الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الهبة
قوله: (ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تجوز الهبة إلا مقبوضة").
هذا حديث منكر، لا أصل له والله أعلم.
قوله: (ولا تجوز الهبة فيما يقسم إلا محوزة مقسومة).
فيه نظر، وكذا قوله بعد ذلك: ومن وهب شقصًا مشاعًا، فالهبة فاسدة، فإنه قد ذكر غير واحد من الأصحاب أن الشائع محل لحكم الهبة، فإن حكمها الملك والشائع يقبله كما في البيع والإرث، لكن الملك موقوف على القبض الكامل عند الأصحاب.
قالوا: وذلك لا يتحقق في الشائع وإذا ظهر أثر الشيوع في حق القبض
دون العقد صح العقد، وتوقف تمامه على القبض، وصاحب الهداية قد قال بعد ذلك: فإن قسمه وسلمه جاز؛ لأن تمامه بالقبض وعنده لا شيوع.
وكان الصواب أن يقول: لا يثبت الملك في هبة ما لا يقسم إلا مقسومًا محوزًا؛ لأن هبة المشاع فيما لا يقسم وقعت جائزة في نفسها ولكن توقف إثباتها الملك على الإحراز والتسليم، والله أعلم.
قوله: (ولنا أن القبض منصوص عليه في الهبة فيشترط كماله، والمشاع لا يقبله إلا بضم غيره إليه، وذلك غير موهوب، ولأن في تجويزه إلزامه شيئًا لم يلتزمه وهو ضرر القسمة ولهذا امتنع جوازه قبل
القبض كيلا يلزمه التسليم -إلى آخره-).
فيه نظر من وجوه:
أحدها: في قوله: "إن القبض منصوص عليه في الهبة" فإنه يشير إلى ما رواه أولاً من قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تجوز الهبة إلا مقبوضة" وتقدم أن ذلك الحديث لا أصل له.
والثاني: في قوله: "والمشاع لا يقبله إلا بضم غيره إليه"، فإن ذلك لم يمنع من صحة الهبة فيما لا يقسم، فكذا ينبغي أن لا يمنع صحتها فيما يقسم.
والثالث: في قوله: "ولأن في تجويزه إلزامه شيئًا لم يتلزمه وهو ضرر القسمة"، فإن الهبة من الشريك قد قالوا لا تجوز، وليس ثم ضرر قسمة، وكذلك قال أبو حنيفة: إنه لا تجوز هبة واحد من اثنين، وليس فيه ضرر القسمة، فكلا العلتين غير مطردة، فلا يمنع من صحة الهبة، والأئمة الثلاثة على جواز هبة المشاع.
ويشهد لذلك من السنة "أن وفد هوازن لما جاءوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم ما غنمه منهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كان لي ولبني عبد المطلب
فهو لكم" رواه البخاري.
وهذا هبة مشاع، وروى عمير بن سلمة الضمري قال:"خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتينا الروحاء فرأينا حمار وحش معقورًا فأردنا أخذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوه، فإنه يوشك أن يجيء صاحبه" فجاء رجل من بهز وهو الذي عقره فقال: يا رسول الله شأنكم الحمار، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبابكر أن يقسمه بين الناس" رواه أحمد والنسائي.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في اشتراط القبض في الهبة شيء، ولو ثبت
اشتراط القبض فقبض كل شيء بحسبه، وما ذكره كله مرتب على اشتراط كمال القبض، وفي اشتراط أصله نظر، فكيف باشتراط كماله.
والصحيح جواز هبة المشاع ورهنه وإجارته ووقفه كما يجوز بيعه وقرضه والوصية به، ولا زال الناس على ذلك ولم يرد في رده كتاب ولا سنة ولا إجماع، فإن طلب الموهوب له القسمة وألزم بها الواهب فهو كما إذا ألزم بها البائع وقد باع حصته مما يملكه كله فكما أن ذلك لا يمنع من صحة البيع، وإن كان فيه إلزام بما لم يلتزمه فكذلك لا يمنع من صحة الهبة.
قوله: (ولو وهب لشريكه لا يجوز؛ لأن الحكم يدار على نفس الشيوع).
فيه نظر؛ لأنه إنما علل له بعدم إمكان كمال القبض، وبضرر الإلزام بالقسمة، والهبة من الشريك قد تصور فيها القبض الكامل، وليس فيها قسمة، فما المانع من صحتها والحالة هذه.