الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالله ودود، رؤوف، حنّان بأكثر ممّا في الرجال من الودّ لأولادهم، وما في الأب من الشفقة والرأفة نحو بنيه، وما في الأم من الحنان على أولادها، ومع ذلك فإنه سبحانه ليس بأب ولا أمّ، وهو منزّه، ومقدّس عن كلّ شائبة من شوائب البشرية.
فساد الأديان بسبب فصل الصفات الإلهية عن الذات:
والأمر الثاني الذي أفضى بالأديان القديمة إلى فساد العقائد في معنى التوحيد: مسألة الصفات الإلهية. ومنشأ ذلك أن أتباع الأديان الآخرى قد فصلوا صفات الله عن ذاته، وجعلوها مستقلة عنه، وبذلك تعدّدت الآلهة، وكثرت في جميع الفرق الهندوكية من الدين البرهمي؛ لأنّهم اتخذوا من كلّ صفة إلهية إلها، وجسموا تلك الصفة في صورة أو صاغوها في قالب، ثمّ وسعوا نطاق الشرك، وطبقوه على جميع ما شبّهت به صفات الإله من مختلف التشابيه، ومتنوع التماثيل، وصاغوا هذه الصفات، وما شبهت به في صور وتماثيل وأوثان، وبعد أن كان الله إلها واحدا لا إله غيره، صار لهم ثلاثون وثلاثمئة مليون من الآلهة. وتفصيل ذلك أنهم أرادوا أن يعبّروا عن قوة الله وقدرته، وظاهر أنّ اليد من مظاهر القوة والبطش، فنحتوا لله تعالى يدين قويتين من الحجر، بل سوّلت لهم أنفسهم أن ينحتوا له كثيرا من الأيدي. وحاولوا أن يعبروا عن حكمته البالغة؛ فجعلوا له رأسين، واتخذوا له وثنا ذا رأسين، وإذا تأملنا نحل الهنادك الكثيرة العدد؛ بدا لنا أنّها لم تكثر هذه الكثرة الهائلة، ولم تفترق إلى فرق كثيرة، إلا لأجل تجسيمهم صفات الإله، فإنّ الله عندهم ثلاث صفات عظيمات: الخلق، والقيام على المخلوق، والإماتة، وإن شئت فلك أن تعبّر عن هذه الصفات بالخالقية، والقيومية، والإماتية، وقد جعلت الفرق من الهنادك هذه الصفات الثلاث أشخاصا مستبدين أطلقوا عليهم أسماء:
برهما، ووشنو، وشيو، فبرهما رمز للخالق، ووشنو هو القيّوم، وشيو هو المميت. ونجمت عن ذلك ثلاث نحل: نحلة يعبد أتباعها برهما، ونحلة إلهها وشنو، ونحلة معبودها شيو. وقد انفصل بعض هذه الفرق عن بعض. وهناك فرقة منهم تعبد فروج الرّجل والمرأة؛ لأنهم تمثلوا بها صفة
الخلق، وأرادوا أن يمثلوها بجسم، كما فعلوا في الصفات الآخرى، فهداهم سوء بصيرتهم إلى أن فروج الرّجال والنساء من أكبر الأسباب للخلق في هذا الكون، فاتخذوا لها صورا، وأوثانا، وجعلوا يسجدون لها، ويتقرّبون إليها.
وفي النصرانية صفات إلهية ثلاث: الحياة، والعلم، والإرادة، تمثلوها ذواتا سمّوها الأقانيم الثلاثة: فالأب رمز للحياة، وروح القدس رمز للعلم، والابن رمز للإرادة.
ونجد مثل ذلك في عالم الأصنام عند قدماء المصريين والإغريق والروم، وإنّ محمدا صلى الله عليه وسلم بعث بتنفيذ آراء الأمم في صفات الله، فأظهر خطأ تلك المذاهب، وفسادها، وبين أنّ الله واحد، وأنّ صفاته الكثيرة ليست أشخاصا منفصلة عنه، وأنّ من جعل الله الواحد اثنين أو أكثر مغترا بتعدد أسمائه الحسنى وصفاته العليا؛ فقد ضلّ وغوى، وحاد عن سواء السبيل.
فالقرآن أعلمنا بأنّ الله رَبِّ الْعالَمِينَ [الفاتحة: 2] وأنّ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى [الروم: 27] وأنه نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النور: 35] وكان نصارى العرب يدعون الخالق بالرحمن؛ لاتصافه بالرحمة، أما عامة المشركين فكانوا يدعونه «الله» ونزل القرآن تصديقا لهما قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الإسراء: 110] وفي سورة الشورى فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الشورى: 9] وفيها أيضا:
أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الشورى: 5] وفي سورة الزخرف وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ [الزخرف: 84]، وفي سورة الدخان إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [الدّخان:
6-
8] أما برهما بمعنى الخالق، ووشنو بمعنى القيوم، وشيو بمعنى المميت فمدلول الثلاثة كلّها واحد هو الله الخالق القيوم المميت، والموصوف لا يتعدّد مهما كثرت صفاته فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
[الجاثية:
36-
37] ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ [الحشر: 22]