الذى اكتسب منصبه فى دولة سلاطين آل عثمان بمرور الزمن أهمية سياسية ودينية لا نظير لها فى الدول الإسلامية الأخرى. وفى القرون الأولى من حكم الدولة العثمانية كان نفوذ مشايخ الصوفية يفوق كثيرًا نفوذ العلماء، فلما أعاد محمد الأول تنظيم الدولة، قام صراع عنيف بين النفوذ الجديد لأهل السنة وبين نفوذ الشيعة المتصوفة (مثال ذلك حادث بدر الدين محمود) وانتهى هذا الصراع بغلبة أهل السنة فى عهد سليم الأول. والظاهر أن أصحاب الرواية التاريخية العمليون قد تجاهلوا هذا التطور، ولا مناص من قبول روايتهم فى شئ كثير من التحفظ، على حين أن المصادر القديمة

(1) كان ذلك وقت كتابة هذه المادة.

ص: 6367

لا تزودنا فى هذا الشأن إلا بمعلومات قليلة. وهكذا نجد أن مجموعة التراجم المعروفة بالشقائق النعمانية (كتبت فى عهد سليمان الأول) قد صنفت معبرة عن وجهة نظر أهل السنة فحسب، على أنه يتبين لنا منها بأجلى بيان أن معظم الفقهاء القدامى فى البلاد العثمانية قد درسوا فى مصر أو فى فارس وتلقوا العلم على شيوخ من العرب أو الفرس. وكان بعض من تولوا الإفتاء فى الآستانة من الأجانب مثل فخر الدين العجمى (تولى الإفتاء من سنة 1430 - 1460 م) وعلاء الدين العربى. وتجعل الروايات المتأخرة الشيخ إده بالى حما عثمان أول مفت تولى الإفتاء فى البلاد العثمانية (علميه سالنامه سى، ص 315)؛ وهى تزعم أيضا أن مفتى الأنام قد تعين فى عهد مبكر يرجع إلى أيام مراد الثانى وعقدت له الرياسة على جميع المفتين الآخرين (سجل عثمانى، جـ 1، ص 6)، وأن محمدًا الثانى بعد فتح القسطنطينية قد خلع اللقب الرسمى: شيخ الإسلام على مفتى القصبة الجديدة: خضر بك على، وجعل له فى الوقت نفسه الرياسة على قاضيى العسكر (d'Ohssnn von Hammer)، ولكن ليس بين أيدينا أى شئ يدل على أن المفتى كان قد غدا شخصا له شأن كبير فى تلك الأيام. وفى رواية الشقائق النعمانية أن خضر بك هذا، لم يكن إلا قاضى إستانبول فحسب، على حين كان فخر الدين العجمى هو المفتى (الشقائق، ص 111، 81). وإذا كنا نجد من بعد أن المترجم لشيوخ الإسلام فى كتاب "دوحة المشايخ" يبدأ تراجمه بالمفتى محمد شمس الدين الفنارى المتوفى سنة 1430 م فإنما فعل ذلك فيما يظهر جريا على ما قضى به العرف فحسب. ولم يبدأ نفوذ مفتى إستانبول العظيم يظهر إلا على أيام سليم الأول فى الأربع والعشرين السنة التى تولى فيها هذا المنصب المفتى المشهور زمبللى على جمالى أفندى وفى عهد زمبللى (تولى منصب المفتى من سنة 1501 إلى 1525 م) كان قاضيا العسكر لا يزالان لهما السبق عليه لأنهما كانا يجلسان فى الديوان السلطانى، أما المفتى فكان لا يجلس فيه (الشقائق، ص 305)، على أننا نجد خبرا يقول: إن جمالى أفندى هذا

ص: 6368

رفض أن يقبل من السلطان سليمان الأول ما عرضه عليه من تولى منصبى قاضيى العسكر مجتمعين (الشقائق، ص 307). والظاهر أن مفتى إستانبول لم يكتسب السلطان على جميع علماء الدولة العثمانية لا ينازعه منازع إلا فى عهد سليمان، ويدخل فى ذلك جميع القضاة على اختلاف درجاتهم. وكان هذا المفتى فى قول دوسون وفون هامر هو جوى زاده محيى الدين أفندى على أنه لا مناص لنا من أن نلاحظ أن جوى كان أيضا أول مفت صرفه السلطان عن منصبه (فى سنة 1541 م).

وكان ارتفاع شأن مفتى إستانبول على أية حال أمرًا متعلقًا بشخصه لا تفرضه إرادة السلاطين السامية، ويتجلى ذلك فى اتخاذه من تلقاء نفسه لقب شيخ الإسلام الذى كان يحمله فى هذا العهد كثير من المفتين ونستطيع أن نبحث عن تفسير لهذا التطور فى عدة نواح. فمن ناحية نجد ذلك الفرض الخلاب الذى قال به ديمومبين Gau-defroy-Demombynes، فهو يرى تشابها عجيبا بين منصب مفتى إستانبول وبين الخليفة العباسى فى بلاط سلاطين المماليك قبل أن يفتح الترك مصر (La Syrie، باريس 1923 ، ص 22) ومن ناحية أخرى نجد أن تنظيم علماء الدولة العثمانية تحت رياسة شيخ من رجال الدين قد يكون متأثرا من وجه بطبقات رجال الدين النصارى فى الامبراطورية البوزنطية يرأسهم بطرق يشرف على شئون النصارى جميعا، ثم أننا قد نرى فى منصب شيخ الإسلام بقية من السنة الصوفية الدينية القديمة فى الدولة العثمانية، وهى سنة كانت تقتضى أن يقوم إلى جانب السلطة الزمنية، سلطة دينية ليس لها سلطان قضائى، ولكنها تمثل ما نستطيع أن نسميه الضمير الدينى للناس.

وهذا الفرض الأخير قد يفسر لنا ثبات منصب شيع الإسلام على مدى القرون التى تلت ذلك على الرغم من أن السلطان كان من سلطته أن يصرف صاحب اللقب عن منصبه، وهى سلطة لجأ إليها السلاطين كثيرًا. وقد بلغ الأمر بالسلطان عثمان الثانى (1618 - 1622 م) أن حرم المفتى جميع امتيازاته

ص: 6369

لرفضه إصدار فتوى بتحليل أن يقتل الأخ أخاه، ولكن هذه الامتيازات ردت إلى المفتى فى عهد خلفه. وقد أمر مراد الرابع بقتل المفتى آخى زاده حسين (1632) دون أن يرعى حرمة لجلال المنصب. وكان المفتى عبد الرحيم أفندى هو الذى عمل على خلع إبراهيم الأول وقلله بعد ذلك بستة عشر عاما، ولو أن فعلته هذه قد أفقدته منصبه.

وكان آخر مفت استطاع أن يحتفظ بمنصبه سنين طوالًا متعاقبة هو أبو السعود (1545 - 1574 م). وقد تعاقب على المنصب بعد ذلك عدة أشخاص لم تدم ولايتهم له إلا فترات قصيرة قدرها ثلاث سنوات أو أربع فى المتوسط. ومنذ بداية القرن السادس عشر الميلادى، أصبح من الممكن أن يتولى الشخص الواحد منصب المفتى عدة مرات.

أما التغيير المطرد الذى ألم بهذا المنصب، فقد أصبح شيئا فشيئا متصلا بالمؤامرات السياسية التى يدبرها الصدور الأعظمون، وحريم السلطان، والانكشارية، وهى مؤامرات كان يتورط فيها المفتون أنفسهم تورطا كبيرًا مثل المفتى المشهور قره جلبى زاده، على أن أغلب هؤلاء كانوا من أهل الاستقامة، ولو أن استقلالهم السياسى أصبح فى معظمه وهما من الأوهام.

وغدا المفتون جميعا منذ أوائل القرن السادس عشر من أهل البلاد العثمانية وكانوا ينتمون، شأن العلماء كلهم، إلى أسر من المسلمين، وهم يتميزون فى ذلك عن كبار عمال الدولة وكبار ضباط الجيش الذين كانوا فى كثير من الأحوال من أبناء نصارى جندتهم الدوشرمه. وبعد ذلك كان المفتون ينتمون فى بعض الأحيان إلى أجيال مختلفة من أسرة واحدة. وكانوا فى الغالب يحصلون على المشيخة الإسلامية (مشيخت إسلامية) بعد أن يتقلبوا فى مناصب القضاء العليا ومن ثم فإن معظم المفتين كانوا من قبل قضاة عسكر قبل أن يلوا منصب الإفتاء. وقد خلقت هذه السنة غيرة طائفية بين العلماء وشيخهم، بدت كثيرًا فى صفحات التاريخ. واختلف الأمر فى منصب شيخ الإسلام عن السنة التى

ص: 6370

استقرت بمضى الزمن بالنسبة لوظائف القضاء العليا، فلم يعد هذا اللقب يمنح لشخص إلا إذا قبل المنصب فعلا (ولا نعرف استثناء لذلك إلا حالتين اثنتين).

وتجلى جلال منصب شيخ الإسلام فى الدولة فى المحافل الرسمية، فقد كان يعد فى نظر قانون المراسم أبا حنيفة زمانه لا يتقدم عليه إلا الصدر الأعظم. وفى القرن الثامن عشر لم يكن يفرض على المفتى أن يؤدى الزيارة إلا للصدر الأعظم فحسب؛ وكانت زيارته للصدر الأعظم وللسلطان تتبع فيها مراسم دقيقة وكذلك حددت حقوق وواجبات المفتى فى المحافل الدينية، مثل دفن السلطان، وبيعة السلطان الجديد وارتقائه أريكة السلطنة. وكان له عدة ألقاب أخرى علاوة على لقب شيخ الإسلام أقدمها استعمالا مفتى الأنام، ثم أعلم العلماء، وبحر علوم شتى، وأساس أو أفضل الفضلاء، وصدر الصدور، ومسند نشين (1) فتوى. وكان ملبسه يتميز دائما بالبساطة. وكان المفتى المتقدم فى العهد ملاخسرو (المتوفى سنة 1480 م) يضع عمامته فوق تاج الأمام الأعظم (الشقائق النعمانية، ص 137). وكان المفتى من بعد يرتدى قفطانا أبيض موشى بالفراء وعمامة مزينة بشريط من القصب (وثمة عدة صور لملبسه فى كتب من قبيل voyage pittoresque de la Grece: Choiseul Gouffier، جـ 2، ص 49).

وكانت الوظيفة السياسية لشيخ الإسلام مقصورة فيما مضى على سلطانه فى إصدار الفتاوى. ولم يلبث أن حل محله فى إجابة الأفراد ما يسألونه من فتاوى أمين الفتوى (مفتى أمينى انظر ما يلى)، على أن الفتاوى التى يصدرها المفتى فى المسائل السياسية أو الأمور التى تتعلق بالصالح العام كان لها شأن خطير.

ونضرب مثلا للنوع الأول: الفتوى التى أصدرها على جمالى فى شأن الحرب التى شنت على مصر (1516 م) والفتوى التى أصدرها أبو السعود بخصوص الحرب على البندقية (1570 م). وفى عهد السلطان عثمان

(1) عبارة معناها مسند الفتوى الركين. (عبد النعيم حسنين)

ص: 6371

الثانى أبى المفتى أسعد أفندى أن يصدر فتوى يحلل فيها أن يقتل الأمير من العثمانيين أخاه.

ومن الأمثلة على الفتاوى من النوع الثانى الفتوى التى أصدرها أبو السعود فى إباحة شرب القهوة والفتوى التى أصدرها عبد اللَّه أفندى فى شأن إقامة مطبعة (فى سنة 1727؛ انظر Stambuler Buchwesen: Bahinger، ليبسك 1919، ص 5)، والفتوى التى أصدرها أسعد أفندى بشرعية النظام الجديد الذى سنه سليم الثالث.

وكان المفتون يشاركون بفتاواهم أيضا فى التشريع السلطانى بالإفتاء بشرعية القوانين المختلفة (قانوننامه؛ مثل قانون سليمان الأول الذى صدق عليه جميعا أبو السعود؛ انظر: مللى تتبعلر مجموعة سى" 1331 م، جـ 1، العددين 1 و 2). زد على ذلك أن العرف جرى بأن يستشار شيخ الإسلام فى جميع المسائل السياسية ذات الشأن. ومن ثم كان المفتون فى معظم الأحوال محمودى الأثر فى المسائل العامة، ولو أنهم كانوا بتدخلهم الشخصى يقاسون فى كثير من الأحيان من عسف السلطان. ويعزى تدهور الدولة العثمانية فى بعض الأحيان إلى روح الرجعية التى يتسم بها نظام مشيخة الإسلام. ومع ذلك فإن من الأمور الواجب ذكرها، أن المفتين بدوا أقل رجعية من معظم رجال الدين، واستطاعوا بتدخلهم الشخصى أن يمنعوا أحكاما تقوم على التعصب والتعسف (مثال ذلك؛ معارضة أبى السعود فى حمل جميع النصارى على الدخول فى الإسلام قهرًا وغصبًا). صحيح أن شيخ الإسلام فى الدولة العثمانية أيام القرنين التاسع عشر والعشرين لم يعد له الشأن السياسى المعهود، إلا أنه كان يلجأ فى بعض الأحيان إلى السلطة المأثورة لهذا المنصب حين تدعو السياسة إلى ذلك. مثل الذى حدث عند خلع السلطان عبد الحميد سنة 1904. وإعلان الجهاد سنة 1914 والفتوى التى صدرت ضد الوطنيين فى أنقرة سنة 1920. ولم تكن الفتوى التى صدرت سنة 1914 مقصورة على سياسة الدولة العثمانية

ص: 6372

فحسب بل كانت موجهة أيضًا إلى العالم الإسلامى بأسره، وتكشف هذه الحقيقة عن تصور جديد أشمل لفكرة الجامعة الإسلامية التى تنطوى عليها مشيخة الإسلام العثمانية وهو تصور نما على ما يظهر فى تركية فى غضون القرن التاسع عشر. والراجح أنه كان متصلا بالنظريات الجديدة فى الخلافة. وكما هى الحال بالنسبة لهذه النظريات فإننا نجد أن أول من عبر عن فكرة ما لشيخ الإسلام من أهمية كبرى فى نظر العالم الإسلامى بأسره هم الكتَّاب الأوربيون النصارى فقد قارنه رحالة القرن السادس عشر (مثل ريكو Ricaut) بالبابا وعده فولنى (Volney: Voyage en syrie، باريس 1789/ 1790 م، جـ 2، ص 371)، الممثل الروحى لسلطة الخليفة فى نظر العالم الإسلامى جميعًا. والحق أن فتوى المفتى هى، من الناحية الشرعية، موجهة إلى كل مسلم يريد أن يتبعها، ولكنه لم يحدث إلا فى سنة 1914 أن بذلت المحاولة التى ترمى إلى الاستفادة من السلطة الروحية العالمية التى نسبها فى ذلك الوقت النصارى والمسلمون على السواء لشيخ الإسلام فى الآستانة (Verspride GesChriften: Snouch Hurgronje، جـ 3، ص 272).

وكان للمفتى، بوصفه رأس طبقة العلماء الحق فى أن يرشح لأشخاص السلاطين من يقتضى الأمر تعيينهم فى مراتب القضاء الستة العليا ولم يكن هو نفسه يتولى القضاء إلا فى أندر النادر.

فلما شرعت الإدارة فى الدولة العثمانية تأخذ بالأساليب الحديثة أنشئت بالتدريج مصلحة إدارية على رأسها شيخ الإسلام، وما إن وافى هذا الوقت حتى كان ثمة عدة أشخاص يساعدون المفتى فى أداء واجباته الكثيرة، مثل الكتخدا أو الكيايا الذى يستطيع أن يمثل المفتى، والتلخيصجى الذى كان وكيله فى الحكومة، والمكتوبجى أى كاتب السر العام؛ وأمين الفتوى (فتوى أمينى) الذى نيط به إعداد الفتاوى التى يطلبها الجمهور ويتولى إصدارها. وكان لكل هؤلاء العمال مناصبهم؛ وفى عهد "التنظيمات" أحكمت روابط هذا النظام الإدارى، وجعل مقر شيخ الإسلام الرسمى فى المكان الذى كان مخصصًا

ص: 6373

من قبل لأغا الإنكشارية. وكانت تقوم فى هذا الديوان الذى سمى من ثم: "شيخ الإسلام قابيسى أو باب فتوى" إدارات مصلحته حتى ألغى هذا المنصب. وكانت هذه المصلحة تتولى إدارة وتصريف أمور جميع الهيئات التى قوامها الدين إلا إدارة الأوقاف. وهكذا أصبح شيخ الإسلام زميل رؤساء سائر المصالح التى أنشئت فى غضون القرن التاسع عشر، وغدا وزيرا فى الوزارة يبقى فى منصبه ما دامت الوزارة التى هو عضو فيها باقية فى الحكم؛ وكذلك احتفظ شيخ الإسلام بالسبق على سائر الوزراء، وقد نص على ذلك فى المادة 27 من دستور مدحت باشا الذى صدر سنة 1876، وورد فى أحكامه أن السلطان هو الذى يختار الصدر الأعظم وشيخ الإسلام بنفسه، أما سائر الوزراء فيعينهم الصدر الأعظم. وكان الصدر الأعظم وشيخ الإسلام، منذ عهد مبكر يرجع إلى القرن الثامن عشر، هما الوحيدان من عمال الدولة اللذين يتقلدان منصبيهما فى حضرة السلطان.

وكان نفوذ شيخ الإسلام يضمحل كلما أمعنت الدولة العثمانية فى إسباغ الطابع الدنيوى على نظام الإدارة فيها. فلما أنشئ مجلس الشورى (شوراى دولت) سنة 1839 حرم شيخ الإسلام الشئ الكثير من سلطانه على شئون السياسة الداخلية، وكذلك جوده إنشاء محاكم مدنية وجنائية جديدة يشرف عليها وزير عدل جديد (عدلية نظارتى) قدرًا آخر من هذا السلطان. وقد اتخذت سلسلة من الإجراءات التشريعية حددت اختصاص القضاء بما يتفق مع قيام محاكم الشريعة والمحاكم النظامية. وكان هذا التطور جزءًا بارزًا من الإصلاحات الدينية التى استحدثها رجال تركية الفتاة (انظر مثلا قصيدة "شيخت" لضياكوك ألب، ص 62 من Aus der Religibsen Reformbewegung in der Turkei بقلم Dr. A. Fischer ليبسك 1922) وبلغ غايته المحتومة حين نقلت حكومة حزب تركية الفتاة سنة 1919 تبعية المحاكم الشرعية جميعا إلى وزارة العدل، كما نقلت تبعية المدارس إلى وزارة المعارف؛ وقد كان المبرر لهذه الخطوة هو التمشى مع القانون العام الحديث فقد أعلن أن الغرض من ذلك هو تجنب الأخطاء التى ارتكبت فى عهد

ص: 6374

التنظيمات وجعل المشيخة الإسلامية مصلحة تتولى الأمور الدينية الصرفة فحسب (انظر مثلا جريدة طنين، 31 اكتوبر و 2 نوفمبر سنة 1916). وكانت هذه الروح هى التى أملت إنشاء إدارة فى المشيخة سنة 1917 تدعى "دار الحكمة الإسلامية" تتسم وظيفتها بالدعوة إلى الدين. ومع ذلك فإن الإصلاحات التى أحدثها حزب تركية الفتاة ألغيت بعد إبرام هدنة مدروس فى 2 نوفمبر سنة 1918. على أنه ما إن حل هذا الوقت حتى كان عمر المشيخة قد أشرف على النهاية، ذلك ان كل ما تبقى فى الآستانة من الإدارات الحكومية القديمة للدولة العثمانية قد ألغى فى نوفمبر سنة 1922، وجمع عمال الحكومة الجديدة بأنقرة فى أيديهم اختصاصات هذه الإدارات، ولم يعد يدخل فى هذه الحكومة مشيخة للإسلام. صحيح أنه قد أنشئت عند قيام هذه الحكومة "وكالة شرعية"(شرعية وكالتى) إلا أن نزعة المجلس الوطنى الكبير المناهضة لنظام مشايخ الدين لم تكن لتسمح ببقاء صورة من صور المشيخة الإسلامية، فاستبدل بها إدارة متواضعة يقال لها "ديانت إشلرى رئيسلى" بحكم قانون أقره المجلس الوطنى الكبير فى 3 مارس سنة 1924، وهو اليوم الذى ألغيت فيه الخلافة العثمانية.

ونجد أوفى وصف لمنصب شيخ الإسلام على أواخر أيامه فى "علمية سالنامه سى" الذى نشرته سنة 1334 هـ (1916 م) مشيخة الإسلام التى كانت حينذاك تحظى برياسة مصطفى خيرى أفندى الحازمة. وكانت أهم) إداراتها: "فتوى خانه" و"مجلس تدقيقات شرعية" وهى نوع من محاكم النقض للمحاكم الشرعية؛ وإدارة للإشراف على شئون المدارس (درس وكالتى ومصالح طلبية)؛ وإدارة تتولى شئون الفرق الصوفية (مجلس مشايخ)؛ وإدارة لبيت المال (أموال أيتام). وكان ثمة أيضا أقسام إدارية للمحفوظات والمكاتبات والحسابات، وكانت الولاية على ذلك لوزير (مستشار) مثل الحكومات الأخرى. وكان ديوان شيخ الإسلام أيضا (شيخ الإسلام قابيسى) يضم المحاكم الشرعية الكبرى التابعة لقاضى

ص: 6375