المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الحجر قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "كل طلاق واقع إلا - التنبيه على مشكلات الهداية - جـ ٥

[ابن أبي العز]

الفصل: ‌ ‌كتاب الحجر قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "كل طلاق واقع إلا

‌كتاب الحجر

قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "كل طلاق واقع إلا طلاق الصبي والمعتوه").

تقدم التنبيه على ضعف هذا الحديث في كتاب الطلاق.

قوله: (ولقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يملك العبد والمكاتب شيئًا إلا

ص: 647

الطلاق").

هذا الحديث منكر لا أصل له.

قوله: (ولأبي حنيفة أنه مخاطب عاقل فلا يحجر عليه اعتبارًا بالرشيد

إلى أخره).

في اعتباره بالرشيد نظر، وقد فرق الله تعالى بينهما، ومنع من دفع المال إلى البالغ العاقل إذا بلغ غير رشيد فكذلك إذا ظهر السفه عليه بعد الرشد فاعتبار السفه الطارئ بعد الرشد بالسفه المستمر بعد البلوغ أولى من اعتباره بالرشد.

وحكى صاحب المغني وغيره أن ذلك إجماع الصحابة، فظهرت قوة قول الصاحبين، وهو قول الأئمة الثلاثة وغيرهم.

ص: 648

وكذلك قولهما في استمرار الحجر أبدًا على السفيه حتى يؤنس منه الرشد أقوى من قول أبي حنيفة رحمه الله أنه يسلم إليه ماله إذا بلغ خمسًا وعشرين سنة، وإن لم يؤنس منه الرشد؛ لأن سبب الحجر وهو السفه قائم يجب اعتباره.

والتقدير بالرأي لا يقوى، كيف وإنه في مقابلة إجماع الصحابة، كيف وإنهم يقولون: إن المقادير لا تعرف إلا بالسماع، وقد أمر الله بحفظ الأموال ونهى عن إضاعتها وأنزل آية الدين لذلك، وهي أطول آية في القرآن.

وقال تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفًا} وهذه الآية تشمل كل سفيه.

قوله: (ويترك عليه دست من ثياب بدنه ويباع الباقي لأن به كفاية، وقيل: دستان لأنه إذا غسل ثيابه لابد له من ملبس).

ينبغي أن يختلف الجواب في ذلك باختلاف أحوال الناس، وقد قال

ص: 649

النبي صلى الله عليه وسلم "لما قيل له: أتجزئ صلاة أحدنا في الثوب الواحد؟ أو كلكم له ثوبان؟ " فيترك عليه المديون ما يحتاج إليه أمثاله عادة وإلى مثل هذا وقعت إشارة الأصحاب في الفتاوى.

قوله: (ومن أفلس وعنده متاع لرجل بعينه ابتاعه منه فصاحب المتاع أسوة الغرماء فيه).

قال أبو بكر بن المنذر: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل أفلس فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به من غيره" وبما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نقول، وقد روينا عن عثمان وعلي وغيرهما هذا القول، ولا نعلم أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خالف عثمان وعليًا.

وبه قال عروة بن الزبير ومالك والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن

ص: 650

والشافعي وأحمد وإسحاق.

وقالت طائفة: هو أسوة الغرماء، روينا هذا القول عن الحسن البصري والنخعي، وبه قال النعمان وابن شبرمة، قال أبو بكر: والسنة مستغنى بها عن كل قول، وقد بلغني أن بعض من خالف السنة تأول قوله: فوجد/ رجل متاعه بعينه، أي أمانة أو وديعة ففي حديث أبي هريرة ما يبطل هذه الدعوى، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها دون الغرماء» انتهى.

والحديث الأول ذكره ابن المنذر رواه الجماعة، والثاني الذي فيه أنه

ص: 651

لصاحبه الذي باعه رواه أحمد ومسلم والنسائي ومالك في الموطأ وأبو داود بألفاظ مختلفة وكفى بالسنة مستغني بها عن كل تعليل، وقد ذكر بعض الأصحاب أنه ورد في رواية «فهو أسوة غرمائه» وهذا لم يرد مرفوعًا.

وإنما ورد عن علي رضي الله عنه من طريق ضعيف لم يثبت ولا يصلح لمعارضة الحديث الصحيح المتفق على صحته.

ص: 652

قوله: (وإنما المستحق وصف في الذمة- أعني الدين- وبقبض العين بتحقق بينهما مبادلة، هذا هو الحقيقة فيجب اعتبارها إلا في موضع التعذر كالسلم لأن الاستبدال ممتنع فأعطى للعين حكم الدين).

تقدم في باب الوكالة بالخصومة ما في هذا المعنى من الأشكال وأن من استوفى دينه فقد استوفى عين حقه لا أن هذا بدل حقه، وأن ذمة المديون اشتغلت بوصف لا يمكن تفريغها منه إلا بالإبراء بل قد أدى ما عليه كما إذا دفع زكاة ماله إلى الفقير فقد دفع ما عليه فإن الذي عليه فإن الذي عليه أن يدفع من ماله هذا المقدار وقد فعل.

وكذلك المديون وكأن الشبهة حصلت والله أعلم من أن هذا الذي دفعه المديون هو بدل ما أخذوه من رب الدين مبيعًا كان أو قرضًا أو غير ذلك فحقه هو هذا البدل لا أن هذا بدل ذلك البدل، وإلا لزم أن يكون هذا الذي دفعه المديون بدل البدل فاشتبه بدل مال رب الدين ببدل حق رب الدين الذي هو بدل ماله والله أعلم.

ومن طرح الهوى تبين له أن ذمة المديون لم تشتغل بغير ما أداه وإن خالف ذلك فهو تدقيق بغير تحقيق، وليس كل معنى دقيق حقًا، ولا عبرة للباطن لبطونه ولا للظاهر لظهوره، وإنما العبرة لقوة الدليل والله أعلم.

* * *

ص: 653