الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا وليست الشريعة الفقهية العملية هى العنصر المميز للتفكير الإسلامى فحسب، ذلك التفكير الذى كانت له جولاته الفلسفية العامة؛ وله ميدانه الخلقى النظرى والسلوكى، وله. . وله. . من الميادين ما لا يفهم معه هذا القول بأن الشريعة هى العنصر المميز لهذا التفكير! ! وكيف والصوفية، وهم من هم فى الحياة الإسلامية، يحملون على التفكير الفقهى هذه الحملة القاسية، ولا يرونه كافيا لنجاة المسلم، ثم كيف يقال هنا، بعد الذى سمعنا من قول الصوفية، مهما يكن شأنهم: إن الشريعة، هى لب الإسلام نفسه! ! ثم أضف إلى هذه العبارات الملقاة على عواهنها دون بيان، ومع المخالفة لما قبلها، قول المادة: وهى -الشريعة- إلى جانب ذلك نوع خاص من "القانون المقدس"! ! فهذا التقديس اللاهوتى للشريعة ليس مما عرفته البيئة الإسلامية كثيرًا، ولا ادعاء الفقهاء أنفسهم؛ لأنهم حدثوا عن الخطأ فى الاجتهاد؛ وعرفوا الاختلاف الشديد بين رجالهم؛ وهو ما لا يفهم معه شئ من هذه القدسية للشريعة التى هى أحكام عملية! ! وكيف توصف بشئ من القدسية بعد الذى قيل من حديث الصوفية عنها! ! لا وجه لهذا يبدو للعقل إلا أن تكون هذه العبارات تمهيدًا لما أسرفت فيه المادة بعد ذلك من تقرير أن الشريعة الإسلامية تَعبدية تَعْلو على المدارك البشرية! ! ولا تعلل! ! الخ ما سنقف عنده قريبًا.
3 - الإجماع قديما. . وحديثا
ورد فى المادة ما عبارته: ". . وعند المتأخرين صارت المعرفة بالشريعة، تعتمد على نحو قاطع من المذاهب الفقهية، التى اشتملت على أدق وأصغر المسائل التفصيليه، والتى كان مرجعها الأخير إلى الإجماع، وهو الحجة التى لا يعرض فيها الخطأ؛ وكان لا يجوز لمسلم من أهل السنة أن يتنصل من حكم الإجماع، ولكن المهدى محمد بن أحمد فعل ذلك. . . ويفعله أصحاب التجديد".
وهى عبارة تجعل للإجماع الأهمية الفريدة والكبرى قديما، وتشعر أن عمل مهدى السودان والمجددين المتأخرين هو وحده الذى لم يجعل للإجماع هذه الأهمية! ! ولكن الحقيقة غير ذلك؛ لأن
الإجماع منذ القدم تثار حوله أبحاث مختلفة، لا تجعل له هذه الأهمية المبالغة المسرفة فى عبارة المادة؛ ونجد هذه الأبحاث فى كتب الأصوليين جميعًا؛ فمن القوم من يتحدث عن نفى تصور وقوع الإجماع! ! كما أن المتّفقين على تصور انعقاد الإجماع، قد اختلفوا فى إمكان معرفته والاطلاع عليه! ومنهم من نفى إمكان هذه المعرفة، وذلك الاطلاع على الإجماع؛ ومن النافين لهذا الإمام أحمد بن حنبل فى إحدى الروايتين عنه، ولهذا نقل عنه أنه قال:"من ادعى وجود الإجماع فهو كاذب" -الآمدى- الأحكام 1: 284. ط المعارف سنة 1914 - ويقول فى تتمة عبارته هذه: "لعل الناس قد اختلفوا. . . ما يدريه، ولم ينتبه إليه، فليقل لا نعلم الناس اختلفوا- ابن حزم فى كتابه الإحكام -أيضًا- جـ 4: 188 ط الخانجى-، وفوق ذلك أن من المسلمين من نفى أن الإجماع حجة شرعية، يجب العمل بها على كل مسلم، كالشيعة والخوارج والنظام؛ ولئن نص كاتب المادة على أن ذلك لا يجوز لمسلم من أهل السنة، فإن وجود هذا القول فى الميدان الإسلامى بين كثرة كالشيعة لا يجعل من السهل نفى جواز أن يتنصل السنى من حكم الإجماع، ولا سيما أهل العصر الحديث، وفيهم الداعون إلى التقريب بين المذاهب، المؤثرون للوحدة. .
على أن القائلين بحجية الإجماع أنفسهم يعودون فيختلفون فى أنه إجماع من؟ فيجعل تارة إجماع أهل المدينة، وتارة إجماع أهل البيت، بل يصل الأمر إلى القول بإجماع أهل الكوفة -إحكام ابن حزم 4: 218 - ويتساءلون عن المجمعين من هم؟ فقيل هم الصحابة لا غير. . . ومتى يكون الإجماع؟ . . وكيف؟ فقيل. . وقيل. . مما لا نستقصى منه شيئًا هنا، ولا نرجع قولًا، ولكنا نعرض هذا كله فى إشارات فقط، ليتبين أنه ليس من السهل أبدًا، مع كل هذا الذى قيل عن الإجماع: أنه هو المرجع الأخير للمذاهب الفقهية، وهو الحجة الكبرى، التى لا يعرض فيها الخطأ؛ وأنه كان لا يجوز لمسلم من أهل السنة أن يتنصل من حكم الإجماع؛ وأن هذا النظر فى الإجماع وقوته عمل حديث، ينسب إلى مهدى السودان،