الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمّا ما فى الكلب من المنافع الطيّبة
- فقد قال الشيخ الرئيس أبو علىّ بن سينا: إنّ بول الكلب يستعمل على الثآليل «1» ، ودم الكلب لنهوشه «2» ولسمّ السهام «3» الأرمنيّة «4» ؛ وقال إبراهيم بن هرمة- رحمة الله تعالى عليه-:
أوصيك خيرا به فإنّ له
…
سجيّة لا أزال أحمدها
يدلّ ضيفى علىّ فى غسق الليل
…
إذا النار نام موقدها
وقال أيضا:
يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبلا
…
يكلّمه من حبّه وهو أعجم
فصل
قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ فى كتاب الحيوان: وزعموا أنّ ولد الذئب [من الكلبة «5» ] يقال له: الدّيسم، وروى لبشّار بن برد فى ديسم العنزىّ أنه قال:
أديسم يا ابن الذئب من نسل زارع
…
أتروى هجائى سادرا غير مقصر
قال: وزارع، اسم الكلب، يقال للكلاب: أولاد زارع؛ قال: وزعم صاحب «6» المنطق أنّ أصنافا أخر من السباع المتزاوجات المتلاقحات مع اختلاف الجنس والصورة
معروفة النّتاج مثل الذئاب التى تسفد الكلاب فى أرض رومية «1» ؛ قال: وتتولّد أيضا كلاب سلوقيّة بين ثعالب وكلاب؛ قال: وبين الحيوان الذى يسمّى باليونانيّة «طاغريس «2» » والكلب تحدث هذه الكلاب الهنديّة؛ قال: وليس يكون ذلك من الولادة الأولى؛ هذا ما حكاه الجاحظ عن صاحب المنطق. وحكى الجاحظ عن بعض البصريّين عن بعض أصحابه، قال: وزعموا أنّ النّتاج الأوّل يخرج صعبا وحشيّا لا يلقّن ولا يؤلّف؛ وزعم لى بعضهم عن رجل من أهل الكوفة من بنى تميم أنّ الكلبة تعرض لهذا السبع حتى تلقح، ثم تعرض لمثله مرارا حتى يكون جرو البطن الثالث قليل الصعوبة يقبل التلقين، وأنّهم يأخذون إناث الكلاب ويربطونها فى تلك البرارىّ، فتجىء هذه السباع فتسفدها، قال: وليس فى الأرض أنثى يجتمع على حبّ سفادها، ولا ذكر يجتمع له من النّزاع «3» إلى سفاد الأجناس المختلفة أكثر فى ذلك من الكلب والكلبة؛ وقال: اذا ربطوا هذه الكلاب الإناث فى تلك البرارىّ، فإن كانت هذه السباع هائجة سفدتها، وإن لم تكن السباع هائجة فالكلبة مأكولة؛ قال الجاحظ: ولو تمّ للكلب معنى السّبع وطباعه ما ألف الإنسان واستوحش «4» من السّبع، وكره الغياض، وألف الدّور، واستوحش من البرارىّ
وجانب القفار، وألف المجالس والدّيار؛ ولو تمّ له معنى البهيميّة فى الطبع والخلق والغذاء ما أكل الحيوان، وكلب «1» على الناس، نعم حتّى ربّما وثب على صاحبه؛ وذكر من معايب الكلب وذمّه، فقال: إنّه حارس محترس منه، ومؤنس شديد الإيحاش من نفسه، وأليف كثير الجناية «2» على إلفه، وانما قبلوه «3» حين قبلوه على أن ينذرهم بموضع السارق، وتركوا طرده لينبّههم على مكان المبيّت «4» ، وهو أسرق من كلّ سارق، وأدوم جناية من ذلك المبيّت»
، فهو سرّاق وصاحب بيات، وأكّال للحوم الناس إلّا أنّه يجمع «6» سرقة الليل مع سرقة النهار، ثم لا تجده أبدا يمشى فى خزانة «7» أو مطبخ أو فى عرصة دار أو فى طريق أو برارىّ، أو على ظهر جبل أو فى بطن واد إلّا وخطمه «8» أبدا فى الأرض يشمّم ويستروح؛ وإن كانت الأرض بيضاء حصّاء «9» ، أو دوّيّة «10» ملساء، أو صخرة خلقاء «11» ، حرصا وجشعا، وشرّها وطمعا، نعم حتّى
تجده أيضا لا يرى كلبا إلّا شمّ استه، ولا يشمّ غيرها منه، ولا تراه يرمى بحجر أبدا إلّا رجع إليه فعضّ عليه، لأنه لمّا كان لا يكاد يأكل إلّا شيئا رموا به اليه صار ينسى لفرط شرهه وغلبة الجشع على طبعه أنّ الرامى إنما «1» أراد عقره أو قتله، فيظنّ لذلك أنه إنّما أراد إطعامه والإحسان اليه، كذلك يخيّل اليه فرط النّهم، وتوهمه غلبة الشّره، ولكنّه رمى «2» بنفسه على الناس عجزا ولؤما، وفسولة «3» ونقصا، وخاف السباع واستوحش من الصّحارى؛ وسمعوا بعض المفسّرين يقول فى قوله عز وجل:(وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)
: إنّ المحروم هو الكلب؛ وسمعوا فى المثل:
«اصنع المعروف ولو إلى كلب» ، فلذلك عطفوا عليه، واتّخذوه فى الدّور، على أنّ ذلك لا يكون إلّا من سفلتهم وأغبيائهم، ومن قلّ تقزّزه «4» ، وكثر جهله، وردّ الآثار إمّا جهلا وإمّا معاندة؛ ووصف «5» فى ذمّه ومعايبه ما ذكره صاحب الدّيك من ذمّ الكلاب، وتعداد أصناف معايبها ومثالبها، من لؤمها وخبثها «6» وضعفها وشرهها وغدرها وبذائها وجهلها وتسرّعها ونتنها وقذرها، وما جاء فى الآثار من النّهى
عن اتّخاذها وإمساكها، ومن الأمر بقتلها وإطرادها «1» ، ومن كثرة جناياتها وقلّة ودّها «2» ، وضرب المثل بلؤمها ونذالتها وقبحها وسماجة نباحها وكثرة أذاها وتقذّر «3» المسلمين من دنوّها «4» ، وأنّها تأكل لحوم الناس، وأنّها مطايا الجنّ، ونوع من المسخ، وأنّها تنبش القبور، وتأكل الموتى، وأنّها يعتريها الكلب من أكل لحوم الناس، إلى غير ذلك من مساويها، ثم ذكر قول من عدّد محاسنها وصنّف مناقبها وأخذ فى ذكر أسمائها وأنسابها وأعراقها وتفدية الرجال لها، وذكر كسبها وحراستها ووفائها وإلفها وجميع منافعها، والمرافق التى فيها، وما أودعت من المعرفة الصحيحة والفطنة العجيبة، والحسّ اللّطيف، والأدب المحمود، وصدق الاسترواح، وجودة الشّمّ، وذكر حفظها وإتقانها واهتدائها، وإثباتها لصور أربابها وجيرانها، ومعرفتها بحقوق الكرام، وإهانتها اللّئام، وصبرها على الجفاء، واحتمالها للجوع، وشدّة منّتها «5» وكثرة يقظتها، وعدم «6» غفلتها، وبعد أصواتها، وكثرة نسلها، وسرعة قبولها ولقاحها مع «7» اختلاف طبائع ذكورتها «8» والذّكورة «9» من غير جنسها، وكثرة أعمامها وأخوالها