المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ما قيل فى الفيل - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٩

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء التاسع

- ‌[تتمة الفن الثاني في الإنسان وما يتعلق به]

- ‌[تتمة القسم الخامس في الملك وما يشترط فيه و

- ‌تتمة باب الرابع عشر في ذكر الكتاب والبلغاء والكتابة و

- ‌تتمة ثم الكتابة بحسب من يحترفون بها على أقسام

- ‌ذكر كتابة الحكم والشروط وما يتّصف به الكاتب ويحتاج اليه

- ‌أما اشتراط العدالة والديانة والأمانة

- ‌وأما حسن الخطّ

- ‌وأما معرفة العربيّة

- ‌وأما معرفة الفقه

- ‌وأما علم الحساب والفرائض

- ‌وأما معرفة صناعة الوراقة فى الأمور التى ذكرناها

- ‌[ذكر ما اصطلح عليه الكتاب من أوضاع الوراقة]

- ‌ ولنذكر كيفيّة ما يصنعه الكاتب فى كلّ واقعة على معنى ما أورده «أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن المخزومىّ

- ‌أما الإقرارات وما يتصل بها من الرهن والضمان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌وأمّا الشّركة

- ‌وأما القراض

- ‌وأما العارية

- ‌وأما الهبة والنّحلة

- ‌وأما الصدقة والرجوع

- ‌وأما التمليك- فمنه ما هو بعوض، وما هو بغير عوض

- ‌فأما ما كان بعوض

- ‌وأما ما كان بغير عوض

- ‌وأما البيوع

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌واذا ابتاع الأخرس الأصمّ دارا

- ‌واذا ابتاع رجل من آخر دارا بثمن معيّن مقبوض وكتب بينهما مكتوب على ما تقدّم، ثم حضر المشترى وادّعى أنه كان ابتاع الدار لموكّله

- ‌وإذا ابتاع رجل من آخر دارا، ومات البائع ولم يكن بينهما مكاتبة فأراد ورثته مكاتبة ببراءة ذمّة مورّثهم والإشهاد له بذلك

- ‌اذا ابتاع رجل دارا من نفسه لنفسه- وهو أن يكون له ولد تحت حجره، ولولده دار، فأراد أن يشتريها لنفسه من ولده

- ‌وإن شرط أمين الحكم الخيار

- ‌اذا مات رجل وترك دارا وفى ذمّته لزوجته صداق وأثبتته، واشترت الدار من أمين الحكم بمبلغ صداقها

- ‌وإن كانت الزوجة لم تشتر بل اشترى غيرها لنفسه

- ‌اذا باع الوصىّ دارا على يتيم للحاجة من غير أن يثبت الحاجة ولا القيمة

- ‌إذا ابتاع الوصىّ دارا ليتيم على يده

- ‌إذا كان البائع هو السلطان

- ‌إذا اشترى للسلطان وكيله قدّم اسم السلطان

- ‌وان كان البائع وكيل بيت المال

- ‌وان باع وكيل بيت المال بغير توكيل بيع بل بحجّة قيمة

- ‌وأما الردّ بالعيب والفسخ

- ‌وأما الشّفعة

- ‌إذا ادّعى رجل على رجل أنّ الحصّة التى ابتاعها من شريكه يستحقّها بالشّفعة ولم يصدّقه على ذلك

- ‌وأما القسمة والمناصفة

- ‌وأما الأجائر

- ‌فصل وإن استأجر من رجل دارا لمدّة، ثم استأجر مدّة ثانية قبل انقضاء المدّة الأولى

- ‌وإن استأجر وكيل دارا لموكله [من جماعة]

- ‌وإن آجر رجل دارا عن موكّله

- ‌فصل فى معاقدة حمولة

- ‌فصل وإن استأجر دارا بدار

- ‌فصل وإن استأجر مركبا

- ‌فصل وإن استأجر بغلا أو حمارا

- ‌فصل إذا أجر رجل عبده أو ولده

- ‌فصل وإن أجرت امرأة نفسها لمطلّقها

- ‌وإذا أجر رجل دارا على ولده الطفل أو أجر الوصىّ أو أمين الحكم

- ‌فصل وإن استأجر رجل لولده دارا أو الوصىّ أو أمين الحكم

- ‌إذا استأجر الوصىّ من يحجّ عن الميّت

- ‌وإن كانت غير واجبة

- ‌وإن أجر نائب وكيل بيت المال المعمور أرضا فى ديوان الأحباس

- ‌وأما المساقاة

- ‌اذا عزل الموصى وصيّه بغيره

- ‌فصل اذا كلّف الحاكم الوصىّ بإثبات أهليّته

- ‌فصل فى إسجال الوصيّة ومحضر الوصىّ

- ‌فصل إذا قبضت الكافلة نفقة ولدها

- ‌فصل إذا خلف الموصى زوجة مشتملة على حمل، فوضعت وأراد الوصىّ إثبات ذلك

- ‌وأما العتق والتدبير وتعليق العتق

- ‌فصل اذا علّق رجل عتق عبده على موته ليخرج من رأس ماله

- ‌فإن أقرّ الورثة بخروج المدبّر من ثلث المال الموروث، أو أقرّ الوصىّ بذلك

- ‌وأما الكتابة

- ‌فصل وإن عجز المكاتب عن أداء ما كوتب عليه

- ‌وان كانا تحاكما عند حاكم

- ‌وأما النكاح وما يتعلّق به

- ‌فاذا زوّج الوالد ابنته بإذنها أو زوّجها وهى غير بالغ

- ‌وان اعترف الأب برشدها

- ‌وان زوّجها العاقد بإذنها وإذن أبيها، أو بإذنها خاصّة إذا لم يكن لها ولىّ

- ‌وإن كان الزوج ممّن مسّه الرّقّ وعتق

- ‌وإن كانت الزوجة بكرا وزوّجها من له الولاية عليها شرعا، كالأب أو الجدّ الأعلى

- ‌وان كانت الزوجة ثيّبا

- ‌وان كان زوجها توفّى عنها

- ‌وان طلقها ومات عنها وهى حامل ووضعت

- ‌وان كان عن فسخ

- ‌وإن راجع رجل امرأته من طلقة أو طلقتين

- ‌وان زوّجها الحاكم عند غيبة وليّها

- ‌فصل فى صداق المحجور عليه من قبل الحاكم

- ‌فصل اذا أصدق رجل عن موكّله

- ‌فصل اذا تزوّج الحرّ أمة

- ‌وان تزوّج العبد حرّة

- ‌فصل وان زوّج السيّد جاريته لعبده

- ‌فصل وان تزوّج رجل أخرس بامرأة ناطقة

- ‌وان كانا أخرسين

- ‌وأمّا إقرار الزوجين بالزوجيّة واعتراف الزوج بمبلغ الصداق وما يتصل بذلك من فرض الزوجة والإشهاد عليها بقبض الكسوة

- ‌فصل فى فرض زوجة

- ‌فصل وإن قبضت المرأة كسوتها

- ‌وأما الطلاق وما يتصل به من الفروض الواجبة

- ‌فإن طلّق الزوج الزوجة قبل الدخول بها على ما يتشطّر لها من الصداق

- ‌فإن طلّق طلقة رجعيّة بعد الدخول

- ‌فإن طلّقها ثلاثا

- ‌وإن وكّل رجلا أن يطلّق عنه

- ‌فصل فى فرض امرأة مطلّقة ظهرت حاملا

- ‌فإن قرّر على نفسه لولده

- ‌فان قرّر لوالده أو والدته

- ‌فصل إذا قرّر القاضى للمحجور عليه من ماله له ولزوجته

- ‌وأما تعليق الطلاق وفسخ النكاح

- ‌فصل إذا سافر الزوج عن زوجته وتركها بغير نفقة ولا كسوة، وأرادت فسخ نكاحها منه

- ‌وأما نفى ولد الجارية والإقرار باستيلاد الأمة

- ‌وان أقرّ بأنّه استولد جاريته

- ‌واما الوكالات

- ‌فإن وكّله وأراد ألّا يعزله

- ‌فاذا أراد عزله

- ‌واذا وكّل ذمّىّ مسلما قدّم اسم الوكيل

- ‌وأما المحاضر على اختلافها

- ‌فإن كان بالغبطة على القيمة

- ‌فان قوّمت لتباع فيما ثبت على المتوفّى من صداق زوجته، أو من دين

- ‌فصل فى محضر وفاة وحصر ورثة

- ‌فصل اذا مات رجل وخلّف أبوين وأخوين

- ‌وان مات رجل فى بلد بعيدة واستفاض موته وشهد به بالاستفاضة

- ‌فصل إذا مات قوم بعد قوم

- ‌فصل إذا مات العبد وخلّف سيّده

- ‌وإن كان قد أعتقه ومات

- ‌فصل إذا أراد إثبات ملكه لدار

- ‌فصل إذا أثبت رجل أنّه باع بالإجبار والإكراه

- ‌فصل فيما يكتب بعيب فى جارية

- ‌فصل إذا شهد لإنسان أنه من أهل الخير

- ‌فصل اذا شهد برشد إنسان

- ‌فصل فى نسب رجل شريف

- ‌فصل فى عدالة رجل

- ‌فصل فى إعسار رجل

- ‌فصل فى إسلام ذمّىّ

- ‌وأما الإسجالات

- ‌فصل فى ثبوت إقرار متبايعين

- ‌فصل فى ثبوت إسجال حاكم على حاكم

- ‌فصل اذا ورد مثل هذا الكتاب من قاض الى قاض- مثاله من قاضى القضاة بدمشق الى قاضى القضاة بمصر

- ‌وأما التقاليد الحكميّة

- ‌وأما الأوقاف والتحبيسات

- ‌فصل اذا وقف رجل دارا على أولاده وعلى من يحدثه الله من الأولاد، ثمّ على المسجونين ثمّ على فكّ الأسرى، ثمّ على الفقراء والمساكين

- ‌[المؤتلف والمختلف من أسماء نقلة الحديث]

- ‌[المؤتلف والمختلف من نسب رجال الحديث]

- ‌وأمّا من ينسخ العلوم

- ‌وأمّا من ينسخ التاريخ

- ‌وأمّا من ينسخ الشّعر

- ‌ذكر كتابة التعليم وما يحتاج من تصدّى لها إلى معرفته

- ‌فأمّا تعليم الابتداء

- ‌وأمّا تعليم الانتهاء

- ‌وأمّا ما يتفرّع عن هذه الأقلام الخمسة التى ذكرناها

- ‌القسم الأوّل من هذا الفنّ فى السباع وما يتّصل بها من جنسها

- ‌الباب الأوّل فى الأسد والببر والنّمر

- ‌[ذكر ما قيل في الأسد]

- ‌أمّا أسماء الأسد

- ‌وأمّا أصناف الآساد وأجناسها

- ‌وأما عاداتها فى حملها ووضعها وحضانتها

- ‌وأمّا عادتها [فى] وثباتها وثباتها وأفعالها وصبرها وسرعة مشيها وأكلها

- ‌فجرأته معروفة مشهوره

- ‌وأمّا جبنه

- ‌ذكر شىء مما وصف به الأسد نثرا ونظما

- ‌ذكر ما قيل فى النّمر

- ‌الباب الثانى من القسم الأوّل من الفنّ الثالث فيما قيل فى الفهد والكلب والذئب والضبع والنّمس

- ‌ذكر ما قيل فى الفهد

- ‌ذكر ما قيل فى الكلاب

- ‌وأمّا ما فى الكلب من المنافع الطيّبة

- ‌فصل

- ‌أمّا فى الخلقة

- ‌وأمّا فى الألوان

- ‌وأمّا فى ولادتها

- ‌ذكر شىء ممّا وصفت به كلاب الصيد نثرا ونظما

- ‌ذكر ما قيل فى الذئب

- ‌ذكر ما قيل فى الضبع

- ‌ذكر ما قيل فى النّمس

- ‌الباب الثالث من القسم الأوّل من الفنّ الثالث فيما قيل فى السّنجاب والثعلب والدّبّ والهرّ والخنزير

- ‌فأما السّنجاب

- ‌ذكر ما قيل فى الثعلب

- ‌ذكر ما قيل فى الدّبّ

- ‌ذكر ما قيل فى الهرّ

- ‌ذكر ما قيل فى الخنزير

- ‌القسم الثانى من الفنّ الثالث فى الوحوش والظّباء وما يتّصل بها من جنسها

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم فيما قيل فى الفيل والكركدّن والزّرافة والمها والأيّل

- ‌ذكر ما قيل فى الفيل

- ‌ذكر شىء مما وصف به الفيل نظما

- ‌ذكر ما قيل فى الكركدّن

- ‌ذكر ما قيل فى الزّرافة

- ‌ذكر ما قيل فى البقر الوحشية- وهى المها- والأيّل»

- ‌وأمّا ما قيل فى المها

- ‌وأما ما قيل فى الأيّل

- ‌الباب الثانى من القسم الثانى من الفن الثالث فيما قيل فى الحمر الوحشيّة والوعل واللّمط

- ‌ذكر ما قيل فى الحمر الوحشيّة

- ‌ذكر ما قيل فى الوعل

- ‌ذكر ما قيل فى اللّمط

- ‌الباب الثالث من القسم الثانى من الفن الثالث فى الظّبى والأرنب والقرد والنّعام

- ‌ذكر ما قيل فى الظّبى

- ‌ذكر ما قيل فى الأرنب

- ‌ذكر ما قيل فى القرد

- ‌ذكر ما قيل فى النّعام

- ‌القسم الثالث من الفن الثالث فى الدوابّ والأنعام

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم فى الخيل

- ‌ذكر ما ورد فى ابتداء خلق الخيل وأوّل من ذلّلها وركبها

- ‌ذكر ما ورد فى فضل الخيل وبركتها، وفضل الإنفاق عليها

- ‌ذكر ما جاء فى فضل الطّرق

- ‌ذكر ما جاء من دعاء الفرس لصاحبه

- ‌ذكر ما قيل فى أكل لحوم الخيل من الإباحة والكراهة

- ‌ذكر ما جاء فى النّهى عن عسب الفحل وبيع مائه

- ‌ذكر ما جاء فى إكرام الخيل ومنع إذالتها

- ‌ذكر ما ورد من الأمر بارتباط الخيل وما يستحبّ من ألوانها وشياتها وذكورها وإناثها

- ‌ذكر ترجيح إناث الخيل على فحولها وترجيح فحولها على إناثها وما جاء فى ذلك

- ‌ذكر ما ورد فى شؤم الفرس وما يذمّ من عصمها ورجلها

- ‌كيفية تضمير الخيل

- ‌ذكر ما يقسم لصاحب الفرس من سهام الغنيمة والفرق فى ذلك بين العراب والهجن والبراذين

- ‌ذكر سقوط الزكاة فى الخيل

الفصل: ‌ذكر ما قيل فى الفيل

‌القسم الثانى من الفنّ الثالث فى الوحوش والظّباء وما يتّصل بها من جنسها

، وفيه ثلاثة أبواب

‌الباب الأوّل من هذا القسم فيما قيل فى الفيل والكركدّن والزّرافة والمها والأيّل

‌ذكر ما قيل فى الفيل

يقال: إنّ الفيل مولّد بين الجاموس والخنزير، ولذلك يزعم بعض من بحث عن طبائع الحيوان أنّ الفيلة مائيّة الطباع بالجاموسيّة والخنزيريّة اللّتين فيها، وبعضها يسكن الماء، وبعضها لا يسكنه؛ ويقال: إنّ الفيلة صنفان: فيل، وزندبيل «1» ، وهما كالبخت والعراب، والبقر والجاموس، والخيل والبراذين، والفأر والجرذان، والنمل والذّرّ؛ وبعضهم يقول: إنّ الفيل الذّكر، والزّندبيل «2» الأنثى؛ وقال بعضهم:

إنّ الزّندبيل «3» هو عظيم الفيلة والمقدّم عليها فى الحرب، وفيه يقول بعض الشعراء:

ذاك الذى مشفره طويل

وهو من الأفيال زندبيل «4»

وقال آخر:

وفيله كالطّود زندبيل «5»

وقال آخر:

من بين أفيال وزندبيل «6»

ص: 302

وخرطوم الفيل أنفه، وبه يوصل الطعام والشراب إلى فيه، وبه يقاتل وبه يصيح، وليس صوت الفيل على مقدار جثّته؛ ولسانه مقلوب، طرفه إلى داخل فيه، وأصله خارج، وهو على العكس من سائر الحيوانات؛ والهند تزعم أنّه لولا ذلك لتكلّم، وهم يعظّمون الفيلة ويشرّفونها على سائر الحيوانات؛ والفيل يتولّد فى أرض الهند والسّند والزّنج، وبجزيرة سرنديب «1» ؛ وهو أعظمها خلقا، وينتهى فى عظم الخلق الى أن يبلغ فى الارتفاع عشرة «2» أذرع؛ وفى ألوانها الأسود والأبيض والأبلق والأزرق؛ وهو اذا اغتلم أشبه الجمل «3» فى ترك الماء والعلف حتى ينضمّ «4» إبطاه، ويتورّم رأسه، وربّما استوحش لذلك بعد استئناسه، والفيل ينزو إذا مضى له من العمر خمس سنين، والأنثى تحمل سنتين، وإذا حملت لا يقربها الذّكر، ولا ينزو عليها إذا وضعت إلّا بعد ثلاث سنين، ولا ينزو إلّا على فيلة واحدة، وله عليها غيرة شديدة؛ وإذا أرادت الفيلة أن تضع دخلت النهر فتضع ولدها فى الماء، لأنّها تلد قائمة؛ والذكر يحرسها ويحرس ولدها من الحيّات، وذلك لعداوة بينهما؛ قالوا: وأنثيا الفيل داخل بدنه قريبا من كليتيه، ولذلك هو يسفد سريعا كالطير، لأنهما قريبتان من القلب فتنضحان المنىّ بسرعة؛ ويقال: إنّ الفيل يحقد كالجمل؛ والهند يجعلون نابى الفيل قرنيه، وفيها الأعقف والمستقيم؛ قال المسعودىّ فى مروج الذهب: وربّما بلغ

ص: 303

الناب الواحد منها خمسين ومائة منّ «1» ؛ ورأيت أنا من أنياب الفيلة ما طوله يزيد على أربعة «2» أذرع ونصف، وهو معقّف، شاهدت ذلك بمدينة قوص فى سنة سبع وتسعين وستّمائة، ورأيت فيها نابين أظنّهما أخوين بهذه الصفة، وهما معقّفان، وغلظهما مناسب لطولهما؛ والفيل يحمل بنابيه على الجدار الوثيق فيهدمه؛ ولم تزل ملوك غزنة «3» إلى سبكتكين ومن بعدهم من الملوك الغزنويّة تفتتح بالفيلة المدن، وتهدم بصدماتها الحصون، وأشهرهم بذلك يمين الدّولة محمود بن سبكتكين، على ما ستقف- إن شاء الله تعالى- عليه فى تاريخ الدّولة الغزنويّة؛ والفيل سريع الاستئناس بالناس؛ وفى طبعه أنّه إذا سمع صوت الخنزير ارتاع ونفر واعتراه الفزع؛ وقال المسعودىّ: إنّه لا يثبت للهرّ، وإذا رآه فرّ منه؛ وقال: إنّ رجلا كان بالمولتان «4» من أرض الهند «5» يدعى هارون بن موسى مولى الأزد «6» ، وكان شاعرا شجاعا ذا رياسة فى قومه ومتعة بأرض السّند مما يلى بلاد المولتان «7» [وكان «8» ] فى حصن له هناك، فالتقى مع بعض ملوك الهند، وقد قدّمت الهند أمامها الفيلة، فبرز هارون أمام الصفّ

ص: 304

وقصد عظيم الفيلة، وقد خبأ سنّورا تحت ثيابه؛ فلمّا دنا فى حملته من الفيل أبرز الهرّ له، فانهزم الفيل وولّى عند مشاهدته للهرّ، فانهزم الجيش وقتل الملك الهندىّ، ولهارون بن موسى قصيدة فى ذلك نذكرها- إن شاء الله تعالى- عند ذكر وصف الفيل؛ والفيل إذا ورد الماء الصافى كدّره قبل أن يشربه كعادة الخيل، وهو قليل الاحتمال للبرد، واذا عام فى الماء استتر كلّه إلّا خرطومه؛ ويقال: إنّه يصاد باللهو والطرب والزّينة وروائح الطّيب؛ والزّنوج تصيده بحيلة غير ذلك، وهى أنّهم يعمدون إلى نوع من الأشجار، فيأخذون ورقه ولحاءه ويجعلونه فى الماء الذى تشربه الفيلة، فاذا وردته وشربت منه سكرت، فتسقط إلى الأرض، ولا تستطيع القيام، فتقتلها الزّنوج بالحراب، ويأخذون أنيابها ويحملونها إلى بلاد عمان، وتنقل منها إلى البلاد؛ وأمّا أهل النّوبة فإنّهم اذا أرادوا صيدها للبقاء عمدوا إلى طرقها التى ترد الماء منها، فيحفرون هناك أخاديد ويسقّفونها بالخشب الضعيف، ويسترونها بالنبات والتراب، فاذا مرّ الفيل عليها انكسرت به تلك الأخشاب الضعيفة، فيسقط فى الأخدود، فعند ذلك يتبادر اليه جماعة من الرجال بأيديهم العصىّ الرّقاق، فيضربونه الضرب الوجيع، فاذا بلغ به الألم خرج اليهم رجل منهم مغاير للباسهم، فيضربهم، ويصرفهم عنه، فينصرفون، ويقف هو بالقرب من الفيل ساعة، ثمّ ينصرف، فإذا أبعد وغاب عن الفيل رجع أولئك القوم وعاودوا ضربه حتى يؤلموه، فيعود ذلك الرجل فيريه أنّه ضربهم، فيتفرّقوا عنه، يفعلون ذلك به أياما والرجل يؤانس الفيل، ويأتيه بالمأكل والماء حتّى يألفه ويقرب منه، فيقال: إنّه ينام بالقرب منه، ويخرج أولئك، فإذا رآهم الفيل قد أقبلوا أيقظه بخرطومه برفق، وأشار اليه أن يردّهم عنه، فيفعل على عادته، فاذا علم أنّ الفيل

ص: 305

استأنس وزال استيحاشه وألف ذلك الرجل، حفروا أمامه بتدريج وتوطئة، فيطلع وقد سلس قياده، وزال عناده، ثمّ يحملونه فى المركب إلى الديار المصريّة فى جملة التّقادم «1» الموظّفة عليهم؛ وبأرض الهند فيلة غير وحشيّة تستأنس إلى الناس، وتتناتج بينهم، ويقاتلون عليها فى حروبهم، فيجتمع للملك الواحد من ملوك الهند منها عدّة كثيرة، وأكثرها يأوى المروج والغياض كالبقر والجاموس فى بلادنا؛ قال المسعودىّ: وهى تهرب من المكان الذى فيه الكركدّن، فلا ترعى فى موضع تشمّ فيه رائحته؛ وللفيلة بأرض الهند آفة عظيمة من الحيوان، وهو الذى يعرف بالزبرق «2» أصغر من الفهد، أحمر اللّون برّاق العينين، سريع الوثبة، يبلغ فى وثبته الى خمسين ذراعا وأكثر، فإذا أشرف على الفيلة رشّ عليها ببوله، فيحرقها، وربّما لحق الإنسان فمات؛ وهذا الوحش إذا أشرف على أحد من أهل الهند التجأ إلى أكبر شجر السّاج، وارتقى الى أعلاها، فيأتى هذا الوحش اليها ويثب، فإن أدركه رشّ عليه ببوله، فأحرقه وإن عجز عنه وضع رأسه بالأرض وصاح صياحا عجيبا، فتخرج من فمه قطع من الدّم، ويموت من ساعته، ويحترق من الشجرة ما يقع بوله عليه؛ قالوا: وللهند طيب يجمعونه من جباه الفيلة ورءوسها، فإنّها إذا اغتلمت عرفت «3» هذه الأماكن

ص: 306

منها عرفا كالمسك، فهم يستعملونه لظهور الشّبق فى الرجال والنساء، وهو يقوّى النّفس، ويشجّع القلب؛ قالوا: والفيل يشبّ إلى تمام ستّين سنة، ويعمّر مائتى سنة؛ [وأكثر «1» ؛ وحكى أرسطو أنّ فيلا ظهر عمره أربعمائة سنة؛ وحكى بعض المؤرّخين أنّ فيلا سجد لأبرويز، ثمّ سجد للمعتضد، وبينهما الزمان الذى ذكره أرسطو] واعتبر ذلك بالوسم؛ ووقفت على حكاية تناسب ما نحن فيه، أحببت أن أثبتها فى هذا الباب، وهى: حكى الامام الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهانىّ فى كتابه الموسوم (بحلية الأولياء)، قال: حدّثنا محمد بن الحسن، قال: حدّثنا عبد الوارث ابن بكير: أنّ أبا عبد الله القلانسىّ ركب البحر، فعصفت عليهم الرّيح فى مركبهم، فدعا أهل المركب وتضرّعوا، ونذروا النّذور، فقالوا: أى عبد الله؛ كلّنا قد عاهد الله ونذر نذرا إن أنجانا الله، فانذر أنت نذرا، وعاهده عهدا؛ فقلت: أنا مجرّد من الدنيا، ما لى وللنّذر؛ فألّحوا علىّ فيه؛ فقلت: لله علىّ إن خلّصنى ممّا أنا فيه لا آكل لحم الفيل؛ فقالوا: ما هذا النّذر؟ وهل يأكل لحم الفيل أحد؟ فقلت: كذا وقع فى سرّى، وأجراه الله على لسانى؛ فانكسرت السفينة، ووقعت فى جماعة من أهلها الى الساحل، فبقينا أيّاما لم نذق ذواقا، فبينا نحن قعود إذا نحن بولد فيل، فأخذوه فذبحوه وأكلوا من لحمه، وعرضوا علىّ أكله، فقلت: أنا نذرت وعاهدت الله أن لا آكل لحم الفيل، فاعتلّوا علىّ بأنّى مضطر، ولى فسخ العهد لاضطرارى، فأبيت عليهم، وثبتّ على العهد، فأكلوا وامتلأوا وناموا، فبينما هم نيام إذ جاءت الفيلة تطلب ولدها، وتتبع أثره، فلم تزل تشمّ الرائحة حتّى انتهت إلى عظام ولدها، فشمّتها، ثمّ جاءت وأنا أنظر اليها، فلم تزل تشمّ واحدا واحدا، فكلّما شمّت من

ص: 307