الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما شهد به لمحمد صلى الله عليه وسلم أقرب الناس إليه وأعرفهم به:
وإن أم المؤمنين عائشة التي صحبت الرسول تسع سنوات، وكانت أحبّ أزواجه إليه بعد خديجة تقول في وصفه صلى الله عليه وسلم: إنه لم يكن يعيب أحدا، ولا يجزي على السوء بسوء، بل كان يعفو، ويصفح، وكان بعيدا عن السيئات، إنه لم ينتقم من أحد لنفسه، ولم يضرب غلاما، ولا أمة، ولا خادما قطّ، بل لم يضرب حيوانا، ولم يردّ سائلا إلا إذا لم يكن عنده شيء.
وعليّ صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم منذ صباه إلى أن شبّ، فلم يكن أحد من أهل بيته أعلم منه بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، وهو يشهد لرسول الله أنه كان طلق الوجه، ليّن الجانب، خافض الجناح، دمث الأخلاق، رحيما، ولم يكن فظا، ولا جافيا، ولا ينطق بسوء، ولا يتتبع عورات الناس، ولا يتجسّس على عيوبهم، فإن سأله أحد ما لا يرضى؛ سكت، ولم يبد له ما يسخطه، فيفطن من يعلم خلق الرسول ماذا يريد: لأنه لم يكن يحب أن يكسر قلب أحد بل كان يأسر القلوب، ويؤلفها؛ لأنه كان رؤوفا رحيما. فيقول عليّ كرم الله وجهه: إنّه صلى الله عليه وسلم كان كريما، جوادا، وفياضا سخيا، صادق القول، ليّن العريكة، من جالسه أحبّه، ومن رآه بديهة هابه، ويقول عنه ناعته: لم أر مثله قبله، ولا بعده. وقد أبدى (كبّن) المؤرخ الإنكليزي الذائع الصيت هذا الرأي نفسه حين درس سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويشهد هند- ابن خديجة «1» من زوجها الأول، وهو ربيب الرسول في حجره- أنّه صلى الله عليه وسلم كان ليّن الطبع، غير جاف ولا فظ، ولم يكن يسيء إلى أحد، ولا يصدر عنه نيل من شرف أحد، أو غضّ من كرامته، وكان يشكر
(1) هو هند بن أبي هالة، وهو ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمّه أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وكان أبوه حليف بني عبد الدار. واختلف في اسم أبي هالة، كان زوج خديجة رضي الله عنها قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فولدت له هند بن هند، وابن ابن ابنه هند بن هند بن هند. وشهد هند بن أبي هالة بدرا، وقتل مع علي- رضي الله عنه يوم الجمل، روى هند بن أبي هالة حديث صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
الناس على اليسير من عملهم الطيب، ويأكل ما يقدّم له، ولا يعيبه، وما كان يغضب، أو يقتصّ من أحد لنفسه، بيد أنّه إذا انتهك أحد شيئا من محارم الله؛ لم يقم لغضبه شيء (الشمائل)«1» .
(1) أخرج يعقوب بن سفيان الفسوي الحافظ عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: سألت خالي هند بن أبي هالة- وكان وصّافا عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلّق به، فقال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذّب، عظيم الهامة، رجل الشعر، (إن انغرقت عقيقته) فرق، وإلّا فلا، يجاوز شعره شحمة أذنيه (إذا هو وقّره) ، أزهر اللون، واسع الجبين، أزجّ الحواجب، سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدرّه الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمّله أشمّ، كثّ اللحية، أدعج، سهل الخدّين، ضليع الفم، أشنب مفلّج الأسنان، دقيق المسربة، كأنّ عنقه جيد دمية في صفاء الفضّة، معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصّدر، عريض الصّدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرّد، موصول ما بين اللّبّة والسّرّة بشعر يجري كالخط، عاري الثّديين والبطن ممّا سوى ذلك، أشعر الذّراعين، والمنكبين وأعالي الصّدر، طويل الزّندين، رحب الرّاحة، سبط القصب، شثن الكفّين والقدمين، سابل الأطراف، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنها الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفّؤا، ويمشي هونا، ذريع المشية، إذا مشى كأنّما ينحطّ من صبب، وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطّرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جلّ نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسّلام. قلت: صف لي منطقه. قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، لا يتكلّم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، يتكلم بجوامع الكلم، كلامه فصل لا فضول ولا تقصير، دمث، ليس بالجافي ولا المهين، يعظّم النّعمة وإن دقّت، لا يذم منها شيئا ولا يمدحه، ولا يقوم لغضبه- إذا تعرّض للحق- شيء حتى ينتصر له، وفي رواية: لا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعرّض للحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفّه كلّها، وإذا تعجّب قلبها، وإذا تحدّث يصل بها، يضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض، وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جلّ ضحكه التبسّم يفترّه عن مثل حبّ الغمام. (حياة الصحابة، للشيخ يوسف الكاندهلوي، ص 86- 92) ، طبع دار ابن كثير بدمشق. -