المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الكراهية قوله: (وأتى أبو هريرة رضي الله عنه بشراب في - التنبيه على مشكلات الهداية - جـ ٥

[ابن أبي العز]

الفصل: ‌ ‌كتاب الكراهية قوله: (وأتى أبو هريرة رضي الله عنه بشراب في

‌كتاب الكراهية

قوله: (وأتى أبو هريرة رضي الله عنه بشراب في إناء فضة فلم يقبله، وقال: نهانا عنه النبي صلى الله عليه وسلم).

الذي في الصحيحين "أن حذيفة استسقى فأتاه دهقان بإناء فضة فرماه به، وقال: إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير والديباج وعن الشراب في آنية الذهب والفضة، وقال: هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة"، ولم أر ما ذكر المصنف عن أبي هريرة في كتب الحديث.

قوله: (ولا بأس باستعمال آنية الرصاص والزجاج والبلور والعقيق، وقال الشافعي رحمه الله: يكره لأنه في معنى الذهب والفضة في التفاخر به).

الصحيح في مذهب الشافعي رحمه الله خلاف ذلك، ومن نسبه المصنف إلى الشافعي قول ضعيف لا يعول عليه في مذهبه فلا ينبغي نسبته إليه.

ص: 775

قوله: (وفي الجامع الصغير: إذا قالت جارية لرجل: بعثني مولاي إليك هدية وسعه أن يأخذها لأنه لا فرق بين ما إذا أخبرت بإهداء المولى غيرها أو نفسها لما قلنا).

لابد من تقييد ذلك بأن يغلب على الظن صدقها بأن تقوم قرينة على صدقها من جريان العادة بينهم بمثل ذلك، وإلا فاللذي جرت به العادة في مثل ذلك أن يرسلها على يد غيرها، وقول المصنف: لأنه لا فرق بين ما أخبرت بإهداء المولى غيرها أو نفسها، فيه نظر بل بينهما فرق، وهو أن هذا مما جرت العادة بمثله وهذا لم تجر العادة بمثله، ومن أخبر بما يكذبه فيه الظاهر يتهم في إخباره، وكيف يستباح فرجها بقولها مع تكذيب الظاهر لها، ويحتمل أن يكون حبها إياه حملها على ذلك.

قوله: (وله ما روي "أنه عليه السلام جلس على مرفقة حرير وقد كان على بساط عبد الله بن عباس مرفقة حرير").

ص: 776

لا يعرف هذا في كتب الحديث، بل في صحيح البخاري عن حذيفة رضي الله عنه قال:"نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب/ والفضلة وأن نأكل فيها وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه".

وفي صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه قال: "نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على المياثر"، والمثاثر شيء كانت تصنعه النساء لبعولتهن على الرحل كالقطائف من الأرجوان، وأيضًا فاسم اللبس ينطلق على الافتراش كما في حديث أنس:"فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس"، وأيضًا فقد ورد تحريمه على الرجال غير مقيد باللبس، فيشمل سائر أنواع

ص: 777

الانتفاع إلا ما استثناه الشارع.

قوله: (ولأن الثوب إنما يصير ثوبًا بالنسج، والنسج باللحمة فكانت المعتبرة دون السدى).

فيه نظر، بل لا قيام للثوب إلا بالسدى واللحمة، ولولا السدى لما تصورت اللحمة، ولو اعتبر فيه الكثرة والقلة كما اعتبره الشافعي وأحمد رحمها الله لكان أقوى فإن الأكثر يقوم مقام الكل في مواضع، والقليل تابع

ص: 778

للكثير والعبرة للغالب والمغلوب كالمعدوم.

قوله: (وفي الجامع الصغير: ولا يتختم إلا بالفضة، وهذا نص على أن التختم بالصفر والحديد، ثم قال: ومن الناس من أطلق في الحجر الذي يقال له يشب لأنه ليس بحجر إذ ليس له ثقل الحجر، وإطلاق الجواب في الكتاب يدل على تحريمه).

في قوله: وهذا نص على أن التختم بالحجر والحديد والصفر حرام، وقوله بعد ذلك: وإطلاق الجواب في الكتاب يدل على تحريمه، فيه نظر؛ لأن تنصيص محمد بن الحسن في الجامع الصغير على أنه لا يتختم إلا بالفضة، وإطلاقه الجواب في الكتاب يحتاج أن يستدل له، ولا يستدل به، فإن قول محمد وغيره من الأئمة الثلاثة لا يكون دليلاً على الحكم، وقد ورد النهي من الشارع عن التختم بالحديد والصفر والذهب، ولم يثبت عنه في النهي عن

ص: 779

التختم بالحجر لا العقيق ولا غيره شيء فيكون مما عفي عنه.

وقوله: لأنه ليس بحجر يعني اليشب، فيه نظر، قال في المغرب: اليشب حجر [إلى] الصفرة يتخذ منه خاتم ويجعل في حمالة السيف فينفع المعدة. انتهى، وما أظن في كونه حجرًا خلافًا.

قوله: (ولا بأس بأن يربط الرجل في أصبعه أو خاتمه الخيط لحاجة ويسمى ذلك الرتم والرتيمة، وكان ذلك عادة العرب قال قائلهم:

لا ينفعك اليوم إن همت بهم

كثرة ما توصي وتعقاد الرتم

وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعض أصحابه بذلك).

فيه نظر من وجوه:

أحدها: في قوله: ويسمى ذلك الرتم والرتيمة. وقد روى ابن الجوزي ربطه صلى الله عليه وسلم الخيط في أصبعه لتذكر الحاجة في الموضوعات عن ابن عمر، وعن

ص: 780

واثلة ورافع بن خديج، فإن الرتم اسم جنس واحده رتمة كقصبة وقصب، وشجرة وشجر، وتجمع الرتيمة على رتائم، فصوابه أن يقول ويسمى ذلك رتمة ورتيمة.

الثاني: في استشهاده بالبيت المذكور إذ ليس المراد منه خيط التذكرة، وإنما معناه أن الرجل من العرب كان إذا خرج في سفر عمد إلى شجر بالبادية يقال له: الرتم، الواحدة رتمة، فشد بعض أعضائه ببعض، فإذا رجع وأصابه على تلك الحال قال: لم تحني امرأتي، وإن أصابه وقد انحل، قال: خانتني، هكذا قاله غير واحد من أهل اللغة، ولو استشهد بقول الآخر:

إذا لم تكن حاجاتنا في نفوسكم

فليس بمغنٍ عنك عقد الرتائم

لكان استدلالاً صحيحًا.

الثالث: في الحديث الذي أوردته فإنه لم يثبت.

ص: 781

قوله: (قال علي وابن عباس رضي الله عنهم: ما ظهر منها الكحل والخاتم، والمراد موضعهما وهو الوجه والكف).

في الاستدلال نظر، فإن محل الكحل العينان ومحل الخاتم الأصبع ولو استدل -بما نقل عن ابن عباس وابن عمر وعائشة وعطاء وسعيد بن جبير أن ما ظهر منها الوجه والكف، كذا ذكره ابن التركماني عن البيهقي -لكان أظهر، وروى أبو داود في سنته عن عائشة "أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثباب رقاق فأعرض عنها، وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه" ولم أر النقل عن علي رضي الله عنه في ذلك.

قوله: (لقوله عليه السلام: "من نظر إلى محاسن امرأة أجنبية عن شهوة

ص: 782

صب في عينيه الآنك يوم القيامة").

ولم ار هذا في شيء من كتب الحديث/ والمعروف] "من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك يوم القيامة" وهو في الصحيح.

قوله: (والمحرم قوله عليه الصلاة والسلام: "من مس كف امرأة ليس منها بسبيل، وضع على كفه جمر يوم القيامة" -وقوله- وقد روي أن أبا بكر رضي الله عنه كان يدخل على بعض القبائل التي كان مسترضعًا فيهم، وكان يصافح العجائز، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنه استأجر عجوزًا لتمرضه وكانت تغمز رجليه وتفلي رأسه).

لم أر هذا في شيء من كتب الحديث المشهورة.

ص: 783

قوله: (ويروى "ما دون سرته حتى يجاوز ركبته" -وقوله-: وقد روى أبو هريرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الركبة من العورة").

الحديث الأول لا يعرف في كتب الحديث، والثاني أخرجه الدارقطني من حديث علي رضي الله عنه وسنده ضعيف، ولا يعرف من حديث أبي هريرة كما ذكره المصنف، وتقدم الكلام في العورة في باب شروط الصلاة.

قوله: (ووجه الفرق أن الشهوة عليهن غالبة وهي كالمتحقق اعتبارًا، وإذا اشتهى الرجل كانت الشهوة موجودة في الجانبين ولا كذلك إذا اشتهت المرأة، لأن الشهوة غير موجودة في جانبه حقيقة واعتبارًا، فكانت من جانب واحد، والمتحقق من الجانبين في الإفضاء إلى المحرم أقوى من المتحقق في جانب واحد).

ص: 784

فيه نظر من وجهين:

أحدهما: دعواه أن شهوة النساء أغلب من شهوة الرجال.

والثاني: وجود الشهوة من الجانبين حقيقة واعتبارًا إذا اشتهى الرجل، ووجودها من جانب واحد إذا اشتهت المرأة، أما الأول فالصحيح أن شهوة الرجل أغلب من شهوة المرأة لغلبة الحرارة على الرجال، وغلبة الرطوبة على النساء، وهذا من لطف الله وحكمته فإن الرجل يشرع له التسري بما لا عدد له والتزوج بأربعة من النساء، وقد كان التزوج أيضًا غير محصور بعدد في شريعة موسى وغيره، بخلاف المأة فلو ركب في المرأة الشهوة أكثر مما ركب في الرجال أو نظيره لكان في ذلك ضرر عظيم، والحكمة تأبى ذلك، ولهذا إذا عاود الرجل أهله لا يجد عندها من الانبعاث نظير ما عنده، ولهذا يقدر كثير من الرجال على إتيان عدة من النساء في الليلة الواحدة، وقد يكون في

ص: 785

أفراد النساء من هي أقوى شهوة من بعض الرجال ولكن الحكم للأغلب الأعم.

ولو قال: إن النساء لنقص عقلهن لا يملكن أنفسهن عند الشهوة لكان أولى من دعواه أن شهوتهن أغلب من شهوة الرجال.

وأما الثاني: فلو سلم أن شهوة المرأة أغلب م شهوة الرجل لا يلزم من نظره إليها بشهوة أن توجد الشهوة منها، خصوصًا إذا لم تنظر إليه أصلاً، فكيف يمكن اعتبار الشهوة منها وهي لم تنظر بالكلية، وإن كان المراد أنه نظر إليها بشهوة مع نظرها إليه بغير شهوة لا بدون نظرها فلم يفصل ذلك، ولو سلم فإذا كان النظر مظنة الشهوة لا ينظر إلى غلبتها في حق بعض الأفراد كما في السفر فإن المشقة وإن كانت في حق السوقة أغلب من الملوك لا يختلف حكمه في حقهم لذلك، وسبب شهوتها نظرها لا نظره كما في حقه فكيف يتغلظ الإثم بنظره دونها.

قوله: (والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "غض بصرك إلا عن أمتك وامرأتك").

هذا اللفظ غير محفوظ، وإنما المعروف عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: "قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ

ص: 786

عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" الحديث رواه الخمسة، وقد استثنى الشيخ مجد الدين ابن تيمية في الأحكام النسائي وهو وهم، وقد رواه النسائي أيضًا في عشرة النساء.

قوله: (ولأن ذلك يورث النسيان لورود الأثر، وكان ابن عمر رضي الله عنه يقول: "الأولى أن ينظر ليكون أبلغ في تحصيل معنى اللذة").

ص: 787

كلا الأثرين لا أعرف من ذكرهما، وروى الطرطوسي بإسناده عن ابن عباس مرفوعًا:"لا ينظر أحدكم إلى فرج جاريته إذا جامعها فإن ذلك يورث العمى" ولم يثبت.

قوله: (لقول عائشة رضي الله عنها "الخصاء مثله فلا يبيح ما كان حرامًا/ قبله").

لا أعرف من ذكر هذا الأثر أيضًا.

قوله: (والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام في سبايا أوطاس: "ألا لا توطأ الحبالى حتى تضع ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة" أفاد وجوب

ص: 788

الاستبراء على المولى، ودل على السبب في المسبية وهو استحدث اليد والملك؛ لأنه هو الموجود في مورد النص وهذا لأن الحكمة فيه التعرف عن براءة الرحم صيانة للمياه المحترمة عن الاختلاط والأنساب عن الاشتباه، وذلك عند حقيقة الشغل أو توهم الشغل بماء محتوم وهو أن يكون الولد ثابت النسب).

فيه نظر من وجوه:

أحدها: لفظ الحديث المذكور "لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" رواه أحمد وأبو داود والبيهقي بهذا اللفظ.

الثاني: قوله: ودل على السبب في المسبية وهو استحداث اليد والملك؛ لأنه هو الموجود في مورد النص، فإنه لا دلالة فيه على أن السبب هو

ص: 789

استحداث اليد والملك، ولم يستدل على ذلك إلا بأنه هو الموجود في مورد النص، ثم جعل الحكمة فيه تعرف براءة الرحم، وفي ذلك نزاع بين العلماء.

ومن تأمل النص حق التأمل ظهر له منه أن المراد بغير ذات الحمل من يجوز أن تكون حاملاً وأن لا تكون فيمسك عن وطئها مخافة الحمل لأنه لا علم له بما اشتمل عليه رحمها، وهذا قاله في المسبيات لعدم علم السابي بحالهن وعلى هذا فكل من ملك أمة لا يعلم حالها قبل الملك هل اشتملت على حمل أم لا لم يطأها حتى يستبرئها بحيضة، وهذا أمر معقول، وليس بتعبد محض فلا معنى لاستبراء العذراء والصغيرة التي لا تحمل مثلها، والتي اشتراها من امرأته وهي في بيته لا تخرج أصلاً ونحوها، ممن يعلم براءة رحمها، يؤيده ما في مسند أحمد مرفوعًا:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينكحن ثييبًا من السبايا حتى تحيض".

وذكر البخاري في صحيحه: قال ابن عمر رضي الله عنهما: "إذا وهبت الوليدة التي توطأ، أو بيعت أو أعتقت فلتستبرأ بحيضة، ولا تستبرأ

ص: 790

العذراء".

وذكره عنه عبد الرزاق أيضًا، ولفظه:"إذا كانت الأمة عذراء لم يستبرئها إن شاء"، ومذهب مالك رحمه الله إلى هذا المعنى يرجع، وكذا أبو يوسف وابن سريج من الشافعية.

وكيف يقال: إنه يجب الاستبراء على من باع أمته من امرأته ثم تقايلا في المجلس ولا يجب إذا وطئها ثم زوجها من يومه ثم باعها ثم طلقها الزوج كل ذلك في يوم واحد، وأنه يجوز للمشتري أن يطأها من غير استبراء، والحالة هذه، قال أبو عبد الله المازري المالكي: والقول الجامع في ذلك أن كل أمة أمن عليها الحمل فلا يلزم فيها الاستبراء، وكل من غلب على الظن كونها

ص: 791

حاملاً أو شك في حملها أو تردد فيه فالاستبراء لازم فيها، وكل من غلب على الظن براءة رحمها لكنه مع الظن الغالب يجوز حصوله فإن المذهب على قولين في ثبوت الاستبراء أو سقوطه، ثم خرج على ذلك الفروع المختلف فيها ولا شك أن الاستبراء استفعال من البراءة فالمقصود منه العلم ببراءة رحمها، فإذا علم ذلك لا حاجة إلى زيادة المدة وإذا لم يعلم ذلك كيف يسوغ له الإقدام على وطئها مع احتمال الشغل وماذا عسى أن تنفع الحيلة على إسقاطه الاستبراء أفبالحيلة استخرج ما في رحمها لو كان مشغولاً، فقول مالك ومن وافقه -أنه إذا تيقن بفراغ رحمها من ماء البيع فلا استبراء عليه فيها- أقوى. قال السغناقي في شرحه في تعليل قول أبي يوسف أن الاستبراء كاسمه ليتبين فراغ الرحم وقاسه بالمطلقة، قبل الدخول. انتهى.

فالحق أن سبب وجود الاستبراء إرادة الوطء بشرط تجدد الملك مع توهم الشغل بهذا القيد، هذا الذي تشهد له أحاديث الاستبراء بخلاف العدة فإن في تلك تربصًا زائدًا على معرفة براءة الرحم بحق الزوج وغيره كما تقدم كما في انتقاض الطهارة بالنوم، فإنه وإن كان مظنة الحدث لكن لابد من توهم الحدث حتى لو نام قاعدًا لم تنتقض طهارته لأنه لا يتوهم الحدث في هذه الحالة فكذلك من اشترى جارية من زوجته مثلاً وقد حاضت عنه فهذه توهم الشغل فيها منتف، فلا حاجة إلى الاستبراء.

ص: 792

الثالث: قوله: أوتوهم الشغل بماء محترم، وهو أن يكون الولد ثابت النسب، فإنه لا معنى لتقييده بكونه ثابت النسب لأنه إن لم يكن ذلك الماء محترمًا فماؤه هو محترم فلا يخلطه به، ويحمل/ على نفسه ولد زنا والأحاديث الواردة في الاستبراء لا فصل فيها بين ثابت النسب وغيره.

وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره" رواه الترمذي، يعني الحبالي من السبي من غير فصل بين ثابت النسب وغيره، على أن تعليله بكون الولد ثابت النسب ينافي إيجابه الاستبراء على من اشترى جارية من امرأة، والجارية غير مزوجة.

قوله: (وعن محمد رحمهما الله أنها لا تحرم).

يعني دواعي النكاح في حق المسبية، وهذا القول أقوى لما روى حماد بن سلمة قال: حدثنا علي بن زيد عن أيوب بن عبد الله اللخمي عن

ص: 793

ابن عمر قال: "وقعت في سهمي جارية يوم جلولاء كأن عنقها إبريق فضة، قال ابن عمر: فما ملكت نفسي أن جعلت أقبلها والناس ينظرون"، ولو استدل بهذا على جواز الدواعي في حق المستبرأة مطلقًا كما قال الحسن البصري لكان قويًا، لأن ما ذكر من الفرق وهو احتمال انفساخ البيع بظهور حبل من سيدها، لا يقوى، لأن هذا بناء على تحريم بيع أمهات الأولاد وفيه ما فيه، ولا يلزم القال به لأنه لمااستمتع بها كانت ملكه ظاهرا ًوذلك يكفي في جواز الاستمتاع كما يخلو بها ويحدثها وينظر منها ما لا يباح من الأجنبية.

قوله: (والحيلة إذا لم تكن تحت المشتري حرة -إلى آخره-).

تقدم في كتاب الشفعة التنبيه على بطلان مثل هذه الحيلة لأنها حيل على إبطال حق، والحكمة التي شرع لأجلها الاستبراء تفوت بالحيلة على

ص: 794

إسقاطها فتكون الحيلة باطلة، ويجب أن يعامل بضد قصده من بقاء الاستبراء كما في القاتل والفار.

قوله: (ولهما ما روي أنه عليه الصلاة والسلام "نهى عن المكامعة -وهي المعانقة- وعن المكاعمة -وهي التقبيل" وما رواه محمول على ما قبل التحريم، وقوله: وقال عليه السلام: "من صافح أخاه المسلم وحرك يده تناثرت ذنوبه").

هذان الحديثان غير معروفين، وتفسير المكامعة بالمعانقة فيه نظر وإنما فسرت في كتب اللغة بالمضاجعة وهي أخص من المعانقة، وإنما أخرج أبو داود عن أبي ريحانة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى عن مكامعة الرجل الرجل

ص: 795

بغير شعار، ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار"، وفسرت المكامعة بالمضاجعة، وقد ورد في المصافحة غير ما ذكره المصنف، وليس في شيء منه "وحرك يده" فيما أعلم.

قوله: (وكذا إذا أخبره مخبر أنك تزوجتها وهي مرتدة أو أختك من الرضاعة لم يتزوج بأختها وأربع سواها حتى يشهد بذلك عدلان، لأنه أخبر بفساد مقارن، والإقدام على العقد يدل على صحته، وإنكار فساده".

تقدم في الرضاع التنبيه على ما في ذلك من الإشكال، وهنا إشكال

ص: 796

آخر وهو قوله: والإقدام على العقد يدل على صحته، وحقه أن يقول: والإقدام على العقد يدل على دعوى صحته أو على صحته عنده، وإلا فالإقدام على العقد لا يكون دليلاً على نفس الصحة، وهذا هو مراد المصنف ولكن إطلاق الصحة هنا يوهم فلا ينبغي أن يجوز.

قوله: (لقوله عليه السلام: "من احتكر طعامًا أربعين ليلة فقد برئ من الله، وبرئ الله منه").

رواه أحمد وهو ضعيف ولم يثبت في الاحتكار غير قوله صلى الله عليه وسلم: "من احتكر فهو خاطئ" انفرد به مسلم، وروايه سعيد بن المسيب عن معمر، وكان كل منهما يحتكر فيحمل على أن النهي إذا كان يضر الاحتكار بأهل البلد، وأن احتكار سعيد ومعمر كان عند عدم الضرر، وذكر ذلك بمعناه

ص: 797

الحافظ ضياء الدين بن عمر الموصلي في كتابه: المغني عن الحفظ والكتاب بقولهم لم يصح شيء في هذا الباب.

قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تسعروا فإن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق").

هذا اللفظ غير معروف، والمحفوظ حديث أنس رضي الله عنه قال:"قال الناس: يا رسول الله إلا السعر، سعر لنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال" أخرجه أبو دواد وابن ماجه/ والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

ص: 798

قوله: (ولا بأس ببيع العصير ممن يعلم أنه يتخذه خمرًا -إلى آخره).

اتخاذ العصير خمرًا فعل محرم فالإعانة عليه محرمة، لأن حرمة الإعانة على المعصية مطلقة في قوله تعالى:{ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} فلا يجوز تقييد هذا الإطلاق بأن المعصية لا تقام بعين العصير بل بعد التغيير، فإن الإعانة على المعصية حاصلة سواء أقيمت المعصية بعين المبيع أو بعد تغيره، فإن اتخاذ العصير خمرًا معصية والبائع منه قد أعانه على ذلك فكان بذلك عاصيًا، وقد "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة، منهم: عاصرها".

فكيف بالبائع له الذي هو أعظم معاونة فكان أولى بدخوله في اللعن، [والعصير وإن كان يقع على العنب لكن لما كان المعصور محرمًا حرمت الوسيلة إليه سدًا للذريعة لأن الدافع أسهل من الرفع].

ص: 799

قوله: (وله أن الإجارة ترد على منفعة البيت ولهذا يجب الأجر بمجرد التسليم ولا معصية فيه، وإنما المعصية بفعل المستأجر وهو مختار فيه فقطع نسبته عنه).

لا يصلح هذا جوابًا عما استدل به أبو يوسف ومحمد رحمهما الله من أنه إعانة على المعصية، فإن اتخاذ بيت للنار أو اتخاذ الكنيسة والبيعة، واتخاذ بيت لبيع الخمر معصية، فالإعانة على ذلك معصية، وقد ورد في تعزيز الخمار إحراق حانوته الذي يبيع فيه الخمر، فإذا شرع إتلاف هذا البيت بالإحراق الذي هو أبلغ من الهدم لرفع هذه المعصية فالمنع منها والدفع عنها بعدم جواز إجارة البيت [لها] أولى.

وقوله: ولهذا يجب الأجر بمجرد التسليم ولا معصية فيه، ممنوع، بل كما أن المعصية بفعل المستأجر في البيت فالإعانة على ذلك معصية لأن الإعانة على المعصية معصية.

قوله: (وله أن المعصية في شربها وهو فعل فاعل مختار، وليس الشرب من ضرورات الحمل ولا يقصد به، والحديث محمول على الحمل المقرون

ص: 800

بقصد المعصية).

كون شربها معصية لا يمنع أن يكون حملها معصية، وإن لم يكن الشرب من ضرورات الحمل، فالحمل مفض إليه معين عليه، وحرمة عصر الخمر واعتصارها وحملها وتحميلها ونحو ذلك بمنزلة دواعي الزنا من اللمس والقبلة والنظر بشهوة، فكما تحرم الدواعي تحرم هذه الدواعي.

وقوله: والحديث محمول على الحمل المقرون بقصد المعصية: ممنوع بدليل "لعن عاصرها" ولا يتصور في العصر الاقتران بالشرب ولأن الأمر باجتنابها يقتضي النهي عن حملها أيضًا فيكون حملها مخالفًا للأمر باجتنابها فيكون أولى باللعن من عاصرها.

قوله: (ولأبي حنيفة رحمه الله قوله عليه السلام: "مكة حرام لا تباع رباعها ولا تورث" -ثم قال-: ويكره إجارتها أيضًا لقوله عليه الصلاة والسلام: "من أجر أرض مكة فكأنما أكل الربا").

هذا الحديثان لا يعرفان بهذا اللفظ وإنما ورد معناهما في حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل حرم مكة، فحرام بيع رباعها وأكل ثمنها، ومن أكل من أجور بيوت مكة

ص: 801

شيئًا فإنما يأكل نارًا" أخرجه الحارثي في مسند الإمام أبي حنيفة، وأخرجه الدارقطني والبيهقي من جهته، ولكن رواه أبو حنيفة عن عبيد الله بن أبي زياد، عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن عمرو، وابن أبي زياد ضعيف، والصواب أنه موقوف على عبد الله بن عمر.

قالوا: ورفعه وهم هكذا قاله الدارقطني وأبو عبد الرحمن السلمي والبيهقي.

قوله: (ومن وضع درهمًا عند بقال يأخذ منه ما شاء، يكره ذلك لأنه ملكه قرضًا وجر به نفعًا، وهو أن يأخذ منه ما شاء حالاً فحالاً "ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قرض جر نفعًا").

ص: 802

في كون هذا من باب قرض جر نفعًا- نظر، بل كلما أخذ شيئًا من البقل ووجب ثمنه في ذمته وقعت المقاصة بنظيره من ذلك الدرهم فالنفع مشترك بينهما ليس مختصًا بالمقرض وحده، فلا يكون قد رجع إلى المقرض نظير رأس ماله وزيادة خالية عن العوض حتى يقال: إن تلك الزيادة في معنى الربا.

قوله: (والآية محمولة على الحضور استيلاءً واستعلاءً أو طائفتين عراة كما كانت عادتهم في الجاهلية).

في الحمل على ذلك وحده نظر بدليل قوله تعالى بعد ذلك: {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله} / فإن أهل مكة كانت معايشهم من التجارات، وكان المشركون يأتونهم بالطعام ويتجرون فلما منعوا من دخول الحرم خافوا الفقرة وضيق العيش، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل:{وإِن خفتم عيلة} أي فقرًا وفاقة {فسوف يغنيكم الله من فضله} الآية، وإنزال وفد ثقيف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلزم منه جواز

ص: 803

دخولهم المسجد الحرام لأن الله تعالى خص المسجد الحرام بخصائص فاق بها سائر المساجد فلا يقاس على غيره فظهرت قوة قول الشافعي رحمه الله.

قوله: (روي أنه كان من دعائه عليه السلام: "اللهم إني أسألك بمقعد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة").

وهذا لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم وإنما ذكر في بعض الكتب التي يذكر فيها الغث والسمين.

ص: 804

قوله: (وهو محكي عن الشافعي رحمه الله.

يعني جواز اللعب بالشطرنج المحكي عن الشافعي رحمه الله أنه قال عن الشطرنج لم يتبين لي تحريمه، ولم يصح عنه القول بجواز اللعب بالشطرنج.

قوله: (ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: "من لعب بالشطرنج والنردشير فكأنما غمس يده في دم خنزير").

لم يرد لفظ الشطرنج في الحديث، وإنما ورد في حديث بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في دم خنزير" وفي رواية: "غمس يده في لحم خنزير ودمه" أخرجه مسلم، وأخرج أبو داود الثانية.

وفي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

ص: 805

"من لعب بالشطرنج فقد عصى الله ورسوله" أخرجه مالك في الموطأ، قال أبو عمر بن عبد البر: وقد روي فيه حديث منكر عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لعب بالشطرنج فقد عصى الله ورسوله" وهذا إسناد عن مالك مظلم، وهو حديث موضوع باطل. انتهى.

ولكن التحريم ثبت في الشطرنج بدلالة النص لأنه أشغل عن ذكر الله منه، فإن الشطرنج يحتاج إلى فكر زائد يستغرق الذهن أكثر من النرد فكان أحق بالمنع منه.

قوله: (لقوله عليه السلام: "ما ألهاك عن ذكر الله فهو ميسر").

إنما حكاه البيهقي من كلام القاسم بن محمد ولا يعرف مرفوعًا.

ص: 806

قوله: (وقبل هدية بريرة وكانت مكاتبة).

الظاهر أن هدية بريرة إنما كانت بعد اعتاقها، يعرف ذلك بالتأمل في المحكي من قضيتها، فإن عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة وأعتقتها، وخيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين المقام مع زوجها أو فسخ النكاح، فاختارت نفسها وفسخت النكاح، وهذا كان أول تعلقها بآل البيت وكانت الهدية بعد ذلك، وهذا هو الظاهر والله أعلم

قوله: (لأنه عليه الصلاة والسلام: "بعث عتاب بن أسيد إلى مكة").

لم يبعثه إلى مكة، وإنما كان بمكة فأسلم عام الفتح فاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة حين خرج إلى حنين ولم يزل أميرًا عليها حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقره أبو بكر إلى أن مات هو وأبو بكر في يوم أحد.

ص: 807

قوله: (ولا بأس أن تسافر الأمة وأم الولد بغير محرم لأن الأجانب في حق الإماء فيما يرجع إلى النظر والمس بمنزلة المحارم على ما ذكرنا من قبل، وأم الولد أمة لقيام الملك فيها وإن امتنع بيعها).

فيه نظر، فإن نهي المرأة أن تسافر بغير زوج أو محرم عام في كل امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، فدخلت الأمة فيه، وخوف الفتنة شامل للأمة والحرة، بل قد يكون بعض الإماء أحسن من بعض الحرائر، فيكون خوف الفتنة فيها أغلب، وهذا مما لا شك فيه، وأما كون الأجانب في حق الإماء بمنزلة المحارم فيما يرجع إلى النظر والمس فللحاجة إلى ذلك لأجل الخدمة، وهذا يكون في حال قيامها بالخدمة، ولا حاجة إلى السفر بها فيمنع منه، وأيضًا فقد "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخلوة بالأجنبية"، وفي السفر بأمة الغير الخلوة بالأجنبية فكيف يقال إن ذلك يجوز وهو مما نهى عنه باعتبارين:

/أحدهما: السفر بغير محرم.

الثاني: الخلوة بها وهي أجنبية.

* * *

ص: 808