الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سقوط الزكاة فى الخيل
روى عن أبى هريرة- رضى الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس على المرء المسلم فى فرسه ولا مملوكه صدقة» متّفق عليه. وفى لفظ عنه: «ليس على المسلم فى عبده ولا فى فرسه صدقة» . وفى لفظ: «ليس فى الخيل والرّقيق زكاة إلّا زكاة الفطر فى الرّقيق» . وعن عائشة- رضى الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله وضع الصدقات فليس على الخيل صدقة، وليس على الحمر صدقة، وليس على البغال صدقة، وليس على الإبل التى يسقى عليها الماء للنّواضح صدقة» .
وعن أبى عمرو عبد الله بن يزيد الحرّانىّ، قال: حدّثنى سليمان بن أرقم، عن الحسن، عن عبد الرحمن بن سمرة أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم قال:«لا صدقة فى الكسعة والجبهة والنّخّة» ؛ فسّره أبو عمرو، الكسعة: الحمير. والجبهة: الخيل.
والنّخّة: العبيد. ويقال: النّخّة، البقر العوامل؛ قال ثعلب: هذا هو الصواب، لأنّه من النّخّ، وهو السّوق الشديد؛ وقال الكسائىّ: إنما هو النّخّة بالضمّ، قال:
وهو البقر العوامل؛ وقال الفرّاء: النّخّة بالفتح، أن يأخذ المصدّق دينارا لنفسه بعد فراغه من أخذ الصدقة، وأنشد:
عمّى الذى منع الدّينار صاحبه
…
دينار نخّة كلب وهو مشهود
وعن علىّ- رضى الله عنه- قال: قال النّبىّ صلى الله عليه وسلم: «عفوت لكم عن الخيل والرّقيق» . وعنه- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد عفوت لكم عن الخيل والرّقيق فهاتوا صدقة الرقة من كلّ أربعين درهما درهما، وليس فى تسعين ومائة شىء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة
دراهم» . وفى لفظ آخر عنه، عن النّبىّ صلى الله عليه وسلم قال:«فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول، ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شىء- يعنى فى الذهب- حتّى يكون لك عشرون دينارا وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك» . قال الجوهرىّ: الورق، الدراهم المضروبة، وكذلك الرّقة، والهاء عوض من الواو؛ وفى الورق ثلاث لغات حكاهنّ الفرّاء: ورق، وورق، وورق.
وعن جابر بن عبد الله- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله عز وجل تجوّز لكم عن صدقة الخيل والرّقيق» .
وعن عبد الله بن دينار قال: سألت سعيد بن المسيّب، فقلت: أفى البراذين صدقة؟ فقال: أفى الخيل صدقة؟. وعن حارثة بن مضرّب قال: جاء ناس من أهل الشأم إلى عمر فقالوا: إنا قد أصبنا أموالا خيلا ورقيقا نحبّ أن يكون لنا فيها زكاة وطهور؛ فقال: ما فعله صاحباى فأفعله، فاستشار أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم وفيهم علىّ- رضى الله عنه- فقال علىّ:«هو حسن إن لم تكن جزية يؤخذون بها بعدك «1» » .
وعن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار أنّ أهل الشأم قالوا لأبى عبيدة: خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة، فأبى؛ ثم كتب إلى عمر بن الخطّاب، فأبى، فكلّموه أيضا، فكتب إلى عمر، فكتب إليه أيضا عمر: إن أحبّوا فخذها منهم وارددها، يعنى فى فقرائهم.
فدلّت هذه الأحاديث والأخبار على أن لا صدقة فى الخيل السائمة ولا فى الرّقيق إذا كانوا للخدمة، إلّا أن يكونوا للتجارة، فان كانوا للتجارة ففى أثمانهم أو قيمهم الزكاة إذا حال عليها الحول، وعلى هذا مذهب الجمهور؛ وذهب أبو حنيفة- رحمه الله دون صاحبيه إلى وجوب الزّكاة فى الخيل السائمة إذا كانت إناثا، أو إناثا وذكورا، وقال: هو مخيّر بين أن تقوّم وتؤخذ الزكاة من القيمة، وبين أن يخرج عن كلّ فرس دينارا؛ واحتجّوا له بقوله عليه السلام:«ثم لم ينس حقّ الله فى رقابها وظهورها» ؛ قال المخالف لهم: وليس فيه دليل من وجهين: أحدهما أنّه صلى الله عليه وسلم لمّا ذكر الإبل السائمة وقال: «فيها حقّ» سئل عن ذلك الحقّ ما هو؟ فقال: «إطراق فحلها، وإعارة دلوها، ومنحة لبنها أو سمنها، وحلبها على الماء، وحمل عليها فى سبيل الله» ؛ فلمّا كانت الإبل فيها حقّ سوى الزكاة احتمل أن يكون فى الخيل أيضا حقّ سوى الزكاة؛ وقد روى التّرمذىّ»
وابن ماجة حديث فاطمة بنت قيس، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ فى المال حقّا سوى الزّكاة» وتلا هذه الآية (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)
الخ الآية؛ فيجوز أن يحمل الحقّ فى رقابها وظهورها على هذا الوجه. الثانى أن يحمل الحقّ فيها على التأكيد لا على الوجوب، كقوله «2» صلى الله عليه وسلم فى حديث معاذ:«وحقّ العباد «3» على الله عز وجل أن لا يعذّبهم اذا فعلوا
ذلك» ، فهذا محمل قوله عليه السلام:«ثم لم ينس حقّ الله فى رقابها» وتأويله.
قال شيخنا شرف الدّين عبد المؤمن بن خلف الدّمياطىّ- رحمه الله: ولنا أن نقول فيه أيضا: هو مجمل، والأحاديث المتقدّمة مفسّرة تقضى «1» عليه، وظواهرها حجج متضافرة على ترك الزكاة فى الخيل؛ قال: فهذا وجهه من طريق السنّة والأثر؛ وأمّا وجهه من طريق النظر فمن وجهين: أحدهما أن السّوم فى الخيل نادر عند العرب، فلا زكاة فيها كالبغال والحمير، الثانى أنّ الزكاة لو وجبت فى الخيل لتعدّى ذلك إلى ذكورها قياسا على المواشى من الإبل والبقر والغنم. وقال الطّبرىّ والطّحاوىّ: والنظر أنّ الخيل فى معنى البغال والحمير التى قد أجمع الجميع على أن لا صدقة فيها، وردّ المختلف [فيه] إلى المتّفق «2» عليه إذا اتّفقا فى المعنى أولى. وقال أبو عبيد: وكان بعض الكوفيّين يرى فى الخيل صدقة اذا كانت سائمة يبتغى منها النسل، فقال: إن شاء أدّى عن كلّ فرس دينارا، وإن شاء قوّمها ثم زكّاها؛ قال: وإن كانت للتجارة كانت كسائر أموال التجارة يزكّيها؛ قال أبو عبيد: أمّا قوله فى التّجارة فعلى ما قال؛ وأمّا إيجابه الصدقة فى السائمة فليس هذا على اتباع السنّة، ولا على طريق النظر، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عفا عن صدقتها، ولم يستثن سائمة ولا غيرها؛ وأمّا فى النظر، فكان يلزمه اذا رأى فيها صدقة أن يجعلها كالماشية تشبيها بها، لأنّها سائمة مثلها، فلم يصر إلى واحد من الأمرين؛ وقد جاء عن غير واحد من التابعين إسقاط الزكاة من سائمتها، فروى عن الحسن
أنّه قال: «ليس فى الخيل السائمة صدقة» ؛ وعن عمر بن عبد العزيز قال: «ليس فى الخيل السائمة زكاة» ؛ وقال أبو عبيد: وقد قال مع هذا بعض من يقول بالحديث ويذهب اليه: إنه لا صدقة فى سائمتها ولا فيما كان منها للتجارة أيضا؛ يذهب الى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد عفونا لكم عن صدقة الخيل والرّقيق» ؛ فجعله عامّا، فلا زكاة فى شىء منها؛ قال أبو عبيد: فأوجب ذلك الأوّل الصدقة عليها فى الحالين جميعا، وأسقطها هذا منهما كلتيهما؛ وأحد القولين عندى غلوّ، والآخر تقصير، والقصد «1» فيما بينهما هو أن تجب الصدقة فيما كان منها للتجارة، وتسقط من السائمة؛ على هذا وجدنا مذهب العلماء، وهم أعلم بتأويل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قول سفيان بن سعيد ومالك وأهل العراق وأهل الحجاز والشأم، لا أعلم بينهم فى هذا اختلافا؛ والله أعلم بالصواب.
كمل الجزء التاسع «2» من كتاب نهاية الأرب فى فنون الأدب للنويرىّ- رحمه الله تعالى- ويليه الجزء العاشر، وأوّله:
ذكر ما وصفت به العرب الخيل من ترتيبها فى السنّ وتسمية أعضائها وأبعاضها وألوانها وشياتها الخ والحمد لله رب العالمين