الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
…
وقد يقول قائل: إن الحديث الحادي عشر قد شَرع للمسلمين الوصال حتى السحر، فكان الوِصال للمسلمين مشروعاً، فنقول له: إنه تخصيصٌ للعام، والشرع يملك تخصيص العام طبعاً، فالشرع الذي حرَّم عموم الوصال، أخرج الوصال إلى السحر من هذا العموم، بمعنى أنه قد أجاز الوصال إلى السَّحر وحده ولم يُجِزْ غيره، ولم يخصِّص غيره، ولم ينسخ الحكم العام، بل بقي الحكم العام قائماً، وهذا ظاهر في الحديث الحادي عشر نفسه، فأوَّلُه يقول (لا تواصلوا) هكذا على إطلاقه، ثم قال (فأيُّكم أراد أن يواصل فلْيواصل حتى السَّحَر) ولا ينسخ القولُ الثاني القولَ الأول طبعاً، فالقول الأول باق، والقول الثاني باقٍ هو الآخر، وكلاهما مشروع، ولا يلغي ولا ينسخُ أحدُهما الآخر.
…
وعليه فإنا نقول إن الوصال أكثر من يوم وليلة حتى السحر، أي موعد تناول السَّحور، حرام لا يجوز، ويزداد حُرمةً كلما زاد الوصال وطال، فالوصال يومين حرام والوصال ثلاثة أيام أشدُّ حرمة، وهكذا، لأن الزيادة في الحرام زيادة في التعدِّي على شرع الله وأمرِ الله، وتمادٍ في المعصية.
…
ومن ذلك يظهر أن ما ذهب إليه الأكثرون من تحريم الوصال هو الصحيح، ويظهر بظهوره أن القول بالكراهة خطأ فضلاً عن القول بالجواز.
صومُ الحائض والنُّفَساء:
…
لا يحل لامرأةٍ حائضٍ ولا لنُفَساء أن تصوما في حالتي الحيض والنفاس، وقد مرَّ هذا البحث بتمامه في الفصل [صيام رمضان – أحكامٌ عامة] .
صومُ المرأة تطوُّعاً بدون إذن زوجها:
…
لا يحل لزوجة أن تصوم تطوعاً إلا بإذنٍ من زوجها، وقد مرَّ هذا البحث بتمامه تحت عنوان [صوم المرأة بإذن زوجها] في الفصل [صيام التطوع – أولاً: أحكامٌ عامة] .
الفصل السابع: الكفَّارات
الفصل السابع
الكفَّارات
أ –
الكفَّاراتُ بالصيام
صيامُ شهرين متتابعين:
أولاً: صيامُ الظِّهار:
…
الظِّهارُ هو قول الزوج لزوجته: أنتِ عليَّ كظهر أمي، ومثله كظهر أختي، أو كظهر عمتي، أو كظهر خالتي، أو كظهر أية امرأة يحرم عليه الزواج منها. وهو يقصد من هذا القول أن يُحرِّم جماع زوجته.
…
وكفَّارة الظهار تحرير رقبة أولاً، وحيث أنه لا يوجد عبيد اليوم، فإن الكفَّارة تبدأ اليوم بصيام شهرين متتابعين، وهذا لمن يقوى عليه، فإن كان عاجزاً عن الصوم لمرض أو شيخوخة أو ضعفٍ وهزالٍ أطعم ستين مسكيناً وجبةً واحدة لكل واحد منهم
…
وتجب الكفَّارة على الزوج إن هو أراد العود، أي أراد جماع زوجته، وقبل أداء الكفَّارة لا تحل له، وبمعنى آخر تجب الكفَّارة عندما يعود عن قوله بتحريم جماع زوجته إلى القول بأنها تحلُّ له، وعندما يقول إن زوجته تحلُّ له، آنذاك تجب عليه الكفَّارة وقبل أن يجامع.
…
وهذه الأحكام وإن كانت ليست في باب الصيام، ولكنني أوردتها مختصرة وبدون سوق الأدلة عليها لإفادة القراء الكرام، ولما لها من اتصال بموضوع الصيام، والدليل على أن كفَّارة الظِّهار هي صيام شهرين متتابعين قولُه تعالى {الذين يُظاهِرون مِنْكُم مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إنْ أُمَّهاتُهُم إلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وإِنَّهم لَيَقُولون مُنْكَراً مِنَ القَوْلِ وَزُوراً وإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ? والذين يُظاهِرون من نِسائِهم ثم يعودون لِمَا قالوا فتحريرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أن يَتَماسَّا ذلكم تُوعَظون به واللهُ بما تعملونَ خبيرٌ ? فمَنْ لم يجدْ فصيامُ شهرينِ متتابعينِ مِنْ قَبْل أن يتماسَّا فَمَنْ لَم يستطعْ فإِطعامُ ستينَ مِسكيناً ذلك لِتُؤمنوا باللهِ ورسولِه وتلك حدودُ اللهِ وللكافرين عذابٌ أليمٌ} سورة المجادلة الآيات 2، 3، 4.
ثانياً: صيامُ القاتل خطأً:
…
من قتل نفساً بريئة خطأً فقد وجب عليه أولاً عِتقُ رقبة، أي تحرير عبد، ودفعُ ديةٍ إلى أهل القتيل، ولا يدفعها القاتل من ماله، وإنما تدفعها العاقلة من أموالها، وحيث أن العبيد لم يعودوا موجودين في أيامنا هذه، فإن المحصلة هي أن من قتل نفساً بريئة خطأً فعليه صوم شهرين متتابعين، وعلى عاقلته دفعُ الدية لأهل القتيل.
…
أما صوم الشهرين فإنه لا بد من تتابعه وعدم قطعه إلا لعذرِ المرضِ، أو لعذر الحيض أو النِّفاس إن كان القاتل امرأةً. وقد روى الطبري في تفسيره عن سعيد بن المسيِّب وعن الحسن وعن عطاء وعن عمرو بن دينار وعن عامر الشعبي قولَهم إِن من صام شهرين متتابعين ثم أفطر من عذرٍ كمرض أنه يُتمُّ ما بقي ويعتدُّ بما مضى. وهو قول صحيح.
…
وجاء في الموطأ (1/254)[قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول: أحسنُ ما سمعت فيمن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في قتلِ خطأٍ أو تظاهُرٍ فعرض له مرض يغلبه ويقطع عليه صيامه أنه إن صحَّ من مرضه وقوي على الصيام، فليس له أن يؤخِّر ذلك، وهو يبني على ما قد مضى من صيامه، وكذلك المرأة التي يجب عليها الصيام في قتل النفس الخطأ إذا حاضت بين ظهري صيامها أنها إذا طهُرت لا تؤخِّر الصيام، وهي تبني على ما قد صامت، وليس لأحدٍ وجب عليه صيام شهرين متتابعين في كتاب الله أن يفطر إلا من علة: مرضٍ أو حيضةٍ وليس له أن يسافر فيفطر] وهو بيان صحيح.