الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونقصا فى صناعته؛ ويقبح به أن يعتمد على غيره فيه ويقلّده، ويرجع اليه فى المجلس الذى هو ممّن يشار اليه فيه، فيصير فى ذلك المجلس تابعا بعد أن كان متبوعا، ومقلّدا لغيره، ومسطّرا بقلمه ما لم يعرفه وما هو أجنبىّ عنه؛ هذا إن اتّفق أن يحضر المجلس من له معرفة بهذا العلم؛ فأمّا إن خلا المجلس ممن يعلم ذلك جملة كان أشدّ لتوقيف «1» الأمر وتعطيله، ودفعه من وقت الى آخر، وفى هذا من النقص والتقصير والإخلال برتبته، وعدم الاتصاف بالكمال فى صناعته، ما لا يخفى على متأمّل.
وأما معرفة صناعة الوراقة فى الأمور التى ذكرناها
- فلذلك من الفوائد ما لا يخفى على ذى لبّ، لأنّ الكاتب إذا أخرج المكتوب من يده بعد إتقانه وتحرير ألفاظه على ما استقرّ عليه الاصطلاح: من التقديم والتأخير ومتابعة الكلام وسياقته، وترصيعه وترصيفه، حسن موقعه، وعذبت ألفاظه، واشرأبّت له النفوس، ولو بلغ الكاتب فى الفقه والعربيّة واللغة ما عساه أن يبلغ ولم يدر المصطلح، وخرج الكتاب من يده وقد حرّره على قواعد الفقه والعربيّة من غير أن يسلك فيه طريق الكتّاب واصطلاحهم، مجّته الأسماع، ولم تقبله النفوس كلّ القبول، وثقل على قارئه وسامعه؛ والله أعلم.
فهذه لمعة كافية من فوائد ما قدّمناه ممّا يحتاج الكاتب الشّروطىّ الى معرفته؛
[ذكر ما اصطلح عليه الكتاب من أوضاع الوراقة]
فلنذكر الآن صورة ما اصطلح عليه الكتّاب من أوضاع الوراقة فى الأمور التى قدّمنا ذكرها على ما استقرّ عليه الحال فى زماننا هذا، ممّا يضطرّ إليه المبتدئ، ولا يكاد يستغنى عنه المنتهى؛ فنقول:
أوّل ما ينبغى أن يبدأ به الكاتب فيما يصدر عنه من جميع المكاتيب الشرعيّة حين ابتدائه بكتابة شىء منها أن يكتب:
(بسم الله الرّحمن الرّحيم) ثمّ يصلّى على النبىّ صلى الله عليه وسلم، ثمّ يكتب لقب المشهود عليه وكنيته واسمه، ولقب أبيه وجدّه وكنيتيهما واسميهما، إن كانوا ممّن يلقّبون ويكنّون، وإلّا فأسماؤهم كافية؛ وينسب المشهود عليه إلى قبيلته، أو صناعته وحرفته أو مجموع ذلك؛ وذلك بحسب ما تقتضيه رتبته وحاله فى علوّ القدر والرفعة؛ فإن كان من ذوى الأقدار المشهورين ذكر ألقابه وكناه، ونسبه إلى قبيلته وحرفته، إن كانت ممّا تزيده رفعة وتعريفا؛ وإن كان غير مشهور برتبة أو منصب لكنّه ممّن يعرفه الشهود بالحلية والنّسب قال:«وشهود هذا المكتوب به عارفون» واستغنى بذلك عن وصف حليته «1» ؛ وإن كان ممّن عرفه بعضهم ولم يعرفه البعض قال: «وبعض شهوده به عارفون» وذكر حليته؛ وإن كان ممّن لا يعرفه الشهود جملة ذكر حلاه وضبطها على ما نشرحه عند ذكرنا للحلى؛ ثم يذكر المشهود له ويسلك فى ألقابه ونعوته وكناه وتعريفه نحو ما تقدّم فى المشهود عليه بحسب ما تقتضيه حاله أيضا ويذكر بعد ذلك ما اتفقا عليه. فاذا انتهى الى آخر الكلام فيه أرّخ المكتوب باليوم من الشهر، وبما مضى من سنين الهجرة النبويّة؛ ولا بأس بأن يؤرّخه بالساعة من اليوم، لاحتمال تعارض مكتوب آخر فى ذلك اليوم يناقض هذا المكتوب، مثال ذلك أنّ امرأة طلّقت فى يوم قبل دخول الزوج المطلّق بها، فتزوّجت فى يومها، وتمادى الأمر على ذلك، ثم ادّعى مدّع أنها تزوّجت قبل وقوع الطلاق
ولم يكن فى الكتاب ما يمنع دعواه؛ فانه يحتاج فى مثل هذا ونحوه إلى تحديد الطلاق والزواج بالساعات، فإنّ فيه إزالة للشكّ، وحسما لمادّة الالتباس؛ فاذا كملت كتابة المكتوب استوعبه الكاتب قراءة، فإن كان على السّداد والتحرير أشهد فى ذيله عليهما بما اتّفقا عليه، أو على المقرّ بما أقرّ به، وذلك بحسب ما تقتضيه الحال.
وإن احتاج المكتوب إلى إصلاح: من كشط أو ضرب أو إلحاق حرّره، واعتذر فى ذيل المكتوب تلو التاريخ قبل وضع رسم الشهادة عمّا أصلحه فيقول فيه:«مصلح على «1» كشط كذا وكذا، وفيه ضرب ما بين كلمة كذا الى كلمة كذا» إن كان الضرب قد أخفى ما كان تحته؛ وإن كانت الأحرف المضروب عليها ظاهرة قال:«فيه ضرب على كذا وكذا، وفيه ملحق بين سطوره أو بهامشه كذا وكذا» ويشرح ذلك، ثم يقول:«وهو صحيح فى موضعه، معمول به، معتذر عنه بخطّ كاتبه» .
وإن كان المكتوب فى درج «2» موصول بالإلصاق، أو رقّ «3» مخروز الأوصال أشار على فواصل الأوصال بقلمه إشارة له يعرفها وتعرف عنه: إمّا علامته أو اسمه؛ ويكتب فى آخر أسطره عدد أوصال المكتوب، وعدّة أسطره؛ وقد أهمل الكتّاب ذلك فى غالب مكاتيبهم، وهو زيادة حسنة فى التحرير؛ والله أعلم.