الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الكتاب
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين وخاتم النّبيّين، محمد وآله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد؛ فإن المكتبة الإسلامية حافلة بالكتب في موضوع السّيرة النّبوية على صاحبها الصلاة والسلام- وإذا استعرضنا اللغات الأكثر تأليفا في هذا الموضوع غير العربية نجد اللغة الأردوية أكثرها تأليفا وأغناها في هذا الموضوع، وهي تحتوي على أقوى وأروع ما كتب في السيرة النبوية في العصر الأخير.
ومن جملة تلك الكتب فيها بالأردوية «سيرة النّبي صلى الله عليه وسلم» للعلامة الباحث المؤرخ الشيخ شبلي النّعماني «1» الّذي بدأ بتأليفه وأكمل جزءين منها إذ عاجلته منيته، فعني بتأليف الأجزاء التالية تلميذه النابغ العبقري العلامة سيد سليمان النّدوي حتى أكمله في سبعة مجلدات ضخمة التي تعتبر اليوم
(1) هو الأستاذ العلامة المؤلف، الباحث المؤرخ العلامة الشيخ شبلي النعماني أحد رجال النهضة الإسلامية وكبار المصلحين في الهند، شارك في تأسيس دار العلوم- ندوة العلماء، وأنشأ دار المصنفين في أعظم كره، كان وثيق الصلة بالعالم الإسلامي ونهضاته السياسية والاجتماعية، توفي سنة 1914 م، ومن مؤلفاته المشهورة بالعربية «انتقاد تاريخ التمدن لزيدان» وبالأردوية «السيرة النبوية» (الجزء الأول والثاني) و «سيرة الفاروق» و «النعمان» ، انظر للاطلاع على ترجمته بكاملها كتاب:«شبلي النعماني علّامة الهند الأديب والمؤرخ الناقد الأريب» للأستاذ محمد أكرم الندوي، طبع دار القلم دمشق، وكتاب المحقق «الإعلام بمن في الهند من الأعلام في القرن العشرين» .
موسوعة في السيرة النبوية بالأردوية، ليس لها نظير في أيّ لغة من لغات العالم الإسلاميّ من أقصاه إلى أقصاه.
وقد فاق العلامة سيّد سليمان في تأليفها أستاذه العلامة النّعماني في الاطلاع على أسرار الشريعة، واستكناه وجوه التعويل، ومعرفة السنة النبوية، واستعراض الوقائع والحوادث استعراضا علميا دقيقا يضيق بنا نطاق المقام هنا عن سرد تفاصيل مواضيعها. يقول راوية العصر، وأمين التراث الإسلامي العلامة الكبير الشيخ محمد زاهد الكوثري مشيدا بهذا الكتاب ومقترحا بترجمته إلى العربية على علماء الأزهر: «
…
كتاب الأستاذ شبلي النّعماني الهندي وتلميذه وزميله الأستاذ سليمان الندوي في تمحيص السيرة النبوية عن الروايات الزائفة- باللغة الهندية في عدّة مجلدات- قد سدّ فراغا كبيرا في فضح دخيلة المستشرقين والردّ عليهم، وقد ترجم إلى اللغة الإنكليزية ثم إلى اللغة التركية، ولو قام بعض رجال الأدب بترجمته إلى اللغة العربية مع إصلاح بعض مواضع أخطأ فيها لكان هذا عملا نافعا يردّ به كيد أمثال البرنس كيتانو الإيطالي «1» ، وغولد زيهير الهنغاري
…
» «2» .
وبعد هذا لا نبالغ إذا قلنا: إنّ صاحب هذا الكتاب الضخم العلّامة سيد سليمان الندوي من كبار المؤلفين في السيرة النبوية لعصره، وقد كان من مزاياه أنه بلغ في توسيع نطاق السيرة النبوية من سرد الأحداث، وبيان الشمائل، ووصف العادات إلى الرسالة المحمدية والتعليمات النّبوية والشريعة الإسلامية، وبحث شعبها المختلفة مبلغا لم يبلغه أحد قبله.
وهذا الكتاب الّذي بين يديك هو مجموعة من ثماني محاضرات للعلامة الندوي التي ألقاها بالأردوية تلبية لدعوة من هيئة التعليم الإسلامي بمدينة
(1) كتابه في تاريخ الإسلام في مجلداته العشر مترجم إلى بعض اللغات الشرقية، وهو كتاب خطير يسعى المؤلف في طياته إلى وصم الإسلام وتاريخه المقدس تحت ستار البحث العلمي.
(2)
مقالات الكوثري، ص 628- 629، طبع المكتبة الأزهرية.
مداراس (الهند) عام 1925 م، تلقي هذه المحاضرات الضوء على جوانب السيرة النبوية المختلفة، وتقدّم إلى القارئ عصارة أمهات كتب السيرة النبوية وما كتب فيها باللّغات الأجنبية، وخلاصة لمجلّدات ضخمة لكتابه «سيرة النبي صلى الله عليه وسلم» يقول فيه فقيد الدّعوة الإسلامية العلّامة السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي:
«
…
فهو من أقوى الكتب في السّيرة وأروعها في جمال التعبير، وبثّ حلاوة الإيمان، وتوثيق الصلة بذات النّبيّ صلى الله عليه وسلم، والكتاب عصارة لمكتبة كاملة في السيرة النبوية، وهو هدية ثمينة لغير المسلمين والمثقفين المسلمين، والباحثين عن الحق للتعريف بالإسلام، ولعرض سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بإيجاز، وأسلوب مقنع مؤثّر
…
» «1» .
وقد طبعت مجموعة هذه المحاضرات للمرة الأولى عام 1925 م باسم «خطبات مداراس» في كتاب مستقلّ، ونال تلقيا كبيرا، وإقبالا عظيما لدى القراء، حتى صدرت له عدّة طبعات في مدّة قصيرة، وسرعان ما صار الكتاب أهمّ مرجع في السيرة بالأردوية، قلما تخلو اليوم منه مكتبة من مكتبات ناطقي اللغة الأردوية، ثم ترجم الكتاب للإنكليزية باسم، Mohammad The Ideal Prophet وكان الإقبال عليه مثل صنوه بالأردوية.
ثم أراد العلامة المؤلف نقله إلى العربية لرغبة ملحة من الإخوة العرب، لكن كثرة المشاغل وضعف الصحة لم يسمحا له بذلك، فتولّى عملية ترجمته إلى العربية تلميذه الشاعر الأديب الأستاذ محمد ناظم النّدوي وأكمله في مدة قصيرة بأسلوب عربيّ أصيل يترقرق في غضونه وثناياه حلاوة وبهاء؛ من حيث لا يشعر القارئ بأنه مترجم من لغة إلى لغة، وتلك مقدرة فائقة يغتبط بها الأستاذ الكريم أي اغتباط، فصدرت له طبعات عديدة في مصر وسورية، ولكنها كانت في حاجة إلى التنقيح والتحقيق وبعض
(1)«شخصيات وكتب» للعلامة أبي الحسن الندوي، ص 56، طبع دار القلم- دمشق.
التعليقات والتراجم التي لا بدّ منها، فأشار عليّ أحد أساتذتي الندويين أن أقوم بهذا العمل، وكانت لهذا الكتاب منّة عظيمة عليّ كونه من باكورة الكتب التي قرأتها في السّيرة في الصغر.
فقمت بهذا العمل ما وسعني فيه من الجهد متهيبا خاشعا أمام جلال الموضوع، ومنزلة العلامة المؤلف، وعلو كعبه، وضلوعه في السيرة النبوية مؤمنا بضالة قدر نفسي، وقلة بضاعتي في علم السيرة النبوية حيث لا أزال طالبا صغيرا في مدرسته الوسيعة، أسأل الله أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يتقبّله تقبلا حسنا، وأن يجعل عملي فيه خالصا لوجهه، إنّه سميع مجيب.
دمشق 14 ذي القعدة 1421 هـ
7 شباط 2001 م
كتبه
المعتز بالله تعالى
عبد الماجد الغوري