الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شركة إسلام
(والنطق الجارى "سركت"، ومعناها الرباط أو النقابة)؛ وهى اتحاد سياسى من الأندونيسيين المسلمين تألف فى سراكرتا من أعمال جاوة، وكان له شأن كبير فى تاريخ تقدم أهل البلاد الوطنيين فى جزائر الهند الشرقية الهولندية وفى السياسة الاستعمارية الهولندية فى الخمس عشرة السنة الأخيرة، وكان هدف هذه الشركة أن تحقق للوطنيين مركزًا أكثر بروزًا مما كان لهم فى المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مع احتفاظهم فى الوقت نفسه بالإسلام، وهو الرابطة الطبيعية التى تربط بين العناصر المختلفة أشد الاختلاف التى هى عماد الوطنيين فى جزائر الهند الشرقية الهولندية؛ على أن زعماء شركة إسلام أنفسهم لم يكونوا يرضون بهذا الوصف، بل يجنحون إلى تحديد أهداف الشركة وتقديرها تقديرًا آخر مطابقا للظروف المحلية، إذا هم أقدموا حقا على الإجابة بأى جواب حين يسئلون عن أهداف منظمتهم.
تاريخ الشركة المبكر:
كان موقف جماهير الجاويين إزاء حكامهم يتميز مند أقدم العصور بالخضوع التام، إلّا أن استقلال أهل البلاد وحكامهم أخذ خلال القرن التاسع عشر يضيق شيئا فشيئا بسبب نفوذ الهولنديين الذى كان ينمو باطراد، وأخذ شعورهم بالعزة القومية إذ يرتدون بأنظارهم إلى الماضى حين كان الأرخبيل الهندى كله تحت زعامة الجاويين، يتضاءل ويحل محله شيئًا فشيئًا شعور بتبعيتهم وانحطاط مستواهم عن الأجانب (سواء منهم الهولنديين أو العرب أو الصينيين) الذين كان الهولنديون منهم بوجه خاص ومن بعدهم الصينيون لا يخفون استخفافهم بأهل البلاد إلا نادرا؛ فلما أراد نفر من التقدميين من أشراف جاوة (البرييايى) فى أواخر القرن الماضى أو نحو ذلك أن يعلموا للمرة الأولى أولادهم تعليما أوربيًا عاونهم فى ذلك والحق يقال قلة من الهولنديين، ولكن أغلبية عظيمة من الموظفين عارضت هذه البدعة معارضة ملحوظة، بل لقد كان من أعسر الأمور على ذلك النفر الذين قاموا بهذه التجربة أن يجدو
لهم مكانا فى المجتمع يتفق والمؤهلات التى حصلوا عليها حديثًا؛ على أنه تألفت شيئًا فشيئًا جماعة صغيرة من الجاويين المتعلمين كانوا هم بطبيعة الحال أقل الجاويين تقديرا للوصاية الأجنبية ثم وقعت حوادث الشرق الأقصى وأثرت فى الموقف فى جزائر الهند الهولندية؛ وكان اليابانيون حتى قبل الحرب الروسية اليابانية (1904 - 1905) قد منحوا حق المساواة بالأوربيين فى جزائر الهند الشرقية الهولندية؛ وحدث بعد قيام الجمهورية الصينية سنة 1911 أن زارت البوارج الصينية جاوة وجاء الموظفون الصينيون يتحرون عن مركز مواطنيهم؛ وكان الصينيون فى جزائر الهند الهولندية قد تركت لهم (منذ سنة 1908) المدارس الهولندية الصينية التى كانوا يطالبون بها منذ بضع سنوات، وألغيت القيود التى كانت مفروضة على حريتهم فى الحركة (1910) ووضعت إجراءات للتقاضى أكثر إرضاء للنفس (1912) عما كانت عليه الحال من قبل؛ وكذلك أصبح للعرب نصيب من مزايا المركز القانونى الجديد الذى أتيح للأجانب الشرقيين، ولكن مركز الجاويين بقى على حاله.
وفى سنة 1908 أسس طلبة مدرسة "دكتر جاوه"(الطبية الوطنية) فى باتافيا رابطة الشباب الجاوى "بودى أوتاما"("السعى النبيل")، وكانت هذه أول محاولة متواضعة بذلت فى سبيل الحصول من السلطات على ما يحقق بعض رغباتهم بسن النظم الكفيلة بذلك وخاصة زيادة التعليم والنهوض بمستواه. وكان "دكتر جاوه" وحيد الدين (سوديرا أوسادا) هو أبو هذه الحركة التى لم يكن ينظر إليها بعين الريبة والشك الهولنديون فحسب بل كثير من الجاويين المحافظين أيضا؛ وكان الأنصار الذين وجدتهم هذه المنظمة الجاوية الأولى ينتمون إلى الطبقات العليا من المجتمع الجاوى، ولم يلتحق بها العامة، ولكنهم أخذوا هم أيضًا يبدون رغبتهم فى إعادة تنظيم الأحوال الاجتماعية لعدة أسباب:
(أ) كان مركزهم الاجتماعى غير مرض بالمرة، فقد كان على الأندونيسيين، على خلاف الأجانب
الشرقيين، أن يقدموا آيات الاحترام (حرمات لأسيادهم الأوروبيين أو الوطنيين؛ صحيح أن الحكومة المركزية قد عملت مرارا على تخفيف هذه "الحرمات" ولكن معظمها ظل فى الواقع على حاله، وكان تطبيق القانون يحابى الأوروبيين كثيرًا؛ فقد كان الحجز للتحقيق، لا يطبق على المتهمين وحدهم بل كثيرًا ما كان يطبق على الشهود أيضًا من قبيل تيسير الإجراءات، فظل بذلك شرًا لم يقض عليه القضاء المبرم بعد؛ ولم تكن المحاكمة والعقاب اللذان يتولاهما الشرطة عادلين فى جميع الأحوال، ولم يكونا يفرضان إلا على الوطنيين وحدهم؛ وكثيرًا ما كان تأمين الناس على ملكهم الخاص تافها؛ وقد حدثت حوادث كان الرجل فيها يفضل ألا يقول شيئًا إذا سرق شئ من ممتلكاته على أن يعانى ما تبذله السلطات فى هذه الأحوال من جهود ممقوتة. ولم تكن الحقوق القليلة لتجزى عن مشاق السخرة وسوء المعاملة التى كان العمال الوطنيون يكابدونها فى دوائر الأعمال التجارية الأوربية. وكان التعليم قاصرًا قصورًا شديدًا؛ ثم إن موقف كثير من الصينيين، وخاصة الوافدين حديثًا، من الجاويين أصبح غاية فى الصلف، نتيجة لما أصاب الصين من تقدم، حتى لقد شعر الجاويون بأنهم أوذوا فى شعورهم إيذاء شديدًا؛ ويشهد بعمق هذا الشعور بالإيذاء اشتطاط الجاويين فى مناوئة الصينيين.
(ب) كانت حالتهم الاقتصادية قد سارت من سئ إلى أسوأ، إذ زادت القيود المفروضة على التقدم الحر للصناعات الوطنية زيادة كبيرة حين استحدث حوالى سنة 1830 نظام المزارع (المعروف فى الهولندية باسم Cultuursystem) وبخاصة مزارع البن، فكان نكبة على السكان الوطنيين؛ ولما ألغى هذا النظام سنة 1877 كان قد غلّ على الحكومة الهولندية: 832 مليون كولدن، أى 21 % من مصروفات الدولة (الفائض الهندى المزعوم)؛ وفى الفترة التى أعقبت ذلك كانت الطبقات الوسطى وطبقات الفلاحين يزداد حرمانها من استقلالها الاقتصادى بسبب المنافسة الشديدة التى كانت تجدها من
الصناعات والمزارع الأوربية، فى حين أن معظم تجارة التجزئة كانت فى يد الصينيين والعرب منذ زمن طويل، على أنهم استطاعوا بشئ كثير من الإصرار والعزم أن يقاوموا المنافسة الأجنبية، وكان هبوط المنافسة شديدًا وخاصة بعد أن أكرهت صناعة الباتق التى كان معظمها يتسم بالصبغة الوطنية (والدخل السنوى الذى تدره عشرة ملايين كولدن أو نحوها، ويجد القارئ بيانًا موجزًا عن الصناعة الوطنية فى Koloniaal Verslag Van 1920، العمود 7) على استخدام المنسوجات وصباغ النيلة المستوردة بدلا من المواد الوطنية الخام (وتجد تفصيلات مستفيضة عن هذا التدهور الاقتصادى فى Onderzoek، naar de mindere welvaart der inlandsc h bevolking op Java en Madoera تقرير اللجنة، باتافيا 1905 - 1914، فى 32 مجلدا من القطع الكبير).
(جـ) ونذكر فى المحل الثالث الخوف من اعتناق المسيحية، ولو أن هذا العامل لم يكن قد بدأ يفعل فعله إلا منذ وقت قريب جدًا، وكانت الحركة التى قام بها أهل البلاد المسلمون والتى أثارها نشاط المبشرين المسيحيين تختلف جد الاختلاف عن هذا العامل فى الزمان والمكان، على أن زعماء شركة إسلام استغلوا زيادة الدعاية المسيحية، وانتصار بعض أعضاء البرلمان الهولندى لها انتصارا سافرا، وصدور تحذير من مكة بشأنها، فراحوا يثيرون الجماهير على نحو يؤدى إلى إلتحاقهم بشركة إسلام.
ويقال بأن حادثًا قليل الشأن نوعا ما هو الذى أدى إلى إنشاء شركة إسلام سنة 1910 (وليس ثمة بيانات تعتد بها عن السنوات الأولى)؛ ويقال أيضا إن شركة صينية (كونكسى) فى لاويان (نكلاويان)، وهى قرية قرب سراكرتا كان يقيم فيها التجار الجاويون الواسعو الثراء وتشتد المنافسة بينهم وبين الصينين عادة- قد ارتكبت فعلا من أفعال الغش أثارت به حفيظة الجاويين الذين أصابهم هذا الفعل فاتحدت كلمتهم على أن يقاطعوا السلع الصينية؛ وقد تولدت من هذا الشعور شركة إسلام، وهى منظمة ربما
قامت على غرار شركة دا كنك إسلام فى بويتنزورغ التى أسسها جاوى وبعض التجار العرب قبل ذلك ببضعة سنوات؛ ومهما يكن من شئ فإن الاسم "شركة دا كنك إسلام" قد استخدموا أيضا فى سراكرتا. على أن شركة إسلام التى نشأت فى سراكرتا قد نشأت مستقلة برأسها.
ولم تمض شركة إسلام طويلا فى التزام أهدافها الأصلية التزاما تماما، وقد انتشرت الحركة بسرعة تثير الدهشة بعد أن نجحت مقاطعة السلع الصينية، ولا يمكن أن نرد الزيادة الهائلة فى عدد عضاء الداخلين فيها إلى كراهية الصينيين فحسب، وهو أمر طبيعى فى ذلك الوقت، ولكننا نرده فى جوهره إلى أن الجاويين الذى كانوا يتوقون إلى مزيد من الحرية وإلى الإقلال من الوصايا المفروضة عليهم بعد النجاح الذى أحرزوه على الصينيين، ظنوا أن الإتحاد الجديد قد يعينهم على تبوء مركز أعلى بالنسبة للأجانب الآخرين أيضًا، أى أن هذا الاتحاد تحت راية إسلامية (وكان إتحاد المسلمين بهذه الصفة فى لاويان السنية أمرًا طبيعيًا) بعد أن برهن مرة على أنه ليس من المستحيل تمامًا على الجاويين أن يحرزوا نصرًا من هذا القبيل، قد ملأ فراغًا أحس به الجميع حيال الظروف التى وصفناها من قبل فى البنود (أ) و (ب) و (جـ)، وأصبح فى استطاعته أيضًا أن يضم تحت لوائه كثيرًا من الناس الذين لم يكن لهم شأن بمقاطعة الصينيين. وكان قيام هذا الاتحاد وانتشاره بهذه السرعة أهم بكثير من تفصيلات تاريخه المبكر، كما أن تطور أهدافه فى السنوات التالية هى التى لفتت الأنظار إليه، وليست الحوادث الفردية أو ما أبداه من نشاط. وثمة فارق عظيم الآن بين أصل شركة إسلام وتطورها الذى نشأ من حاجات الجاويين العليا، ونما بتأثير الظروف الخارجية الحاسمة، ونعنى بها نشوب الحرب العظمى سنة 1914، والثورة الروسية التى اندلع لهيبها سنة 1917، والأزمة الاقتصادية التى عمت العالم بعد الحرب، والانهيار الذى أعقب ذلك بطبيعة الحال فى أوروبا؛ وقد تلقت شركة إسلام الأفكار من الخارج،
وكانت هذه الأفكار غريبة على الجاويين الذين كانوا يطالبون بالوفاء ببعض المطالب المتواضعة وتحقيق بعض الضرورات المحلية فحسب. واستتبع ذلك أن أصيبت شركة إسلام بضعف داخلى شديد انتهى بها إلى أن فقدت التأثير العظيم الذى كان لها بالسرعة التى كسبته بها.
ويمكن تقسيم تاريخ شركة إسلام إلى فترات ثلاث:
(أ) وتمتد حتى المؤتمر الوطنى الأول.
(ب) ذروة المؤتمرات الوطنية.
(جـ) انهيار شركة إسلام قبل قيام شركة رعية المتطرفة.
(أ) ففى الفترة الأولى يتعذر على المرء أن يتحدث عن وجود شركة إسلام متجانسة، فقد انتشرت الحركة وجاوزت موطنها وبخاصة فى جاوه الشرقية، تحت إمرة رادن عثمان سيد تجاكرا أميناتا القوى القادر والخطيب المؤثر، ولكن سرعان ما بهرت الرجل أطماعه التى لا تحد. وقد أسست صحيفة شركة إسلام. "أوتوسان هنديا"(الرسول الهندى) فى مدينة سرابايا فى ديسمبر سنة 1912 وكان يحررها تجاكرا، وظلت فترة طويلة من أهم الألسنة التى تعبر عن حال الشركة؛ وقد أنشئت للشركة فروع من بعد فى سمارانغ وتجيريبون وباندونغ وباتافيا؛ ويسر أمر الانضمام إليها كل التيسير وأخذ الأعضاء الجدد يزدادون ويزدادون بدافع الفضول الذى استولى على الجماهير وما كانت توحى به شعيرة القسم السرى، وما لقيته شركة إسلام من شهرة راحت تتسع وتتسع؛ وكانت السنن التى اتخذت فى يوم التأسيس الرسمى للشركة، وهو اليوم التاسع من شهر نوفمبر سنة 1911، تراعى، فى فترة الحماسة الأولى، مراعاة لا بأس بها بوجه عام (وتتضمن هذه السنن أن يعمل الأعضاء على تقوية روابط الأخوة فيما بينهم، وأن يعاونوا المسلمين، ويعملوا على رفع المستوى الاجتماعى والمستوى الاقتصادى لأهل البلاد بجميع الوسائل المشروعة)؛ على أنه سرعان ما أخذ كل فرع محلى من فروع شركة إسلام يعمل على تحقيق أهدافه المحلية دون سواها مسترشدا
بآراء الزعماء المحليين؛ وكان بعضها يخدبم المصالح المحلية لأهل البلاد كإنشاء الجمعيات التعاونية لتقوية روح المنافسة الجاوية؛ وسعى بعض هذه الفروع بتدخله إلى القضاء على المساوئ التى كان يتعرض لها الجاويون من الموظفين وأصحاب الأعمال الأوروبيين؛ وراح بعضها (مثل شركة إسلام باتافيا التى سرعان ما انضم إليها 12.000 عضو) ينادى بوجوب تنفيذ ما يقضى به الإسلام من واجبات تنفيذًا أدق؛ وأعرب عن رغبته فى تحسين حال النساء من أهل البلاد، بل أنشأ فرعا من شركة إسلام للأطفال (سوتارسا موليا).
على أن نجاح شركة إسلام فى الميدان الاقتصادى لم يدم إلا فترة قصيرة، فقد زالت الجمعيات التعاونية من الوجود بمجرد أن خمدت حماسة الأعضاء التى اشتعلت أول الأمر، وتأثرت جميع أوجه النشاط الاقتصادى بسبب ما كان يفتقر إليه الجاويون من دربة على الشئون المالية. وكثيرًا ما كان زعماء الحركة يستأثرون بأموال شركة إسلام؛ أما فى ميدان التقدم الاجتماعى فلاشك أن الفضل يرجع إلى شركة إسلام فى تحسن العلاقات بصفة عامة بين الأجانب والجاويين بما يحقق مصلحة الجاويين وإن كانوا قد خسروا بعدئذ كثيرًا مما جنوه حين أخذت الحركة تضمحل اضمحلالا عامًا. على أن زعماء الحركة استمروا يعنون بأمر دينهم، والراجح أنهم فعلوا ذلك خشية أن يكرههم الناس. وكان الهدف من الرابطة الدينية دفع هذا الشر؛ ولم تسهم شركة إسلام فى السياسة قبل المؤتمرات الوطنية إلّا بنصيب ضئيل.
ويبدو أن أول اتصال وقع بين شركة إسلام والحكومة الهولندية حدث حين عطلت شركة إسلام سراكرتا إلى حين على أثر الشطط فى معاداة الصينيين (أغسطس 1912). وقد قدم تجاكرا فى 14 من سبتمبر سنة 1912 التماسا طلب فيه من الحكومة المركزية الاعتراف بشركة إسلام، وتلقى قرارها فى 30 من يونية سنة 1913 بعد أن ترددت طويلا فى الرد. وكان اعتراف الحكومة بقوانين الشركة التى كانت فى
ذاتها بريئة من العدوان، يحمل فى طياته إلى حد ما احتمال حدوث تغيير فى الإدارة فى السياسة الاستعمارية التى كانت متبعة حتى ذلك الحين، والتى كانت تقوم على مبدأ تبعية الرعايا الوطنيين؛ وقد أثبت زعماء شركة إسلام أنهم أضعف من أن يحولوا دون وقوع العدوان على الصينيين، وقد كان الفرق العظيم بين الوعود المعسولة والأمر الواقع خليقا بأن يظهر سريعًا؛ ذلك أن اعترافا رسميًا بتلك القوانين كان خليقًا بأن يجعل لشركة إسلام مركزًا قانونيًا وأن يعده الجمهور الساذج تسليما كاملا بكل ما تقوم به شركة إسلام من نشاط، أو يؤوله هذا التأويل زعماؤها أنفسهم على الأقل؛ وفى مناقشة جرت بين الحاكم العام وبين وفد من شركة إسلام فى 29 من مارس سنة 1912 أكد الحاكم العام عطفه الشخصى على شركة إسلام، لكنه أشار إلى نواحى الضعف الخطيرة التى تحول دون إجابة الشركة إلى الملتمس الذى تقدمت به، مثال ذلك إدارة الأعمال المالية إدارة سيئة (وكانت هذه دائمًا من نواحى الضعف). وقد صدر آخر الأمر فى 3 يونية مرسوم رفض الاعتراف الذى سعت إليه شركة إسلام متذرعا بأسباب عملية، على أنه وجَّه نظر الشركة إلى أن الطلبات التى تقدمت بها فروع شركة إسلام للاعتراف بها وإكسابها المركز القانونى قد لا تمنى بالرفض، وتستطيع هذه الجمعيات المحلية أيضًا أن تتحد لتؤلف لجنة مركزية شرعية من ممثلى الأقسام المحلية، على أن تكون فروع شركة إسلام المحلية مسئولة، وعليها أن توحد صيغ يمينها وأن تجعل اليمين بحيث تعده الحكومة خاليًا من الضرر، ومن ثم فقد نظمت شركة إسلام وفقا لهذه التعليمات.
على أن مسلك الموظفين فى الأقاليم كان بوجه عام أشد عداء لشركة إسلام من مسلك الحكومة فى بويتنزورغ حيالها، ولعل هذا الفارق بين موقف الحكومة وموقف بعض موظفيها هو الذى بذر بذور الشك فى قلوب أهل البلاد الوطنيين إزاء الحكومة أو كان من أهم الأسباب المؤدية إلى هذا الشك
الذى ما لبث أن بدا للعيان. وقد لقيت الشكاوى المتكررة من الإجراءات المضادة التى يتخذها الموظفون المحليون الذين اشتط بعضهم أول الأمر بالرغم من الاعتراف الرسمى، فعطل فروع شركة إسلام المحلية، صدى راح يشتد ويشتد فى المؤتمرات التالية. وكان السكان الأوروبيون فى هذا الوقت يعادون شركة إسلام عداوة تامة تقريبًا، وكانت أعصابهم تخونهم أحيانا وبخاصة عندما وقع العداء بين الجاويين والصينيين؛ وكانت لهجة الصحف الأوربية أول الأمر لهجة تنطوى بعامة على الاحتقار ثم أصبحت من بعد لهجة عدائية؛ وقد ظهر لهذه اللهجة رد فعل قوى فى الصحف أخذ يشتد ويشتد، ثم راح يستفحل بسرعة كبيرة. وكان الصينيون بطبيعة الحال يعادون شركة أسلام؛ وكان العرب أول الأمر على علاقة طيبة بها بل لقد كان لهم نصيب موفور فى نهضتها الأولى؛ على أن العرب ما لبثوا أن انسحبوا بعد أن تقرر فى أوائل سنة 1913 ألا يسمح لغير الأندونيسيين بالانخراط فى سلك شركة إسلام إلا بطريق الاستثناء، وخاصة بعد أن نهضت شركة إسلام على أسس تقدمية فأخذت تمس ما عرف به العرب من محافظة؛ وكانت العلاقات بين شركة إسلام و"بودى أوتاما" طيبة بالرغم من أنها كانت قليلة؛ وكانت كل هيئة من الهيئتين ترسل ممثليها إلى مؤتمرات الهيئة الأخرى إلخ. .
(ب) وفى الفترة التالية أصبح العنصر السياسى فى شركة إسلام بارزًا جدًا، وازدادت العلاقات وثوقا بين الشركة وبين الأحزاب والحركات السياسية الأخرى، وأخذ سلطان الاتجاهات الأوروبية المتطرفة المتزايد يظهر أكثر وأكثر وسعت الأحزاب الأوربية مثل حزب جزائر الهند الهولندية الديمقراطى الاشتراكى إلى ضم شركة إسلام إلى جانبها، وراحت الميول الرسمية لشركة إسلام تزداد تطرفًا عامًا بعد عام، ومع ذلك فقد قامت داخل الحركة تيارات مناهضة قوية. وكان تجاكرا يملو الحركة الشرعية الديمقراطية الوطنية، وأصبح سمعون زعيم الأقلية اليسارية
الناهضة، وقد ظهر هذا الشاب، وكان من المشايعين المتحمسين لحزب جزائر الهند الهولندية الديمقراطى الاشتراكى، أول ما ظهر علنا فى المؤتمر الوطنى الأول حيث نصح بمقاومة الحكومة، ولكنه لم يستطع أن يلفت إليه أنظار الحاضرين أو يكاد؛ على أن حديثه كان بارعا جديرا بأن يلفت إليه الأنظار، ذلك أنه كان الوحيد الذى أوتى الشجاعة على أن يشير إلى وجوه الضعف فى الحكومة الوطنية، مثال ذلك افتقارها إلى النشاط. وكان سمعون، على النقيض من تجاركا الأرستقراطى، رجلا من عامة الشعب امتاز عمله بالإيثار والأمانة، وما إن حل المؤتمر الثانى حتى وجدناه قائمًا بأعمال رئيس شركة إسلام فى سمارانغ حيث كان التطرف الأوروبى قد اجتذب اليه أكثر عدد من الأنصار، ثم عضوًا بشركة إسلام المركزية فى المؤتمر الثالث؛ ولم يقبله تجاكرا فى الفرع المركزى إلا بعد تردد شديد، فقد كان يخشى أن يسعى هذا الرجل، الذى كان يعد الناس بأكثر مما يعد هو ويتفهم حاجياتهم أكثر مما يتفهمها، إلى فرض سلطانه على الشركة، وظن أن من الأيسر عليه أن يحد من نشاطه بقبوله عضوا فى شركة إسلام المركزية، على أنه راح ينحرف شيئًا فشيئًا عن موقفه الأصلى حتى لا يفقد شهرته، وكان من نتيجة ذلك أن ازدادت معارضة جناح المحافظين، وكان النضال بين تجاكرا وسمعون هو الذى حد من تقدم شركة إسلام فى السنوات القليلة التالية، وقد استطاع تجاكرا بمهارة فائقة أن يتفادى مرارًا الانشقاق داخل صفوف شركة إسلام، ولكن لظروف كانت آخر الأمر أقوى منه بكثير، وعندما أكرهت شركة إسلام فى المؤتمر السادس على أن تختار واحدا من الاثنين ثم انتهت إلى طرد سمعون من الحزب فى غيبة تجاكرا، وجاء ذلك القرار متأخرًا جدًا للشركة.
ويجمل بنا الآن أن نذكر بعض التفصيلات عن المؤتمرات الوطنية التى كان التعبير فيها عن الآراء والميول المختلفة واضحًا جليًا وقد عقد المؤتمر الوطنى الأول فى باندونغ فى الفترة من 17 إلى 24 يونية سنة 1916؛
وكانت شركة إسلام المركزية قد تلقت قبيل ذلك (فى 18 مارس) الاعتراف الرسمى بها، وقد فشلت محاولة بذلت لجعل فرعى الشركة بجاوة الغربية وسومطرة مستقلين عن شركة إسلام المركزية؛ ويمكن معرفة مدى انتشار مبادئ شركة إسلام من الأرقام التالية: حضر المؤتمر مندبون يمللون 52 فرعا جاويا (تضم 273.277 عضوا)، و 15 فرعا فى سومطرة (تضم 76.000 عضو) و 7 فروع فى بورنيو (تضم 5.574 عضوًا) وفرعًا فى كل من سلبيس وبالى، وأكد تجاكرا قيمة الاسم "المؤتمر الوطنى" فى خطاب مثير عالج فيه أهم الموضوعات المعروضة على بساط البحث؛ كان على شركة إسلام أن تضع لنفسها هدفًا جديدا يتلخص فى أن تعمل هذه البلاد على أن ترتفع بنفسها فتصبح أمة، وأن تتعاون شركة إسلام للحصول على الحكم الذاتى للجزائر الهندية الهولندية أو تمنح العناصر الوطنية نفوذًا أكبر فى الشئون الإدارية، على أن تجاكرا أطرى الحكومة المركزية التى كانت قد نبذت بالفعل الخطة القديمة وشرعت تتخذ الخطوة الأولى فى سبيل انتهاج نهج "السياسة وضم الصفوف"(انظر Verspr. Geschr. Snouch-Hurgronie، 4/ 2، ص 291 و 306)، ووعدت بأن تؤلف مجلسًا من أعضاء أوروبيين ووطنيين وشرقيين أجانب يعاون الحاكم العام؛ وقد دار حديث طويل فى هذا المؤتمر وفى المؤتمرات التالية لم تفهمه الغالبية الغالبة من المندوبين؛ وتدلنا بعض التصريحات التى قيلت فيها مثل "القرآن أثر من أعظم الآثار شأنا بالنسبة للاشتراكية، وأن النبى [صلى الله عليه وسلم] (فى رأى كاتب بعث برأيه إلى المجلة الهندستانية Hindustan Review) هو "أبو الاشتراكية" و"رائد الديمقراطية، على أساس كان ناشرو الدعوة للأحزاب الأوربية يسعون للحصول على أنصار لدعوتهم، ولعل أهم عمل من أعمال المؤتمر كان يحث الثمانية والستين اقتراحًا التى قدمتها فروع شركة إسلام المحلية والتى تضمنت فى معظم الأحوال شكاوى محلية ونشرت مقرونة برأى تجاكرا فى مجلة "أوتوسان هنديا" بعدديها الصادرين فى 15 و 16 يونية سنة
1916؛ ونتبين من هذه الاقتراحات مدى الآمال التى يعقدها أهل الريف السذج على شركة إسلام لتحقيق مطالبهم، وقد ظلت الرغبة فى الحصول للافراد على قسط أكبر من الحرية والاستقلال مدار الحديث فى هذا المؤتمر والمؤتمرات التالية، ولم تكن الأفكار السياسية المضطربة التى قال بها نفر قليل من السياسيين هى التى جذبت الجماهير إلى شركة إسلام، بل كان الذى جذبهم إليها الأمل فى تحقيق رغباتهم عن طريق هذه المنظمة القوية، وهذا يعلل لنا سبب تركهم لشركة إسلام بغاية اليسر من بعد، حين وعددهم حزب سمعون بأن يرعى المصالح الوطنية أكثر مما رعتها شركة إسلام.
المؤتمر الوطنى الثانى: (باناوثيا، 20 - 27 أكتوبر سنة 1917 - 281 اقتراحًا من الفروع المحلية) وقد عالج موضوع الموقف الذى يجب على شركة إسلام أن تقفه من المجلس التشريعى (Volksraad) القادم (انظر فيما يتصل بنظام هذا المجلس التشريعى: Koloniale Studien، جـ 1، أكتوبر؛ Extra Politiek Nummer، ص 169 وما بعدها)؛ ولم يكن النصيب الذى خصص للأندونيسيين فيه ليرضيهم، ناهيك بتأجيل افتتاحه المتواصل؛ وقد أصدر المؤتمر تصريحًا بالمبادئ التى تفسر الهدف السياسى الذى تسعى إليه شركة إسلام المركزية، ودللت فيه على سمو الإسلام، ولكن المؤتمر طالب السلطات بالحياد التام؛ ولما كانت غالبية السكان الوطنيين تعيش فى حالة من البؤس والشقاء فإن شركة إسلام المركزية ستظل تحارب سيادة رأس المال الآثم (انظر Kol. Studien، المصدر المذكور، ص 35 وما بعدها؛ وقد تضمن هذا المجلد أيضا برنامج العمل الذى تقوم به شركة إسلام مع تعليقات وإيضاح للموقف السياسى فى ذلك العهد، وتفصيلات عن برامج الأحزاب السياسية فى تلك الأيام بقلم زعمائها)
وقد وضحت فى المؤتمر الوطنى الثالث (سرابايا، 20 سبتمبر - 6 أكتوبر سنة 1918) نتائج هياج الخواطر الذى ساد أوروبا؛ ودارت فيه مناقشات عنيفة حول الموقف الجديد
الذى نشأ عن افتتاح المجلس التشريعى فى 18 مايو سنة (وكان يمثل شركة إسلام فيه تجاكرا وزعيم واحد آخر)، وحول التحسينات التى كانت لا تزال مرغوبة، ولكن الاضطراب الذى تملك المجتمع الوطنى قد نوقش بوجه خاص، وكان من أثر الصعوبات الاقتصادية ونتائج الدعوة، التى نجحت نجاحا بينا، إلى الحرب القادمة على "رأس المال الآثم" قد زاد فى مرارة النفوس، وسرعان ما بدت النتائج الوخيمة لذلك" وكان الإضراب العظيم الذى حدث فى نهاية سنة 1917 وفتنة الرعاع التى نشبت فى كودوس وديماك فى نهاية سنة 1918 بداية الصراع الاجتماعى الذى ظل ناشبا تتخلله فترات من الانقطاع حتى نهاية سنة 1924، والذى لا يكاد المرء يشك فيما سيسفر عنه من عواقب فى الوقت الحاضر بالنسبة إلى المركز الاقتصادى الضعيف لأهل البلاد الوطنيين، والافتقار إلى تلك الهمة التى هى السبيل الوحيد إلى الخلاص من هذا الشر الجوهرى. وكان انتظام الجاويين فى اتحادات زراعية (بيرسريكاتان كاؤم تانى) وفى اتحادات صناعية (بيرسريكاتان كاؤم بوروه) قد حدث منذ بضع سنوات ثم اتسع اتساعا كبيرا فى السنوات القليلة التالية. ونحن لا نستطيع فى هذا المقام أن نناقش بعد نشاط هذه الاتحادات التى يبدو أنها كانت تتلقى العون من البولشفيك فى السنوات الأخيرة، ولا علاقاتها من جميع الوجوه بشركة إسلام ثم بشركة رعية من بعدها (انظر ما يلى):
وفى عيد ميلاد المسيح [عليه السلام] سنة 1919 م تركز هذا النشاط فى المجلس الثورى الاشتراكى لاتحادات أرباب الحرف على يد سسراكادانا، وقد انقسم هذا المجلس فى نهاية سنة 1920 إلى مجلس معتدل فى جكياكرتا، ومجلس شيوعى برئاسة سمعون فى سمارانغ، وقد التأم هذان المجلسان مرة أخرى بعد رحلة سمعون الجريئة إلى روسيا فى مؤتمر اتحادات أرباب الحرف الذى انعقد فى مديون فى سبتمبر سنة 1922. ولم يقتصر نشاطهما بحال على المسائل الخاصة بالطبقات العاملة، بل تجاوز ذلك إلى ميدان السياسة بأسره.
وقد تميزت الفترة ما بين المؤتمر الثالث والرابع باضطراب فى الخواطر كبير. إذ ما إن انتهى المؤتمر الثالث حتى تسببت الثورة فى أوروبا إلى قيام ما يسمى بـ "تجمعات المتطرفين"(16 نوفمبر 1918) من الأحزاب على اختلافها فى المجلس التشريعى بما فى ذلك شركة إسلام. وفى هذا المجلس شرح زعماؤها التطور الجديد لشركة إسلام، ودافعوا عن القول بأن الحاجة تدعو إلى إتخاذ خطوات أبعد مدى مما نصت عليه قوانين الشركة الأساسية (14 نوفمبر، 5 ديسمبر، Handelingen Van den Volksraad، 1919 - 1918، ص 175 - 185، 518 - 525)؛ على أن الحكومة التى ظلت تنظر إلى مجرى الحوادث نظرتها إلى تطور سليم للمجتمع الوطنى (Koloniaal Verslag Von 1919، ص 4 - 13) قد انتقدت بشدة موقف شركة إسلام المركزية من الحركات المتطرفة (2 ديسمبر؛ انظر Handelingen، ص 432 - 434) وخاصة قول شركة إسلام المركزية بأنها لا يمكن أن تكون مسؤولة عن الاضطرابات التى تقوم بها فروع الشركة المحلية ما لم تجب إلى الرغبات التى أعربت عنها مرارًا وتكرارًا فى وقت أقرب مما بدا للأذهان، وأن الشركة المركزية مسئولة عن الهيمنة على اتجاه الحركة فى عمومها وليست مسئولة عن فروع الشركة. على أن الحكومة عادت فأعلنت استعدادها للتعاون مع الشركة المركزية بمقتضى قوانين الشركة الأساسية.
وقد وقعت حادثة ثبتت خطورتها على شركة إسلام، وهى اكتشاف منظمة ثورية سرية (وهى المعروفة بالقسم ب من شركة إسلام) فى برابنكر من أعمال جنوبى شرق جاوة، على أثر التحريات التى أجريت فى قضية مقاومة مسلحة للسلطات فى ديسا تجماريمى بالقرب من كاروت (7 - 4 يولية 1919، انظر ملخص تقرير مندوب الحكومة هازيو، G. A. j. Hazeu فى Handelingen Tweede Gewone Zitting، Van Volksraad 1919، Rijlagen، Onderwerp، جـ 10، ص 2 - 21). على أن العلاقة بين القسم ب وبين شركة إسلام المركزية وبينه وبين شركة إسلام ليست بحال واضحة
(Handelingen der Staten. Tweede Kamer Generael 1920 - 1919، 2 ديسمبر، ص 1158 ب؛ Blumberger فى Encyclopaedie van Ned - lndie Kolon. Verslag Van 1921 ص 15 ب، ص 6) وقد أنكر تجاكرا وجود أية علاقة بين القسم ب وشركة إسلام المركزية أو فرع شركة إسلام المحلية (أنظر أيضا Handelingen der St. G etc، ص 1153 ب؛ Hand.v.d Volksraad. 1919 - 1921، ص 91 - 92، 94، 96، 106، 110، 114، 211). ومهما يكن من شئ فإن الحكومة قررت أن لا تمنح أى اعتراف شرعى لشركة إسلام ما لم تستبعد الأيمان التى يقسم بها الأعضاء من القوانين الأساسية للشركة إلخ، وقد اعتقدت الحكومة (والراجح أنها كانت محقة فى ذلك) إن بين ظهرانى شركة إسلام حركة مناهضة للهولنديين أصبحت مشهورة (1920 Kol. Verl. Van، الفصل ب ص 5). فسحبت العون الأدبى التى بذلته لشركة إسلام فى السنوات الأخيرة على السلطات المحلية. وسرعان ما واجهت شركة إسلام فى أمور أخرى كثيرا من الصعاب الكبيرة أثرت فى نشاطها الظاهر وأجبرتها على العمل على تقوية نفسها من الداخل.
أما المؤتمر الوطنى الرابع - سرابايا، 26 أكتوبر - 2 نوفمبر 1919) فقد انصرف فى جوهره إلى مناقشة المجلس التشريعى الثورى القادم (انظر ما سبق) وصلة شركة إسلام بهذا المجلس، ويمكن أن نمر بذلك هنا مر الكرام.
وازدادت المصاعب، وتأجل المؤتمر الوطنى الخامس نتيجة للنقد العنيف الذى وجه إلى الإدارة المالية والسياسية لشركة إسلام المركزية (وجهه الشيوعى دَرْسنا فى سنار هنديا، 6 - 9 أكتوبر 1921 وانظر kol.verslag 1921 Van عمود 6؛ kol.verslag van 1922 عمود 9). وطالبت فروع الشركة ببيان عن الأموال التى أودعتها لدى الشركة المركزية؛ وقبض على سكرتير الشركة المركزية فى نوفمبر سنة 1920، وصدر ضده حكم فيما يتعلق بحادثة القسم ب. وزاد الموقف اضطرابا على اضطراب نتيجة للنشاط المتزايد الذى كانت تبذله الاتحادات الأخرى.
وقد كان المؤتمر الخامس الذى عقد فيما بين 2 - 6 مارس سنة 1921 بمثابة المحاولة الأخيرة لتجاكرا فى سبيل أن يبقى السيطرة على الحركة الشعبية الجاوية جميعا فى يد شركة إسلام المركزية باتخاذ موقف وسط بين الحركات المختلفة أشد الاختلاف وبين تأجيل النظر فى المشاكل المعقدة أشد التعقيد والتى لم يستطع الاهتداء إلى حل لها بعد. وكان قوام هذا الوقف برنامج من المبادئ جديد يتضمن: (أ) الكشف عن النفوذ الخطير للرأس مال الأوربى الذى استعبد فيما يقال أهل البلاد الوطنيين، (ب) تتخذ الشركة الإسلام أساسا لأعمالها بحكم أنه يتطلب حكومة شعبية، ومجالس للعمال، وتوزيع الأرض ووسائل الانتاج، ويحتم العمل ويمنع أى فرد من الأثراء على حساب عمل الآخر، (جـ) استعداد شركة إسلام للتعاون الدولى فى الحدود التى وضعها الإسلام مع تأكيد استقلال الشركة. أما المسائل الشائكة الخاصة بتنظيم الحزب (أيجوز للعضو فى شركة إسلام أن يصبح أيضا عضوا فى حزب سياسى آخر؟ ) فقد أرادت شركة إسلام المركزية أن تجيب عن هذا السوْال بالنفى، وأراد الجناح الأيسر المتحالف تحالفا وثيقا مع الحزب الشيوعى أن يجيب عنه بالإيجاب ولما كان الشيوعيون حريصين على إقرار البندين (أ، جـ)، وكانوا بلا شك مستعدين أن يرضوا بالبند (ب) من أجل هذين البندين فإنا نخرج من هذا بأن دعواهم بأن الشيوعية قد تحقق لها النصر الآن فى شركة إسلام أصبح مفهوما. ومن اليسير أيضا أن ندرك أن النضال بين صفوف شركة إسلام سرعان ما تجدد، ذلك أن الشركة المركزية لم تكن لتسمح بهذا التفسير للموقف الوسط الذى اتخذته (انظر أوتوسان هنديا، عدد 26 مارس سنة 1921) وأعقب ذلك حدوث الإنشقاق فى المؤتمر الوطنى السادس (سرابايا، 6 - 10 أكتوبر 1921)؛ ولم يشهد تجاركا هذا المؤتمر، فقد كان قبض عليه فى أغسطس سنة 1921 (ذلك أنه ظن أنه حنث بيمينه فى حادثة القسم (ب)، ولكنه أطلق سراحه فى
أبريل سنة 1922، وحكم ببراءته فى أغسطس سنة 1922)، ولم يستطع نائب الرئيس أن يتحاشى القرار، ووافقت أغلبية المؤتمرين على مبدأ تنظيم الحزب؛ وترك سمعون وأتباعه شركة إسلام (8 أكتوبر سنة 1921). وسرعان ما انتظموا فى سلك شركة اسلام بيراستوان، أو شركة إسلام ميراه (أى شركة إسلام الحمراء) متخذين مقر الشركة فى سمارانغ.
(جـ) وبعد هذا القرار أخذت شركة إسلام تفقد مكانتها سريعًا. وتلاشى إخلاص أعضائها أمام مغريات الحزب المتطرف. واستأنف تجاركا بعد إطلاق سرابحه دعوته لشركة إسلام ولكنه لم يلق نجاحا يذكر، وفقد كثيرا من نفوذه السابق، ولم يعد يمثل شركة إسلام فى المجلس التشريعى الجديد، وأصبح الآن يسير على سياسة تقدمية معتدلة. وعقد المؤتمر الوطنى السابع فى مركز مديون المحافظ (17 - 20 فبراير سنة 1923). وعاد تجاركا فاضطلع بالمسائل الثقافية والدينية. وكانت الشئون الإسلامية قد تركت فى السنين القريبة إلى اتحادات خاصة أى إلى المحمدية. وأصبح تجاركا رئيسا لمؤتمر الجامعة الإسلامية الأول (تجربون، 1 نوفمبر 1922) الذى كان قد نظم على نهج "رابطة مسلمى الهند جميعًا". وقد تجلت فى المؤتمر العناية الكبيرة بالإسلام فى نطاقه الدولى. وأرسلت برقية تعبر عن الاحترام والتبجيل لمصطفى كمال باشا.
ونوقش موقف الجاويين من مشكلة الخلافة. وربطت شركة إسلام نفسها فى المجلس التشريعى بالكتلة الثانية المتطرفة التى تألفت نتيجة للمقترحات التشريعية التى قدمت لمراجعة دستور جزائر الهند الشرقية الهولندية. ولكن نشاط هذه الكتلة ظل محصورا فى أضيق الحدود.
وبينما كانت شركة إسلام تضمحل كانت شركة إسلام المتطرفة تنهض وتزدهر؛ وقد دخل زعيمها سمعون فى علاقات مع الحكومة الروسية السوفيتية فى موسكو، وقد أشرنا من قبل إلى نشاطه فى اتحاد أرباب الحرف. وكان اعتقاله هو السبب فى
الإضراب الكبير بين عمال السكة الحديد الذى وقع فى مارس سنة 1923. وقد نفى من جزائر الهند الهولندية فشخص إلى هولندة حيث أدخل عضوًا فى لجنة الجزب الشيوعى "ممثلا للحركة الأندونسية الشعبية". وكان فى نهاية سنة 1924 فى الصين التى كان حزبه على اتصال دائب بها، وخاصة بعد اعتناق صن يات سن لمذهب البلشفية. وفى 4 مايو سنة 1923 عقدت شركة إسلام المتطرفة مؤتمرًا بالاشتراك مع الحزب الهندى الشيوعى فى باندونغ. وأطلق على شركة إسلام الحمراء بهذه المناسبة اسم شركة رعية (نادى اتحاد الشعب)، وأصبحت الدعوة إليها توجه بالاشتراك الوثيق مع الحزب الشيوعى.
وهكذا قدر أن تكون شركة رعية مدرسة إعدادية للحزب الهندى الشيوعى، ولم يكن يسمح بتلقى الدروس التى يعقدها هذا الحزب لإعداد القادة لشركة رعية إلا للطلبة المدربين فحسب، والظاهر أن هذه الخطة قد خلقت دعاة بارعين بالرغم من حديث الجرائد عن ذلك حديثًا يدل على الجهل الفاضح (ولعلها محقة فى ذلك). ولا تحفل شركة رعية بالدين فهى تقف من اللَّه [سبحانه] موقف الحياد (Neutraol hepada Allah). على أن الزعماء فى المدن يقفون من الدين موقفًا معاديًا فى كثير من الأحيان، أما فى الريف فهم مسلمون، ويبدو أنه توجد طائفة من الشيوعيين الذين يؤمنون بالدين. وقد دأبت السلطات على مناهضة شركة رعية، فمنعت اجتماعاتها، وعاقبت كل مخالفة للقانون فيما يختص بحرية الحديث والخطابة، وصادرت الكتب الشيوعية وما إليها، وكفت أذى الأعضاء المشاغبين باعتقالهم للتحرى عنهم. وقد زادت الحملة الموجهة إليهم شدة منذ 31 أغسطس سنة 1924 ومن نتائج هذه الحملة اتخاذ موقف أكثر سماحة حيال الاتحادات المعتدلة (شركة إسلام وما إليها). على إننا لا نستطيع أن نذكر شيئا محددًا بعد عن نتائج هذه الحملة.
وفروع شركة إسلام خارج جاوة أقل أهمية بكثير من الفروع التى فى جاوة، ذلك أن ظروف تلك الفروع مختلفة، كما أن الأرض التى بذرت فيها شركة إسلام مبادئها هنالك أقل صلاحية بكثير منها فى جاوة. وقد تألفت منذ سنة 1914 فروع للشركة فى أهم المراكز، وأثارت هذه المراكز اهتماما بالحياة الدينية أكثر نشاطا مما كان؛ واتسم ذلك أحيانا بالشطط فى بعض الأماكن المحلية، على أن هذه الحماسة سرعان ما فترت. وكانت هذه الفروع ترسل ممثلين لها إلى المؤتمرات الوطنية فى جاوة، فيبينون للمؤتمر شكاوى الناحية التى يمثلونها. وقد حدث من بعد فى بعض الأحيان الصراع المعهود بين شركة إسلام وشركة رعية، إلا أنه كان أقل حدة بكثير منه فى جاوة. وكان أول فرع لشركة إسلام فى خارج جاوة هو فيما يظهر الفروع الذى تالف فى بالمبانع فى 14 نوفمبر سنة 1913 على يد الجاويين وكان نفوذ شركة إسلام يختلف كثيرا باختلاف الظروف المحلية. وقد كان الموقف عصيبا فى آشى حوالى سنة 1921 ذلك أن شركة إسلام (وكان تنظيمها سريا فى كثير من الأحوال) انتهجت فيما يظهر دعاية مناهضة للهولنديين، وقد كان لشركة إسلام فى جمبى شأن فى الاضطرابات التى وقعت فى سنة 1916 وما بعدها من سنوات.
وكان الميل إلى الجامعة السومطرية فى مننككا بآو أقوى من النفوذ الجارى لشركة إسلام وكان عمل هذه الشركة فى جزائر ترنات وأمبون هاما، وقد ظهرت فى أمبون نزعات متطرفة قوية.
ويجب فى آخر الأمر ألا نغفل أن نمو شركة إسلام الفتية كان ينظر إليه فى مكة بأعظم الاهتمام. فقد قلقت الخواطر فيها بعض القلق لما نسب إلى الحكومة الهولندية من أنها انتوت أن تجعل الحج إلى مكة مستحيلا بالنسبة إلى رعاياها الأندونيسيين. ولا يخفى بطبيعة الحال أن المكيين كانوا يعتمدون فى كثير من معاشهم على الحجاج الجاويين (Mekka: Snouck Hurgronje، جـ 2، الفصل 4). والظاهر أنه قد تبودلت
رسائل بين علماء مكة والسلطات الإسلامية فى أندونيسيا عن نشاط بعثات التبشير المسيحية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل يقال إنه قد أقيمت صلوات خاصة فى المسجد العتيق من أجل مسلمى أندونيسيا. ونخرج من هذا بأن الاهتمام كان كبيرًا بشركة إسلام. وفى أواخر سنة 1913 ظهر كتيب عن شركة إسلام باللغة العربية فى مكة، ثم ترجم من بعد إلى اللغة الملاوية. وأنشئ فرع لشركة إسلام فى مكة (والراجح أنه أنشئ من أجل الأندونيسيين الذين يقيمون فيها) ولا يعرف كاتب هذه المادة شيئًا آخر عن نشاطه. ولعل هذا الفرع هو الفرع الوحيد لشركة إسلام الذى قام خارج جزائر الهند الشرقية الهولندية.
ويحق لنا أن نقول تلخيصا لما ذكرنا أن شركة إسلام كان لها شأن هام فى نمو العلاقات بين هولندة وجزائر الهند الشرقية البولندية، وإن تاريخها له أيضا شأن فى تاريخ نهضة الإسلام ويقظة شرقى آسية. وهذه الشركة أول صيحة عظيمة مستقلة تعبر عن الحاجة التى أحس بها الأندونيسيون عشرات من السنين، وعن رغبتهم فى مزيد من الحرية ومزيد من الاستقلال. وقد وجه زعماؤهم هذه الرغبة وجهة متطرفة، بل ربما كانت وطنية أيضا، ولكن العامة لم يفهموا نظريات هؤلاء الزعماء، وكانوا يؤيدون أعظم تأييد الحركة التى تستجيب لمطالبهم خير استجابة. وفى السنوات الخمس عشرة التى انقضت على حياة شركة إسلام طرأ على المجتمع الجاوى فى مظهره تغيرات هائلة، يمكن أن نلتمس أسبابها أيضا فى الحوادث التى وقعت أثناء الحرب العالمية الأولى وما بعدها. أما التطور الداخلى فقد بدأ خاصة بتأثير شركة إسلام، ولكن هذا التطور خليق بطبيعة الحال أن يسير سيرًا أبطأ من ذلك بكثير. وأما تطور الحركة الشعبية من بعد بين الجاويين الذى يعد فى ذاته مهمًا بوصفه آية من آيات العصر فإنه سوف يعتمد على كثير من العوامل الخارجية. ولعل مدى ما تستطيعه السلطات الأوروبية من قدرة على تكييف سياستها بالموقف الذى يتغير تغيرا بطيئًا هو بخاصة العامل الحاسم فى تحديد طبيعة الحركة الشعبية.