الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد يقال إن ذِكْر المساجد في النصوص لم يأت كشرط، وإنما جاء مجرد خبر عما كان يحصل وأن ما جاء كخبرٍ لا يُعتبر شرطاً؟ فنجيب عليه بأن الآية قد خُتِمت بالقول {تلك حدودُ اللهِ فلا تَقْربوها كذلك يُبَيِّنُ اللهُ آياتِه للناسِ لعلهم يتقونَ} مما ينفي عما جاء في صدرها من أحكام أن تكون أخباراً لا تُلتَزَم، فقولُ الآيةِ الكريمة:{ولا تُباشِروهُنَّ وأَنتم عاكفونَ في المساجد} يدخل تحت القول {تلك حدودُ اللهِ فلا تقْربوها} ولا يصح أن يدخل تحت القول الأخير لو كانت المباشرة مثلاً في غير المساجد، أو كانت الأفعال في المساجد لا تصل إلى حدِّ المباشرة، وهي هنا الجماع، كما روى البيهقي (4/321) وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير الطبري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه في قوله {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد، قال: المباشرةُ والملامسةُ والمسُّ جِماعٌ كله ولكن الله عز وجل يَكْني ما شاء بما شاء} ونقل ابن المنذر الإجماع على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع، فكان ذِكْرُ المباشرةِ وذِكْرُ المساجد أمرين لازمين غير منفصلين، مما ينفي عنهما الإِخبار المجرَّد.
…
ثم انظروا في الحديث الخامس (ومن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليرجعْ، فرجع الناس إلى المسجد) فهو أمر منه عليه الصلاة والسلام بالرجوع إلى المسجد لمن كان قد اعتكف، ولولا أن المسجد هو مكان الاعتكاف لما صدر الأمر النبوي هكذا.
…
وأما الآثار المروية عن الصحابة والتابعين، فهي لا تعدو كونها آراءً اجتهاديةً لأصحابها. أما قول ابن المسيِّب في البند الرابع، فلا يعارض ما ذهبنا إليه من وجوب المسجد للاعتكاف بقدر ما يوفقنا، وما هو إلا بيان لأفضلية هذه المساجد بعضها على بعض.
متى يكونُ الاعتكاف
؟
يصحُّ الاعتكاف في أي يوم وفي أي ليلة على مدار العام دون استثناء، إذ النصوصُ لم يَرِدْ فيها أيُّ تقييد أو تخصيص، بل جاءت مطلقة غير مقيَّدة وعامة غير مخصَّصة وما جاء فيها من ذكرٍ للعشر الأواخر من رمضان فإنما جاء من باب الأفضلية والندب فحسب، ولم يجيءْ كشرطٍ واجب. ونتناول النصوص المتعلقة بهذه المسألة لاستنباط الحكم منها:
1-
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان} رواه البخاري (2025) ومسلم وأبو داود وابن ماجة.
2-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال {كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشْرةَ أيام، فلما كان العامُ الذي قُبِض فيه اعتكف عشرين يوماً} رواه البخاري (2044) وأبو داود والنَّسائي وابن ماجة وأحمد وابن خُزيمة والدارمي.
3-
عن أم سلمة رضي الله عنها {أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف أول سنة العَشْرَ الأول ثم اعتكف العَشْرَ الأوسط ثم اعتكف العَشْرَ الأواخر وقال: إني رأيت ليلة القدر فيها فأُنسيتُها فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف فيهن حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم} رواه الطبراني في المعجم الكبير (23 /994) قال الهيثمي [إسناده حسن] وقد مرَّ في الفصل [قيام رمضان وليلة القدر] .
4-
عن عَمْرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنْ يعتكف العَشْرَ الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة فأذن لها وسألت حفصةُ عائشةَ أن تستأذن لها ففعلت فلما رأت ذلك زينبُ بنتُ جحش أمرت ببناء فبُني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه فأبصر الأبنية، فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَلبرَّ أردن بهذا؟ ما أنا بمعتكِفٍ، فرجع، فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال} رواه البخاري (2045) ومالك وأحمد وابن حِبَّان وابن خُزيمة وقد مرَّ. والعشر من شوال هو العشر الأَوَّل، كما جاء في روايةٍ لمسلم (2285) وأبي داود والبيهقي، فعن عائشة رضي الله عنها قالت {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف، صلى الفجر ثم دخل مُعْتَكَفَهُ، وإِنه أمر بخِبائِه فضُرب لمَّا أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فأمرت زينب بخِبائِها فضُرب وأمر غيرُها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بخِبائِها فضرب، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر نظر فإذا الأَخبية، فقال: ألْبِّر يُرِدْنَ؟ فأمر بخِبائِه فقُوِّض، وترك الاعتكاف في شهر رمضان، حتى اعتكف في العشر الأَوَّل من شوال} قوله الخِباء: هو مَسْكَنٌ من صوف أو وَبَرٍ منسوجٍ يقوم على عمودين أو ثلاثة، فإذا قام على أربعةٍ أو أكثر فهو بيتٌ. ولكن العَشْرَ من شوال حسب روايةٍ للبخاري هي العشر الأواخر، ففي البخاري (2041) من طريق عائشة رضي الله عنها قالت {
…
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغَداة، أبصر أربع قِباب، فقال: ما هذا؟ فأُخْبِر خبرهنَّ، فقال: ما حملهن على هذا؟ آلبِرُ؟ انزعوها فلا أراها فنُزعت فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال} .