المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ما قيل فى الهر - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٩

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء التاسع

- ‌[تتمة الفن الثاني في الإنسان وما يتعلق به]

- ‌[تتمة القسم الخامس في الملك وما يشترط فيه و

- ‌تتمة باب الرابع عشر في ذكر الكتاب والبلغاء والكتابة و

- ‌تتمة ثم الكتابة بحسب من يحترفون بها على أقسام

- ‌ذكر كتابة الحكم والشروط وما يتّصف به الكاتب ويحتاج اليه

- ‌أما اشتراط العدالة والديانة والأمانة

- ‌وأما حسن الخطّ

- ‌وأما معرفة العربيّة

- ‌وأما معرفة الفقه

- ‌وأما علم الحساب والفرائض

- ‌وأما معرفة صناعة الوراقة فى الأمور التى ذكرناها

- ‌[ذكر ما اصطلح عليه الكتاب من أوضاع الوراقة]

- ‌ ولنذكر كيفيّة ما يصنعه الكاتب فى كلّ واقعة على معنى ما أورده «أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن المخزومىّ

- ‌أما الإقرارات وما يتصل بها من الرهن والضمان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌وأمّا الشّركة

- ‌وأما القراض

- ‌وأما العارية

- ‌وأما الهبة والنّحلة

- ‌وأما الصدقة والرجوع

- ‌وأما التمليك- فمنه ما هو بعوض، وما هو بغير عوض

- ‌فأما ما كان بعوض

- ‌وأما ما كان بغير عوض

- ‌وأما البيوع

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌واذا ابتاع الأخرس الأصمّ دارا

- ‌واذا ابتاع رجل من آخر دارا بثمن معيّن مقبوض وكتب بينهما مكتوب على ما تقدّم، ثم حضر المشترى وادّعى أنه كان ابتاع الدار لموكّله

- ‌وإذا ابتاع رجل من آخر دارا، ومات البائع ولم يكن بينهما مكاتبة فأراد ورثته مكاتبة ببراءة ذمّة مورّثهم والإشهاد له بذلك

- ‌اذا ابتاع رجل دارا من نفسه لنفسه- وهو أن يكون له ولد تحت حجره، ولولده دار، فأراد أن يشتريها لنفسه من ولده

- ‌وإن شرط أمين الحكم الخيار

- ‌اذا مات رجل وترك دارا وفى ذمّته لزوجته صداق وأثبتته، واشترت الدار من أمين الحكم بمبلغ صداقها

- ‌وإن كانت الزوجة لم تشتر بل اشترى غيرها لنفسه

- ‌اذا باع الوصىّ دارا على يتيم للحاجة من غير أن يثبت الحاجة ولا القيمة

- ‌إذا ابتاع الوصىّ دارا ليتيم على يده

- ‌إذا كان البائع هو السلطان

- ‌إذا اشترى للسلطان وكيله قدّم اسم السلطان

- ‌وان كان البائع وكيل بيت المال

- ‌وان باع وكيل بيت المال بغير توكيل بيع بل بحجّة قيمة

- ‌وأما الردّ بالعيب والفسخ

- ‌وأما الشّفعة

- ‌إذا ادّعى رجل على رجل أنّ الحصّة التى ابتاعها من شريكه يستحقّها بالشّفعة ولم يصدّقه على ذلك

- ‌وأما القسمة والمناصفة

- ‌وأما الأجائر

- ‌فصل وإن استأجر من رجل دارا لمدّة، ثم استأجر مدّة ثانية قبل انقضاء المدّة الأولى

- ‌وإن استأجر وكيل دارا لموكله [من جماعة]

- ‌وإن آجر رجل دارا عن موكّله

- ‌فصل فى معاقدة حمولة

- ‌فصل وإن استأجر دارا بدار

- ‌فصل وإن استأجر مركبا

- ‌فصل وإن استأجر بغلا أو حمارا

- ‌فصل إذا أجر رجل عبده أو ولده

- ‌فصل وإن أجرت امرأة نفسها لمطلّقها

- ‌وإذا أجر رجل دارا على ولده الطفل أو أجر الوصىّ أو أمين الحكم

- ‌فصل وإن استأجر رجل لولده دارا أو الوصىّ أو أمين الحكم

- ‌إذا استأجر الوصىّ من يحجّ عن الميّت

- ‌وإن كانت غير واجبة

- ‌وإن أجر نائب وكيل بيت المال المعمور أرضا فى ديوان الأحباس

- ‌وأما المساقاة

- ‌اذا عزل الموصى وصيّه بغيره

- ‌فصل اذا كلّف الحاكم الوصىّ بإثبات أهليّته

- ‌فصل فى إسجال الوصيّة ومحضر الوصىّ

- ‌فصل إذا قبضت الكافلة نفقة ولدها

- ‌فصل إذا خلف الموصى زوجة مشتملة على حمل، فوضعت وأراد الوصىّ إثبات ذلك

- ‌وأما العتق والتدبير وتعليق العتق

- ‌فصل اذا علّق رجل عتق عبده على موته ليخرج من رأس ماله

- ‌فإن أقرّ الورثة بخروج المدبّر من ثلث المال الموروث، أو أقرّ الوصىّ بذلك

- ‌وأما الكتابة

- ‌فصل وإن عجز المكاتب عن أداء ما كوتب عليه

- ‌وان كانا تحاكما عند حاكم

- ‌وأما النكاح وما يتعلّق به

- ‌فاذا زوّج الوالد ابنته بإذنها أو زوّجها وهى غير بالغ

- ‌وان اعترف الأب برشدها

- ‌وان زوّجها العاقد بإذنها وإذن أبيها، أو بإذنها خاصّة إذا لم يكن لها ولىّ

- ‌وإن كان الزوج ممّن مسّه الرّقّ وعتق

- ‌وإن كانت الزوجة بكرا وزوّجها من له الولاية عليها شرعا، كالأب أو الجدّ الأعلى

- ‌وان كانت الزوجة ثيّبا

- ‌وان كان زوجها توفّى عنها

- ‌وان طلقها ومات عنها وهى حامل ووضعت

- ‌وان كان عن فسخ

- ‌وإن راجع رجل امرأته من طلقة أو طلقتين

- ‌وان زوّجها الحاكم عند غيبة وليّها

- ‌فصل فى صداق المحجور عليه من قبل الحاكم

- ‌فصل اذا أصدق رجل عن موكّله

- ‌فصل اذا تزوّج الحرّ أمة

- ‌وان تزوّج العبد حرّة

- ‌فصل وان زوّج السيّد جاريته لعبده

- ‌فصل وان تزوّج رجل أخرس بامرأة ناطقة

- ‌وان كانا أخرسين

- ‌وأمّا إقرار الزوجين بالزوجيّة واعتراف الزوج بمبلغ الصداق وما يتصل بذلك من فرض الزوجة والإشهاد عليها بقبض الكسوة

- ‌فصل فى فرض زوجة

- ‌فصل وإن قبضت المرأة كسوتها

- ‌وأما الطلاق وما يتصل به من الفروض الواجبة

- ‌فإن طلّق الزوج الزوجة قبل الدخول بها على ما يتشطّر لها من الصداق

- ‌فإن طلّق طلقة رجعيّة بعد الدخول

- ‌فإن طلّقها ثلاثا

- ‌وإن وكّل رجلا أن يطلّق عنه

- ‌فصل فى فرض امرأة مطلّقة ظهرت حاملا

- ‌فإن قرّر على نفسه لولده

- ‌فان قرّر لوالده أو والدته

- ‌فصل إذا قرّر القاضى للمحجور عليه من ماله له ولزوجته

- ‌وأما تعليق الطلاق وفسخ النكاح

- ‌فصل إذا سافر الزوج عن زوجته وتركها بغير نفقة ولا كسوة، وأرادت فسخ نكاحها منه

- ‌وأما نفى ولد الجارية والإقرار باستيلاد الأمة

- ‌وان أقرّ بأنّه استولد جاريته

- ‌واما الوكالات

- ‌فإن وكّله وأراد ألّا يعزله

- ‌فاذا أراد عزله

- ‌واذا وكّل ذمّىّ مسلما قدّم اسم الوكيل

- ‌وأما المحاضر على اختلافها

- ‌فإن كان بالغبطة على القيمة

- ‌فان قوّمت لتباع فيما ثبت على المتوفّى من صداق زوجته، أو من دين

- ‌فصل فى محضر وفاة وحصر ورثة

- ‌فصل اذا مات رجل وخلّف أبوين وأخوين

- ‌وان مات رجل فى بلد بعيدة واستفاض موته وشهد به بالاستفاضة

- ‌فصل إذا مات قوم بعد قوم

- ‌فصل إذا مات العبد وخلّف سيّده

- ‌وإن كان قد أعتقه ومات

- ‌فصل إذا أراد إثبات ملكه لدار

- ‌فصل إذا أثبت رجل أنّه باع بالإجبار والإكراه

- ‌فصل فيما يكتب بعيب فى جارية

- ‌فصل إذا شهد لإنسان أنه من أهل الخير

- ‌فصل اذا شهد برشد إنسان

- ‌فصل فى نسب رجل شريف

- ‌فصل فى عدالة رجل

- ‌فصل فى إعسار رجل

- ‌فصل فى إسلام ذمّىّ

- ‌وأما الإسجالات

- ‌فصل فى ثبوت إقرار متبايعين

- ‌فصل فى ثبوت إسجال حاكم على حاكم

- ‌فصل اذا ورد مثل هذا الكتاب من قاض الى قاض- مثاله من قاضى القضاة بدمشق الى قاضى القضاة بمصر

- ‌وأما التقاليد الحكميّة

- ‌وأما الأوقاف والتحبيسات

- ‌فصل اذا وقف رجل دارا على أولاده وعلى من يحدثه الله من الأولاد، ثمّ على المسجونين ثمّ على فكّ الأسرى، ثمّ على الفقراء والمساكين

- ‌[المؤتلف والمختلف من أسماء نقلة الحديث]

- ‌[المؤتلف والمختلف من نسب رجال الحديث]

- ‌وأمّا من ينسخ العلوم

- ‌وأمّا من ينسخ التاريخ

- ‌وأمّا من ينسخ الشّعر

- ‌ذكر كتابة التعليم وما يحتاج من تصدّى لها إلى معرفته

- ‌فأمّا تعليم الابتداء

- ‌وأمّا تعليم الانتهاء

- ‌وأمّا ما يتفرّع عن هذه الأقلام الخمسة التى ذكرناها

- ‌القسم الأوّل من هذا الفنّ فى السباع وما يتّصل بها من جنسها

- ‌الباب الأوّل فى الأسد والببر والنّمر

- ‌[ذكر ما قيل في الأسد]

- ‌أمّا أسماء الأسد

- ‌وأمّا أصناف الآساد وأجناسها

- ‌وأما عاداتها فى حملها ووضعها وحضانتها

- ‌وأمّا عادتها [فى] وثباتها وثباتها وأفعالها وصبرها وسرعة مشيها وأكلها

- ‌فجرأته معروفة مشهوره

- ‌وأمّا جبنه

- ‌ذكر شىء مما وصف به الأسد نثرا ونظما

- ‌ذكر ما قيل فى النّمر

- ‌الباب الثانى من القسم الأوّل من الفنّ الثالث فيما قيل فى الفهد والكلب والذئب والضبع والنّمس

- ‌ذكر ما قيل فى الفهد

- ‌ذكر ما قيل فى الكلاب

- ‌وأمّا ما فى الكلب من المنافع الطيّبة

- ‌فصل

- ‌أمّا فى الخلقة

- ‌وأمّا فى الألوان

- ‌وأمّا فى ولادتها

- ‌ذكر شىء ممّا وصفت به كلاب الصيد نثرا ونظما

- ‌ذكر ما قيل فى الذئب

- ‌ذكر ما قيل فى الضبع

- ‌ذكر ما قيل فى النّمس

- ‌الباب الثالث من القسم الأوّل من الفنّ الثالث فيما قيل فى السّنجاب والثعلب والدّبّ والهرّ والخنزير

- ‌فأما السّنجاب

- ‌ذكر ما قيل فى الثعلب

- ‌ذكر ما قيل فى الدّبّ

- ‌ذكر ما قيل فى الهرّ

- ‌ذكر ما قيل فى الخنزير

- ‌القسم الثانى من الفنّ الثالث فى الوحوش والظّباء وما يتّصل بها من جنسها

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم فيما قيل فى الفيل والكركدّن والزّرافة والمها والأيّل

- ‌ذكر ما قيل فى الفيل

- ‌ذكر شىء مما وصف به الفيل نظما

- ‌ذكر ما قيل فى الكركدّن

- ‌ذكر ما قيل فى الزّرافة

- ‌ذكر ما قيل فى البقر الوحشية- وهى المها- والأيّل»

- ‌وأمّا ما قيل فى المها

- ‌وأما ما قيل فى الأيّل

- ‌الباب الثانى من القسم الثانى من الفن الثالث فيما قيل فى الحمر الوحشيّة والوعل واللّمط

- ‌ذكر ما قيل فى الحمر الوحشيّة

- ‌ذكر ما قيل فى الوعل

- ‌ذكر ما قيل فى اللّمط

- ‌الباب الثالث من القسم الثانى من الفن الثالث فى الظّبى والأرنب والقرد والنّعام

- ‌ذكر ما قيل فى الظّبى

- ‌ذكر ما قيل فى الأرنب

- ‌ذكر ما قيل فى القرد

- ‌ذكر ما قيل فى النّعام

- ‌القسم الثالث من الفن الثالث فى الدوابّ والأنعام

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم فى الخيل

- ‌ذكر ما ورد فى ابتداء خلق الخيل وأوّل من ذلّلها وركبها

- ‌ذكر ما ورد فى فضل الخيل وبركتها، وفضل الإنفاق عليها

- ‌ذكر ما جاء فى فضل الطّرق

- ‌ذكر ما جاء من دعاء الفرس لصاحبه

- ‌ذكر ما قيل فى أكل لحوم الخيل من الإباحة والكراهة

- ‌ذكر ما جاء فى النّهى عن عسب الفحل وبيع مائه

- ‌ذكر ما جاء فى إكرام الخيل ومنع إذالتها

- ‌ذكر ما ورد من الأمر بارتباط الخيل وما يستحبّ من ألوانها وشياتها وذكورها وإناثها

- ‌ذكر ترجيح إناث الخيل على فحولها وترجيح فحولها على إناثها وما جاء فى ذلك

- ‌ذكر ما ورد فى شؤم الفرس وما يذمّ من عصمها ورجلها

- ‌كيفية تضمير الخيل

- ‌ذكر ما يقسم لصاحب الفرس من سهام الغنيمة والفرق فى ذلك بين العراب والهجن والبراذين

- ‌ذكر سقوط الزكاة فى الخيل

الفصل: ‌ذكر ما قيل فى الهر

ثم يأخذه بيديه، ويقف على قدميه كالإنسان، ويشدّ به على الفارس، فلا يصيب شيئا إلا أهلكه «1» ؛ وفى طبع هذا الحيوان من الفطنة العجيبة لقبول التأديب والتعليم ما هو مشاهد لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه، هذا مع عظم جثّته، وثقل جسمه، لكن لا يطيع معلّمه إلّا بعنف وضرب شديد وتعمية لذكوره؛ وقال الشيخ الرئيس أبو علىّ بن سينا: إنّ دم الدّبّ ينضج الأورام الحارّة سريعا؛ والله أعلم بالصواب.

‌ذكر ما قيل فى الهرّ

والهرّ ضربان: وحشىّ وأهلىّ، وهو يشبه الأسد فى الصورة والأعضاء والوثوب والافتراس والعدو، إلّا أنّه أقلّ جراءة من الأسد وأكثرها من سائر الحيوان؛ وهو يناسب الانسان فى أحوال، منها: أنّه يعطس ويتثاءب ويتمطّى، ويتناول الشىء بيده، ويغسل وجهه وعينيه بلعابه؛ وفيه «2» أنّ الأنثى تحدث لها قوّة وشجاعة عند السّفاد، ولهذا فإنّ الذكر يهرب منها عند فراغه، وتكون هذه الشجاعة فى الذّكر قبل السّفاد، فاذا سفد انتقلت إلى الأنثى، والذّكر إذا هاج صرخ صراخا منكرا يؤذى به من يسمعه لبشاعته؛ والأنثى تحمل فى السنة مرتين، ومدّة حملها خمسون يوما، وفى أخلاق بعضها أنّها اذا ولدت تأكل أولادها، ويقال: إنّها إنّما تأكلهم لفرط حبّها لهم؛ وقيل: بل من جنون يعرض لها عند الولادة وجوع؛ والله أعلم؛ وفى هذا الحيوان من الأخلاق الحميدة أنّه يرعى حقّ

ص: 283

التربية والإحسان إليه، ويقبل التأديب، وربّما ربّى فى حانوت السّمّان «1» والجزّار وفى الدّور بين الدّجاج والحمام وغير ذلك من المطاعم التى يحبّها الهرّ ويأكلها فلا يتعرّض لها بفساد، ولا يأكل منها ما لم يطعمه، وربّما حفظها من غيره، وقاتل دونها، مع ما فيه من الافتراس والاختلاس؛ وفى طبع الهرّ وعادته أنّه إذا أطعم شيئا أكله فى موضعه ولم يهرب، واذا خطفه أو سرقه هرب به، ولا يقف إلّا أن يأمن على نفسه؛ وفى بعضها من الجراءة ما يقتل الثعبان والعقرب؛ وإذا أرادت الهرّة ما يريد صاحب الغائط أتت موضع تراب فى زاوية من زوايا الدّار، فتبحث حتّى تجعل لها حفرة، ثم تدفن فيها ما تلقيه، وتغطّيه من ذلك التراب، ثم تشمّ أعلى التراب، فإن وجدت رائحة زادت عليه ترابا حتى تعلم أنّها أخفت المرئىّ والمشموم، فإذا لم تجد ترابا خمشت وجه الأرض، وزعم بعض الأطبّاء أنّ ستر الهرّة لذلك لحدّة رائحته، فإنّ الفأرة إذا شمّته نفرت منه الى منقطع تلك الرائحة؛ وهو يقبل التعليم ويؤدّب حتى يألف الفأر مع ما بينهما من شدّة العداوة، فيحصل بينهما من المؤالفة الظاهرة والملاءمة ما إنّ الفأر يصعد على ظهر الهرّ، وربّما عضّ أذنه، فيصرخ الهرّ ولا يأكله، ولا يخدشه لخوفه من مؤدّبه، فإذا أشار إليه مؤدّبه بأكله وثب عليه على عادته وأكله، وهذا أمر مشاهد غير منكور يفعله الطّرقيّة «2» ويفرّجون «3» الناس عليه «4» ؛

ص: 284

وفى طبع الهرّ أنّه لا يأكل السّخن ولا الحامض، ومتى دهن أنفه بدهن الورد مات سريعا؛ وهو إذا قاتل الثعبان يضع يده على أنفه، ويقاتل بيده الأخرى، وإنّما يفعل ذلك حذرا على نفسه، فإنّ الثعبان متى ضربه فى أنفه مات، ويضربه فى سائر جسده فلا يضرّه ذلك، بل يلحس مكان نهش الثّعبان بلسانه وهو يقاتله.

وقد وصفه الشعراء والأدباء برسائل وأبيات.

فمن ذلك رسالة أنشأها أبو [جعفر»

] عمر الأوسىّ الأندلسىّ المعروف بابن صاحب الصّلاة «2» - ونسبت هذه الرسالة لأبى [نصر «3» ] الفتح بن خاقان صاحب قلائد العقيان- يخاطب بها بعض اخوانه ويوصيه على «4» كتبه، وهى: وفى علمك- أعزّك الله- ما استودعته ديانتك، واستحفظته أمانتك؛ من كتبى التى هى أنفس ذخائرى وأسراها «5» ، وأحقّها بالصيانة وأحراها؛ وما كنت أرتضى فيها بالتّغريب،

ص: 285

لولا التّرجّى لمعاودة الطلب عن قريب؛ ولا شكّ أنّها منك ببال، وبمكان تهمّم «1» واهتبال؛ لكن ربّما طرقها من مردة الفئرة طارق، وعاث فيها كما يعيث الفاسق المارق؛ فينزل «2» فيها قرضا، ويفسدها طولا وعرضا؛ إلّا أن يطوف عليها هرّ نبيل، ينتمى من القطاط إلى أنجب قبيل؛ له رأس كجمع «3» الكفّ، وأذنان قد قامتا «4» على صفّ؛ ذواتا لطافة ودقّه، وسباطة ورقّه؛ يقيمهما عند التشوّف، ويضجعهما عند التخوّف؛ ومقلة مقتطعة من الزجاج المجزّع «5» ، وكأنّ ناظرها من العيون البابليّة منتزع؛ قد استطال الشعر حول أشداقه، وفوق آماقه؛ كإبر مغروزة على العيون، كما أحكمت «6» برد أطرافها القيون «7» ؛ له ناب كحدّ المطرد «8» ، ولسان كظهر المبرد؛ وأنف أخنس «9» وعنق أوقص «10» ، وخلق سوىّ غير منتقص، أهرت «11» الشّدقين، موشّى

ص: 286

الساعدين والساقين [ململم «1» اليدين] والرجلين؛ يرجّل بها «2» وبره «3» ترجيل ذوى الهمم، لما شعث «4» من اللّمم؛ فينفض ما لصق به من الغبار، وعلق من الأوبار، ثم يجلوه بلسانه جلاء الصّيقل للحسام، والحمّام للأجسام؛ فينفى قذاه، ويوارى أذاه؛ ويقعى إقعاء الأسد إذا جلس، ويثب وثبة النّمر «5» إذا اختلس؛ له ظهر شديد، وذنب مديد؛ يهزّه هزّ السّمهرىّ المثقّف، وتارة يلويه لىّ الصّولج المعقّف؛ تجول يداه فى الخشب والأرائك، كما تجول فى الكسايد حائك «6» ؛ يكبّ على الماء حين يلغه «7» ، ويدنى منه فاه ولا يبلغه؛ ويتّخذ من لسانه رشاء ودلوا، ويعلم به إن كان الماء ملحا أو حلوا؛ فتسمع للماء خضخضة من قرعه، وترى للّسان نضنضة «8» من جرعه؛ يحمى داره حماية النّقيب، ويحرسها حراسة الرقيب؛ فإن رأى فيها كلبا، صار عليه إلبا «9» ؛ وصعّر خدّه

ص: 287

وعظّم قدّه، حتّى يصير ندّه «1» ؛ أنفة من جنابه «2» أن يطرق، وغيرة على حجابه أن يخرق؛ وإن رأى فيها هرّا، وجف «3» اليه مكفهرّا؛ فدافعه بالساعد الأشدّ، ونازعه منازعة الخصم الألدّ؛ فإذا أطال مفاوضته، وأدام مراوضته؛ أبرز برثنه لمبادرته، وجوشنه «4» لمصادرته؛ ثمّ تسلّل إليه لواذا، واستحوذ عليه استحواذا؛ وشدّ عليه شدّه، وضمّه من غير مودّه؛ فأنسل وبره إنسالا «5» ، وأرسل دمه إرسالا؛ بأنياب عصل «6» ، أمضى من نصل؛ ومخلب كمنقار «7» الصّخر، درب بالاقتناص والعقر؛ فيصيّر «8» قرنه ممزّق الإهاب، مستبصرا «9» فى الذّهاب، قد أفلت من بين أظفار وأنياب، ورضى من الغنيمة بالإياب؛ هذا وهو يخاتله دون جنّه، ويقاتله بلا سيوف ولا أسنّه؛ وإنّما جنّته، منّته «10» ؛ وشفاره،

ص: 288

أظفاره؛ وسنانه، أسنانه؛ إذا سمعت الفئرة منه مغاء «1» ، لم تستطع له إصغاء؛ وتصدّعت «2» قلوبها من الحدر، وتفرّقت جموعها شذر مذر؛ تهجع العيون وهو ساهر، وتستتر الشخوص وهو ظاهر؛ يسرى من عينيه بنيّرين وضّاحين، تخالهما فى الظلام مصباحين؛ يسوف «3» الأركان، ويطوف بكلّ مكان؛ ويحكى فى ضجعته السوار تحنّيا، وقضيب الخيزران تثنّيا؛ ثم يغطّ إذا نام، ويتمطّى إذا قام؛ ولا يكون بالنار مستدفئا، ولا للقدر مكفئا؛ ولا فى الرّماد مضطجعا، ولا للجار منتجعا؛ بل يدبّر بكيده، وينتصر على صيده؛ قد تمرّن «4» على قتل الخشاش «5» ، وافترس الطير فى المسارح والأعشاش؛ يستقبل الرياح بشمّه، ويجعل الاستدلال أكبر همّه؛ ثم يكمن للفأر حيث «6» يسمع لها خبيبا «7» ، أو يلمح من شيطانها «8» دبيبا؛ فيلصق بالأرض، وينطوى بعضه فى بعض، حتى يستوى «9» منه الطّول والعرض؛ فاذا تشوّفت الفأرة من حجرها، وأشرفت بصدرها ونحرها؛ دبّ اليها دبيب الصّلّ

ص: 289

وامتدّ إليها امتداد الظّلّ؛ ثم وثب فى الحين عليها [وجلب «1» الحين اليها] ؛ فأثخنها جراحا، ولم يعطها براحا؛ فصاحت من شدّة أسره، وقوّة كسره؛ وكلّما كانت صيحتها أمدّ، كانت قبضته عليها أشدّ، حتّى يستأصل أوداجها فريا، وعظامها بريا، ثم يدعها مخرجة الذّماء «2» ، مضرّجة بالدّماء؛ وان كان جرذا مسنّا، لم يضع عليه سنّا؛ وإن كان درصا «3» صغيرا فغر عليه فاه، وقبض مترفّقا على قفاه؛ ليزداد منه تشهّيا وبه تلهّيا؛ ثم تلاعب به تلاعب الفرسان بالأعنّه، والأبطال بالأسنّه؛ فإذا أوجعه عضّا، وأوعبه «4» رضّا؛ أجهز فى الفور عليه، وعمد بالأكل اليه؛ فازدرد منه أطيب طعمه، واعتدّه أهنأ نعمه؛ ثم أظهر بالالتعاق «5» شكره، وأعمل فى غيره فكره؛ فرجع إلى حيث أثاره، ويتبع «6» فيه آثاره؛ راجيا أن يجد فى رباعه، ثانيا من أتباعه، فيلحقه بصاحبه فى الردى، حتّى يفنى جميع العدى؛ وربّما انحرف عن هذه العوائد «7» ، والتقط فتات الموائد «8» ، بلاغا «9» فى الاحتماء، وبرّا بالنّعماء، فماله على خصاله ثمن «10» ، ولا جاء

ص: 290

بمثاله زمن؛ وقد أوردت- أعزّك الله- من وصفه فصلا مغربا، وهزلا مطربا؛ إخلاصا من الطويّة واسترسالا، وتسريحا للسجيّة وإرسالا، على أنّى لو استعرت فى وصفه لسان أبى «1» عبيد، وأظهرت فى نعته بيان أبى زبيد «2» ؛ ما انتهيت فى النطق إلى خطابك، ولا احتويت فى السّبق على أقصابك؛ والله يبقيك لثمر النّبل جانيا، ولدرج الفضل بانيا.

وقال ابن طباطبا يصف هرّة بلقاء:

فتنتنى بظلمة وضياء

إذ تبدّت بالعاج والآبنوس

تتلقّى الظلام من مقلتيها

بشعاع يحكى شعاع الشّموس

ذات دلّ قصيرة كلّما قا

مت تهادت، طويلة فى الجلوس

لم تزل تسبغ الوضوء وتنقى

كلّ عضو لها من التنجيس

دأبها ساعة الطهارة دفن ال

عنبر الرّطب فى الحنوط اليبيس «3»

ص: 291

وقال أبو بكر الصّنوبرىّ من أبيات- وذكر الجرذان «1» -:

ذاد همّى بهنّ «2» أورق «3» تركىّ «4»

السّبالين أنمر «5» الجلباب

ليث غاب خلقا وخلقا فمن عا

ينه قال: إنّه ليث غاب

قنفذ فى ازبراره «6» وهو ذئب

فى اغترار «7» وحيّة فى انسياب

ناصب طرفه إزاء الزّوايا

وإزاء السّقوف والأبواب

ينتضى الظّفر حين يظفر فى الحر

ب وإلا فظفره فى قراب

يسحب الصّيد فى أقلّ من اللّم

ح ولو كان صيده فى السحاب

ومنها «8» :

قرّطوه «9» وقلّدوه وعالو «10»

هـ أخيرا وأوّلا بالخضاب

ص: 292

فهو طورا يبدو بنحر عروس

وهو طورا يمشى على عنّاب

حبّذا ذاك صاحبا فهو فى الصحة

أو فى من سائر الأحباب

وقال أبو بكر بن العلّاف يرثى هرّا-، وقد قيل: إنما رثى بها ابنه، لأنّه تعرّض إلى حريم بعض الأكابر فاغتالوه وقتلوه؛ وقيل: بل رثى بها عبد الله بن المعتزّ، وورّى بهرّ خوفا من المقتدر «1» بالله، فقال:

يا هرّ فارقتنا ولم تعد

وكنت منّا بمنزل الولد

وكيف ننفكّ عن هواك وقد

كنت لنا عدّة من العدد

تمنع عنّا الأذى وتحرسنا

بالغيب من خنفس «2» ومن جرد «3»

وتخرج الفأر من مكامنها

ما بين مفتوحها إلى السّدد «4»

يلقاك فى البيت منهم عدد «5»

وأنت تلقاهم بلا عدد «6»

وكان يجرى- ولا سداد لهم-

أمرك فى بيتنا على سدد

حتى اعتقدت الأذى لجيرتنا

ولم تكن للأذى بمعتقد

وحمت حول الرّدى بظلمهم

ومن يحم حول حوضه يرد

وكان قلبى عليك مرتعدا

وأنت تنساب غير مرتعد

ص: 293

تدخل برج الحمام متّئدا

وتخرج الفرخ غير متّئمد

وتطرح الرّيش فى الطريق لهم

وتبلع اللّحم بلع مزدرد

أطعمك الغىّ لحمها فرأى

قتلك أربابها من الرّشد

كادوك دهرا فما وقعت وكم

أفلتّ من كيدهم ولم تكد «1»

حتّى إذا خاتلوك واجتهدوا

وساعد النفس «2» كيد مجتهد

صادوك غيظا عليك وانتقموا

منك وزادوا ومن يصد يصد

ثمّ شفوا بالحديد أنفسهم

منك ولم يربعوا «3» على أحد

لم يرحموا صوتك الضعيف كما

لم ترث منها لصوتها الغرد

فحين كاشفت «4» وانتهكت وجا

هرت وأسرفت غير مقتصد

أذاقك الموت من أذاق «5» كما

أذقت أطياره يدا بيد

كأنّهم يقتلون طاغية

كان لطاغوته «6» من العبد «7»

ص: 294

فلو أكبّوا على القرامط «1» أو

مالوا على زكرويه «2» لم يزد

يا من لذيذ الفراخ أوقعه

ويحك هلّا قنعت بالقدد «3»

ما كان أغناك عن تسوّرك ال

برج ولو كان جنّة الخلد

لا بارك الله فى الطعام إذا

كان هلاك النّفوس فى المعد

كم أكلة داخلت حشاشره

فأخرجت روحه من الجسد

أردت أن تأكل الفراخ ولا

يأكلك الدهر أكل مضطهد

هذا بعيد من القياس وما

أعزّه «4» فى الدّنوّ والبعد

ص: 295

ولم تكن لى بمن دهاك يد

تقوى على دفعه يد الأبد «1»

ولا تبيّن حشو جلدك عن «2»

د الذّبح من طاقة ومن جلد

كأنّ حبلا حوى- بحوزته «3» -

جيدك للذّبح «4» كان من مسد

كأنّ عينى تراك مضطربا

فيه وفى فيك رغوة الزّبد

وقد طلبت الخلاص منه فلم

تقدر على حيلة ولم تجد

فجدت بالنفس والبخيل بها

كنت ومن لم يجد بها يجد «5»

عشت حريصا يقوده طمع

ومتّ ذا قاتل بلا قود

فما سمعنا بمثل موتك إذ

متّ ولا مثل عيشك النّكد

عشنا بخير وكنت تكلؤنا

ومات جيراننا من الحسد

ثمّ تقلّبت فى فراخهم

وانقلب «6» الحاسدون بالكمد

قد انفردنا بمأتم ولهم

بعدك بالعرس أىّ منفرد

قد كنت فى نعمة وفى سعة

من المليك المهيمن الصّمد

ص: 296

تأكل من فأر بيتنا رغدا

وأين بالشاكرين «1» للرغد

قد كنت بدّدت شملهم زمنا

فاجتمعوا بعد ذلك البدد

وفتّنوا الخبز فى السّلال «2» فكم

تفتّتت للعيال من كبد

فلم يبقّوا لنا على سبد

فى جوف أبياتنا «3» ولا لبد

وفرّغوا قعرها وما تركوا

ما علّقته يد على وتد

ومزّقوا من ثيابنا جددا

فكلّنا فى مصائب جدد

فاذهب من البيت خير مفتقد

واذهب من البرج شرّ مفتقد

ألم تخف وثبة الزمان وقد

وثبت فى البرج وثبة الأسد؟

أخنى على الدار فيه بالأمس «4»

ومن قبلها على لبد «5»

ص: 297

ولم يدع فى عراصها أحدا

ما بين عليائها إلى السّند «1»

عاقبة البغى لا تنام وإن

تأخّرت مدّة من المدد

من لم يمت يومه يمت غده

أو لا يمت فى غد فبعد غد

والحمد لله لا شريك له

فكلّ شىء يرى إلى أمد

وفيه «2» أيضا:

يا هرّ بعت الحقّ بالباطل

وصرت لا تصغى إلى عاذل

إذا أتيت البرج من خارج

طارت قلوب الطّير من داخل

علما بما تصنع فى برجها

فهى على خوف من الفاعل

قد كنت لا تغفل عن أكلها

ولم يكن ربّك بالغافل

فانظر إلى ما صنعت بعد ذا

عقوبة المأكول بالآكل

ما زلت يا مسكين مستقتلا

حتّى لقد منّيت «3» للقاتل

قد كنت للرحمة مستأهلا

إذ لم أكن منك بمستاهل

وقال أيضا:

يا ربّ بيت ربّه

فيه تضايق مستقرّه

لمّا تكاثر فأره

وجفاه بعد الوصل هرّه

ص: 298