الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما قيل فى الزّرافة
والزّرافة فى كلام العرب: الجماعة، وإنّما سمّيت الزّرافة زرافة لاجتماع صفات عدّة من الحيوان فيها، وهى عنق الجمل، وجلد النّمر، وقرن الظّبى، وأسنان البقر، ورأس الإيّل «1» ؛ وزعم بعض من تكلّم فى طبائع الحيوان أنّها متولّدة من حيوانات، ويقال: إنّ السبب فى ذلك اجتماع الوحوش والدوابّ فى القيظ فى شرائع «2» المياه، فتسافد، فيلقح منها ما يلقح، ويمتنع ما يمتنع، فربّما سفد الأنثى من الحيوان ذكور كثيرة، فتختلط مياهها، فيجىء فيها خلق مختلف الصّور والألوان والأشكال؛ والفرس تسمّى الزّرافة (اشتركا و پلنك) وتفسير (اشتر) : بعير؛ وتفسير (كاو «3» ) : بقرة؛ وتفسير (پلنك) : الضبع «4» ؛ وهذا موافق لما ذهبت إليه العرب من كونها مركّبة الخلق من حيوانات شتّى؛ والجاحظ ينكر هذا القول، ويقول: هو جهل شديد، لا يصدر عمّن لديه تحصيل، لأنّ الله عز وجل يخلق ما يشاء على ما يشاء، وهو نوع من الحيوان قائم بنفسه كقيام الخيل والحمر، وما يحقّق ذلك أنه يلد مثله؛ وهذا غير منكور، فإنّا نحن رأينا زرافة بالقاهرة ولدت زرافة أخرى شبهها، وعاشت إلى
الآن؛ وصفة الزّرافة أنّها طويلة اليدين والعنق جدّا، منها ما يزيد طوله على عشرة «1» أذرع، قصيرة الرجلين جدّا، وليس لرجليها ركب «2» ، وإنّما الرّكب «3» ليديها كسائر البهائم؛ وهى تجترّ وتبعر، وفى طبع هذا الحيوان التودّد للناس والتآلف بهم.
وقد وصفها الشعراء وشبّهوها فى أشعارهم، فمن ذلك ما قاله عبد الجبّار بن حمديس الصّقلّىّ:
ونوبيّة فى الخلق فيها خلائق
…
متى ما ترقّ العين فيها تسفّل
اذا ما اسمها ألقاه فى السمع ذاكر «4»
…
رأى الطّرف منها ما «5» عناه بمقول
لها فخذا قرم «6» وأظلاف قرهب «7»
…
وناظرتا رئم وهامة أيّل «8»
كأنّ الخطوط البيض والصفر أشبهت
…
على جسمها ترصيع عاج بصندل
ودائمة الإقعاء فى أصل خلقها
…
اذا قابلت أدبارها عين مقبل
تلفّت أحيانا بعين كحيلة
…
وجيد على طول اللّواء المظلّل
وتنفض رأسا فى الزّمام كأنّما
…
تريك [ «1» له فى الجوّ نفضة أجدل «2»
اذا طلع النّطح «3» استجادت نطاحه
…
برأس] له هاد «4» على السّحب معتلى
وعرف «5» رقيق الشعر تحسب نبته
…
اذا الريح هزّته ذوائب سنبل
وتحسبها من مشيها إن تبخترت
…
تزفّ الى بعل عروسا وتنجلى
فكم منشد قول امرئ القيس عندها
…
(أفاطم مهلا بعض هذا التدلّل)
وقال عمارة اليمنىّ- وقد وصف تصاوير دار منها زرافة-:
وبها زرافات كأنّ رقابها
…
فى الطول ألوية تؤمّ العسكرا
نوبيّة المنشا تريك من المها
…
روقا ومن بزل المهارى مشفرا
جبلت على الإقعاء من إعجابها
…
فتخالها للتيّه تمشى القهقرى
وقال أبو علىّ بن رشيق منشدا:
ومجنونة أبدا لم تكن
…
مذلّلة الظهر للراكب
قد اتصل الجيد من ظهرها
…
بمثل السّنام بلا غارب
ملمّعة مثلما لمّعت
…
بحنّاء وشى يد الكاعب
كأنّ الجوارى كنّفنها «1»
…
تخلّج «2» من كلّ ما جانب
وقال أيضا:
وأتتك «3» من كسب الملوك زرافة
…
شتّى الصفات للونها «4» أثناء «5»
جمعت محاسن ما حكت فتناسبت
…
فى خلقها وتنافت الأعضاء
تحتثّها «6» بين الخوافق مشية
…
باد عليها الكبر والخيلاء
وتمدّ جيدا فى الهواء يزينها
…
فكأنّه تحت اللّواء لواء
حطّت مآخرها وأشرف صدرها
…
حتّى كأنّ وقوفها إقعاء
وكأن فهر الطّيب «7» ما رجمت به
…
وجه الثّرى لو لمّت «8» الأجزاء
وتخيّرت دون الملابس حلّة
…
عيّت بصنعة مثلها صنعاء
لونا كلون الذّبل «1» إلّا أنّه
…
حلّى وجزّع بعضه الجلّاء
أو كالسحاب المكفهرّة خطّطت «2»
…
فيها البروق وميضها إيماء
أو مثلما صدئت صفائح جوشن «3»
…
وجرى على حافاتهنّ جلاء
نعم التجافيف «4» التى قد درّعت «5»
…
من جلدها لو كان فيه وقاء
وقال محمد بن شرف القيروانىّ:
غريبة أشكال غريبة دار
…
لها لون خطّى فضّة ونضار
فلون لها لون البياض وصفرة
…
كما مزجت بالماء كأس عقار
وآخر ما بين اسوداد وحمرة
…
كما احمرّ مسودّ الدخان بنار
أعيرت شخوصا وهى فى شخص واحد
…
تحيّر فى نشز لها وقفار
تقوم على ما بين ظلف وحافر
…
له جسم جلمود وصبغة قار
وأربعة تحكى سبائك عسجد
…
تطير بها فى الأرض كلّ مطار
لها عنق قد خالط الجوّ تحته
…
طوال لها تخطو أمام قصار
وذات قرى وعر الركوب وإنّما
…
أجلّت بذا «6» عن ذلّة وصغار
لها عجبة «7» التّيّاه عجبا بنفسها
…
ولكنّ ذاك العجب تحت وقار