المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مولاه قنبر الذى يروى أنه كان يرى فى سيده "لسان - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٢٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌شاه جهان

- ‌المصادر:

- ‌شاهد

- ‌المصادر:

- ‌شاور

- ‌المصادر:

- ‌الشاوى

- ‌المصادر:

- ‌الشبلى

- ‌ الشبلى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌شبلى النعمانى

- ‌المصادر:

- ‌شبيب

- ‌المصادر:

- ‌شجرة الدر

- ‌المصادر:

- ‌شداد، بنو

- ‌سلاطين دولة بنى شداد

- ‌المصادر:

- ‌الشربينى

- ‌المصادر:

- ‌شرفا

- ‌المصادر:

- ‌شرف الدين

- ‌المصادر:

- ‌شركة إسلام

- ‌تاريخ الشركة المبكر:

- ‌المصادر:

- ‌شريعة

- ‌المصادر:

- ‌تعليق على مادة "شريعة

- ‌1 - نظرة عامة

- ‌2 - بين الحقيقة والشريعة

- ‌3 - الإجماع قديما. . وحديثا

- ‌4 - الشريعة والتعليل والمنطق

- ‌5 - المصادر المادية للشريعة

- ‌شريف *

- ‌المصادر:

- ‌تعليق على مادة "شريف

- ‌شريف باشا

- ‌المصادر:

- ‌الشريف الرضى

- ‌المصادر:

- ‌الششترى

- ‌المصادر:

- ‌شطرنج

- ‌المصادر:

- ‌شط العرب

- ‌المصادر:

- ‌شعبان

- ‌المصادر:

- ‌شعبان

- ‌ المصادر)

- ‌الشعبى

- ‌المصادر:

- ‌الشعر

- ‌المصادر:

- ‌الشعرانى

- ‌ شعيب" عليه السلام

- ‌المصادر:

- ‌شفاعة

- ‌المصادر:

- ‌شقيقة النعمان

- ‌المصادر:

- ‌‌‌الشماخى

- ‌الشماخى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌شمر

- ‌المصادر

- ‌الشمس

- ‌المصادر

- ‌شمس الدولة

- ‌المصادر:

- ‌شمس الدين

- ‌المصادر:

- ‌شهاب الدين

- ‌المصادر:

- ‌التعليقات:

- ‌شهاب الدين

- ‌المصادر:

- ‌الشهرستانى

- ‌المصادر:

- ‌شهيد

- ‌المصادر:

- ‌تعليق على مادة شهيد للأستاذ أمين الخولى

- ‌1 - التمييز بين شاهد وشهيد

- ‌2 - مأخذ معنى الشهيد

- ‌3 - قضايا تنقصها الدقة

- ‌4 - ما فى تمنى الشهادة

- ‌5 - شهيد العشق

- ‌شوشترى

- ‌المصادر:

- ‌الشيبانى

- ‌المصادر:

- ‌الشيبانى

- ‌المصادر:

- ‌شيبة، بنو

- ‌المصادر:

- ‌شيث

- ‌الروايات المتأخرة:

- ‌المصادر:

- ‌شيخ الإسلام

- ‌المصادر:

- ‌شيخزاده

- ‌المصادر

- ‌المصادر

- ‌‌‌المصادر

- ‌المصادر

- ‌شيخ سعيد

- ‌المصادر:

- ‌شيخية

- ‌المصادر:

- ‌شيراز

- ‌المصادر

- ‌الشيرازى

- ‌المصادر:

- ‌الشيرازى

- ‌المصادر:

- ‌الشيرازى

- ‌المصادر:

- ‌حياة الشيرازى ومصنفاته

- ‌شيركوه

- ‌المصادر:

- ‌شيروان

- ‌المصادر:

- ‌الشيعة

- ‌دوافع الشيعة والعصر الأول

- ‌الحديث:

- ‌المصادر:

- ‌تعليق على مادة الشيعة

الفصل: مولاه قنبر الذى يروى أنه كان يرى فى سيده "لسان

مولاه قنبر الذى يروى أنه كان يرى فى سيده "لسان كلمة اللَّه". ومما يدل على أن مثل هذا الكلام كان لا يزال معتدلا حكاية تصور لنا "قنبر" وهو يحارب أولئك الشيعة الغلاة الذين نسبوا الربوبية لعلى، فأحرقهم هو وقنبر. وكذلك صحب زين العابدين بن الحسين وابنه محمدا الباقر، جابر بن عبد اللَّه الأنصارى الذى كان من أهل المدينة الأولين الذين بايعوا النبى عليه الصلاة والسلام بيعة العقبة الأولى. وهو قد ظهر أمام هذين العلويين الشابين بمظهر المحافظ على استمرار العقيدة الشيعية. وأخذ من محمد الباقر الوعد بالشفاعة له يوم الحساب، وكان حول الباقر نفسه وحول خلفيه: جعفر الصادق وموسى الكاظم علماء مثل: جابر بن يزيد الجعفى، وهشام بن سالم الجواليقى بن الحكم الذى كان أسير حرب، ويونس بن عبد الرحمن مولى على بن يقطين بن موسى، وكان يونس أيضا من شيعة على الرضا الكثيرين. وكانت المبادئ الأساسية لشريعة الشيعة بطبيعة الحال على المنهج الإسلامى.

‌الحديث:

والشيعة سنيّون أكثر كثيرا من أهل السنة. ولا يصح أن نرجع بداية أحاديثهم إلى عهد جد متأخر، لأننا نجد أن بعضها يرجع إلى عهد متقدم يرد إلى أبى الأسود الدؤلى، وأشهرها: على هو هارون؛ على هو الوصى الذى أوصى له الرسول، واختاره الرسول واللَّه؛ على هو المولى؛ آل البيت هم سفينة نوح؛ آل البيت هم والقرآن كنزا الأرض؛ محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين هم أصحاب الكساء الخمسة.

ومثل هذه الأركان تؤيد تأويلا للقرآن يتخذ الكثير من الآيات (مثل سورة الأحزاب، الآية 33؛ سورة الحديد، الآية 26؛ سورة النور، الآية 35) أدلة على ما يعتقده الشيعة من حقوق.

وكان ما اختص به الشيعة من تراث شيئا يلائم البحث النظرى فى مسائل العقائد ويحرك الخيال الدينى إلى حد أن الشيعة لم يستطيعوا قط أن يصلوا فيما بينهم إلى اتفاق واسع المدى، كما توصل أهل السنة. ويمكن أن نتبين عند الشيعة ثلاث فرق كبرى:

ص: 6411

فالزيدية، وهم أقرب ما يكون إلى أهل السنة، ينزعون فى مسألة ظهور الإله فى الأئمة نزعة عقلية من كل وجه، ويؤولون ذلك على معنى أنه مجرد الهداية والتوفيق، وهم ينكرون حلول النور الإلهى فى شخص معين من العلويين. أما استشهاد الأئمة فإنه اتخذ عندهم صبغة سياسية من حيث الجوهر، وهى المحاولات المستمرة المتجددة للوصول إلى الهدف، وهو استيلاء العلويين على الخلافة، وذلك فى آخر الأمر من طريق السيف وبعون اللَّه. وهم قد نجحوا فى مقاومة كثير من الآمال التى كانت تعلق على ظهور المهدى والتى ظهرت بينهم أيضا.

أما عند أهل الطرف الآخر من الشيعة فإن ظهور الإله قد اتخذ صورة الحلول المطلق. فالعنصر البشرى فى الإمام يتلاشى تماما، وأخيرا لا يبقى إلى جانبه محل للإله. والزيدية والإمامية الذين يمثلون المذهب الوسط يحاربون هؤلاء الشيعة الحلوليين حربا شعواء ويعتبرونهم غلاة (جمع غال) يسيئون إلى الشيعة، بل يعتبرونهم مارقين من الإسلام. أما عند الإمامية فالإمام إنسان، ولكن فيه جوهر نورانى إلهى دخل فيه من طريق حلول جزئى وموت الإمام عند الغلاة كالدروز مثلا، هو مجرد غيبة هذا الشخص المؤلَّه، وعندهم تصير قوة التدين سرورا بالموت. وهم عن قصد اعتقادى يؤولون أن هذا الموت اختيارى: هم يقولون إن اللَّه بعث إلى الحسين فى يوم كربلاء ملك النصر لكنه أحب لقاء اللَّه.

وعلى مر التاريخ لم يكن بدٌّ بحكم الضرورة من أن تنقسم كل فرقة من هذه الفرق الثلاث إلى شعب كثيرة، وذلك حول الأفكار الشيعية الخاصة بكل فرقة؛ ونشأت كثمرة لجهود الزيدية إمارات صغيرة فى طبرستان وبلاد الديلم منذ عام 250 هـ (864 م)، وفى بلاد اليمن منذ عام 288 هـ (901 م)، وهذه الإمارات لم تستطع بسبب تباعدها أن تؤلف وحدة أو حتى ما يشبه الوحدة. وزيدية العراق الذين لم يستطيعوا قط أن يصلوا إلى الاستقلال السياسى، ونالوا العوض عن ذلك من طريق ما كان لهم من تأثير كبير فى دولة الخلفاء، كان لابد لهم فى كثير من الأحيان أن يسايروا الأحوال

ص: 6412

هناك بالمزيد من الالتجاء إلى التقية أو الكتمان.

أما اتجاه الغلاة الذى كان أشد الاتجاهات الشيعية بعدا فى مجاوزة القول بشئ يورث عن النبى محمد عليه الصلاة والسلام وهيأ أكبر مجال للنزعات التى تصدر عن الأفراد فإنه ظهر فى صور مختلفة فيما بينها اختلافا كبيرا، وذلك عند جماعات القرامطة والإسماعيلية والدروز وأخيرا عند جماعة النصيرية وجماعة على إلهى. وهنا ازداد تحرر الشيعة الغلاة من أشخاص آل البيت. وقد تجلى هذا بالفعل عند الكيسانية الذين لم يكن إمامهم، وهو محمد بن الحنفية، من أبناء النبى عليه الصلاة والسلام، وهو يتجلى أيضا فى حديث يروى عن النبى عليه الصلاة والسلام وهو قوله: سلمان الفارسى من أهل البيت؛ وهو فوق ذلك قد أدى مثلا فى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) عند الحروفية إلى تنحية أئمة العلويين من طريق دعوى حلول الإله فى فضل اللَّه الإسترآباذى.

لكن الفكرة الأساسية عند الإمامية أيضا كانت تحمل فى ذاتها بذور الانقسام، ذلك أن الاتصال بين الإله والإنسان لا يتم فى نقطة تقاطع بل فى خط متصل، ولا يكون فى شخص منفرد بل فى سلسلة غير منقطعة من الأئمة المؤيدين بالوحى والذين يعين الأب منهم ابنه من بعده فى كل جيل؛ أو أنه فى قول آخرين: ينتقل العنصر الإلهى من الإمام إلى ابنه الأكبر مباشرة، إذا كانت أم هذا الابن أيضا من أهل البيت. لكن الولاء الدينى للإمام والتمسك به كان يبلغ أحيانا من القوة بحيث لا يستطيع الموالى له أن ينصرف عنه بعد أن يموت، أى أنه لم يكن يؤمن بأنه قد مات حقيقة، أو قد كان يحصل أن يكون خلف الإمام شخصا غير أهل للإمامة بالكلية أو أن يكون صبيا قاصرا، أو كان يحدث ألا يكون هناك إمام على الإطلاق، وهكذا نشأت فرق فرعية هى الواقفية والقطيعية أو القطعية. والأولون يترددون فى القول بموت الإمام، ولذلك يقفون عنده، ويرون فيه المهدى، والآخرون يقطعون

ص: 6413

بموت الإمام، ولذلك يستمرون فى بيان تتابع الأئمة. وهناك طائفة كبيرة من مثل أولئك الواقفية كالجعفرية الذين وقفوا عند جعفر الصادق، والموسوية والرضاوية وهكذا: أما بالمعنى الخاص فالمقصود بالواقفية هم الجعفرية.

غير أن بيان تتابع الأئمة لم يكن، للأسباب المذكورة عينها، يستمر إلى غير نهاية حتى عند القطعية. ومن المشكوك فيه كل الشك أن الحسن الخالص، وهو الإمام الحادى عشر، قد خلَّف ولدا على الإطلاق لما مات عام 26 هـ (873 م). لكن ساد بين الشيعة الإمامية، الاعتقاد بوجود ابن له هو محمد حجة اللَّه الذى قيل إنه اختفى على نحو غير معرف، وإنه سيظهر على صورة المهدى. وهكذا يصير الإمامية اثنى عشرية، وإن كان قد قام خلاف مدة طويلة حول مسألة هى: هل كان ثمة إمام ثالث عشر؟

وعلى هذا؛ فإذا نحن تبينا عند فرق الشيعة من حيث هم مجرد شيعة تباعدا فى أقوالهم يناظر ذلك التباعد الموجود بين الفرق التى اختلفت فى تاريخ الكنيسة النصرانية حول القول فى المسيح، من جماعة السوسينوسيين Socinians إلى جماعة التيوباسكيتيين Theopaschites (1) فإننا لا نكون بذلك قد نظرنا إلا إلى عنصر واحد من عناصر نشأة التشيع. ذلك أن الشيعة من أهل الإسلام. فهم لذلك يقفون أمام كل تلك المسائل التى تثير اهتمام الإسلام بوجه عام. لكن الإسلام لا ينظر إلى العالم نظرة دينية فحسب بل إن له مشكلاته الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وله فيما عدا مشكلة الخلافة مشكلاته السياسية. ونحن لا نستطيع هنا أن نفعل أكثر من مجرد الإشارة إلى النتائج التى نتجت من ذلك بالنسبة للشيعة.

ففيما يتعلق بالعقائد هناك إلى جانب الشيعة الذين ذهبوا مذهب المعتزلة (2) أيضا قوم يقولون بالقدر السابق مثل:

(1) السوسينوسيون أتباع سوسينوس Socinus الذين ينكرون الوهية المسيح، ويقولون بآراء تشبه أراء المعتزلة، والتيوباسكيتبون يقولون بالطبيعة الواحدة وبأن الإله تألم على الصليب. (المترجم).

(2)

تتلمذ زيد بن على لواصل بن عطاء وأخذ عنه، ومن هنا دخل الاعتزال فى مذهب الشيعة الزيدية. (المترجم).

ص: 6414

هشام بن سالم بن جرير الزيدى؛ وقوم مُشَبَّهة مثل: هشام بن سالم الجواليقى الإمامى الذى تقدم ذكره. وإذا أردنا أن نعرف إلى أى حدّ كان اختلاف المسلمين فى أمر القرآن خطرا يهدد الشيعة بالانقسام وجدنا دليلا فى عبارة ينسب إلى جعفر الصادق أنه قالها ليونس بن عبد الرحمن الذى تقدم ذكره، وهى تشعر بأنها قاعدة موقوتة وتلك هى قوله: القرآن ليس خالقا ولا مخلوقا، وإنما هو كلام الخالق.

أما فيما يتعلق بالفلسفة فإن الإقبال عليها والنفور منها، كان عند الشيعة أقوى بكثير مما كان عند أهل السنة، فمن جهة كان النظر الدينى عند الشيعة بما فيه من غزارة يحتاج، فى إرساء العقائد، إلى المقولات الفلسفية والجدل الفلسفى أكثر مما كان يحتاج إلى ذلك النظر الدينى عند غيرهم. ومن جهة أخرى كان الشيعة فى هذا المقام حساسين بصفة خاصة، بل هم كانوا معرضين للطعن على نحو شبيه بكل جماعة دينية تبدأ بفروض ميتافيزيقية خالصة كما فعل الشيعة فى عقيدتهم فى الأئمة.

وإذا نحن صرفنا النظر عن ضروب التعارض الذى يدخل فى باب نظرية المعرفة والذى جاءت به إلى الشيعة الفلسفة التى استعانوا بها، فإنه لم يكن بد للشيعة من البحث فى المسائل الخلافية المعروفة فى أصول الدين وأصول الفقه، فبحثوا مثلا فى مسألة وجوب العمل باحاديث الآحاد وفى مسألة القياس. وعلى هذا وجدت فى الفقه الشيعى مسائل خلافية تتراوح بين الظاهرية والحنفية. وفيما يتعلق بالعبادات ظهر عند جميع طوائف الشيعة ميل شديد إلى إرضاء الحاجة إلى العبادة بتعظيم الأئمة والتبرك بزيارة قبور الشهداء منهم، مع الحرص على أن يظلوا مسلمين.

أما الحد الفاصل بين الشيعة والسياسة الداخلية، أى القومية مثلا، فإنه معقد كثير الفجوات، إذا لا يقتصر الأمر على أن الشعوب. المغلوبة كالفرس قد انضموا إلى الشيعة المعارضين من أول الأمر، ذلك أن أقدم الأئمة الكبار من الشيعة كانوا عربا خلصًا، وإن كانوا من اليمنيين خاصة، فكان ممن التفوا

ص: 6415

بالرضا مثلا: يونس وهشام الجواليقى من الموالى، لكن دعبلا كان يمنيا فخورًا بيمنيته وكان عدوا لعرب الشمال. وبعد ذلك بقرنين كان مفيد (انظر ما يلى) يفخر بأصله اليمنى وبأنه من نسل يقطان أول من تكلم بالعربية.

أما المشكلات الاجتماعية؛ فقد دخلت بين الشيعة منذ عهد متقدم يرجع إلى المختار، لما جمع حوله الموالى والعبيد. وعند بعض الغلاة كالقرامطة ازدادت المطالب الاجتماعية جنوحا إلى الشيوعية، ولو أنها فى هذا المقام كانت، بفعل الالتزام بسلطة الإمام أو بمن ينوب عنه، مجرد قناع تستتر وراءه حكومة أقلية مستبدة.

وقد تكونت أرستقراطية أوضح من ذلك على يد طائفة عمال الدولة الكبار فى البلاط العباسى، وكان هؤلاء فى الغالب من الإيرانيين الذين ربطهم بعضهم ببعض ولاؤهم الشديد للإمامية. وكان من بينهم مثلا آل نوبخت.

وقد تناول الشيعة فى مسألة النساء أيضا جميع صور المشكلة، فيرمى بعض القرامطة على الأقل بشيوعية النساء. ويبيح الأمامية زواج المتعة. أما الزيدية فيقتصرون على تعدد الزوجات المعروف عند أهل السنة. وجماعة على إلهى انتهوا إلى القول بزواج الواحدة.

ولما كان عدد الأراء الممكنة فى الميدان الاعتقادى وميدان المعرفة والميدان الفقهى وميدان العبادات والميدان السياسى والاجتماعى ليس شيئا يأتى وينضاف إلى الآراء الممكنة فى مسألة الإمامة. بل هو شئ يضاعف من عدد هذه الآراء، فإنه نتج عن ذلك أنه وإن كانت لم تتحقق من حيث العمل كل الاحتمالات الخليقة بأن تزاوج بين هذه الميادين، فإنه قد ظهر عدد من فروع الفرق الشيعية يزيد كثيرًا عن الفرق الاثنتين والسبعين المشهورة. ويفسر لنا امكان هذا التنوع فى الوقت نفسه الثغرات الكثيرة الموجودة فى الكتب الإسلامية الجارية التى تتناول الفرق الدينية، ذلك أن هذه الكتب تذكر الفرقة الواحدة بعينها فى عداد طوائف شتى بحسب الموضوع الخاص الذى تهتم به تلك الكتب، وهذا شئ يسهل فهمه.

ص: 6416

وبالنظر إلى القوة الطبيعية التى ظهرت بها عقيدة الشيعة المنطوية على كثير من المسائل، فى دنيا الإسلام التى كانت هى أيضا حافلة بمسائلها الخاصة، فإننا نستطيع أن ندرك أن الشخصيات التى تعتبر رؤساء للفرق فى جماعات الشيعة اليوم هى شخصيات لا تبتكر بقدر ما تحيط وتحدد، لكننا نستطيع أن ندرك أيضا أن الإجماع كان دائمًا يقتصر على دائرة صغيرة. وإذا استعمل الشيعة كلمة إجماع؛ فإن المقصود بذلك عند كل طائفة منهم لا يعدو الدائرة الضيقة لأهل هذه الطائفة، وهى ترى فى نفسها أنها وحدها الفائزة بالنجاة.

على أن هذا التحديد لم يصب نجاحا كبيرًا فى ميدان العقائد. ذلك أن الزيدية والإمامية انضموا آخر الأمر إلى المعتزلة ولم يكن ذلك من قبيل المصادفة المحضة، كما يتبين من الآراء التى دارت حول القرآن: فمن بين الاعتقادات التى سبق بيانها كان الاعتقاد الثالث قمينا بأن يتغلب على الثانى. إذ بمرور الأيام لم يكن هناك إلى جانب الإمام باعتباره الضامن للاعتقاد الحق محل للنظرية القائلة بأن القرآن غير مخلوق. وكان من المنطقى أيضًا أن يعمد الإمامية فى سبيل إدخال الكتاب المنزل فى معتقداتهم فى الامامة أن يؤولوه تأويلا رمزيا، وأن يحاربه الغلاة ويدلسوا فيه بل ينكروه وينقلبوا باطنية ولم يكن المعتزلة هم الذين مهدوا لذلك فحسب، بل إنه بسبب الاقتباس من الفلسفة -ولو أن هذا الاقتباس إنما كان يسعى فى المحل الأول إلى الشكل- دخلت الفلسفة فى الفراغ الذى خلا بالإيمان الغيبى بالوحى. وهكذا صار علم العقائد ثيو صوفية وغنوصية.

على أننا لا نكون قد كشفنا عن الأصل فى دوافع التشيع، إذا نحن عدنا فأكدنا الأمر الذى أصبح بينا فى ذاته بعد ما تقدم، وهو أن آراء غنوصية وأفلاطونية محدثة ومانوية وإيرانية قديمة، قد اختلط بعضها ببعض فى هذا المقام (1) لكنا بقدر ما نعرف اليوم لا

(1) قد يكون هناك مجال أيضا للبحث عن أصول هندية قديمة للتشييع. (المترجم).

ص: 6417

نستطيع أن نتجاوز كثير، هذه الملاحظة لأن السبل المتميزة المؤدية إلى المراجع لم تتبين بعد، ثم إنه مع وجود أصداء للنصرانية أيضًا لابد للإنسان أن يكتفى الآن بالملاحظة العامة، وهى أن الإسلام قد غلب على بلاد كانت من قبل نصرانية، وإن الكثيرين ممن اعتنقوه كان أجدادهم نصارى. وأعم من ذلك، وإن لم يكن أقل أهمية، أن نلاحظ أن دوافع دينية خصيبة جدا مثل آلام الشهداء، والقول بالحلول، لا يمكن أن تزول بظهور دين جديد كالإسلام.

وبدأت أقدام الفرق القائمة برأسها تتوطد فى النصف الثانى من القرن الثالث للهجرة (التاسع الميلادى)، وكان أقدم ما تبيناه من شواهد على ذلك عند الزيدية، فقد تخير القاسم بن إبراهيم ابن طباطبا الرّسى المتوفى سنة 246 هـ (890 م)، وضع الأسس الاعتقادية والفقهية لإقامة دولة دينية تكفل بها حفيده يحيى بن الحسين فى اليمن سنة 288 هـ (901 م)، وقد وجدت تعاليمه أيضا قبولا لدى الدولة الزيدية السابقة التى كانت قد ظهرت إلى حيز الوجود على بحر الخزر عام 250 هـ (= 864 م) وفى سنة 297 هـ (909 م) قامت دولة الفاطميين الإسماعيلية فى إفريقية، وفى هذه الأثناء احتلت طوائف من القرامطة مناطق صغيرة فى الشمال الشرقى لجزيرة العرب وفى جنوبها.

ونحن نحيل القارئ فى شأن الفرق الفرعية إلى المواد الخاصة بكل منها فى هذه الدئرة، ولكننا لا نجد مناصا من أن نتناول فى شئ من التفصيل الفرع الأكبر، وهم الإمامية أو الإثنا عشرية، الذين يخطرون على البال عادة عند ذكر الشيعة على الإطلاق، وهم من حيث العدد أيضا يؤلفون غالبية الشيعة، ذلك أنهم ما بين أربعة وخمسة ملايين فارسى من الأتباع، (1) وينضم إليهم فيما عدا جماعات مشتتة فى أماكن متفرقة جماعات كبيرة فى العراق والهند. ومصنفاتهم التى لا تزال أقرب المصنفات تناولا لدى جميع الشيعة، هى بالنظر إلى الموقف الوسط الذى يقفه الإمامية أقرب السبل إلى معرفة المشكلات الشيعية.

(1) كان ذلك وقت كتابة المقال.

ص: 6418

بل ان العلويين القدماء مثل جعفر الصادق وعلى الرضا لم يكونوا هم أنفسهم الزعماء الحقيقيين، بل كان ينوب عنهم سفراء ووكلاء، أو يزعمون أنهم ينوبون عنهم. وكان منصب الوكيل يصبح أعظم شأنا عند ما يكون الإمام غائبا، فهو عند ذلك يدعى أنه الوحيد الذى يعرف الإمام الغائب. وقد أفلح أربعة أشخاص منذ عام 260 هـ (873 م) فى أن يدّعوا ذلك لأنفسهم. ولما مات رابعهم، وهو على بن محمد السامرائى سنة 334 هـ (939) انتهت الغيبة المسماة الغيبة الصغرى، وأعقبها الغيبة الكبرى التى تمتد إلى أيامنا، والتى فيها تسقط فى زعم الشيعة صلاة الجمعة مثلا، لأن الذى يؤم الناس فيها هو الإمام. وقد تولى الزعامة أرستقراطيون روحيون كان بعضهم يستند فى دعواه وآرائه إلى ما يزعمه من لقاء عجيب مع "سيد الزمان" الغائب. صحيح أن عالم الدين فى فارس الحديثة يمكن أن يكون مجتهدا إلا أنه يظل فى كل الأمور الجوهرية كالعالم السنى مقيدا بما يقَنّنه أولئك الأرستقراطيون. وتدوين هذه القوانين قد أخرج إلى حيز الوجود على طريقة الإسلاميين عددا كبيرا من المصنفات فى نقد الرواة والعلماء الذين كتبوا الكتب. وأولئك الأرستقراطيون الروحيون كانوا أشبه بهيئة رقابة دينية قبل أن يستحدث الصفويون لدولتهم الدينية شيخ إسلام. بزمان طويل.

وقد انفتحت أمام الشيعة آفاق الآمال السياسية بفضل ظهور السامانيين الذين كانوا متسامحين وإن لم يكونوا هم أنفسهم شيعيين، وبخاصة منذ فتح خراسان على يد إسماعيل سنة 290 هـ (903 م). وكذلك بفضل سعة صدر الحمدانيين أصحاب الموصل منذ سنة 317 هـ (929 م). فلما دخل معز الدولة: أحمد البويهى الشيعى بغداد سنة 334 هـ (945 م) كان ذلك بداية عهد مجيد للشيعة الذين كانوا منذ عهد طويل يقيمون فى هذه القصبة، ويسكنون حى الكرخ برمته مثلا.

وقد اقترن هذا التوطد لمركزهم من الخارج بتوطد آخر فى الداخل. فظهرت مجموعات الحديث الصحيحة المسماة "الكتب الأربعة"، وهى:

ص: 6419

(1)

كتاب "الكافى"(طبع فى طهران 1312 - 1318 هـ) للكلُينى المتوفى سنة 328 أو 329 هـ (= 929 أو 930 م). وقد عد المتأخرون أن من بين الأحاديث التى تربو على الستة عشر ألف حديث التى احتواها هذا الكتاب فى الأصول والفروع خمسة آلاف واثنين وسبعين حديثا صحيحا، ومائة وأربعين حديثا حسنا؛ وألفا ومائة وثمانية عشر حديثا مسندا؛ وثلاثمائة واثنين "حديث قوى"، وتسعة آلاف وأربعمائة وثمانية وثمانين حديثا ضعيفا. ومن الشروح المشهورة لهذا الكتاب "الشافى" لخليل ابن غازى القزوينى الذى بدأ فى كتابته بمكة سنة 1057 هـ (= 1647 م) وأخرجه هو نفسه باللسان الفارسى بعنوان:"الصافى".

(2)

وأصغر من ذلك كتاب "من لا يحضره الفقيه"(طبع فى طهران عام 1324 هـ) لابن بابويه الأصغر المتوفى سنة 381 هـ (991 م). ومن الأحاديث التى احتوى عليها، ويقرب عددها من ستة آلاف، أربعة آلاف حديث، لها إسناد متصل؛ وقد شرح هذا الكتاب فى العصر الحديث محمد تقى المجلسى، أبو مؤلف كتاب "بحار الأنوار" وأخرج من هذا الشرح نسختين: نسخة عربية بعنوان: "روضة المتقين"، ونسخة فارسية بعنوان:"لوامع صاحب قران"، على حين أن شرح كتاب ابن بابويه الذى كتبه عبد اللَّه بن صالح السماهجى المتوفى سنة 1135 هـ (1722 م) بعنوان "من لا يحضره النبيه" لم يتم قط.

(3)

أما كتاب "الاستبصار فيما اختلف من الأخبار"(طبع فى لكهنو من غير تاريخ) والكتاب الأوسع منه وهو:

(4)

كتاب "تهذيب الأحكام"(طبع فى طهران سنة 1314 هـ) فهما من تصنيف المؤلف الشيعى المشهور أبى جعفر محمد بن الحسن الطوسى صاحب كتاب "الفهرست" الشيعى (انظر المصادر)، وكان يقصد بهما فى الأصل أن يشرح كتاب "المقنع فى الفقه" لصاحبه مفيد المتوفى سنة 413 هـ (1022 م). والمؤلف يحاول فى الكتابين أن يصنف المادة الحاشدة التى تيسرت له، ولكنه لم يصنفها بطبيعة

ص: 6420

الحال تصنيفا يقوم على النقد، بل صنفها تصنيفا راعى فيه مقدار مطابقتها للآراء التى أصبحت سائدة. ولا يصح الخلط بين كتاب التهذيب هذا وبين كتاب فى الفقه يسمى كتاب:"تهذيب الشيعة" لمحمد بن أحمد الجنيد الإسكافى المتوفى سنة 381 هـ (990 - 991 م) وهو الكتاب الذى أهمل بسبب مبالغته فى الأخذ بالقياس. ولا يذكر كتاب "مدينة العلم" لابن بابويه، وهو كتاب أوسع، على أنه الكتاب الخامس للشيعة إلا نادرًا. ولنذكر من رؤساء الشيعة الإمامية فى القرنين الرابع والخامس: الكلينى محمد بن يعقوب الرازى، وقد عرف بأنه "المجدّد" فى أول القرن الرابع، كما عد محمد باقر، الإمام الخامس، مجدد المائة السنة الأولى. وعلى الرضا، الإمام الثامن، مجدد المائة الثانية. والشريف المرتضى من بعد مجدد المائة الرابعة، على حين أنه فيما يتعلق بالمائة الخامسة لم يكن ثمة من يمكن أن يبلغ شأو الغزالى الذى يلقى تعظيما عند كثير من الشيعة أيضًا. وكان من رؤساء الشيعة فى الرى وطهران أحد أخوال الكلينى، وهو علان. وكان لعلان هذا شأن فى بغداد حيث كان قبره ينال من التعظيم ما يناله قبر أحد الأئمة. وكان ابن بابويه محمد بن على، وهو الملقب بالشيخ الصدوق، يزعم أنه ولد لوالده بفضل دعاء الإمام الغائب الثانى عشر. وكان والده شيخ الشيعة فى مدينة قُم التى كانت منذ القرن الثانى شديدة الميل إلى على، لكنها ظلت إلى أخريات القرن الرابع من الأماكن الشاذة فى فارس التى غلبت عليها الشيعة. ومن مصنفاته:"رسالة فى الشريعة" كتبها لابنه الذى أفاد منها فى تأليف كتابه: "من لا يحضره الفقيه". وقد تقرب الابن من ركن الدولة بن بويه فى بغداد، وكان ركن الدولة يستطيع أن ينتفع انتفاعا كبيرًا بنظريته فى الإمامة فى أغراض سياسية. وكان من بين تلاميذ ابن بابويه الأصغر الكثيرين والد النجاشى (انظر المصادر) أيضًا. ويذكر أنه مات فى مدينة الرى، لكن قبره الذى يعظم فى طهران لم يكتشف إلا سنة 1228 هـ (1821 م) بكرامة يقال إنها وقعت لحاشية فتح على شاه. وقد أحست

ص: 6421

فارس عينها بحاجتها إلى مزيد من قبور الأولياء علاوة على القبور التى كانت فى مدينة مشهد وطوس وقُم، ولا سيما أن النجف وكربلاء والكاظمين التى هى مقابر الشيعة الكبرى فى بغداد كانت تقع فى خارج فارس، أعنى أن قبر الوالد فى مدينة قم وكذلك قبر السيدة فاطمة شقيقة الرضا الإمام الثامن كان يزاران كثيرًا، كما نعلم، حتى فى العصر الأول. وقد طبع عدد كبير من مؤلفات الابن التى يبلغ عددها نحوًا من ثلاثمائة، مثل كتاب "الخصال الحميدة والذميمة" الذى طبع فى طهران سنة 1302 هـ؛ وكتاب "علل الشرائع" والكتاب الخاص بغيبة المهدى:"كمال الدين وتمام النعمة"، وقد طبع فى طهران أيضا سنة 1301 هـ (انظر عن المهدى: E، Moller، Beitrage zur Mahdilegre des Islam، هيدلبرغ 1901). ومن كتبه الشائعة أيضا كتاب:"المجالس" وخصوصا كتاب: "عيون أخبار الرضا" الذى طبع فى طهران سنة 1317 هـ.

وبينما تشتمل هذه الكتب إلى جانب المادة الدينية والقصصية والتهذيبية والجدلية على مسائل كثيرة أيضا من مسائل الفقه، فقد وضع مفيد محمد بن محمد النعمان بن عبد السلام العكبرى العربى فقها خاصا واسعا هو كتاب "فقه الرضا"(مجلدان، تبريز 1274 هـ). ولم يمنعه شعوره بالعزة العربية من أن يوثق صلته بعضد الدولة البويهى، وقد صلى عليه صلاة الجنازة الشريف المرتضى علم الهدى: أبو القاسم على بن الحسين، وفى شخص المرتضى بلغ شيعة بغداد ذروة شأنهم، وقد كان المرتضى السليل المباشر لموسى الكاظم الإمام السابع، ومن ثم أصبح بوصفه النقيب الرسمى الممثل المعترف به للعلويين، وكان يتولى أيضا منصب كبير الكتاب وأمير قافلة الحج، وكانت مكانته تجعل لمجالسه الخاصة ومشاركته فى تصريف شئون البلاط أهمية دينية وسياسية كبيرة، وكان يراسل بنشاط أتباعه فى الموصل والديلم وجرجان، بل فيما هو أبعد من ذلك من أمصار فى الشام ونعنى بها حلب وطرابلس. وكانت طرابلس تدين

ص: 6422

كلها بمذهب الشيعة بحسب شهادة الكاتب المعاصر لذلك وهو ناصر خسرو (سفر نامه، طبعة شيفر ص 12، السطر الأخير).

وقد طبعت المجالس التى عقدها مع تلاميذه فى محاط الرحال أثناء الحج وعنوانها: "غرر الفرائض ودرر القلائد" فى طهران سنة 1312 هـ كما طبع فيها أيضا سنة 1315 هـ كتاب "الانتصار" الذى أهداه إلى الوزير عميد الدين، وطبع كتابه "الأمالى" فى القاهرة سنة 1325 هـ أما فى مسألة المسائل عند الشيعة فقد حمل على الخلفاء الثلاثة الأولين فى كتابه "الشافى"(طهران 1301 هـ)، وقبل أن يدفن فى مقبرة آبائه فى الكاظمين، تولى غسله النجاشى. وفى غضون ثمان وعشرين سنة جاءت بعد ذلك كان فى بغداد إلى جانب المرتضى الذى كان قد جاوز الثمانين تلميذه وتلميذ مفيد: أبو جعفر محمد بن حسن الطوسى الذى كان يسمى: "الشيخ" بإطلاق المعنى أو "شيخ الطائفة".

ولما دخل طغرل بك السلجوقى مدينة بغداد سنة 447 هـ (1055 م) ازداد موقف الشيعة عسرا. وقد أغرى هذا الأمر الطوسى بأن يدفن بقبر على المقدس (مشهد على) فنزح إلى النجف حيث توفى بين سنتى 458 و 460 هـ (1065 - 1068 م).

وكتب الشيعة الحاشدة التى ظهرت فى القرنين الرابع والخامس، والتى لا يمكن أن نذكر منها ومن مؤلفيها فى هذا المقام إلا القليل جدا، تبدو أمام الناظر فيها لأول وهلة ذات طابع واحد، ذلك أن الموضوعات المأثورة عن الشيعة تعود فتتردد فيها مرارًا، وتكرارًا وهى: الإمامة، الحكم فى أمر الخلفاء الأولين من الناحيتين الدينية والشرعية، وخصومهم يوم الجمل ويوم صفيّن، والغيبة، وكل ما يتعلق بالإمام الغائب؛ وكذلك يتردد فيها إلى جانب المسائل الفقهية العامة: الآراء التى اختص بها الإمامية مثل: زواج المتعة أو زواج المتعتين، أى زواج المتعة وزواج التمتع أثناء الحج، وهناك فيما عدا التفاسير الكاملة للقرآن؛ تأويلات الشيعة للآيات التى توائمهم، مثل الآية 22 من سورة الشورى، والآية 33 من سورة الأحزاب، وخصوصا آية النور، وهى

ص: 6423

الآية 35 من سورة النور. وهناك أخيرا رد لا يزال يتكرر على المخالفين فى داخل صفوف الشيعة. ولكن لا يصح إنكار وقوع تطور يمكن أن تدل عليه المسألة الكبرى عندهم؛ فإن بابويه الأصغر كان لا يزال يسلم بجواز السهو على الأنبياء والأئمة فى الأمور الثانوية، بل لقد عد الرأى الذى ينكر السهو أول خطوة فى طريق الغلو. وقد خالفه فى ذلك الشيخ مفيد الذى كان يدافع عن العصمة المطلقة. وكتب فى ذلك رسالة قائمة بذاتها، ولكن هذا الموضوع كثيرا ما تناوله العلماء فيما بعد، على أن الحدود لم تقفل تماما أمام الغلاة، يدل على ذلك التقدير الذى دام طويلا للكتاب الأكبر للإسماعيلية، وهو كتاب "دعائم الإسلام". فمؤلفه وهو القاضى النعمان بن محمد بن منصور ابن حيان المتوفى سنة 363 هـ (974 م) والذى يعد "أبا حنيفة الشيعة"، لا يرجع عند ذكره للأئمة الذين يعتد بقولهم إلى أحد بعد جعفر الصادق الإمام السادس. على أنه إذا كان لا يوجد ذكر للأئمة المتأخرين عن جعفر، فإن هذا يمكن أن يعد تقية من جانب هذا القاضى الفاطمى فى القاهرة. ذلك أن الإمام الخاص بالشيعة السبعية، كان قد انتهى أمره أيضا. غير أن ابن شهراشوب المازندرانى (انظر المصادر) المتوفى سنة 588 هـ (1192 م) يقول باختصار: إنه ليس إماميا وتابعه فى هذا المحدثون أيضا مثل النفريشى (انظر المصادر).

وفى القرون التالية ظهرت مثلا: تفاسير القرآن الكبرى التى طبعت فى طهران لأبى على الفضل الطبرسى المتوفى بين عامى 548 و 552 هـ (1153 - 1158 م)، وهى "مجمع البيان" و"جامع الجوامع"، الذى لا يزال بعد يُرجع إليه هو وتفسير على بن إبراهيم بن هاشم القمى (طهران 301 هـ)، وهو تفسير موجز جدا وجامع لجملة ما اختص به الشيعة ويرجع إلى أيام الكلينى وكان الفضل نفسه سليل أسرة ذات تراث غزير فى التأليف، فكان وهو فى طوس مقصدا لعلماء الشيعة يلتفون به، وكان من بينهم ابن شهراشوب وأبو الفضل شاذان بن جبريل مؤلف أحد الكتب الشيعية الكثيرة التى تحمل عنوان

ص: 6424

كتاب: "الفضائل والمناقب"(تبريز 1304 هـ). وقد عمل الفضل على نشر مذهب الشيعة وتثبيته فى فارس بسبب هجرته إلى سبزوار، لكنه دُفن عند قبر الإمام الرضا فى طوس.

وكان من الرؤساء فى القرن التالى: جعفر بن الحسن بن يعقوب بن سعيد الحلى، الملقب "بالمحقق" والمتوفى عام 676 هـ (1277 م) وقد بلغ من تأثيره فى بغداد أنه وصل إلى الحاشية القريبة من الخليفة المستعصم آخر خلفاء بنى العباس. وكان من أصحابه غير واحد من أسرة بنى طاووس الأشراف الذين كانت لهم أيضا التصانيف الكثيرة. وهذا البيت هو الذى كان ينتمى إليه نقيب ذلك العصر، وهو أبو القاسم على بن موسى الطاووس مصنف الكتب التى لا تزال شائعة جدا إلى اليوم فى الأدعية وحكايات الشهداء والحجاج والتمائم مثل كتاب:"المجتنى من الدعاء"(بومباى 317 هـ) و"الإقبال"(طهران 1317 هـ).

والشيعة المحدثون أيضا مدينون لجعفر الحلى بفضل تأليفه مجملا من أكثر الكتب تداولا. وهو كتاب: "شرائع الإسلام، الذى لم يزل يشرح دائما بالعربية والفارسية (كلكته 1839 م؛ طهران 1314 هـ وقد نشر الجزء الأول منه وترجمه قاسم بك، بطرسبرغ 1862 م).

وإذا كان ما كتبه جعفر الحلى فى "الفروع" قد ضمن له الشأن الباقى، فإن أحد أبناء بلدته، وهو الحسن بن يوسف بن المطهر الحلى الذى كان يلقب بـ "العلامة" بإطلاق، يعد العالم الكبير فى "الأصول" بخاصة. وكان أبوه من قبل قد قدم باعتباره عالما كبيرا فى الأصول، وذلك بحضور جعفر، لنصير الدين الطوسى الفيلسوف الرياضى الفلكى والشيعى المتحمس المتوفى سنة 672 هـ (1273 م) وصل نصير الدين هذا الذى كان موضع ثقة هولاكو إلى مدينة الحلة التى كانت قرب بابل، وكانت من قديم شديدة التشيع.

ونصير الدين نفسه، ويلقب بالخواجه، لم يشتهر بسبب مؤلفاته الدينية التى ليست سهلة الفهم على كل حال، وإن كان الشيعة لا يزالون يدرسونها إلى اليوم، بل هو اشتهر لأنه من ألمع الأشخاص الذين ظهروا فى

ص: 6425

تاريخ السياسة الشيعية فقد ساعد على سقوط قلعة ألموت وميمنديز التى كانت معقلا للحشاشين فى أيدى خان المغول وسار مع جيش الخان لفتح بغداد، وأغرى هذا الخان الوثنى بقتل آخر الخلفاء. ولذلك لا يزال له فى نظر الشيعة الفضل فى القضاء على أسوأ عدوين: الغلاة وبنو العباس الأشرار الذين خدعوا آل البيت، فيما يزعم الشيعة. وهو أيضا قد ورث رعايته الإيجابية الفعالة للشيعة ابن المطهر الذى وصله نصير الدين بأسرة الخان ولحق باعتباره رئيسا شيعيا بخان ألجاتيو، وهو كان فى حضرة الخان يحارب باللسان كلا من الأشاعرة "وأهل السفسطة" وكتب رسائل فى الرد عليهم وعلى فقهاء أهل السنة، وقد حول الخان إلى مذهب الإمامية، بعد أن كان قد عمد وهو أمير، ثم اعتنق مذهب ابن حنبل ثم مذهب الشافعى. ولا يزال الشيعة إلى اليوم يتداولون نحوا من عشرين كتابا من مؤلفات ابن المطهر، مثل كتابه:"نجم المسترشدين" فى أصول الدين (بمباى 1303 هـ)، وعليه شرح للعالم المتفلسف المقداد بن عبد اللَّه السيورى، ومثل كتابه:"كشف الفوائد"(طهران 1305 هـ) وهو شرح لكتاب "قواعد العقائد" لنصير الدين الطوسى الذى كان أستاذا له. ومما يزيد كثيرا فى الفهم لبواطن مذهب هؤلاء الشيعة الوسط كتابه "مختلف الشيعة" وهو مجلدان (طهران 1324 هـ).

ولم يكن ابن المطهر هو أول، ولا آخر من قدم البحث فى الأصول إلى المحل الأول؛ وموضوع الأصول له عند الشيعة شأن أهم من شأنه عند أهل السنة، لأن باب الاجتهاد لم يُقفل عند الشيعة؛ والفقيه العالم يدعى لنفسه فى فارس لقب المجتهد، وهو يصدر فتاواه ويكون آراءه على أساس القرآن والسنة مستخدما طريقة القياس والاستصحاب والاستحسان ومتبعا ما قدمنا الإشارة إليه من إجماع الأرستقراطيين الروحيين، وهكذا يبقى فى كل العصور نوع من عدم الاستقرار يبعث الحياة فى مادة علم أصول الدين وعلم الفقه عند الإمامية بالرغم مما فى تلك المادة من جمود. وكان ابن المطهر قد توصل إلى صوغ آرائه أثناء المناظرات التى رد بها على خصومه ونخص بالذكر منهم

ص: 6426

حفيدا (ابن بنت) للشيخ الطوسى الأكبر، وهو محمد بن أحمد ابن إدريس الحلى العجلى الذى بدا له أن الاجتهاد سينقلب إلى أحكام تستند إلى الهوى. وحتى فى القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى)، جاءت نكسة من الجانب المضاد، وذلك على يد الملا محمد أمين الإسترآباذى المتوفى سنة 1033 هـ (1623 - 1624 م). والذى نشب حوله نزاع كبير لا يزال قائما إلى اليوم. وهو لما كان، فيما عدا القرآن، لا يقول بأصل للشريعة سوى السنة الشيعية، بالرغم من كثرة اشتغاله بشروح "الكتب الأربعة"، فإنه يسمى هو وكل من اتبعه "إخباريين"، وذلك فى مقابل "الأصوليين" الذين يميلون إلى الاجتهاد. وكان فى محاربته للاجتهاد شديدا جدا، وبعض محاربته له صدر عنه وهو فى مكة. وهو لا يعترف بأن للإجماع عند الشيعة من القيمة أكثر من إجماع اليهود أو النصارى أو الفلاسفة. لكن ظهور الإسترآباذى لم يكن أقل بعثا للحياة فى المناقشات حول القياس والاستحسان والاستصحاب، وحول إمكان الحكم الشرعى على أساس أحاديث الآحاد، مما كان هجوم ابن حنبل أو داود الظاهرى عند أهل السنة من قبل. على أن مادة الأصول المتنازع فيها عند الشيعة، قد تقدم عندهم على ما عداها تمشيا مع مذهبهم. وهذا هو شأن ما دعا إليه الإستراباذى من "تقليد الميت"، فهو الخضوع لما قرره الأئمة ودُوّن فى السنة.

ولم تزل فكرة آلام الشهداء دائما فكرة حية عند الشيعة. وعلى هذا ينال الشرف الخاص من بين علماء الشيعة الذين لا يحصى عددهم من يجمع إلى الاشتهار بالعلم والتصنيف الاشتهار بالاستشهاد. وقد اشتهر عندهم بخاصة أربعة شهداء؛ الأول هو محمد ابن مكى العاملى الجزينى، مؤلف كتاب "اللمع الدمشقية" فى الفقه. وقد خانه قوم انشقوا عليه فَحُبس فى دمشق وقُتل بالسيف بناء على فتوى من القاضى الشافعى وأجلس على الخازوق وأحرق بناء على فتوى القاضى المالكى خاصة، وذلك سنة 786 هـ (1384 م) فى قول معظم المصادر.

ص: 6427

والشهيد الثانى هو زين الدين بن على بن أحمد بن تقى العاملى الشامى، وكان له نشاط كبير فى دمشق وبعلبك وحلب، وأسفار كثيرة، ثم قُتل فى الآستانة أو وهو فى طريقه إليها بسبب إصداره فتوى شيعية. وفيما عدا مؤلفات له فى الفقه وفى أمور الآخرة وفى الموضوعات التى تثبت الإيمان طبع له (فى تبريز 1287 هـ و 1303 - 1310 هـ) شرح كتاب اللُمع، وهو فى مجلدين.

أما الشهيد الثالث فهو فيما جرى به القول السيد نور اللَّه (نور الدين أيضا) ابن شريف الدين المرعشى الششترى. وقد كتب كتابا مشهورا فى التراجم بالفارسية، وهو كتاب "مجالس المؤمنين" الذى استفاد منه إتيه Ethe وهورن Horn فى كتاب Crundries der iranischen Philologige وقد جرّ البلاء على المرعشى كتابه المسمى:"إحقاق الحق"(طهران 1273 هـ) بسبب ما فيه من مناظرات أو بعبارة أدق بسبب ردوده على كتب أهل السنة مثل كتاب: "الصواعق المحرقة على أهل الرفض والزندقة"(القاهرة 1307 و 1308 هـ) لابن حجر الهيثمى الشافعى. وقد تغيظ شاه جهانكير من المرعشى فأمر بضربه بالسياط إلى أن مات سنة 1019 هـ. (1610 م)(انظر أيضا ما كتبه Horovitz فى مجلة، Der Islam مجلد 3، ص 63) وكان إخوانه فى المذهب، حتى فى العصر الأخير، يزورون قبره فى أكبر آباد (آكره).

أما الرابع الذى حظى بشرف الاستشهاد فهو محمد مهدى بن هدايت اللَّه الإصفهانى على أنه قد فاقه فى الشأن تلميذه السيد دلدار على بن معين الناصر آباذى المتوفى سنة 1235 هـ (1819 م) والذى بسط علمه بالدين فى كتابه "عماد الإسلام"(طبع فى الهند عام 1319 هـ) وفى العصر الحديث نال شرف الاستشهاد الملا محمد تقى القزوينى الذى خاصم الشيخ أحمد الاحسائى كما خاصم البابية الذين خرج من بينهم قاتله الذى أرداه سنة 1263 هـ (1847 م).

ص: 6428

وكان الشهيدان الأولان من أهل الشام، وكان الثالث يعيش فى الهند، لكن فارس كانت قد أصبحت مركز الشيعة فى عهد الصفويين منذ عام 907 هـ (1502 م) والاضطهادات القصيرة الأمد التى وقعت فى عهد الملوك الأفغان بين سنتى 1135 و 1142 هـ (1722 - 1729 م) وفى عهد نادر بين سنتى 1148 و 1160 هـ (1736 - 1747 م) لم تغير من ذلك شيئا. وهناك رجل أسرته من الموطن نفسه الذى منه جد البيت الحاكم الجديد، وله النزعة الصوفية نفسها التى كانت لذلك الجد قد بادر باصطناع الثقافة الفارسية، وكتب رسائله وشروحه الفارسية وهو الحسين بن عبد الحق الأردبيلى الإلهى، وفى تلك البلاد التى كانت فى ذلك الوقت لا تزال سنية فى الغالب، كان لابد له فى كثير من الأحيان من أن يحيا حياة مهاجر بين تبريز وشيراز وهراة وغيرها.

أما الدم الجديد الذى لم يكن منه بد لحياة الشيعة فى فارس، فقد جاء من الخارج، وهذا شئ مهم أيضا لمسألة: فارس والشيعة! وهؤلاء الشيعة الذين أقبلوا من الخارج قد جاءوا بصفة خاصة من جبل عامل فى جنوبى الشام (انظر المقدسى، ص 161، س 12، ص 162 س 3؛ ص 184 س 8؛ والمقدسى يكتبه دائما عاملة) ويحكى أن آخر سبزوار، وهو على مؤيد صاحب سبزوار، عرض على أحد العامليين، وهو الشهيد الأول، أن يهيئ له ملاذا يلجا إليه. وقد جاء هؤلاء العلماء القرويون فى عهد الصفويين فى أعداد كبيرة. وهم بعد أن استقروا، استطاعوا بفضل تقوية صفوفهم بوافدين جدد أن يحافظوا على تراث موطنهم الأول، وإلى جانبهم نزح شيعة من البحرين، ولذلك فإننا كثيرا ما نجد فى نسبة الشيعة فى فارس كلمة "العاملى" و"البحرانى" أو نجد أسماء تدل على الانتساب إلى وطن بعينه مثل:"الكركى" من جهة "والأحسائى" من جهة أخرى. ولا نستطيع أن نذكر فى هذا المقام سوى قليل من الأسماء التى ترجع إلى ذلك العصر المتأخر:

ص: 6429

محمد بن الحسن الحرّ العاملى المشغرى، وقد نبه صيته كثيرا بفضل كتابه الأول:"الجواهر السنية". لأنه كان فيما يقال أول من جمع للشيعة الأحاديث القدسية. لكن كثرة كتبه والسرعة فى كتابتها على نحو يجاوز الحد جلبت عليه نقدا شديدا حتى من جانب المؤلفين من علماء الشيعة الذين اعتادوا كثرة التأليف. على أن كتابه "تفصيل وسائل الشيعة إلى مسائل الشريعة"(طهران 1228 هـ)، وهو فى ستة مجلدات وقد أتمه سنة 1082 (1671 م)، لا يزال جديرا بالتقدير لأنه استفاد فى تأليفه من مادة الأحاديث الغزيرة، وذكر أسماء المؤلفين الذين رجع إليهم ولم يهاجر الحر إلا فى سن الأربعين، وقد أكثر من الرحلة وزار عددا كبيرا من المشاهد، ثم استقر فى طوس وإصفهان.

ومن بين أهل البلاد كانت الرياسة فى أيام الحر لأسرة المجلسى، وكان أهم من يمثلها هو محمد تقى المتوفى 1110 أو 1111 هـ (1698 - 1700 م)؛ وقد أقامه شاه سليمان الأول شيخا للإسلام، وكان شديد الاجتهاد فى إرضاء جمهور الناس، فكتب نحو من نصف مصنفاته باللغة الفارسية. وهو أيضا قد نقل من العربية مصنفات أبى القاسم الطاووسى الذى تقدم ذكره، وهى المصنفات التى تتناول ما يثبت الإيمان فى النفوس؛ أما كتابه الأكبر فهو "بحار الأنوار"، وهو موسوعة كبيرة فى العقائد والفقه من خمسة وعشرين مجلدا، وقد طبع فى تبريز وطهران، وكثير منه ترجم إلى الفارسية مثل، المجلد الثالث عشر المتعلق بالمهدى، وذلك بأمر شاه ناصر الدين.

وموقف الشيعة بطبيعته موقف عداء إزاء أولئك الصوفية الذين لا حاجة بهم إلى وساطة إمام والذين يختلف ما عندهم من فناء روحى فى اللَّه يمكن أن يصل إليه كل مؤمن يحب اللَّه أشد الاختلاف عما عند الشيعة من قول "بالحلول الجزئى" فى الإمام المختار -وهذا أيضا إلى جانب أن تعظيم الأولياء

ص: 6430

عند أحد الفريقين يختلف كل الاختلاف عند الآخر من حيث السبب والغاية. وأهم ما يجدر أن يذكر من اصطدام الشيعة والصوفية هو اشتراك أبى سهل النوبختى الشيعى الإمامى المتوفى سنة 311 هـ (923 م) اشتراكا فعالا فى القضاء على الحلاج. وكان الحلاج قد أغضب الشيعة إغضابا شديدا بطبيعة الحال بسبب دعواه أنه الوكيل لسيد الزمان الغائب؛ Al Hallaj، martyr mystique de l'Islam: L.Massignon، باريس 1922، جـ 1، ص 138 وما بعدها)

أما موقف الشيعة من الفلاسفة، فأقل ما يوصف به، أنه موقف ريبة، لأن النظر العقلى فى أصول الدين ربما يقوّض أساس الشيعة، كما تبين ذلك للإمامية من موقف الغلاة، وما أنذر به من خطر، لكن يوجد بالرغم من هذا كثير من نقط الالتقاء والتداخل، فهناك صوفية وفلاسفة ظهروا فى الوقت نفسه شيعة شاعرين بشيعيتهم ولم يكن القضاء عليهم ليتأتى بمجرد الرد المألوف عليهم. ومن ثم توجد فى كل القرون أمثلة تبين التنافر من حيث الأسس والأصول بين الشيعة والفلاسفة إلى جانب أمثلة تبين التجاذب المتبادل بينهم؛ فخواجه نصير الدين مؤلف كتاب:"أوصاف الأشراف" وهو كتاب صوفى لين (طهران 1320 هـ)، قد كان يعظم الحلاج، على الرغم من الحكم المخالف من جانب ابن بابويه ومفيد والشيخ الطوسى وابن المطهَّر. ويوجه النقد لرجب بن محمد الحافظ البرسى بأنه مجدد الصوفية بين الشيعة، لأنه أقام مذهبه على تأويلات خادعة هوائية وعلى مبالغات شيعية متطرفة؛ لكن عالما كالمجلسى، مع أنه عدو للصوفية، قد استفاد فى كتابه:"بحار الأنوار"، وإن كان ذلك فى شئ من التحفظ، من كتب البرسى مثل كتاب:"مشارق الأنوار" الذى ألفه سنة 800 هـ (1397 م).

وأهل التفكير الهادئ يقرون ما فعله الملا صدرا، أعنى محمد بن إبراهيم الشيرازى المتوفى بين سنتى 1040

ص: 6431

و 1050 هـ (1641 - 1660 م) من أنه فى تفسيره لآية الكرسى (سورة البقرة الآية 255) قد تحرر من الأوهام الصوفية. ويرجع إلى شرحه مفاتيح الغيب على "أصول الكافى" للكلينى (طهران، طبعة غير مؤرخة)، بل يقبل بيانه للارتقاء إلى اللَّه على أربع مراحل فى كتابه "الأسفار الأربعة" أو "الحكمة المتعالية"(طهران 1281 هـ) هذا على الرغم من أن المرء يشتم منه دائما أنه قد علق به من شرحه لحكمة الإشراق للسهروردى الصوفى كثير جدا من إحساس الصوفية ومن كلامهم. وتلميذه محمد بن المرتضى الكشى الملقب محسن "فيض" صاحب التفسير الشيعى للقرآن وهو كتاب الصافى (طهران 1276) قد دفع عن نفسه مثل هذه المطاعن بشدة، وذلك فى كتابه "الإنصاف فى بيان طريق العلم لأسرار الدين"(فى مجموع رسائله، طهران 1301 هـ) والواقع أن تلميذه السيد نعمة اللَّه الجزائرى يستشهد بأقوال أستاذه فى الرد على الصوفية. وأكبر من ذلك حظا من التقدير حسن إيمان أستاذين للملا صدرا، وهما الصديقان اللذان كانا فى قصر عباس الأول: محمد بن حسين بهاء الدين أو بهائى العاملى المتوفى سنة 1030 هـ (1621 م) ومحمد باقر الإسترآباذى المتوفى سنة 1041 هـ (1631 م) والذى كان يلقب بميرداماد لأنه كان ابن ختن لعلى بن عبد العلى الكركى، فهو قد كان عامليا، وكان أحد الشراح الكثيرين لكتاب "شرائع الإسلام" ومع تنوع نواحى اهتمام البهائى، فإنه، وقد كان شيخا للإسلام أيضا وشيعيا صادقا، أحيا فيما أحياه، سنة شيعية قديمة، هى تحريم ذبائح أهل الكتاب فأعاد الكتابة فيها فى "رسالة فى تحريم ذبائح أهل الكتاب" ومن الكتب المجملة المحبوبة والمكتوبة بلغة البلاد مشتملة على كل أبواب الفقه كتابه المسمى "جامع عباسى"(تبريز 1309 هـ وبمباى 1319 هـ).

أما ميرداماد فإنه، وإن كان من معظمى الحلاج، إلا أنه قد أظهر أنه شيعى صادق، وفى كتابه "الرواشح

ص: 6432

السماوية فى شرح الأحاديث الإمامية، (طبع عام 1311 هـ)، كما فى كتابه "القبسات" قد وفق بين فلسفته وبين العقيدة الصحيحة: ذلك أنه يعترف بأن اللَّه تعالى قديم لا أول، وأن العالم حادث، وقد بعث الحياة فى الأبحاث الفلسفية فظلت متشابكة مع الأبحاث الدينية الخاصة. وكان بين المتكلمين، أهل البحث العقلى فى العقائد، أصوليون كما كان من بينهم إخباريون (1) وكان الصراع ما يزال فى القرن السابق من الشدة أحيانا إلى حد أن الكتب فى كربلاء كان لا يمسكها الناس إلا وأيديهم ملفوفة فى قماش مخافة أن تكون قد لمستها يد أحد من الفريق الآخر. وكان من الزعماء الكبار فى هذا الصراع الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائى، أى أنه بحرانى كما يدل على ذلك اسمه، وكان عالما بالعقائد وشاعرا وفلكيا ورياضيا، وقد حارب الصوفية والفلاسفة، وحارب الإخباريين بخاصة من أجل الاجتهاد والإجماع (انظر كتابه جوامع الكلام أو حياة النفس، تبريز 1276 هـ) وقد رأ ى فى مسألة الاعتقاد بالبعث رأيا فلسفيا مسرفا بدا فى نظر المتشددين من المستمسكين بالنصوص رأيا لا أساس له، فجر ذلك عليه وعلى أتباعه الشيخية تهمة الخروج على الجماعة كما جر عليه وعلى رجب من بعد، (انظر ما تقدم) المسئولية فى ظهور زندقة البابية. وقد عمل هؤلاء البابية، ثم البهائية وهم فرع منهم، على أن يستمر الصراع حيا بالأفعال والكتابة حتى فى عصر قريب جدا، ولم يخل الحال أيضا من أنواع أخرى من الرد على المخالفين. فلم يكن المجلسى آخر من رد على اليهود، أما الرد على النصارى، فقد نشأ عن ظهور المبشرين ابتداء من هـ. مارتين H. Martyn سنة 1195 هـ (1781 م) ثم عن كتاب "ميزان الحق" الذى كتبه ك. ج بفاندر C.G.Pfander يدعو به للنصرانية،

(1) الإخباريون هم أهل النصوص، والأصوليون هم أهل النظر فى المبادئ. "المترجم"

ص: 6433