الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دعوى جريئة مع شعورنا بعدم كفاية ما يساق من بيان لمعنى الشهيد فى سبيل اللَّه من دلالات المادة الأولى كالرؤية والحضور. ولو نظر إلى استعمال القرآن للفظ شهيد، فى مثل النساء: 79، 166؛ يونس: 29؛ والرعد: 43؛ والإسراء: 96؛ والفتح: 28؛ والعنكبوت: 52؛ والأحقاف: 8 - لوجد أن قوله فى هذه المواطن: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} أو {كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا} ، يفهم منه غير ما يفهم من شهيد فى مثل قوله:{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} ، وأمثالها مما يعدى بعلى؛ فالشهيد بينى وبينكم فى معنى الحجة الفاصلة القائمة. وأخذه من الشهود بمعنى الحضور قريب واضح؛ وأما الشهيد على كذا فأقرب لمعنى الشهادة المؤداة. . وإذا أدركنا فى قرب أن لفظ "شهيد" دون تعدية على، فيه معنى الحجة والفصل، وما هو من ذلك بسبيل ثم سمعنا إلى ما ينقل من أن الشهيد "يحاج" قاتله، وذلك فيما ينقل أكثر من مرة، من قول زيد بن صوحان لما استشهد يوم الجمل، لا تغسلوا عنى دما ولا تنزعوا عنى ثوبا فإنى رجل محجاج أحاج يوم القيامة من قتلنى، وقول عمار بن ياسر لما استشهد بصفين: لا تغسلوا عنى دما ولا تنزعوا عنى ثوبا فإنى ألتقى ومعاوية بالجادة؛ وهكذا نقل عن غيرهما؛ فالشهيد حجة الحق، وشهادة على القاتل، وإذا انضم إلى هذا ما فى الشهادة من أن بها قوة القضاء، حتى يعز على الشاهد الحكم فى مثل القولة السائرة: شاهداك قاتلاك، يفهم من قرب أخذ معنى الشهيد فى سبيل اللَّه، من الحجية والمعرفة القوية القاضية بالحق.
وهذا وجه بدا لصاحب التعليق حين لم ينجل المأخذ مما رآه من بيانهم لمعنى الشهيد؛ ولم يروجها لضرورة رد هذا المعنى إلى عامل أجنبى؛ وإن كان التفاعل اللغوى لا يجحد، والاتصال بين الأديان لا يرفض. .
3 - قضايا تنقصها الدقة
عرض صاحب المادة فى بيان معنى الشهادة، وتعديد صنوف الشهداء لقضايا تنقصها الدقة فى التعبير وفى المعنى. . ومن ذلك:
(أ) قوله: "فإنهم -أى الشهداء- وحدهم هم الذين لا يجوز تغسيلهم قبل دفنهم، وهذا رأى دخل، فى الفقه".
فما الرأى؟ ! وما الدخول فى الفقه! تعبيران غير دقيقين، فقهيا، وموضع الضعف فيهما تعبيرا ومعنى واضح. . ومن ذلك:
(ب) قوله: "ولأصحاب المذاهب الفقهية اختلافات طريفة كل الطرافة أحيانا، من حيث الأساس الذى تقوم عليه، وهى تتعلق بهل يجب غسل الشهيد. . وهل يصلى عليه صلاة الجنازة، وهل يدفن فى ثيابه" الخ ما يورده من هذه المسائل.
فما الطرافة كل الطرافة أحيانا، من حيث الأساس الذى تقوم عليه المذاهب الفقهية فى هذه المسائل؟ ! إنها ليست إلا كسائر المسائل الفقهية فى أسسها، والخلاف فيها، والاستدلال لها. . .
وعدم مناسبة التعبير، وعدم دقة المعنى واضحة. . ومن ذلك:
(جـ) قوله ". . . وقد بحثت مرة مسألة ما إذا كانت الشهادة قد وقعت لهذه الحياة الدنيا أو للحياة الأخرى أو للحياتين معا"
وهذه القولة ترد فى ختام ما سبق من طرافة الأساس، وكأنها عنده شاهد على هذه الطرافة، التى توشك أن تدل على أن المراد من الطرافة عنده الغرابة! !
والمتمرس بالتفكير الفقهى لا يجد فى المسألة شيئا من هذا أو ما يشبهه؟ وإنما هو الخلاف بين الفقهاء، فى أحكام الشهيد، يقول فيه الشافعى رضى اللَّه عنه إنه لا يصلى على الشهيد، ومما يحتج به لذلك: أن اللَّه وصف الشهداء بأنهم أحياء، والصلاة على الميت لا على الحى. . ويخالفه الحنفية فيقولون بالصلاة على الشهيد، ويناقشون احتجاج الشافعى هذا، فيقولون: إن الشهيد حى فى أحكام الآخرة. . أما فى أحكام الدنيا فهو ميت، يقسم ميراثه، وتتزوج امرأته بعد انقضاء العدة، وفريضة الصلاة عليه من أحكام الدنيا، فكان فيها ميتا يصلى عليه. . -المبسوط للسرخسى جـ 2: ص 5 - ط الساسى- وهو ما يدور بعد ذلك فى كتب الفقه