الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(إنما الصبر عند الصدمة الأولى)، معناه: إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع، فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل، وأصل الصدم ضرب الشيء الصلب بمثله، فاستعين للمصيبة الواردة على القلب.
وقال الخطابي: "المعنى: أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة بخلاف ما بعد ذلك، فإنه على الأيام يسلو".
32 - بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «يُعَذَّبُ المَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ
"
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ، فَهُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها:
{لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] " وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} [فاطر: 18] ذُنُوبًا {إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فاطر: 18].
وَمَا يُرَخَّصُ مِنَ البُكَاءِ فِي غَيْرِ نَوْحٍ».
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا» وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ".
1284 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، وَمُحَمَّدٌ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ، فَأْتِنَا، فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلَامَ، وَيَقُولُ:«إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ، وَلْتَحْتَسِبْ» ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ - قَالَ: حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ كَأَنَّهَا شَنٌّ - فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟ فَقَالَ:«هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» .
(من سنته) أي: طريقته.
وحاصل كلام الناس في مسألة تعذيب الميت ببكاء أهله عليه أقوال:
قيل: هو على ظاهره، وقيل: لا مطلقًا، وقيل: الباء للحال، أي أن مبتدأ عذاب الميت يقع عند بكاء أهله عليه، لأن ذلك إنما يقع غالبا عند وقته وفي تلك الحال يسأل ويبتدأ به عذاب القبر.
فمعنى الحديث: أن الميت يعذب حال بكاء أهله عليه، ولا يلزم من ذلك أن يكون البكاء سببًا لتعذيبه.
وقيل: الحديث ورد في ميت مخصوص لحديث عائشة الآتي: "إنما مر على يهودية
…
" الحديث.
وقيل: هو عام في كل كافر، ولا يعذب المؤمن بذنب غيره أصلًا، وسيأتي أيضا عن عائشة.
وقيل: هو محمول على ما إذا كان النوح من سنته وطريقته، وعليه البخاري.
وقيل: على من أوصى به، وقيل: على من لم يوص بتركه، فتكون الوصية بذلك واجبة إذا علم أن من شأن أهله أن يفعلوا ذلك.
وقيل: التعذيب بالصفات التي يبكون بها عليه وهي مذمومة شرعًا، كما كان في الجاهلية يقولون:"يا مرمل النسوان، يا ميتم الأولاد، يا مخرب الدور".
وقيل: المراد بالتعذيب توبيخ الملائكة له بما يندبه أهله به، لحديث الترمذي وغيره:"ما من ميت يموت فتقوم نادبته فتقول: واجبلاه واسنداه أو شبه ذلك من القول، إلا وكل به ملكان يلهزانه أهكذا كنت".
وقيل: المراد به تألم الميت بما يقع من أهله، لحديث الطبراني وغيره:"أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفًا، فإذا مات استرجع فوالذي نفس محمد بيده إن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه، فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم".
(بنت النبي صلى الله عليه وسلم): هي زينب.
(إن ابنًا لي): هو علي بن أبي العاص بن الربيع، قاله الدمياطي.
وقال ابن حجر: "بل بكتها أمامة ولم تمت في مرضها ذلك"، وقيل: بل البنت فاطمة، والابن محسن بن عليّ.
(قبض) أي: قارب أن يقبض لقوله في آخر الحديث: "فرفع إليه الصبي ونفسه تتقعقع".
(يقرئ): بضم أوله.
(مسمى): معلوم.
(ولتحتسب) أي: تنو بصبرها طلب الثواب من ربها.
(ومعه رجال)، سمي منهم: عبادة بن الصامت، وأسامة بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف.
(فرفع): بضم الراء.
(تتقعقع): القعقعة: حكاية صوت الشيء اليابس إذا حرك.
(شن): بفتح المعجمة وتشديد النون: القربة الخلقة اليابسة، شبه به البدن، وحركة الروح فيه بما يطرح في القربة من حصاة ونحوها.
(فقال سعد) أي: ابن عبادة، ولابن ماجه:"فقال عبادة بن الصامت"، والصواب ما في "الصحيح".
(ما هذا)، في "التوحيد":"أتبكي"، زاد أبو نعيم:"وتنهى عن البكاء".
(من): بيانية.
(الرحماء): جمع "رحيم".
قال الحربي: "وعبر به هنا وفي الحديث الآخر: "الراحمون يرحمهم الرحمن"، فأتى بجمع راحم الذي لا مبالغة فيه، لأن الأول قرن بلفظ الجلالة الدالة على العظمة، وقد عرف بالاستقراء أنه حيث ورد يكون الكلام مسبوقًا للتعظيم، فناسب معه ذكر من كثرت رحمته وعظمت ليكون الكلام جاريًا على نسق التعظيم بخلاف لفظ الرحمن، فإنه دال على العفو، فناسب أن يذكر معه كل ذي رحمة وإن قلت".
1285 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عَلَى القَبْرِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، قَالَ: فَقَالَ: «هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟» فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا، قَالَ:«فَانْزِلْ» قَالَ: فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا.
(شهدنا بنتًا): هي أم كلثوم زوج عثمان.
(لم يقارف الليلة): بقاف وفاء، أي:"لم يجامع أهله"، وذكرت حكمته أنه حينئذ يأمن من أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة، وفي "المستدرك":"أن عثمان تنحى". قال ابن حبيب: "لأنه جامع بعض جواريه تلك الليلة".
1286 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ رضي الله عنه بِمَكَّةَ، وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا - أَوْ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا، ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي - فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَلَا تَنْهَى عَنِ البُكَاءِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» .
(بنت لعثمان): هي أم أبان.
1287 -
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَدْ كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَّثَ، قَالَ: صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ رضي الله عنه مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ سَمُرَةٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ، فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلَاءِ الرَّكْبُ، قَالَ: فَنَظَرْتُ
فَإِذَا صُهَيْبٌ، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ادْعُهُ لِي، فَرَجَعْتُ إِلَى صُهَيْبٍ فَقُلْتُ: ارْتَحِلْ فَالحَقْ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ: وَا أَخَاهُ وَا صَاحِبَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: يَا صُهَيْبُ، أَتَبْكِي عَلَيَّ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» .
1288 -
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ رضي الله عنه، ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقَالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ المُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» ، وَقَالَتْ: حَسْبُكُمُ القُرْآنُ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «عِنْدَ ذَلِكَ وَاللَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى» قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: «وَاللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما شَيْئًا» .
(ولكن رسول الله): بسكون النون.
(حسبكم): كافيكم.
(والله هو أضحك وأبكى) أي: أن العبرة لا يملكها ابن آدم، فكيف يعاقب عليها فضلًا عن الميت.
(ما قال ابن عمر شيئًا)، قال الطيبي وغيره:"ظهرت له الحجة فسكت مذعنًا"، وقال ابن المنير:"سكوته زائد على الإذعان، فلعله كره المجادلة في ذلك المقام".
1289 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ