الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
عن عُقبة بن عامر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {مَن صام يوماً في سبيل الله عز وجل باعد الله منه جهنَّم مسيرةَ مائةِ عام} رواه النَّسائي (2254) . ورواه عبد الرزاق (9684) والطبراني في المعجم الكبير وفي المعجم الأوسط من طريق عمرو بن عبسة رضي الله عنه. قال الهيثمي [رجاله موثَّقون] . وقال المنذري: بإسنادٍ لا بأس به. ورواه عبد الرزاق أيضاً (9683) من طريق أبي أُمامة رضي الله عنه بلفظ {من صام يوماً في سبيل الله بَعَّد الله وجهَه عن النار مسيرةَ مائةِ عام، ركضَ الفرسِ الجوادِ المُضْمَرِ} والمضمر: هو الحصان الخفيفُ اللحم، وهو ما تمدحه العرب لخفته وسرعة جريه.
وقد جاءت النصوص عامة في الصوم، فتشمل صوم الفريضة كما تشمل صوم التطوع. أما صوم التطوع فظاهر، وأما صوم الفريضة، فإنه في حالة السفر كما في حالة الجهاد في سبيل الله لا يتعيَّن أداؤُه ويصح للصائم أن يفطر فجاءت هذه النصوص تحث على الصيام بنوعيه في حالة الجهاد في سبيل الله، وليس صحيحاً قصرُ النصوص هذه على صيام الفريضة.
…
أما قول الأحاديث (في سبيل الله) فإن هذه اللفظة حيثما وردت فيها، فإنها تعني الجهاد، أي قتال الكفار، ولا تُصرف عنه إلا بقرينة، وهنا في مسألتنا لا توجد قرينة، فتبقى على أصل معناها، وهو الجهاد.
يصحُّ قطعُ صيام التطوع:
يصح للصائم تطوُّعاً أن يقطع صيامه متى شاء، لعذرٍ أو لغيرِ عذر، وقد مرت الأحاديث التي تذكر ذلك في بحث [قضاء صوم التطوع] في الفصل [قضاء الصوم] وقد جاء في ذلك البحث قولنا [وإذن فإن جواز قطع صيام التطوُّع جاءت أحاديثُ كثيرةٌ به، وجاءت به دون إيراد أي عذر، فلا يحلُّ لأحد وَقَف على هذه الأحاديث أن يُحرِّم قطع صيام التطوع، أو أن يقيِّده بعذر] فيراجِع البحثَ مَن يشاء.
الصيامُ في أيام الأسبوع:
يصح صيام التطوع في أي يوم من أيام الأسبوع، وقد ورد الصوم في يومي الاثنين والخميس كما مرَّ سابقاً، كما ورد في سائر الأيام الأخرى باستثناء إِفراد يومي الجمعة والسبت بالصوم بمعنى أن من أراد صوم يوم الجمعة أو صوم يوم السبت فلْيُضِف إليهما يوماً قبلهما أو يوماً بعدهما، فيصوم الجمعة والسبت، أو الخميس والجمعة، أو السبت والأحد، إلا أن يأتي يومُ عرفةَ مثلاً أو يومُ عاشوراءَ في أحد هذين اليومين فلا بأس عندئذٍ بإِفرادهما بالصوم، لأن الصوم فيهما جاء لمعنى آخر. وهذه طائفة من الأحاديث تذكر ذلك:
1-
عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر مما يصوم من الأيام ويقول: إِنهما عيدا المشركين، فأنا أُحبُّ أن أُخالفهم} رواه أحمد (26750) والبيهقي ورواه الطبراني في المعجم الأوسط. ورواه ابن خُزيمة وابن حِبَّان والحاكم وصححوه، كما صححه ابن حجر والذهبي.
2-
عن عبيد الله بن مسلم القرشي عن أبيه قال {سألتُ أو سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر؟ فقال: إن لأهلك عليك حقاً، صم رمضان والذي يليه وكلَّ أربعاء وخميس فإذا أنت قد صُمت الدهر} رواه أبو داود (2432) والنَّسائي في السنن الكبرى والبخاري في كتاب التاريخ الكبير. ورواه الترمذي وقال [غريب]
3-
عن خيثمة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس} رواه الترمذي (743) وقال [هذا حديث حسن] .
الحديث الثالث فيه ضعف، ولكن الترمذي وقد حسَّنه فإنه يجوز أخذه، لا سيما في موضوع كهذا، ولأنه لم يعارضه حديث صحيح. أما ما رواه عبد الله بن بُسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِض عليكم، فإن لم يجد أحدُكم إلا عودَ عنب أو لِحاءَ شجرة فلْيَمُصَّه} رواه ابن ماجة (1726) والنَّسائي وأحمد. ورواه ابن حِبَّان والحاكم وصححاه كما صححه ابن السكن، وحسَّنه الترمذي. ولكن الطحاوي قال [هذا حديث شاذ] وضعَّفه أحمد ومالك. ورواه أبو داود (2421) من طريق أخت عبد الله، وقال في آخره [هذا حديثٌ منسوخ] فهذا الحديث لا شك في أن فيه ضعفاً، ولا أقول إنه حديث ضعيف. وننظرُ، فإن كان هذا الحديث يخالف الحديث الصحيح الأول، ولا يمكن التوفيق بينهما فإنه يُرَدُّ ولا بد، وأما إن كان لا يخالف الحديث الصحيح الأول ويمكن التوفيق بينهما فإنه يجوز أخذه والاستدلال به.
وبالنظر في هذه المسألة أمكننا القول إن الجمع بينهما ممكنٌ بل وسهلٌ، فيُعمَل بالحديثين. فأقول إن النهي عن صيام السبت في هذا الحديث متوجِّه إلى إِفراده بالصوم أما صيامه مع ما قبله أو مع ما بعده فلا يدخل في النهي هذا، ويؤيد هذا طلبُه عليه الصلاة والسلام ممَّن صام يوم الجمعة أن يصوم السبت بعده أو الخميس قبله كما سيأتي مباشرة، والجمع بين الأحاديث مهما أمكن أولى من القول بالنسخ أو بالرد.
بقي صيام يوم الجمعة، وقد ورد فيه ما يلي:
4-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا يَصُمْ أحدُكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله، أو يصوم بعده} رواه مسلم (2683) والبخاري وأبو داود وأحمد وابن حِبَّان. كما رواه مسلم (2684) والنَّسائي بلفظ {لا تختَصُّوا ليلَة الجمعة بقيامٍ من بين الليالي، ولا تَخُصُّوا يوم الجمعة بصيامٍ من بين الأيام، إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدُكم} .
5-
عن محمد بن عباد قال {سألت جابراً رضي الله عنه: أَنَهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم – زاد غير أبي عاصم – يعني: أن ينفرد بصومه} رواه البخاري (1984) ومسلم والنَّسائي وابن ماجة وأحمد.
6-
عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها {أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: أصمتِ أمسِ؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأَفطري} رواه البخاري (1986) والنَّسائي وأحمد وابن حِبَّان والطحاوي.
7-
عن بشير بن الخصاصية رضي الله عنه {أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أَصومُ يومَ الجمعة، ولا أُكلِّم ذلك اليوم أحداً؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصم يوم الجمعة إلا في أيامٍ هو أحدُها، أو في شهر
…
} رواه أحمد (22300) وإسناده صحيح.
8-
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من غُرَّةِ كلِّ شهر، وقَلَّما يُفطر يوم الجمعة} رواه النَّسائي (2368) والترمذي وابن ماجة وأحمد وابن حِبَّان وابن خُزيمة والبيهقي. قال الترمذي [حسن غريب] وصححه ابن حزم.
9-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال {ما أنا نَهَيتُ عن صيام يوم الجمعة، محمدٌ صلى الله عليه وسلم وربِّ الكعبةِ نهى عنه} رواه ابن حِبَّان (3609) وأحمد وابن خُزيمة وعبد الرزاق، وسنده صحيح.
10-
عن عامر بن لُدَين الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {إن يوم الجمعة عيدُكم فلا تصوموه، إلا أن تصوموا قبله أو بعده} رواه البزَّار (1069) بسندٍ حسَّنه الهيثمي. وروى أحمد والحاكم هذا اللفظ من طريق أبي هريرة رضي الله عنه.
قلنا إن النهي قد وقع على إِفراد يوم الجمعة بالصوم، وقلنا إن من أراد صوم هذا اليوم فلْيصم معه يوماً قبله، أو يوماً بعده، والحديث الرابع والحديث الخامس والحديث السابع والحديث العاشر هي أدلة على هذا الحكم، وهي واضحة الدلالة. ونقول أيضاً إن الحديث السادس يدل على الحكم هذا، فجُوَيرِية رضي الله عنها كانت صائمة يوم الجمعة، فأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يَعْلم إِن كانت قد أفردت الجمعة بالصوم أو أنها صامت الخميس قبله بقوله (أَصُمتِ أمسِ؟) فلما علم أنها لم تكن صامت الخميس، سألها إن كانت تنوي صيام السبت بعد الجمعة بقوله (تريدين أن تصومي غداً؟) فلما علم أنها لا تريد صوم السبت، وأنها بالتالي تكون قد أفردت الجمعة بالصوم أمرها أن تفطر، بمعنى أنه نهاها عن إِفراد الجمعة بالصوم. أما حديث ابن مسعود الثامن فيُحمل على أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم الجمعة مع ما قبله أو مع ما بعده، وحيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان كثير الصيام، فإن صيام الجمعة كان يدخل في صيامه ولا يدل الحديث على أنه عليه الصلاة والسلام كان يُفْرِد الجمعة بالصيام. وأما الحديث التاسع، فلا شك في أن النهي الوارد فيه ينسحب على إِفراد الجمعة بالصوم، ونكون بهذا الفهم قد أَعْمَلنا جميع الأحاديث، وأزلنا ما يبدو عليها من تعارض في الظاهر.
وعليه فإني أقول إن صيام التطوع يصح في أي يوم من أيام الأسبوع دون شروط، باستثناء يومي الجمعة والسبت، فإن صيامهما مشروط بعدم إِفرادهما بالصوم وينتفي الإِفراد بصوم يومٍ قبلهما أو يومٍ بعدهما معهما.