الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر شىء مما وصف به الأسد نثرا ونظما
قال أبو زبيد الطائىّ يصفه لعثمان بن عفّان- رضى الله عنه- وكان قد لقيه: أقبل يتضالع «1» من بغيه، ولصدره نحيط «2» ، ولبلاعيمه غطيط «3» ؛ ولطرفه وميض ولأرساغه نقيض «4» ؛ كأنّما يخبط هشيما، أو يطأ صريما «5» ؛ وإذا «6» هامة كالمجنّ «7» ، وخدّ كالمسنّ؛ وعينان سجراوان «8» ، كأنّهما سراجان؛ وقصرة «9» ربله «10» ، ولهزمة «11» رهله؛ وساعد
مجدول، وعضد مفتول؛ وكفّ شثنة «1» البراثن، ومخالب كالمحاجن «2» ؛ وفم أشدق «3» كالغار الأخرق «4» ؛ يفترّ عن معاول مصقوله، غير مفلوله؛ فهجهجنا «5» به ففرفر «6» وبربر «7» ، ثمّ زأر فجرجر؛ ثم لحظ فخلت البرق يتطاير من جفونه، عن شماله ويمينه؛ فأرعشت الأيدى، واصطكّت الأرجل؛ وحجظت «8» العيون، وساءت الظنون، ولحقت الظهور بالبطون.
ووصفه بعض الأعراب «9» فقال: له عينان حمراوان مثل وهج الشّرر، كأنّما نقرتا بالمناقير فى عرض حجر؛ لونه ورد، وزئيره رعد؛ هامته عظيمه، وجبهته
شتيمه «1» ؛ نابه شديد، وشره عتيد «2» ؛ إذا استقبلته قلت: أقرع، وإذا استدبرته قلت:
أفرع «3» ؛ لا يهاب إذ اللّيل عسعس «4» ، ولا يجبن إذا الصبح تنفّس؛ ثم أنشد:
عبوس شموس مصلخدّ «5» مكابر «6»
…
جرىء على الأقران للقرن قاهر
براثنه شثن «7» وعيناه فى الدّجى
…
كجمر الغضى فى وجهه الشرّ طائر
يدلّ بأنياب حداد كأنّها
…
إذا قلّص الأشداق عنها خناجر
ومن التهويلات فى وصف الأسد قول الشاعر:
إيّاك لا تستوش «8» ليثا مخدرا «9»
…
للهول فى غسق الدّجى دوّاسا
مرسا «10» كأمراس «11» القليب جدوله «12»
…
لا يستطيع له الأنام مراسا
شثن البراثن كالمحاجن عطّفت
…
أظفاره فتخالها أقواسا
لان الحديد لجلده فإهابه
…
يكفيه من دون الحديد لباسا
مصطكّة أرساغه بعظامه
…
فكأنّ بين فصولها «1» أجراسا
وإذا نظرت إلى وميض جفونه
…
أبصرت بين شفورها «2» مقباسا
وقال آخر:
توقّ- وقاك «3» ربّ الناس- ليثا
…
حديد النّاب والأظفار وردا
كأنّ بملتقى اللّحيين منه
…
مذرّبة «4» الأسنّة أو أحدا
وتحسب لمح عينيه هدوءا «5»
…
ورجع زئيره برقا ورعدا
تهاب الأسد حين تراه منه «6»
…
اذا لاقينه «7» فى الغاب فردا
تصدّ عن الفرائس حين يبدو
…
وكانت قبل تانف أن تصدّا
وقال أبو الطّيّب المتنبّى- رحمه الله:
ورد إذا ورد البحيرة «1» واردا «2»
…
ورد الفرات زئيره والنّيلا
متخضّب بدم الفوارس لابس
…
فى غيله «3» من لبدتيه غيلا
فى وحدة الرّهبان إلّا أنّه
…
لا يعرف التحريم والتّحليلا
وقعت على الأردنّ «4» منه بليّة
…
نظمت «5» بها هام الرفاق تلولا
يطأ البرى «6» مترفّقا «7» من تيهه
…
فكأنّه آس يجسّ عليلا
ويردّ غفرته «8» إلى يافوخه
…
حتّى تصير لرأسه إكليلا
قصرت مخافته الخطا فكأنّما
…
ركب الكمىّ جواده مشكولا
وقال عبد الجبّار بن حمديس:
وليث مقيم فى غياض منيعة
…
أمير على الوحش المقيمة فى القفر
يوسّد شبليه لحوم فوارس
…
ويقطع كاللّصّ السبيل على السّفر
هزبرله فى فيه نار وشفرة
…
فما يشتوى لحم القتيل على الجمر
سراجاه عيناه إذا أظلم الدّجى
…
فإن بات يسرى باتت الوحش لا تسرى
له جبهة مثل المجنّ ومعطس
…
كأنّ على أرجائه صبغة الحبر «1»
يصلصل «2» رعد من عظيم زئيره
…
ويلمع برق من حماليقه «3» الحمر
له ذنب مستنبط منه سوطه
…
ترى الأرض منه وهى مضروبة الظهر
ويضرب جنبيه به فكأنّما
…
له فيهما طبل يحضّ على الكرّ
ويضحك فى التّعبيس فكّيه عن مدى
…
نيوب «4» صلاب ليس تهتمّ بالفهر «5»
يصول بكفّ عرض شبرين عرضها
…
خناجرها أمضى من القضب البتر
يجرّد منها كلّ ظفر كأنّه
…
هلال بدا للعين فى أوّل الشهر.
وقال بشر بن عوانة الفقعسىّ «6» يصف ملاقاته الأسد وما كان بينهما:
أفاطم لو شهدت ببطن خبت
…
وقد لاقى الهزبر أخاك بشرا
إذا لرأيت ليثا رام ليثا
…
هزبرا أغلبا لاقى هزبرا
تبهنس «1» إذ تقاعس «2» عنه مهرى
…
محاذرة فقلت: عقرت مهرا
أنل قدمىّ ظهر الأرض إنّى
…
وجدت الأرض أثبت منك ظهرا
وقلت له وقد أبدى نصالا
…
مذرّبة «3» ووجها مكفهرّا
يدلّ بمخلب وبحدّ ناب
…
وباللّحظات تحسبهنّ جمرا
وفى يمناى ماضى الحدّ أبقى
…
بمضربه قراع الموت أثرا «4»
ألم يبلغك ما فعلت ظباه
…
بكاظمة «5» غداة لقيت عمرا
وقلبى مثل قلبك لست «6» أخشى
…
مصاولة ولست «7» أخاف ذعرا
وأنت تروم للأشبال قوتا
…
وأطلب «1» لابنة الأعمام مهرا
ففيم تروم مثلى أن يولّى
…
ويترك فى يديك النفس قسرا «2» ؟!
نصحتك فالتمس يا ليث غيرى
…
طعاما إنّ لحمى كان مرّا
ولمّا ظنّ أنّ الغشّ نصحى
…
وخالفنى كأنّى قلت هجرا
دنا «3» ودنوت من أسدين «4» راما
…
مراما كان إذ طلباه وعرا
يكفكف غيلة إحدى يديه
…
ويبسط للوثوب علىّ أخرى
هززت له الحسام فخلت أنّى
…
شققت «5» به من الظلماء فجرا
حساما لو رميت به المنايا
…
لجاءت نحوه تعطيه عذرا
وجدت له بجائفة»
رآها
…
بمن كذبته ما منّته غدرا «7»
بضربة فيصل تركته شفعا
…
وكان كأنّه الجلمود وترا
فخرّ مضرّجا بدم كأنّى
…
هدمت به بناء مشمخرّا
وقلت له: يعزّ علىّ أنّى
…
قتلت مناسبى جلدا وقهرا
ولكن رمت شيئا لم يرمه
…
سواك فلم أطق يا ليث صبرا
تحاول أن تعلّمنى فرارا
…
لعمر أبيك قد حاولت نكرا
فلا تبعد لقد لاقاك حرّ
…
يحاذر أن يعاب فمتّ حرّا
وأمّا الببر [وما قيل «1» فيه]
فهو سبع هندىّ، ويقال: حبشىّ؛ وهو فى صورة أسد كبير، أزبّ «2» ملمّع بصفرة وسواد، ويقال: إنّه متولّد بين الزّبرقان «3» واللّبؤة؛ وفى طبعه أنّه يسالم النّمر وغيره من السباع ما لم يستكلب، فاذا استكلب خافه كلّ شىء كان يسالمه، وهو والأسد متوادّان أبدا، ومودّته معه كمودّة الخنافس والعقارب والحيّات والوزغ؛ ويقال: إنّ الأنثى منه تلقح بالريح، ولهذا يقال: إنّ عدوه يشبه الرّيح سرعة، ولا يقدر أحد على صيده؛ وإنّما تسرق جراؤه فتحمل فى مثل القوارير من زجاج، ويركض بها على الخيول السوابق، فإن أدركهم أبوها رمى اليه بقارورة منها، فيشتغل بالنظر إليها والفكرة «4»