الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شهيد
(والجمع شهداء): كثيرًا ما ترد فى القرآن بمعناها الأصلى وهو الشاهد (وهذا هو أيضا شأن كلمة شاهد، وجمعها شهود، ولا يميز بينها وبين كلمة شهيد تمييزًا واضحا) والأمثلة الآتية لها دلالتها على مختلف المناسبات التى ترد فيها كلمة شهيد.
سورة البقرة، الآية 133:{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ. . .} .
وسورة النور، الآية 6:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ. . .} .
وسورة البقرة، الآية 143:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا. . .} .
وسورة ق الآية 21: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} ، وكثيرا ما ترد كلمة شهيد فى الكلام عن اللَّه مثل سورة آل عمران، الآية 98:{وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} ؛ وسورة المائدة الآية 117: {وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} ، ومن هنا صار اسم الشهيد من أسماء اللَّه الحسنى أيضًا.
وليس فى القرآن شواهد على أن كلمة "شهيد" لها معنى من يشهد للَّه بدمه أو يموت شهيدًا، وإنما حاول متأخرو المفسرين أن يستخرجوا هذا المعنى من سورة النساء، الآيات 71 - 74. والقرآن يستعمل دائما فى بيان مفهوم الشهيد عبارات ترسم وتصور مثل سورة آل عمران، الآية 157: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} والسورة نفسها، الآية 169: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} وسورة محمد الآيات من 4 - 6: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}.
وتطور معنى كلمة شهيد فى دلالتها على من يموت شهيدا (وهو تطور لم تشترك فيه كلمة شاهد، فكلمة شاهد صارت منذ ذلك الحين تدل على
الشهادة خصوصا أمام القضاء) حصل بتأثير جاد من جانب النصرانية (قارن كلمة ساهدا Saheda السريانية التى ترادف الكلمة اليونانية: الواردة فى العهد الجديد) والبحث الذى كتبه فنسنك عن الشهداء فى المشرق يثبت أن التطور الذى وقع فى النصرانية وفى الإسلام قد سار على غرار واحد حتى فى التفاصيل، وأن نظرية الشهداء فى هاتين الديانتين ترجع أخيرًا إلى تراث شرقى قديم يهودى وإلى آراء من العهد اليونانى المتأخر.
وقد نسى فيما بعد المعنى القديم لكلمة شهيد، وهو الشاهد فى الإسلام، إلى حد أننا نجد خطأ مطردًا فى تفسير أصل كلمة شهيد (من شهد بمعنى: رأى، عاين، حضر).
والقتيل الذى يطبع إيمانه بخاتم الموت فى محاربة الكفر شهيد فى كتب الحديث؛ وثمة أحاديث كثيرة تصور ضروب النعيم التى تنتظره فى الجنة، فهو لموته فى سبيل اللَّه ينجو من سؤال منكر ونكير فى القبر ولا يجوز البرزخ. والشهداء ينالون أعلى الدرجات فى الجنة، وهم يكونون فى أقرب مكان للعرش، وفى الحديث أن النبى [صلى الله عليه وسلم] قد رأى أجمل دار فى الجنة وهى دار الشهداء. وفى يوم القيامة ستكون الجراح التى أصابت الشهداء فى جهادهم فى سبيل اللَّه مضيئة. حمراء كالدم وستكون رائحتها كالمسك. ولا أحد من أهل الجنة يتمنى أن يعود إلى الدنيا إلا الشهيد، لأنه لما يناله من أنواع النعيم فى الجنة يتمنى لو يقتل فى سبيل اللَّه عشر مرات. والشهداء تغفر لهم كل ذنوبهم فلا يحتاجون لشفاعة النبى [صلى الله عليه وسلم]، بل هم فى الأحاديث يظهرون شفعاء لغيرهم من الناس. ونظرًا لأن الشهادة تطهرهم فإنهم وحدهم هم الذين لا يجوز تغسيلهم قبل دفنهم، وهذا رأى دخل فى الفقه (انظر كتاب Handbook of early Muhammadan Tradition: A.J.Wensinck تحت مادة Martyrs) .
وفى كتب الفقه عند الكلام عن الصلاة، نجد الكلام عن الشهيد بعد الكلام عن صلاة الجنازة، ولأصحاب المذاهب الفقهية اختلافات طريفة كل
الطرافة أحيانا من حيث الأساس الذى تقوم عليه وهى تتعلق بـ: هل يجب غسل الشهيد؟ وهل يصلى عليه صلاة الجنازة؟ وهل يدفن فى ثيابه التى فيها دمه؟ ونحو ذلك من المسائل. وقد بحثت مرة مسألة ما إذا كانت الشهادة قد وقعت لهذه الحياة الدنيا أو للحياة الأخرى أو للحياتين معا، وذلك لأن الشهادة عمل خلقى فيكون الحكم عليه بحسب النية. ومن جهة أخرى يذكر أصناف الشهداء بالمعنى الواسع على اختلافهم، وهم مذكورون فيما يلى؛ ولا تعرض حالة الشهيد من الناحية القانونية الشرعية إذا كان بعد الموقعة قد عاش رغم جراحه واستطاع أن يرتب بعض أموره قبل أن يفارق الحياة. وأحيانا يشتمل كتاب الجهاد على فصول "فى فضل الشهداء". وفيها تعظيم للشهادة على نحو ما يوجد فى الحديث تماما.
وقد أدى تعظيم فضل الشهادة إلى شوق حقيقى لميتة الشهداء، وبحسب بعض الأحاديث أن كلا من النبى [صلى الله عليه وسلم] وعمر رضى اللَّه عنه تمنى الشهادة، لكن علماء أهل السنة لا يحبذون بوجه من الوجوه هذا الطلب للشهادة، بل هم يحاربونه، وذلك لأنه، فى قول مقبول وذهب إليه فنسنك، يشبه الانتحار، والإسلام ينكر الانتحار دائما (1). ولذلك يعد القيام بالواجبات الخلقية السلمية كالشهادة بل خير، منها، مثل الصوم ودوام العبادة وقراءة القرآن وبر الوالدين والأمانة فى أخذ الخراج وطلب العلم، فهذه كلها أعمال "فى سبيل اللَّه"(وهذه العبارة قد تحولت، مع هدوء حروب الفتح والتوسع تدريجا، من الميدان الحربى إلى الميدان السلمى الخلقى كما تحولت كلمة شهيد) وهى يمكن أن تكون سبيلا لأن ينال بها الإنسان ما يناله الشهداء من الثواب [تأمل مثلا التمييز الذى ظهر فيما بعد بين الجهاد الأكبر، وهو جهاد النفس، والجهاد الأصغر الذى هو القتال فى سبيل اللَّه، انظر مجلة W.I مجلد 3 (1916) ص 200، الهامش - هيئة التحرير] على أن مفهوم الشهيد نفسه -وفى الأحاديث إلى حد ما- قد اتسع اتساعًا كبيرًا، حتى أن جمهور الناس
(1) انظر التعليق فى آخر المقال.
أصبحوا ينظرون إلى كل من يلقى موتا عنيفا يثير مشاعرهم أسفا عليه أنه شهيد بل ولى أيضا، وكان من العوامل الكبيرة التى ساعدت على هذا التطور ما فى جمهور الناس من ميل قديم إلى تعظيم الأولياء بعامة وبهذا المعنى يعد من الشهداء مثلا من يموت فى أمراض مثل الطاعون، أو مرض ذات البطن وذات الجنب، وكذلك من يموت موتا عنيفا إذ يقضى من الجوع أو العطش أو الغرق، والهدم أو الحريق أو السم أو الصاعقة أو يقتله قطاع الطريق، أو تفترسه السباع وكذلك ذات الطلق (1)، ومن يموت وهو يؤدى فرضا من فروض الدين كالحج مثلا، ومن يموت غريبا بلا حبيب أو قريب أو فى سفر مما يعتبر سنة، أو فى زيارة قبر ولن أو شهيد أو عالم، أو فى الصلاة، أو بسبب دوام الوضوء، أو فى ليلة جمعة، أو فى طلب علم الدين، أو فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أمام الظالمين، ومن عشق وعف وكتم سره مات شهيدًا؛ ومن مات فى مجاهدته لنفسه، أى فى الجهاد الأكبر، مات شهيدًا.
وقبر الشهيد يعد مشهدًا، ينال تعظيم الأتقياء ويصبح مزارا يحج إليه، وفيما يتعلق بكثير من هذه المشاهد يمكن إثبات أنها كانت أماكن عبادة قبل الإسلام، ثم بقيت من بعده على حالها، وهذه الناحية من بقاء مظاهر العصر القديم قد ألقى عليها فان بيرشم ضوءًا، بدراسته للنقوش. لكن الحكم الأخير لن يتيسر إلا بعد الكشف عن مادة جديدة. ومن الطريف تلك العبارة التى توجد على القبور منذ القرن الثالث للهجرة وهى:"هذا ما يشهد به وعليه". وربما كانت لهذه العبارة علاقة بالتسمية "مشهد" بوجه ما (هذا هو ما ذهب إليه Martin Hartmann فى مجلة Z.D.P.V مجلد 26، ص 265، راجع ما يقوله Ritter فى مجلة Islam، مجلد 12، ص (148 - 150) وإذا كان السلاطين يسمون فى النقوش باسم الشهداء فإن هذه الكلمة لا يكون لها هنا سوى معنى ليس له من المعنى الصحيح إلا ظله،
(1) الأم التى تموت من آلام الوضع. [المترجم].
وهى مجرد تسمية دينية "للميت". وفى كثير من الأحيان أطلقت تسمية المشهد على أماكن للعبادة لها علاقة بشهيد. وفى اللغة التركية تطلق كلمة "شهيدلك" وكلمة "مشهد"(التى تنطق مشَط أيضا) على القرافة بوجه عام (انظر Mordtinann فى مجلة Islam، مجلد 12، ص 223). وتدل النقوش أيضا على أن بناة المشاهد من المسلمين كانوا يبنونها فى حياتهم، وكان غرضهم الظاهر من ذلك أن ينالوا بركة أعمالهم الصالحة فى هذه الحياة الدنيا. وكان يقام فى القاهرة فى اليوم الثامن من شهر مايو عيد نصرانى كبير للشهداء، لكن المسلمين كانوا يشتركون فيه حتى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى؛ انظر كتاب الخطط للمقريزى، جـ 1، ص 68 وما بعدها؛ Die Renaissance des Islam: Mez، ص 399 وما بعدها).
وعلى الخلاف من أهل السنة تمسكت الفرق من وجوه كثيرة بالمعنى الأصلى للشهيد، فمثلا كان الخوارج يغالون فى طلب الموت محاربة للحكومة التى كانت فى رأيهم جائرة، على حين أن علماء أهل السنة كانوا يرون أن هذا الخروج على الحكومة ليس جهادا تنال من ورائه الشهادة فى سبيل اللَّه.
والشهادة تلعب عند الشيعة دورًا فريدًا له أهمية مشهودة، فالحسين رضى اللَّه عنه هو سيد الشهداء عندهم، وهو شاه شهدا (وهذا على نحو ما يعد الحلاج عند الصوفية الشهيد الممتاز) وهنا يجعل الشيعة، بحسب طريقتهم الخاصة، للحسن ملامح تذكر بآلام المسيح عليه السلام أو بآلام القديس فرانسيس Francis (التضحية بالنفس عن وعى، وانتقال النور الإلهى إلى بيت النبى [صلى الله عليه وسلم] وتوارثه فيهم وعدم الموت ونحو ذلك) وهناك كتب كثيرة تتكلم عن الشهداء وتبين آلام الحسين وغيره من آل بيت النبى [صلى الله عليه وسلم] بيانا مفصلا، وهذا شئ اختص به الشيعة. ومن الكتب المشهورة مثلا كتاب روضة الشهداء للحسين بن على الواعظ الكاشفى الذى ترجم إلى التركية (ترجمه فضولى بعنوان حديقة السعداء) كما ترجم إلى اللغة التركية الشرقية واقتبس منه كثيرًا.