الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعمر الشهادة "ومحاربة أهل السنة لهذا التمنى" ولاسيما حينما نحس قوة عبارته إلى حد العنف، بقوله "بل هم يحاربونه" ولم يتهيأ لى فيما رأيت من كتب الفقه، غير القليلة، فى أكثر من مذهب، أن أقف على ظواهر هذه المحاربة لتمنى الشهادة، وإن كان لهذا أصل فى شرح الحديث عند باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء فى ترجمات البخارى، إذ يقول ابن حجر -فتح البارى جـ 6، ص 7، ط الخشاب- ما نصه:"قال ابن المنير وغيره: وجه دخول هذه الترجمة فى الفقه أن الظاهر من الدعاء بالشهادة يستلزم طلب نصر الكافر على المسلم، وإعانة من يعصى اللَّه على من يطيعه؛ لكن القصد الأصلى إنما هو حصول الدرجة العليا المترتبة على حصول الشهادة، وليس ما ذكره مقصودا لذاته، وإنما يقع من ضرورة الوجود، فاغتفر حصول المصلحة العظمى. . . بحصول ما يقع فى ضمن ذلك من قتل بعض المسلمين؛ وجاز تمنى الشهادة، لما يدل عليه من صدق، من وفقت له، من إعلاء كلمة اللَّه، حتى بذل نفسه فى تحصيل ذلك" أ. هـ. ومنه يتبين أن شيئا قيل فى تمنى الشهادة، كما فى نقل ابن حجر؛ لكن ينتهى المحدثون إلى أن يأخذوا من الحديث، استحباب طلب القتل فى سبيل اللَّه -ابن حجر- جـ 6، ص 12.
5 - شهيد العشق
فى سياق ما قدمنا فى الفقرة 3 - من عبارات تنقصها الدقة، ذكر الكاتب فيما بينه من اتساع مفهوم "الشهيد" اتساعا كبيرا" من عشق فعف وكتم سره مات شهيدا".
وهو شهيد ينبغى الوقوف عنده، وكان الظن أن يلتفت كاتب المادة إلى ما قيل فيه لطرافة هذه الشهادة كل الطرافة، لا ما عده هو طريفا، من أحكام الفقه المعتاد! !
وفى شأن هذا الشهيد أدع الكاتب وجها لوجه أمام حافظ إسلامى قديم، عرض لهذه الشهادة فى توسع وإسهاب، وذلك الحافظ هو: ابن قيم الجوزية فى كتابه "زاد المعاد من هدى خير العباد" - جـ 3: ص 206 - 208 - ط صبيح. . فقد كتب فأطال عن حديث من
عشق فعف. فنقد متنه وسنده نقدا مشبعا، وانتهى من نقده لمتن هذا الحديث إلى أنه:"لو كان إسناد هذا الحديث كالشمس كان غلطا ووهما".
وهذه فيما يرى طلاب النقد الحديثى للمتن تعتبر سابقة حسنة، ومبدأ هاما فى نقد المتن، الذى لا تصده سلامة السند، ولو كان كالشمس. .! !
وندع هذا إلى موضع التعليق من إيراد كاتب مادة شهيد لهذا الحديث عن شهادة العشق دون شعور بشئ مما قيل فيه؛ مع أن من الطريف أن بعض ما ساقه ابن القيم فى نقد متنه مما يشارك فيه المستشرقون أنفسهم؛ وذلك أن ابن القيم يقول فيما قال من نقد المتن: "ولا يحفظ عن رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم] لفظ العشق فى حديث صحيح ألبتة".
وتلك قضية شارك فى إثباتها المستشرق فنسنك الذى ذكره الكاتب فى مادة شهيد، واعتمد على ما قرره؛ وفنسنك هذا هو صاحب المعجم الحديثى المعروف فى العربية باسم مفتاح كنوز السنة، وقد تتبع فيه مؤلفه إحصاء مفردات أربعة عشر كتابًا من كتب السنة فهرسها. وقد خلا معجمه هذا من مادة -ع ش ق- فشهد ذلك شهادة مستقرئة لقضية ابن القيم أن لفظ العشق لا يحفظ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى حديث صحيح ألبتة. .
على أن ابن القيم بعد ما قدم من نقد المتن قد نقد السند أيضا نقدا مفصلا، بعد ما أورد طرق الحديث المختلفة؛ وحسبنا هنا إشارة فقط إلى ما أطال به فى ذلك النقد. . فهو يبين أن راويه سويد بن سعيد قد أنكر عليه أئمة الحديث، العالمون بعلله؛ رموه لأجله بالعظائم، فأنكره عليه ابن معين وقال: هو ساقط كذاب ولو كان لى فرس ورمح كنت أغزوه.
كما ساق ابن القيم مع ذلك أحكاما أخرى قاسية على سويد بن سعيد هذا، وإن يكن قد ساق معها بعض أحكام، لمن وثقوه، لكن عابوه بأشياء من عدم الدقة، لأسباب مختلفة.
ولا نطيل فى هذا بأكثر مما أوردنا؛ وهو كاف فى التعليق على صنيع كاتب مادة شهيد، وحاجته إلى ضرب من الدقة. .
أمين الخولى